لا زعامة دينية في الإسلام
من تراب الطريق (940)
لا زعامة دينية في الإسلام
نشر بجريدة المال الثلاثاء 22/9/2020
بقلم: أ. رجائي عطية نقيب المحامين
يلاحظ أستاذنا محمد عبد الله محمد قيام المصطفى ـ عليه الصلاة والسلام ـ بعرض الإسلام على ملوك الروم والفرس والحبشة.. كان أمر الناس آنذاك بيد الملوك، ولم يكن في تلك البلاد جاليات ومراكز عربية يمكن من خلالها بث الدعوة الإسلامية ولو سرًّا.. وهو ما كانت الدعوة المسيحية قد فعلته مستخدمة المراكز اليهودية المنتشرة حول البحر المتوسط .
وكان مقصود الدعوة بالقوة المنظمة كصورة من صور الدعوة الموجهة إلى الملوك والرؤساء والزعماء المعادين للإسلام.. كان مقصودها قهر السلطة المعادية التي تصد دعوة الإسلام كيما يزول سلطانها ونفوذها السيئ الذي تستغله في مقاومة ومصادرة انتشار الإسلام. لم يكن المقصود إجبار أحد على دخول الإسلام، وإنما تحقيق الحرية والمناخ الذى يتيح لمن يريد ـ اعتناق الإسلام عن رغبة حرة .
وما حققته الفتوح الإسلامية كان من هذا السبيل الذى أزال ” حواجز الصد ” من أمام الدعوة الإسلامية، فدخل عديدون في دين الله أفواجا.. وكسبت الدعوة أرواحا وقلوبا استيقظت فطرتها تجاه الإسلام بمشاهدة حال آلاف من المسلمين المخلصين وما تحلوا به من ثبات عماده الصدق والصبر . فلم ينتشر الإسلام بقوة الفتح، فالإسلام لا يسمح بتوجيه أي قوة لقهر الفرد على اعتناق الإسلام: «لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ».
(البقرة 256).. فلا إسلام بلا روح ولا حرية ولا إخلاص ولا ولاء حقيقيا لله، ومن أسلم كرها من المحال أن يحمل أي صفة من هذه الصفات الأساسية للإيمان الذى يعتد به الإسلام .
والإسلام انتشر بالفعل، بمئات الطرق، بعد انطلاقه من بيئته الأولى الحاضنة في الجزيرة العربية، فوصل إلى الصين والهند وجزر المحيط الهندي وإلى بحر قزوين وبحر أورال والبحر الأسود، وإلى أعماق وأطراف أفريقيا وشرقها وغربها، وإلى أوروبا وأمريكا، فضلا عن بلاد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والسودان .
وهذا الانتشار الواسع، وفى بلاد عديدة لم تجر فيها أي فتوحات إسلامية، قد جعل النسيج الإسلامي حافلا بأشكال مختلفة تبعا لطبيعة الشعوب ولغاتها واختلاف ظروفها الاجتماعية والمادية والتاريخية . ولكن هؤلاء الملايين من المسلمين الذين يناهزون الآن بليونين ـ منقادون لله عز وجل، متمسكون بالولاء له ولكتابه المجيد وسنة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يمحو أحد أو يجور على شخصية أحد، وإنما يسانده ويعينه على الاستمرار في الاتجاه إلى الله تبارك وتعالى . وهذا هو التوجه الذي يجب أن تعنى به الدعوات الإسلامية المعاصرة
في القرآن المجيد: ” قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ ” ( الناس 1 ـ 3 ) .. تعالى الحق سبحانه علوا كبيرا عن أن يكون حكرا لشعب أيا كان، أو أن تكون معرفته أو الهداية إليه وعبادته والولاء له ـ امتيازا لشعب أيا كان ..
وهنا يتوقف محمد عبد الله محمد ليورد أنه خلال الأربعة عشر قرنا التي مرت، لم ينجح أي شعب مسلم في أن يتزعم ـ زعامة دينية ـ سائر الشعوب المسلمة الأخرى.. فلا أفضلية لشعب على آخر.. ولا أفضلية لأحد على أحد إلاَّ بالتقوى والعمل الصالح..
الرغبة في الزعامة الدينية لا تتفق ورسالة الإسلام، ولا تصلح معها دعوة الحق .. وما صدق ويصدق على الشعوب، يصدق من باب أولى على ما هو أضيق وأصغر منها من الجماعات والطوائف والمذاهب والأحزاب والفئات .. وهذا أصل من أصول التقريب .