لا أصل للخلافة في الإسلام ! (1)
من تراب الطريق (943)
لا أصل للخلافة في الإسلام ! (1)
نشر بجريدة المال الأحد 27/9/2020
بقلم :أ. رجائي عطية نقيب المحامين
من المعروف أنه بعد عصر الخلفاء الراشدين الأربعة، نشأت دول متوالية، الأموية، ثم العباسية التي تفرعت عنها أو وازتها في عصرها الثاني دول موازية أو تابعة، تسمّت بالخلافة اسمًا، ولكن ممارساتها كانت أبعد ما تكون عن الخلافة الراشدة التي كانت في صدر الإسلام، وعن مبادئ وأحكام الإسلام، وجرت فيها الدماء أنهارًا طلبًا للسلطة أو تكريسًا أو حمايةً لها، وكانت أكثرها إراقة للدماء والبعد عن الإسلام، الدولة التركية العثمانية التي حلا لجميع سلاطينها منذ عهد السلطان سليم الأول أن يتسموا بالخلافة، وبلقب أمير المؤمنين، وجارى هؤلاء وأولاء من ظنوا أن الخلافة أصل من أصول الإسلام، وأنه لا مناص للمسلمين وديارهم من أن تحكمهم دول من الخلفاء !!!
أما المتّسمون بالخلفاء، منذ عهد الدولة الأموية، فقد حسبوا أن الخلافة «المعيبة» التي مارسوها ـ هي صنو لخلافة الراشدين، واتخذوا من هذه الذريعة تكئة للركوب على رقاب الناس
ومع أن ولاية هؤلاء الأربعة الراشدين ، لم تكن ولاية ثيوقراطية يزعم فيها القائم على الأمر أنه ظِل الله في الأرض، يعبر عن إرادته، ويتحدث بحديثه، وقامت تولية كل منهم على البيعة، حتى وإن سبقها تزكية أو اختيار مثلما فعل الصدّيق في شأن تزكية الفاروق، فقد كانت تزكيةً معلقةً على البيعة ، ولم تكن هذه التزكية سندًا بذاتها لولاية الأمر، ما لم تتدعم ـ وقد تدعمت ـ بالبيعة الحرة، ولم يتبن أي من الراشدين الأربعة المفهوم الوراثي لولاية الأمر ، فقد كان أبو بكر من «تيم»، وكان الفاروق عمر بن الخطاب من «بني عدي»، وعثمان من «بني أمية»، وعلىّ من «بني هاشم»، ولم يورث أحدٌ من هؤلاء ولاية الأمر من بعده لأحدٍ من أولاده، ورفض الإمام علىّ حين طعن وأشرف على الوفاة، أن يعهد بولاية الأمر لابنه «الحسن» سبط النبي عليه الصلاة والسلام، ومن قبل علىّ شرط الفاروق لضم ابنه «عبد الله بن عمر» لمجلس الشورى ، ألاَّ يكون له من الأمر شيء، وأن وجوده لمحض إبداء الرأي والترجيح إذا تساوى عدد الأصوات بين الستة . كما أن ولاية كل من هؤلاء الأربعة قامت على الشورى، فكان كل منهم يشاور ما وسعته المشاورة والاستفادة بأصحاب الرأي، ولم يقم أي منهم بإراقة الدماء توطيدًا لسلطان أو ركوبًا على رقاب الناس، وقد رأينا الصديق يبدأ ولايته قائلاً: «أما بعد، فإني وليت أمركم ولست بخيركم.. إنما أنا متبع ولست بمبتدع، فإنْ أنا أحسنت فأعينوني، وإنْ أنا زغت فقوموني» . وفى أولى خطبه للصلاة الجامعة، قال مما قال: «لوددت أن هذا الأمر كفانيه غيري، ولئن أخذتموني بسنة نبيكم لا أطيقها، إنه صلى الله عليه وسلم كان معصومًا من الشيطان، وكان ينزل عليه الوحى من السماء» .
ورأينا عمر بن الخطاب يقول بعد مبايعته «اقرءوا القرآن تُعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزينوا يوم العرض الأكبر يوم تعرضون على الله لا تخفى منكم خافية، إنه لم يبلغ حق ذي حق أن يطاع في معصية الله (فلا طاعة في معصية)، ألا وإني نزلت نفسى من مال الله . بمنزلة ولى اليتيم، إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف» . وروى عنه عليه الرضوان أنه كان يقول: «لو علمت أن أحدًا أقوى على هذا الأمر منى ـ لكان أن أُقَدَّم فتضرب عنقي أحب إلىّ من أن أليه ـ أي أتولى عليه» .