كيف نعزز اللغة العربية القانونية ؟(ميثاق لغة القانون)(1) 

الدكتور / محمد عبد الكريم أحمد الحسيني

لِسانُ ميزانِ العدالة بلا مُنازع هو “لغةُ القانون” ، ليست فضْلةً ولا فُضالة ، ليست نفلًا ولا كُمالة ، بل هي جوهر ومظهر، شكل ومخبر، بناء وتكوين، إنها  علامة فارقة في حياة كل قانوني، قاضيا كان أو مشرعا ، وكيل نيابة أو محاميا ،أستاذا جامعيا أو خبيرا قضائيا … إنها لغة القانون يا سادة!!

ما أروع ما ذكرته محكمة النقض …!! إنها كلمات من ذهب خطتها أعلى هيئة قضائية ، في تعليقها على  ما أورده المشرع الدستوري والمشرع العادي لنصوص عدة  تختص  باللغة العربية في الدستور والتشريعات  قالت :” يدلُّ على أن المشرع عَدَّ اللغة العربية من السِّمات الجوهرية والمقومات الأساسية التي ينهض عليها نظام الدولة، مما يوجب على الجماعة بأسرها حكومة وشعبا بحسب الأصل الالتزام بها دون أيه لغة أخرى كوسيلة للخطاب والتعبير في جميع المعاملات وشتى المجالات على اختلافها”.[محكمة النقض، الطعن 2333 لسنة 59 ق جلسة 16 / 1 / 1994 مكتب فني 45 ج 1 ق 34 ص 158 ]

وهكذا تعدُّ اللغة العربية القانونية مقوِّما رئيسا من مقومات الدولة الوطنية المعاصرة ، كما أنها وسيلةُ سلطات الدولة الثلاث: ( التشريعية، القضائية، الإدارية ) وأداة قانونيِّيها في تقرير الحقوق وتثبيت المراكز وتحقيق العدالة وبسط جنابها.

وقولا واحدا فصلا أن: تعزيز هذه اللغة العربية القانونية وتدعيمها إنما هو في حقيقته (تعزيزٌ للنِّظام القانوني للدولة القانونية المعاصرة، وتحقيقٌ لغايات المُشرِّع – من تشريعاته – في الوفاءِ بالعدالة الناجزة وبسطِ سُلطانها، وتثبيتِ الحقوق، واستقرارِ المراكز القانونية، ، وضمانِ أمن المجتمع ورفاهه) .

والضدُّ بالضدِّ يكونُ … وحاصله – لا قدر الله – أنه: بإهمال هذه القانونية الشريفة (اللغة العربية القانونية) يسقطُ اعتبارُها ، ويضعفُ الاهتمام بها ، وتحلُّ مكانها لغاتٌ ظاهرُها التماسك … غير أن بنيتها مخلخلة… وتركيباتها متنافرة… ودلالتها مشوبة باللبس والغموض وافتقاد الدقة والوضوح …!!! وهو ما يعني سريان تلك السمات ذات العوار اللُّغوي على مصوغات تلك اللغة من التشريعات والأحكام والتعاقدات وسائر الأعمال القانونية الكتابية والشفاهية ….!!

بما يتسبب في ضعف النصوص وركاكتها، وفي تسرب الثغرات إليها، وحلول التأويلات والتخريجات غير الصحيحة عليها … بل خلخلة النظام القانوني العام للدولة، واضطراب الحقوق وتذبذب المراكز ونشوب الصراع المكتوم أو الظاهر ما بين القانونيين في التفسير والتأويل والتوجيه لمفادات تلك اللغة الركيكة وتراكيبها ذات العوار …. وهو ما يعني انتفاء العدالة الناجزة ، وتكدس المحاكم بالقضايا ، والنيابات بتلال من التحقيقات والشكايا … وهذا نذير شؤم على النظام القانوني ؛ لا ….بل على النظام السياسي للدولة وعلى أمنيها المجتمعي والقومي …!!!! نسأل الله السلامة لأوطاننا والعافية لشعوبنا ….! .

كما أن التقصير في الاهتمام بهذه اللغة العربية القانونية يُعدُّ تفريطا في مكتسباتها الدستورية التي نصت عليها دساتير الدول العربية أجمع من أن (لغتها الرسمية هي اللغة العربية )، وما نصت عليها تشريعاتها من أن ( لغة المحاكم والتقاضي إنما هي اللغة العربية القانونية) وهي تستمد أصولها وسائر مواردها من اللغة العربية الفصحى .

وبملاحظة الواقع العربي – كذلك – نجد أنه:

1-لا يوجد مقرَّرٌ منهجي في أيٍّ من دوله العربية يُعنى بمهارات هذه اللغة العربية القانونية ويتوخى تقريبها للسادة القانونيين .

2- لا توجد وثيقة واحدة تنبه على مكانة هذه اللغة العربية القانونية الشريفة وتنوِّه بأهميتها، وتوجِّه نحو احترام مُوجباتها .

3- يضاف إلى ما سبق أيضا أنه بملاحظة المدونات القيمية السلوكية المتعلقة بالسادة القانونيين في كافة الدول العربية وقفنا على عدم وجود نصٍّ ، ولا حتى أقلَّ من نص مستقلٍّ يشيرُ إلى هذه اللغة ويُشيد بأهميتها في سلوكيات القانونيين المهنية ، أو يضعها ضمن باقي السمات التي يتوجب عليهم التحلي بها والالتزام بهيئتها ومقتضاها ، مثل الزي الرسمي على سبيل المثال …!!!!

ولما سبق جميعا تأتي هذه المبادرة الماثلة في تلكم الأوراق؛ لطرح مجموعة مبادئ قيمية، وقواعد مهنية سلوكية تتعلق باللغة العربية القانونية بغية تدارسها والتناقش حولها؛ وصولا إلى استلهام المناسب منها في وضع ميثاق عربي قيمي أسميناه :” ميثاق اللغة العربية القانونية ” أو(ميثاق لغة القانون)، أو ( الميثاق العربي للغة القانون) يتعلق موضوعه باحترام لغة القانون وتعزيزها في مؤسسات الدولة عامة ومؤسساتها القانونية خاصة وتوطينها بين السادة القانونيين.

وليكون ميثاقا عربيا شاملا جامعا تحترمه كافة الدول العربية، وتضعه مؤسساتها القانونية موضع التنفيذ في أنظمتها وتحث عليه منتسبيها وذويها ، وليكون رافد ومعينا يُستمدُّ في صناعة “مدونة سلوكية مهنية ” عربية جامعة ، تضبط السلوك المهني للقانونيين العرب إزاء لغتهم القانونية. ومرجعا قيميا يمكن الاستفادة منه في وضع مدونات قانونية وطنية تتعلق بكل دولة على حدة لإرشاد قانونييها وتوجبه سلوكياتهم نحو احترام وتقدير لغة القانون.

وعناصر هذه المسودة هي حزمة متنوعة من المبادئ والقواعد والقيم والمعاني تتعلق بحضور اللغة اللغة العربية القانونية ووجوب احترامها وتقديرها والحث على العناية بها ورعايتها والتشجيع على التمهر بها وعلى توظيفها في الأعمال القانونية سواء المكاتيب أو تلك الأعمال الخطابية …

وهي عبارة عن نسقيات قيمية سلوكية وضوابط وتوجيهات وإرشادات ( معرفية وجدانية ومهارية ) لإرشاد وتوجيه المؤسسات القانونية عموما وآحاد القانونيين خصوصا حول اللغة العربية القانونية وواجباتهم إزاءها وما ينبغي أن تكون عليه مساراتهم نحوها . نعرضها لمناقشتها والتباحث حولها لغاية التوافق على أصلحها وأنسبها .

للخلوص عنها إلى ضوابط قيمية مهنية ، ومعايير سلوكية وظيفية ، وإرشادات عامة وتوجيهات معنوية ، تكفل للغة العربية القانونية احترامها واعتبارها ، وتعمل على توطينها في الأعمال القانونية إضافة إلى ما يمكن لهذه المؤسسات الاستعانة به من ضوابط ومعايير في وضع مدوناتهم المهنية السلوكية لأعضائها ومنتسبيها .

ومما سبق يمكن لنا حصر أطراف هذا الميثاق وعناصره وهم :

الطرف الأول : مجموع الدول العربية ممثلة في سلطاتها الثلاثة ، السلطة التشريعية ، والسلطة التنفيذية ، والسلطة الإدارية (السلطة العامة) .

الطرف الثاني : المؤسسات والكيانات الاعتبارية (القانونية والعدلية )

بما في ذلك وزرات العدل ونوادي القضاة والمكاتب الفنية للمحاكم والمراكز القومية المعنية بالقضايا القومية ذات الصلة المباشرة بالقانون ، والنقابات والهيئات والجمعيات القانونية في سائر القطر العربي .

الطرف الثالث السادة القانونيون ، على تعدد جماعاتهم وتنوع اختصاصاتهم :

1-المشرعون (السادة النواب أعضاء البرلمانات ومجالس الشعب والأمة والشورى…)

2-السادة رجالات السلطة التنفيذية والموظفون العموم وأعضاء الشخصيات الدولية العربية (جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنطمة التعاون الإسلامي في أعمالها العربية …وسائر الكيانات الاعتبارية الدولية العربية …) .

3-السادة القضاة أعضاء الجهات الفضائية، ومعهم السادة أعضاء الهيئات القضائية (من النيابات وغيرهم)

4-السادة أساتذة القانون وفقهاؤه وشراحه .

5- السادة المحامون ( سلطة الدفاع )

6-السادة مأمورو الصبط القضائي ورجال السلطة العامة .

7-السادة الخبراء على تعددهم وتنوعهم ( شهر عقاري – طب شرعي – ….وغيرهم )

8- السادة المساعدون ( أقلام الكتاب والمحضرين وسائر الكتبة والمساعد والأمناء …).

الطرف الرابع :جميع المعنيين باللغة العربية القانونية

وهم السادة ذوو العلاقة باللغة العربية القانونية – ممن لا يدخلون مباشرة ضمن القانونيين سابقي الذكر – على تنوعهم : المحاسبون القانونيون ، المتحدثون في المحافل الوطنية والقومية ، أساتذة الجامعات المعنيون بلغة القانون مثل أساتذة اللغة العربية كافة، وأساتذة العلوم السياسية وأساتذة الشريعة والأصول ،وأساتذة الإعلام والمحاسبة …وغيرهم ، إضافة إلى سائر الجهات والأفراد المعنيين كذلك بالقانون وبلعته، إضافة إلى مؤسساتهم وكيانتهم الاعتبارية .

الإطار الاستراتيجي لميثاق لغة القانون :

أولا: غاية الميثاق

غاية هذا الميثاق هي :

وضع إطار قيمي (للغة العربية القانونية) يفرض وجودها ويدعم احترامها لدى المؤسسات القانونية العربية ومنتسبيها[1].

 

ثانيا : أهداف الميثاق :

1-وضع إطار معنوي قيمي للغة العربية القانونية متفق عليه بين كافة الدول العربية .

2-إرشاد المؤسسات القانونية ومنتسبيها وتوجيههم نحو توطين اللغة العربية القانونية في أعمالهم القانونية ( الكتابية والشفاهية ) .

3- التشجيع على الاهتمام العربي القانوني باللغة العربية القانونية، والاعتداد بها في المحافل العربية والدولية .

ثالثا : رؤية الميثاق

التمكين للغة القانون على المستوى العربي، وفرض وجودها على المستوى الدولي.

شرح :(التمكين للغة القانون على المستوى العربي من خلال استقلالها بالبحث والدرس في المؤسسات والمعاهد البحثية ،واستقلالها بمؤسسات وكيانات لرعايتها وتطويرها ) ،وفرض وجودها على المستوى الدولي ( من خلال التقدير اللائق لها على المستوى العالمي، وجعلها ضمن لغات المؤسسات الدولية القانونية في التعاقدات والقوانيين الدولية في كما اللغة الإنجليزية وغيرها )

رابعا : رسالة الميثاق

رد الاعتبار إلى اللغة العربية القانونية وتوجيه وإرشاد المؤسسات العربية القانونية إلى وجوب اعتبارها ضمن معاييرها في الجودة والممارسة وفي تولي المناصب والوظائف القانونية عموما والقضائية خصوصا .

[1] تدعيم اعتبار اللغة العربية القانونية، وفرض وجودها، وتعزيز احترامها لدى المؤسسات القانونيةالعربية ومنتسبيها.

زر الذهاب إلى الأعلى