كيف نخطط للعام الجديد؟!
بقلم: الأستاذ/ يوسف نور الدين
“أتمنى أن أملك الكثير من المال, أود العمل في تلك الشركة, يا ليت الله يستجيب لي دعائي بأن أحصل على تلك المنحة, أتمنى أن يكون اسمي ضمن حركة الترقية القادمة, أتمنى أن أكون انسان ناجحاً”
تلك الأحلام و هذه الرغبات التي تسيطر على عقول و قلوب الأغلبية العظمى من الناس في بداية العام الجديد و إن كانت مشروعة إلا أنها لا تخدم إلا جانب واحد في حياتنا وهو الجانب المهني, وفي نهاية الطريق وبعد أن تحق كل ما تحلم به و تسعى إليه – وأنا أومن أننا جميعا نستطيع – سينظر كلا منا خلفه وحينها , لن يتملكنا إلا إحساس الحزن والحسرة على ما قمنا بالتضحية به في سبيل تحقيق تلك الأهداف, و قد تكون الضحية هي الاسرة أو الصحة أو علاقتنا بخالقنا أوحدوث السيناريو الأصعب على الاطلاق وهو التضحة بجميع ما سبق, وذلك إن لم يكن قد حدث بالفعل مع الكثير منا, وهذا ما لا أتمناه.
ولعله جال بخاطر أحدكم السؤال المنطقي بعد قراءة تلك السطور وهو ما العمل؟
ماذا أفعل كي لا أقوم بتلك التضحيات؟
قبل الإجابة على هذا السؤال وهو موضوع هذا المقال ومقصده, دعني أقول لك ما قاله (ساندرا بيتشاي) الرئيس التنفيذي لشركة (جوجل) محرك البحث الأشهر والأكبر على الانترنت في العالم, في خطابه لبعض الخريجين الجدد والذي لم يتجاوز ذلك الخطاب ستون ثانية, حيث قال
“ تخيل الحياة لعبة من 5 كرات تتلاعب بها في الهواء محاولاً ألا تقع.. هذه الكرات أحدها مطاطية والباقي من الزجاج. الكرات الخمس هي: العمل، العائلة، الصحة، الأصدقاء، الروح, ولن يطول بك الحال قبل أن تدرك أن (العمل) عبارة عن كرة مطاطية كلما وقعت قفزت مرة أخرى، بينما الكرات الأخرى_ روحك والعائلة والصحة والأصدقاك مصنوعة من زجاج، إذا سقطت إحداها فلن تعود إلى سابق عهدها. وستصبح إما معطوبة، أو مجروحة، أومشروخة، أوحتى متناثرة»
أنا على يقين أنكم تأثرتم بتلك الكلمات و خاصة الذي يقرأها منكم لأول مرة كما تأثرت أنا بها, و معي لم يتوقف الأمر على مجرد التأثير بل مر أمام عيني شريط حافل بالذكريات والاحداث و خاصة المتعلق منها بالعمل وتذكرت كم التضحيات التي قمت بها من أجل العمل على حساب جوانب كثيرة من حياتي الشخصية وتلك الأمثلة والاحداث أو بمعنى أدق تلك التضحيات في حياة كلاً منا لن نستطيع حصرها, لأنها ما زالت تحدث ومازلنا نقدمها حتى تاريخ كتابتي لتلك السطور وتاريخ قراءتكم لها, فالحياة وإن أضحت أكثر تعقيداً وتزايدت بها الضغوط والمطالب وإرتفع بها مستوى الطموح والرغبات والتحديات ومعهم الازمات وأصبحت بلا شك حياة مرهقة على الناس عامة, فنحن معشر المحامين بصفة خاصة تتضاعف في حياتنا مصادر الإرهاق ومنافذ الازمات, حيث أننا لا يثقل كاهلنا همومنا الشخصية بل نشارك الناس همومها ومشكلاتها وأحزانها وأيضا أفراحها وطموحها وانجازتها واخفاقتها؛ حتى أصبح وقتنا مسخر لهم وأول ما نضحي به هي حياتنا بكل مشتملاتها, إلى أن ينتهي بنا المطاف وأصبحنا نفتقر الى التوازن في جنبا الحياة و عناصرها.
و التوازن زملائي الأعزاء هو إجابة السؤال الذي أشرت اليه عاليه, و التوازن في الحياة هو الغاية الذي كان يحث(ساندرا بيتشاي) الخريجين الجدد عليه من خلال خطابه و نُصحهم بعدم الانغماس في دهاليز العالم الحديث بتفاصيله المتشعبة و تطوراته فائقة السرعة, و تعالوا سويا نعلم ماهية عناصر ذلك التوازن و كيفية الارتقاء بمستوى كل عنصر منهم.
قام ( بول ماير – PAUL J. MEYER ) أحد أكبر و انجح رجال الاعمال الامريكية و الذي يمتلك العديد من المؤلفات في علم الإدارة والتنمية الذاتية و من اشهراها كتاب ( UNLOCKING YOUR LEGACY)
و كتاب (THE 5 PILLARS OF LEADERSSHIP ) قام بابتكار ما يطلق عليه (عنفة الحياة) أو (دائرة الحياة) و اهو الشكل الموضح بالصورة التالية
ومن خلال تلك الدائرة قام (بول ماير) بتجسيد الجوانب الأساسية الي تمثل حركة حياتنا, و الذي أنوي بعون الله أن أساعدكم من خلال هذا المقال بإحداث التوازن بتلك الجوانب ال 6 لأننا عن عمد أو بدون نهتم بجانب واحد أو إثنين و نقصر في باقي الجوانب, و هنا تكمن المشكلة فليس العمل و المتمثل في الجانب المهني و الذي من أجله نضحي ببقية الجوانب هو الجانب الذي يحافظ على استمرار محرك حياتنا و يشعرنا في نهاية الطريق بالتوازن او راحة البال أو الفخر او السعادة.
و لكن الحقيقة هي ان تحقيق التوازن بين كافة الجوانب تلك هي اكبر و اعظم انجاز يجب ان تقوم به و تحققه في حياتك و الذي يجب ان تضع خطة لتحقيقه و نحن في بداية العام الجديد, ساقوم بعرض و توضيح كل جانب منهم و كيفية الارتقاء به و نموه.
و نبدأ بالجانب الديني / الروحاني.
على الرغم من انه أهم جانب و اعظم عنصر الا اننا لا نوليه حقه و قدره في الاهتمام و العناية و الالتزام, نحن جميعاً نؤمن اننا مهما بلغ التزامنا و ايماننا بالمولى عز و جل لن نعبده حق عبادته ولن نشكره حق شكره و نحيا على أمل أن يشملنا بنظرة عطف منه ورحمة, الا اننا في الحقيقة مقصرون في حقه ايما تقصير.
و فيما يتعلق بهذا الجانب لن اكتب الا ما يتسع له المقام و يرتبط بهذا المقال و خير ما استعين به لايضاح الفكرة و توصيل العبرة هي آيات من الذكر الحكيم من سورة (طه) بسم الله الرحمين الرحيم “ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً و نحشره يوم القيامة أعمى(124) قال ربِ لم حشرتني أعمى و قد كنت بصيراً(125) قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها و كذلك اليوم تنسى(126)”
تلك الآيات لخصت الفعل والنتيجة.
استحضروا زملائي الأعزاء في اذهانكم الآن الاعذار التي لا حصر لها لتبرير نسياننا لذكر الله سواء في فريضة تم تاجيلها لحين العودة الى مكتبنا أو قيم عطلناها بحجة مواكبة مفردات العصر الحديث فأصبح لا مكان للأمانة ولا الصدق و لا السماحة ولا المروءة و لا النزاهة ولا العفو و لا الحياء و لا الضمير, وكان هذا هو الفعل.
أما النتيجة فهي بكل بساطة كل أمراض القلوب التي نشعر بها و المشاعر و الأفكار السلبية و التي أصبحت تتحكم في عقولنا من احباط و يأس و اكتئاب و تشاؤم و سوء الظن بالله وتاخر في الرزق و فقدان البركة في كل امورنا و ابتلاءات كثيرة يذكرنا الله من خلالها به لندعوه فيردنا اليه رداً جميلاً إن شاء .
و سأختم هذا الجانب كما سأختم كل جانب من ال6 ببعض الخطوات الارشادية التي تعينكم على الارتقاء و تحسين كلاً منهم, وهنا سأختم بنصيحة لكم و دعوة اليكم.
أنصحكم زملائي الأعزاء ليس و نحن في بداية عام جديد بل في كل لحظة و ساعة و يوم جديد يقبل علينا أن نحسن الظن بالله , إياكم ثم اياكم و سوء الظن بالله.
أحسنوا الظن بالله بأنه سيوسع أرزاقكم و سيستجيب دعائكم و سيحقق جميع آمالكم التي ترجون تحقيقها كل يوم و كل لحظة
فالمولى جل شأنه و تبارك اسمه قال (أنا ظن عبدي بي, و أنا معه إذا ذكرني)
و قال تبارك و تعالى للقوم الذين يسيئون الظن به ( و ذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم فأصبحتم من الخاسرين) سورة (فُصلت).
و ورد في كتاب (التذكرة – للإمام القرطبي) حديث عن النبي صلى الله عليه و سلم ناصحاً أمته بحسن الظن بالله فيقول ( لا يموتن أحدكم إلا و هو يحسن الظن بالله) (أخرجه البخاري)
فوالله لقد بلغ حب الله لنا أنه لم يجعل بيننا و بينه أي واسطة في الدعاء و تدبروا معي زملائي الأعزاء تلك الآيات
(و يسألونك عن الجبال (فقل) ينسفها ربي نسفاً)
(ويسألونك عن الروح (قل) الروح من أمر ربي)
(يسألونك عن الساعة أيان مرساها (قل) إنما علمها عند ربي)
ففي تلك الآيات يأمر الله النبي بأن يجيب عن الأسئلة و يقول له (قل) لهم, إلا في الامر المتعلق بالقرب و الدعاء الى الله فلم يجعل الله بيننا و بينه أي واسطة فقال تبارك اسمه ( و اذا سألك عبادي عني (فإني) قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ)
فلا تأيسوا من روح الله و أسألوه من دائماً من واسع فضله و كرمه.
أما الدعوة فانا أدعوكم و نفسي و أذكركم و نفسي أن نكون كما يريد ربنا ( رجال لاتلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله) , فلا تنسى الله حتى لا ينساك.
ثانيا الجانب الصحي
بداية اليكم تلك القصة زملائي الأعزاء, في بداية أيامي في مهنة المحاماة تلقى صاحب المكتب الذي كنت أعمل معه اتصالاً هاتفياً من زوجة أحد زملاءه المحامين تطلب منه النجدة لتعرض زوجها لأزمة قلبية و على أثرها نُقل الى المستشفى قام استاذي على الفور بتغيير مسار السيارة و توجه مسرعاً الى المستشفى لنجدة زميله, و عند وصولنا تبين لنا أن سبب تلك الازمة القلبية هي عادة شرب السجائر و تفاصيل الحياة التي انهكت قلبه و عقله حيث كانت التبعات النفسية لتلك الحالة هي التوتر الدائم و القلق المصاحب له بشكل مستمر لرغبته في الاطمئنان على حركة سير العمل و المشكلات التي يجب أن يجد لها حلول و الاحكام التي ينتظر صدورها و الذي يتمنى – كحالنا جميعا – أن تصدر كما يريد , ناهيك عن الانغماس بشكل مفرط في أعباء الحياة و ظروفها الصعبة و ضغوطها المستمرة, و كل ذلك قاده الى لحظة انفعال جعلته طريح الفراش على سرير في المشفى لا يعلم ان كان سيعود الى الحياة لنا و لعائلته أم لا.
و على الفور بدأنا نتولى مهام عمله قام أستاذي بتوزيع القضايا الخاصة بزميله علينا حتى أتم الله شفاءه بخير و عاد الى اسرته بعد تلك المحنة سالماً بفضل الله.
هنا, ومنذ تلك اللحظة تغير مفهومي نحو مصطلح (الصحة) و أهميتها البالغة في حياة المحامي بشكل خاص, و أدركت أننا كمحامون أن الصحة هي راس مالنا حتى قبل العلم و المعرفة.
القصة التي قمت بسردها ليست غريبة على اياً منكم, فأنا على يقين أنها تحدث أمامكم كل يوم, أجل إنها تحدث للمحامي و غير لمحامي, ولكن ما يزيد و طئتها و شدتها و خطرها هي المسئولية التي نحملها فوق اكتافنا و التي في الكثير من الأحيان لا ينفع تفويضها الى غيرنا بل يجب ان نقوم بها بانفسنا سواء لخطورتها او لان تفصيلاتها و خطة عملها داخل اذهاننا نحن, فبدون صحتنا لن نتمكن من انجاز تلك المهام أو القيام بتلك الاعمال, بغ النظر عن تقدير الموكلين لظروفنا من عدمه.
فنحن نحتاج لصحتنا سليمة و جيدة حتى نقدر على الانتقال من محكمة لآخرى ومن جهة حكومية لآخرى, ونحتاجها لنقدر على الصعود إلى الأدوار العالية بمبنى مكتب الخبراء بمنطقة العباسية أو بمحكمة جنوب أو شمال القاهرة أو الجلاء أو شبرا الخيمة و تتعدد أسماء المحاكم و المعاناة واحدة.
و لهذا يجب علينا في بداية هذا العام الجديد أن تقدم وعدلصحتك النفسية قبل البدنية أن تحافظ عليها هذا العام و كل عام و إليكم بعض النصائح و الارشادات:
أولاً فيما يتعلق بالصحة البدنية
علينا أولاً أن نمارس الأنشطة الرياضية والبدنية و المداومة عليها لما لها من عظيم الأثر على صحة العقل و سلامة القلب و الجسم.
فكما ورد بتقرير (منظمة الصحة العالمية) أن مداومة الأنشطة البدنية يجنب العالم 5 ملايين حالة وفاة سنوياً, و يزداد خطر الوفاة بنسبة تترواح بين 20% و 30% لدى الأشخاص الذين لا يمارسون النشاط البدني بالقدر الكافي مقارنة بالاشخاص الرياضيين, ولذلك أوصت منظمة الصحة العالمية أن البالغون الذين تتراوح أعمارهم بين ال 18 و ال 70 عاما ينبغي لهم مزاولة النشاط الرياضي لمدة 150 دقيقة على الأقل على مدار الأسبوع و من يداوم على مزاولة الأنشطة البدنية ينعكس عليه بالفائدة في كافة أعضاء جسده, حيث من اهم فوائد الرياضة :
1-الوقاية من السكتات الدماغية
2-الوقاية من أنواع عديدة من السرطانات
3- التقليل الكبير من مشكلات التهاب المفاصل
4- الوقاية من حالات ارتفاع ضغط الدم
5-تعزيز قدرات الذاكرة و تقويتها بشكل هائل
6- للرياضة مفعول السحر في تحسين الحالة المزاجية و علاج الاكتئاب
و الكثير الكثير من الفوائد التي لا تعد و لا تحصى, و هنا أنا لا أطلب منكم الاشتراك ف احدى الصلالات الرياضية, الرياضة يمكن مزاولتها في المنزل أيضا من خلال تمارين بسيطة أو ممارسة رياضة المشي لمدة ساعة او نصف ساعة يوميا او في الوقت الذي يستطيع كلاً منكم تخصيصه.
ثانياً يجب علي الجميع اتباع نظام غذائي سليم.
أيا كانت قراراتك بمناسبة العام الجديد فعليك أن تضيف إليها مع مداومة ممارسة الرياضة و الانشطة البدنية هو اتباع نظام غذائي صحي, فلما نأكله تأثير كبير على صحتنا و أجسامنا و نسبة تعرضنا لمشاكل صحية في مراحلنا العمرية و الحلية و المستقبلية سواء تعلق بأمراض لبية أو داء السكري و غيرهم من الامراض وقانا الله واياكم منهم جميعاً.
و في ايجاز أوصت منظمة الصحة العالمية بأهم النصائح التي يجب إتباعها للتمتع بصحة جيدة, وهم:
1-تناول الأطعمة المفيدة و المتنوعة الخالية من الدهون و الاكثار من الخضروات الفاكهة
2- تقليص كمية الملح في جميع أكلاتنا
3-تقليل استعمال الدهون و الزيوت لما لها من أثر كبير في الإصابة بأمراض القلب بنسبة 30%
4- تقليل استعمال السكر قدر المستطاع,
ثانيا و فيما يتعلق بالصحة النفسية
في عصرنا الحالي أصبحت الضغوط النفسية والصعوبات الاقتصادية تحاوطنا من كل جانب و نحن يزيد علينا مشاكل موكلينا, و حتى نحمي جدار روحنا من كافة تلك المشاعر السلبية و التحديات النفسية يجب أن نفصل حياتنا المهنية عن حياتنا الشخصية و المداومة على ممارسة بعض العادات اليومية التي ستعزز الشعور الإيجابي و التفكير السليم و نمط الحياة الصحي لأرواحنا, فنحن نتاج مشاعرنا , فالمشاعر و الأفكار هي التي تسيطر على قراراتنا و بالتالي على حياتنا, و حتى نحافظ على صحتنا النفسية إليك بعض النصائح:
أولاً يجب أن تراقب أفكارك
قال الشاعر الإنجليزي (إدموند سبنسر) ” العقل هو من يجعلك سليماً أو مريضاً تعيساً أو سعيداً, غنياً أو فقيراً) لذلك عليك أن تحاوط عقلك دائماً بالافكار الإيجابية لأن مصيرك و حياتك متوقف على تلك الأفكار.
ثانياً القراءة
القارءة من أعظم الوسائل التي تعمل على تحسين حالتك المزاجية و تعزيز تفكيرك الإيجابي بل و الأعظم من ذلك فهي أفضل علاج لتنشيط الذاكرة كما ورد بالكثير من الطبية و العلمية و منها التقريرالصادر من جامعة (ميتشجان الامريكية) و لكن عليك أن تختار جيداً ماذا تقرأ لأن من شأن طبيعة المعلومات أو نوعية الكتب التي تقرأها التأثير على عقلك و بالتالي حالتك النفسية ككل.
ثالثاً الايماءات النفسية.
يجب أن تعزز حالتك النفسية دائماً بالايماءات الإيجابية و ليس السلبية بأن تقول لنفسك دائماً ( أنا قادر على النجاح , أنا قادر على انجاز المهام الموكلة الي, انا قادر على تغيير حياتي للافضل)
لن يستطيع أحد أن يعطيك الدعم و الثقة إلا اذا منحتهم لنفسك و كان ايمانك بنفسك و قدراتك كبير.
رابعاً يجب أن تحاوط نفسك نفسك دائما بالشخاص الذين تحبهم و تجد الراحة و السعادة معهم و أن تتردد دائماً على الأماكن التي تسعد روحك بزيارتها و الجلوس فيها, و خاصة الأماكن التي لك بها ذكريات سعيدة, أو القيام بأي نشاط تحبه و يساعدك على تحسين حالتك النفسية و تعزيز شعورك الإيجابي سواء كان ذلك النشاط لعبة معينة او الرياضة او القيام بالاعمال الخيرية من خلال الاشتراك في الأنشطة التطوعية و مساعدة الاخرين.
و أخيراً و ليس آخراً إن أردت أن تهنأ بحياة متوازنة و سليمة عليك ألا تُقصر بالجانب الصحي أبداً, فكثيرا ما يقول لي الشباب و الشيوخ أيضا أن في الكثير من الأحيان يشعرون بالحزن عندما يشاهدون من نوافذ السيارة أو في أي مكان اخر أشخاص يمارسون الرياضة امامهم سواء الجري او المشي او ركوب الدراجات و يقولون لأنفسهم “ياليتني أستطيع أن افعل مثلهم”, و المشكلة أنهم يستطيعون.
ثالثاً الجانب الاجتماعي
نحن بحكم مهنتنا نحظى بعلاقات إجتماعية كثيرة و لكن و على الرغم من تلك الكثرة إلا أن الفرد منا يجد نفسه في أغلب الأوقات حزيناً أو غير راضياً عن علاقاته الاجتماعية و لا يمضي الكثير من الوقت حتى يكتشف أن تلك الكثرة زائفة, و أن تلك العلاقات ليست ناجحة لإفتقادها أهم عناصر نجاحها و هي الصدق و الإخلاص, و لذلك أوجز هذا الجانب في 3 نقاط هامة ستعيد مفهومك في الجانب الاجتماعي الخاص بك و سيعينك الاهتمام بتلك النقاط إلى تحسين هذا الجانب من حياتك و بالتالي التوازن بها.
النقطة الأولى هي الاهتمام ب (صلة الرحم)
إن كان هناك من بينك و بينه ققطيعة أو خصام من أقاربك أياً كانت درجتهم و على رأسهم الاب و الام, أو لم تكن قطيعة بل إنقطع التواصل فقط لإنشغاك بظروف عملك و دنياك, أدعوك أن تعيد حساباتك في ذلك لما لهذه الصلة و تلك الرابطة من الأهمية بما كان عند الله و رسوله و لما من الفائدة لك و لحياتك في كافة جوانبها حيث قال تعالى ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم, أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم و أعمى أبصارهم) سورة (محمد)
و قال الحبيب المصطفى ( من كان يؤمن بالله و اليوم الأخر فليصل رحمه)
و قال أيضاً (من سره أن يبسط له الرزق و أن ينسأ له في أثره فليصل رحمه)
فحفاظك على صلة الرحم جزاءها الايمان بالله و البركة و الرزق الواسع في دينك و دنياك, لهذا أدعوكم جميعاً في بداية هذا العام الجديد ألا تبدأوه و هناك قطيعة بينك و بين أمك أو اباك أو اخوتك أو اقاربك, وقم بإصلاح تلك العلاقة بقدر ما تستطيع.
أما النقطة الثانية هي تخصيص وقت لعائلتك
الكثير منا من أجل عمله يضحي بعائلته و نادراً ما يراهم أو يرونه فلكل أب أو أم أو أخ أو أخت لا تجعل عملك يسرقك من عائلتك حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه و تفيق من دوامة العمل ترى كل الروابط و المشاعر التي تربطك بأهم أشخاص في حياتك قد تقطعت.
و ستصبح علاقتك بعائلتك كالقضية التي لا تقبل أي شكل من أشكال الطعن فلن يسمع لك إبنك لأنك أهملته و لا أباك لأنك جافيته و الوحدة و الحزن و الندم سيلازمانك طوال حياتك و لن ينفعك من المال ما جمعت و لا من الجوائز ما حصدت و لا من الجهد ما بذلت و لا من المكانة ما وصلت.
أما النقطة الثالثة هي مهارات التواصل الفعال مع الاخرين
نحن نقضي 70% من وقتنا في التواصل مع بعضنا البعض بإسخدام و سائل التواصل المختلفة, فالتواصل الفعال هو من أهم عناصر النجاح الشخصي والمهني.
وحتى تنجح في أي عملية تواصل تقومون بها, عليكم أن تتجنبوا الآتي:
أولاً عبارات التقييم
لا تبدأ محادثة أو تفاوض أو مقابلة مع أناس لا تعرفهم بأي عبارة من عبارات التقييم سواء تعلق التقييم بالشكل أو الديانة أو الجنس أو اللون أو الجنسية أو الانتماءات المذهبية أو الميول النفسية أو المذاهب الفكرية أو الاهتمامات الشخصية للشخص الذي تتحدث معه خاصة و إن كان ذلك على سبيل المزاح, إصدارك لأي عبارة تقييم هو أسرع وسيلة لغلق قناة التواصل بينك وبين المتحدث إليه.
وسواء كنت تعرف من تحدثه و بينه وبينك روابط إجتماعية أو محادثتك معه كانت الأولى إجعل دستور حديثك و منهج كلامك دائماً اللين و طيب المعاشرة و أوصيكم و نفسي بما أوصى به الحبيب المصطفى سيدنا على كرم الله وجهه حيث قال ( يا علي ثلاث خصالٍ من مكارم الاخلاق, تعطي من حرمك و تصل من قطعك, و تعفو عمن ظلمك)
و أيضاً بما قاله الفقيه الشافعي (جلال الدين السيوطي) إن علامات حسن الخلق ( قلة الخلاف و حسن الانصاف و التماس المعذرة و احتمال الأذى)
إن فعلتم ذلك زملائي الأعزاء و داومتم عليه لن تنجحوا فقط في عملية التواصل مع الاخرين بل ستمتلكون قلوبهم أيضاً.
ثانياً لا تتشدد في الرأي
كثيرأ جداً ما نقابل من يختلف معنا في الرأي و الفكر و كثيراً أيضاً ما يحدث صدام في آخر الحوار أو المناقشة لأن أحداً من أطراف الحديث متشدد في رأيه و لا يقبل أن يكون على خطأ, و قد يكون بالفعل طرف منهم مخطئ أو يكون كلاهما على خطأ أو كلاهما على صواب و لكن ليس هذا هو المهم , إنما ما أريد أن ألقي الضوء عليه هنا هو حقيقة غابت عن الكثير مما أصبحنا فيه و عليه من فوضى في المفاهيم و الأفكار و إندثار أبجديات و آداب الحوار و أساليب الحديث و المجادلة.
و تلك الحقيقة هي أننا جميعاً مختلفون و لكن لا نقبل ذلك الاختلاف, فنحن مختلفون في طريقة التفكير و في خلفياتنا الثقافية و البيئية و كلاً منا لديه تجاربه الشخصية و نتفاوت في مستوى المعرفة و كل هذا من شأنه أن يجعل كل فرد منا ينظر إلى الأمور من زاويته, لذلك عليكم أن تتأنوا قبل الحكم على الأشخاص لتعرفوا كيف ترى الافراد الأمور و الاحداث , و تفهموا الدوافع من وراء تصرفاتهم أو وجهات نظرهم التي قد تبدوا غريبة أو غير منطقية أو التي لم تعجبك و ذلك حتى تتمكن من معرفة و فهم أفكارهم و على أي أساس قاموا ببناء رأيهم و وجهة نظرهم.
فبسبب ضعف مهارات التواصل بين الناس و خاصة داخل الاسرة الواحدة أصبح نسيج المجتمع ممزق, فأصبحنا نرى الأبناء لا يشاركون الأباء أسرارهم و يشاركونها مع أصدقائهم و تتسع الفجوة بين الآباء و الآبناء و بين الاخوة الكبار مع اخوتهم الصغار أكثر فأكثر فالكبير لا يستطيع أن يصل للصغير و لا الصغير أصبح يوقر الكبير.
لهذا يجب علينا جميعاً أن نتقبل الاختلاف الذي بيننا و بين من نتواصل معاهم و مهما كان حجم هذا الاختلاف لا تجعل المحادثة تصل إلى حد الصدام بل إنسحب بهدوء حتى و إن كنت أنت الذي على صواب طالما و جدت من تحاوره لم تصل إليه وجهة نظرك حتى لا تفسد علاقتك به خاصة و إن كان شخص ذو أهمية عندك.
و سأختم هذا الجانب بنصيحتين سيكون لهم عظيم الأثر إن قمتم بتطبيقهما.
الأولى هي مقولة للشاعر الإنجليزي (وليم بتلر) و هي (يمكنك أن تفكر كالحكماء و لكن عليك أن تتواصل بلغة الناس) فمهما كان حجم المخزون المعرفي الذي تمتلكه يجب عليك أن تخاطب الناس على قدر عقولهم حتى لا يساء فهمك بأنك تستعرض قدراتك المعرفية أو تتكبر.
أما النصيحة الثانية فهي قصيدة للشاعر السوري (العلاء بن هلال الباهلي) و تقول:
لَمَّا عَفَوْتُ وَ لَمْ أُحْقِدْ عَلَى أحَدٍ أَرُحْتُ نَفْسِيَّ مَنْ غَمِّ الْعَدَاوَاتِ
إنْي أَحَيَّ عَدُوِّيَّ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ لِأَدْفَعُ الشَّرَّ عُنِيَ بِالتَّحِيَّاتِ
فَلَسْتَ أسْلُمٌ مِمَّنْ لَسْتَ أعْرَفُهُ فَكَيْفَ أسْلُمٍ مِنْ أهْلِ الْمَوَدَّاتِ
رابعاً الجانب المالي
أعلم أنه لا أحد يحتاج النصيحة في الاهتمام بهذا الجانب, فهو الجانب الأهم و الأعظم عند الجميع, من لا يتمنى أن يزيد رصيده البنكي من ألف إلى مائة, الجميع يريد ذلك , ولكن في هذا المقال سأتناول ما يتعلق بالجانب المالي بطريقة مختلفة بعض الشئ و سأقوم بعرض بعض الارشادات التي ستساعدكم على تغيير مفهوم الجانب المالي أيضاً لديكم و ستساعدكم على تعظيمه و نموه.
أولاً : لا تتساهل في أتعابك.
هناك الكثير من السادة المحامين يتعاملون بمنطق خاطئ و فلسفة رومانسية واهية فيما يتعلق بالاتعاب, فهناك من يقول (أنا لا يهمني مقدار الاتعاب الأهم أ انجح في القضية و أحقق إنجاز مهني) و هناك أيضاً من قال لي ( أهم شيء عندي ما احصل عليه من شهادات و الارتقاء بمستواي العلمي و المعرفي و لا أبالي بما أحصل عليه من أتعاب) و في نهاية المطاف ينتهي الامر بتلك الفئة من زملائنا المحامين بتعرضهم لضائقة مادية في نهاية كل شهر أو كل سنة.
و هذه من أهم النقاط التي أود أن أكد عليها في هذا الجانب من الحاة, و هو يجب ألا تقوم بتقديم خدماتك مجاناً أو بمقابل زهيد حتى مع المقربون إليك إلا إذا مع من ترى إنه يستحق ذلك وفقاً لتقديرك الشخصي.
و على النقيض لا تغالي في اتعابك, فإن كان حق لك أن تُقيم ما بذلته أو ما ستبذله من جهد في عملك إلا أن هناك واجب عليك بألا تطلب ما تعلم أنه يزيد عن ما تستحقه, و لنأخذ من أسلافنا العظماء الحكمة و الخبرة و العبرة.
حيث قال شيخ المحامين الأعظم و نقيبنا الأول, أسطورة المحاماة في مصر والشرق (إبراهيم الهلباوي) ( يجب أن تكون خدماتنا في متناول الناس)
كما قالالاستاذ المحامي الكبير (عبد الحليم الجندي) المحامي مؤلف كتاب (نجوم المحاماة في مصر وأوروبا) “المحاماة رسالة لا تجارة و السعيد من فهمها على غير أساس المال”.
هذه قيم المحاماة التي يجب أن تترسخ في أذهاننا و خاصة شباب المحاميين فيجب علينا ألا نبخس حقنا في ما نبذله من جهد و لا نغالي فيما نطلب.
القاعدة الثانية لا تعتمد على مصدر دخل واحد
جميعنا تأثرنا بأزمة كورونا و تعرضنا لأزمات كثيرة و تحديات صعبة في جميع الجوانب و على رأسها أوضاعنا الاقتصادية و إلى الآن , و لهذا يجب أن نغير من ثقافتنا المالية و الاقتصادية حتى نتمكن من مواجهة مثل تلك الازمات في المستقبل و تحسين مستوى معيشتنا بشكل عام, فهناك الكثير من السادة المحامين الذين قاموا باللجوء الى العمل بالمهن الحرفية و هناك من قام بتصفية عدد كبير من المحامين الذين يعملون معهم, و الأمثلة كثيرة, و لهذا يجب أن نأخذ بنصيحة رجل الاعمال و المليونير الأمريكي (وارن بافيت) حيث قال “نوع إستثمارتك و لا تعتمد على مصدر دخل واحد “
و هذا يأخذني إلى النصيحة الثانية و المكملة للأولى و الذي قالها أيضاً (وارن بافيت) و هو “عليك ألا تستثمر فيما لا تفهم فيه” فإذا قمت بإستثمار أموالك فعليك ألا تضعها في مجال إستثمار لا تعلم عنه شيئاً وليس لديك الخبرة لادارته و نجاحه.
القاعدة الثالثة هي تحويل الاحلام إلى حقيقة على أرض الواقع
يقول المليونير الصيني و رجل الاعمال الشهير (جاك ما) صاحب شركة (علي بابا) العالمية “لن تصبح غنياً لأنك تملك فكرة, ستصبح غنياً إذا حولت الفكرة إلى حقيقة”
فكثيراً منا لديه أفكار رائعة من شأن تطبيقها أن تغير حياته للأفضل و لكن يقف بينه و بين تطبيقها الكثيرمن العقبات و أولها خوفه من الفشل أو عدم ثقته في نفسه أنه يستطيع تنفيذ تلك الفكرة, ولهذا أقول لك زميلي العزيز إن كان لديك أحلام أو أهداف أو رغبة في جعل ذلك العام مختلف عن سابقه لن يصبح كذلك ان لم تؤمن بنفسك و تُحول ما يدور بعقلك من أفكار إلى حقيقة.
القاعدة الرابعة لا تضيع أموالك
قاعدة مالية ذهبية ” إن اشتريت ما لا تحتاجه ستضطر إلى بيع ما تحتاجه”
إن أردنا حقاً نمو مورادنا المالية و تحسين هذا الجانب في حياتنا يجب أن نقلع عن عادة من أسوء عادتنا في الانفاق و هو شراء أشياء لا نحتاج اليها وليس لها قيمة, بغض النظر عن الدافع لعملية الشراء تلك.
فالانفاق دون اتباع ميزانية شهرية و عدم التمييز بين حاجتنا الأساسية و الكمالية و عدم تحديد أولويات للإنفاق كل ذلك سيعرضنا إلى مخاطر مالية و إقتصادية بالغة الخطورة, فمن الآن يجب أن تضع لنفسك خطة مالية تسير بها في العام الجديد حتى تكون مستعداً سواء لأي ظرف طارئ فتتمكن من مواجهته أو فرصة إستثمار تأتي أمامك فتغتنمها.
خامساً الجانب العلمي
مثل حال ألآف شباب المحامين, هاتفني من أيام قليلة أحد الشباب يشكو إلي ما وصل إليه من حالة إحباط و يأس و حزن لأن المحامي الذي يعمل معه لا يهتم بتعليمه ناهيك عن ما يتقاضاه من مرتب شهري زهيد جدا, و على الرغم من حبه الكبير للمهنة إلا أنه انتهى إلى قرار تركها و الحزن يملأ قلبه, و على الفور طلبت منه أن نتقابل في أقرب وقت, و بالفعل إلتقيت به و حينها قمت بتعليمه مبدأين يعيش بهم و هم من أهم المبادئ و القواعد التنموية في عالم الإدارة و التنمية الذاتية.
القاعدة الأولى كانت (change your way, not your target ), و عندما قلتها له نظر إلي نظرة إستغراب ممزوجة بالإستفهام و قال لي ماذا تعني.
قلت له لو كنا الآن متواجدين بميدان العباسية و أردنا أن نتوجه إلى مطار القاهرة كم طريق يمكننا أن نسلكه, قال لي هناك أكثر من طريق.
قلت له بالضبط هذا ما يجب عليك فعله.
فقال لي لا أفهم
فقلت له يجب أن تغير طريقك وليس هدفك, أنت يا صديقي لا تحتاج إلى ترك المحاماة و لكن عليك أن تغير المكان الذي تعمل به لأنه لا يساعدك على النمو و التطور, بل حتى لا يساعدك على أن تكون سعيد في عملك و تكون أكثر إنتاجية و نشاط, و أول خطوة لحل أي مشكلة هي تحديدها بدقة و المشكلة هنا في المكان و ليس المهنة كلها, فتغيرت في عينه نظرة الاستفهام إلى فرحة.
ثم سألني بنبرة صوت تملأها القلق و الحيرة, و كيف أبحث على مكتب آخر, لقد وجدت هذا المكتب بعد عملية بحث طويلة و في الامر مشقة كبيرة.
و هنا قولت له المبدأ الثاني و هو (إسلوب النمل – ANTS Technique) و سألته هل إذا مرت بجانبنا نملة و قمت كعادتنا بمدابعتها بأن تضع يدك كحاجز يمنعها من المرور, من الذي ييأس منكم أنت أم هي؟
فأجابني بمنهى التلقائية, أنا من ايأس.
فقولت له و هذا ما ينبغي عليك فعله أيضاً, يجب أن تأخذ مسألة عملك و أيضاً كل هدف تريد تحقيقه على أنها مسألة حياة أو موت, تماماً كالنملة, إن وضعت لها ألف حاجز ستصبر و تحاول ألف مرة لتخطي تلك الحواجز حتى تصل إلى خندقها لأنها إن لم تفعل ستموت.
للمرة الثانية نظر إلي و الفرحة تملأ عينيه مضاف إليها نظرة الاعجاب و الانبهار, و من فرحته الكبيرة رأيت عينيه تلمع مثل بريق النجوم في السماء و بدى كأنني أحييت روحه من جديد و دبت فيها الحياة بعد ما كان شعور اليأس و الاستسلام قد تمكنوا منه.
وبعد ما إنهال علي بعبارات الشكر و الثناء, سألني كيف تعلمت كل هذا ؟
فأجبته, هذا يا صديقي أهمية القراءة, أهمية العلم, فأنا أداوم على القراءة في مجالات كثيرة مع القانون.
و تلك المبادئ التي تأثرت بها كنت قد قرأتها في بعض الكتب الخاصة بعلوم الإدارة و التنمية الذاتية, ثم قمت بوضع خطة بحث له عن الأماكن التي يجب أن يبحث عنها و يعمل بها و التي ستكون ملاءمة له, و بالفعل و بفضل الله عليه وجد مكتب مناسب يعاونه به زملاءه و مالكه على النجاح و التعلم و التطور.
و المغزى من تلك القصة هو رغبتي في أن أوضح لكم عن أهمية العلم في حياتنا عن طريق مثال واقعي الكثير منكم يراه أمامه و الأكثر يعيشه.
و على الرغم اني أعلم انكم جميعا تعلمون أهمية العلم إلا أنني لو سألت كم فرد من حضراتكم انتهى من قراءة كتاب ما الأسبوع الماضي و بدأ في كتاب جديد هذا الأسبوع, ستكون الإجابة بنعم من القليل القليل منكم.
العلم ليس رفاهية و القراءة ليست مجرد هواية, انها اعظم من ذلك بكثير.
في يوم من الأيام سأل أعرابي سيدنا علي كرم الله وجهه “يا أمير المؤمنين أيها أهم العلم أم المال, فرد عليه سيدنا علي و قال له العلم, ثم سأله الاعرابي, ولماذا؟
فأجابه سيدنا علي, لأن العلم يحميك و أنت تحمي المال.
و هذه هي أهمية العلم, العلم حماية و وقاية و حصن أمان لنا من أنفسنا و يحمينا من أن نتخذ أي قرار خاطئ أو أحمق.
فمن أراد النجاح حقاً فلا سبيل له إلا القراءة و الاطلاع المستمر و لتتدبروا إن شئتم:
(ايلون ماسك) رجل الاعمال الأمريكي الشهير و من أغني رجال العالم قال( كف تعلمت بناء الصواريخ, قرأت الكتب)
أينشتاين قال ( عندما نتوقف عن التعلم, تبدأ في الموت)
و قبلهم قالها أسلافنا العظام حيث يقول سيدنا معاذ بن جبل ( تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية, وطلبه عبادة, و مدارسته تسبيح, و تعليمه من لايعلمه صدقة, و هو الانيس في الوحدة, و الصاحب في الخلوة)
و سأختم بما قاله أستاذنا و فقهينا و نقيبنا الأستاذ رجائي عطية و هو يبين أهمية العلم بالنسبة لنا نحن المحامون بشكل خاص في كتابه (رسالة المحاماة) “أما المحامي فلا يكفيه العلم بالقانون و فروعه, و لا تكفيه الموهبة و هي شرط لازم, و إنما يتوجب عليه أن يكون موسوعي المعرفة و الثقافة لأن رسالته قائمة على الاقناع, يتغيا به التأثير في وجدان غيره”
لهذا زملائي الأعزاء أتمنى أن يعيد كل من لا يقرأ منكم نظرته للقراءة و العلم و حب المعرفة, ولا يسير كمن يسير في حياته تقتصر مصادر علمه و معرفته على السمع و التجارب الشخصية, خاصة و نحن في بداية عام جديد ننشد فيه النجاح و على اعتاب إفتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب و الذي أتمنى أن تعدوه فرصة لزيارته و خاصة لمن ستكون الزيارة الأولى له, و أن تبدأو صفحة جديدة مع القراءة كما بدأتم جميعا صفحة جديدة وعام جديد من حياتكم.
سادساً الجانب المهني
“مغفل لديه خطة يمكنه أن يغلب عبقري بدون خطة” عندما قال (وارن بافيت) تلك المقولة لم يكن مخطأ, فالفشل الحتمي يأتي عند القيام بأمرين الأول أن تقوم بتنفيذ أي أمر دون التخطيط له و الثاني أن تقوم بالتخطيط لأنجاز أهداف مهنية أو شخصية و لكنك لا تقوم بتنفيذ تلك الخطة.
و على الرغم أنه لن يسعني في هذا المقال أن أكتب عن مهارات التطوير و التنمية المهنية و الذي سأخصص له مقال منفصل و مفصل سأقوم بنشره في المستقبل القريب بإذن الله, إلا أنني سأقوم بعرض أهم النقاط التي ستعينكم على تنمية و تطوير الجانب المهني لتحقيق التوازن في الحياة الذي أدعوكم إلى تحقيقه و أتنمى أن تصلوا اليه,
في بداية هذا العام لا تجعل الأيام و الاحداث هي التي تقودك, بل يجب عليك أن تتحكم في مصيرك و في حياتك , وأول خطوة لفعل ذلك هو أن تكتب قائمة تتضمن الاحلام و الأهداف الشخصية والمهنية التي تريد حقاً الوصول اليها و تحقيقها, و حتى تتحقق يجب أن تكون تلك الأهداف واقعية و محددة بدقة, لأنك إن كنت لا تعلم إلى أين تتوجه لن تصل أبداً, ثم تقوم بوضع خطة لتحقيق تلك الأهداف.
و إن كنا نشترك جميعاً في رغبتنا في النجاح إلا أننا نختلف في أهدافنا.
و المحاماة مثلها مثل أي مهنة, تتطور مع تطور سوق العمل و المجتمع ككل, ما يترتب عليه وجوب تعلم المهارات التي تمكننا من مواكبة هذا التطور و التغير.
و أول مهارة يجب أن نتعلمها هي مهارة دراسة السوق, و أبسط طريقة نفعل بها ذلك هو متابعة إعلانات الوظائف على مواقع التوظيف لمعرفة المهارات المهنية المختلفة التي أصبحت الشركات والمكاتب تطلبها خاصة الأماكن التي يسعى أياً منكم للعمل بها سواء كانت داخل مصر أو خارج مصر.
و بعد معرفة تلك المهارات المطلوبة, على الفور عليكم وضع خطة لامتلاك وتعلم تلك المهارات أو الحصول على الشهادات أو امتلاك الخبرات المطلوبة للوصول الى الأماكن التي تهدفون الى العمل بها و عملية البحث يجب أن تكون على أربعة أنواع من المهارات و التي لا يخرج أي اعلان و ظيفي عنها و هي:
أولاً المهارات الفنية.
و هي المهارات المتعلقة بصميم عملك كمحامي مثل مهارات المرافعة, الصياغة القانونية, البحث القانوني, الى آخره
ثانياً المهارات التكنولوجية بإختلاف أنواعها
ثالثاً اللغات
وان كنا نعلم أن اللغة الإنجليزية هي اللغة الأكثر طلباً و أهمية في مصر و العالم إلا إنه هناك الكثير من الجهات التي تطلب لغات آخرى مع اللغة الإنجليزي او تطلب لغة آخرى غير الإنجليزية, فالبحث الجيد هو الذي سيساعدك عل معرفة ذلك.
رابعاً المؤهلات الدراسية و الفنية
و هي الدرجات الاكاديمية او الدورات التدريبية التي تشترط المكاتب و الشركات أن يكون المحامي حاصل عليها لقبوله بالوظيفة.
و من خلال عملية البحث و معرفتك المهارات التي يجب عليك تعلمها و التزامك بوضع خطة لتعلمها خلال العام الجديد, حتى فيما يتعلق بفروع القانون لا يجب ان تكتفي بأن تتعلم أو تتخصص بفرع قانوني واحد بل يجب أن تنوع من دائرة خبراتك القانونية, كل هذا سيمنحك الشعور بالقوة و السعادة نتيجة لعدم تقصيرك بهذا الجانب و ذلك عن طريق بذلك أقصى جهد لتحقيق النجاح و النمو المهني و بالتالي تحقيق التوازن في الحياة مع باقي الجوانب بشكل عام.
و في الشكل التالي أعرض عليكم أهم و أكبر مواقع التوظيف في مصر و الوطن العربي التي ستساعدكم في عملية البحث عن الوظائف بل و ستجدون ايضاً الكثير من التوجيهات و الارشادات المهنية التي ستعينكم و تدعم سعيكم نحو النمو و التطوير المهني.
و سأختم مقالي هذا بحكمة تجسد حقيقة أتمنى أن تترسخ في أذهانكم مدى الحياة و أوضحها في ثلاث مقولات هامة.
الأولى قالها (توماس كورلي) “إذا اصبحنا ما نقوم به بشكل متكرر فإن العادات السيئة من شأنها أن تجعلنا فقراء, بينما العادات الغنية يمكنها ان تكسبنا الثروة”
و الثانية قالها (أرسطو) “ما نفعله بشكل متكرر هو ما نحن عليه, ومن ثم فإن التميز عادة و ليس فعلاً”
و الثالثة قالها (دافيد ستار جوردان) “في عالمنا هذا لا يمكن الفصل بين الامتياز و أسلوب الحياة الصحيح”
كل من يقرأ لك السطور و يريد أن يغير حياته للافضل و ينعم بعام جديد يملأه النجاح و السعادة, لن يتحقق ذلك إلا بتغيير عاداتك اليومية حيث تتكون شخصيتنا من عادتنا, نزرع فكرة نحصد عملاً, و نزرع عملاً نحصد عادة, و نزرع عادة نحصد شخصية, و نزرع شخصية نحصد مصير و تستمر تلك الحكمة بلا نهاية.
أتمنى ألا يقصر أياً منكم في أي جانب من ال6 و ألا يضحي بجانب من أجل الاخر و إلا كانت النتيجة مؤلمة.
أرجو أنكم وجدتم في تلك السطور الإفادة و من أعماق قلبي أتمنى لكم عاماً جديدً سعيداً مليئاً بالسعادة و النجاح و الرضى و البركة والخير من الله.