
كيفية مواجهة الكساد القادم تشريعياً في القطاع المصرفي
بقلم الدكتور/ محمد طرفاوى محمد المحامى
عرضنا في المقال السابق مقترحات لمواجهة الكساد القادم في ضوء قوانين رأس المال والبورصة، وقد عرضنا هذه الفكرة رغم كونها اقتصادية أكثر منها قانونية لكون الاقتصاد والقانون متوازيان لا ينفصلان، فلا يمكن للاقتصاد أن ينمو ويترجم تطلعاته وتطلعات الأمة إلا بصياغة تشريعية جيدة، وهو مسار الدولة في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي إذ يقوم بتعديل التشريعات الاقتصادية لجذب الاستثمارات الأجنبية.
وعطفاً على ذلك، نجد أن القطاع المصرفي هو حجر الزواية في مواجهة الكساد القادم، فالثقة في الجهاز المصرفي هي التي تؤكد قوته، كذلك تساعد على مواجهة الأزمات، فحال توافر الثقة في الجهاز المصرفي لن تكون هناك عمليات سحب عشوائية وقت الأزمة ما يساعد على مواجهتها والتصدي لتبعاتها.
وضع الاقتصاديون تصوراً لبداية الكساد، بانهيار للأسهم يتبع واقعة اقتصادية كبيرة، والمتوقع إفلاس بنكي لأحد البنوك الكبري، ما يثير الذعر في المجتمع، فيتوجه الجميع لسحب أمواله من البنوك، ومع ضعف السيولة تنهار الثقة في الجهاز المصرفي، ويبدأ الكساد.
تصور مشابه إلى حد كبير لما حدث عام 2008 عندما أفلس بنك ليمان برازرز وكان أكبر إفلاس في تاريخ الولايات المتحدة، ودفع العالم أجمع إلى حافة الأزمة الاقتصادية؛ واستدعى تدخلاً حكومياً ودعماً نقدياً وضخ سيولة بلا حساب حتى عام 2012 لمواجهة هذه الأزمة.
واليوم ما اشبهه بالبارحة، نعود لنفس الكرة مرة أخري، فالبنوك تحاول أن تحافظ على السيولة في الفترة الحالية لتجنب الوقوع في أزمة مع العملاء حال قيام الأزمة الأولى، وتحاول البنوك المركزية ضخ السيولة اللازمة لمحاولة منع نقصها لتجنب الأزمة، كما تحاول من جهة أخري التلاعب بأسعار الفائدة لمحاولة تجنب الكساد ذاته، وذلك من خلال النظر في بيانات التوظيف والتضخم وإجراء مقارنة عكسية للوقوف على الحد الأمثل للفائدة وضمان نمو الاقتصاد.
وفي مصر قام البنك المركزي بعدة موجات لرفع الفائدة لمواجهة التضخم الذي وصل لحد يزيد على 30 % والأن ومع انخفاض التضخم اتجه البنك المركزي المصري إلى خفض الفائدة لتجنب الركود، ويبدو إننا نسير في حلقة مفرغة، فعندما تترفع الفائدة ينخفض التضخم، وعندما نطمئن لنسبة التضخم ويتم تخفيض الفائدة يعود هاجس التضخم من جديد، الأمر يا سادة أشبه بمحاولة النجاة من الغرق في بحر يموج موجه يميناً ويساراً فلا نعرف إلى أين نتجه يميناً أو يساراً.
أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي القانون رقم 194 لسنة 2020 وهو قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي الجديد وتم إلغاء القانون رقم 88 لسنة 2003، وبهذا القانون حاول المشرع أن يعالج كافة المشكلات المصرفية، كذلك تأكيد سلطة البنك المركزي الرقابية على جميع البنوك وتحكمه في السياسات الاقتصادية للبلاد، وأكد تبعيته المباشرة لرئيس الجمهورية.
فقد نصت المادة (1) من القانون على أن” البنك المركزي جهاز رقابي مستقل له شخصية اعتبارية عامة، يتبع رئيس الجمهورية، ويتمتع بالاستقلال الفني والمالي والإداري ويؤخذ رأيه في مشروعات القوانين واللوائح المتعلقة بمجال عمله.” وفي مجال عمل الجهاز المصرفي جاء نص المادة (6) مؤكداً أنه” يهدف البنك المركزي إلى سلامة النظام النقدي والمصرفي واستقرار الأسعار في إطار السياسة الاقتصادية العامة للدولة.”
وفي حالة الأزمة وطبقاً لتوقعات الاقتصاديون فإن عمليات السحب النقدي ستتضاعف في جميع البنوك، وهو ما يجب مواجهته بحرص وسرعة ودقة، وفي ذلك نصت المادة (9) من القانون المذكور على أنه” للبنك المركزي أن يقدم تمويلاً للجهات التي يساهم فيها وللمنشآت وللهيئات الأجنبية والدولية..”، ونصت المادة (10) من ذات القانون على أن” لمجلس الإدارة الموافقة على منح تمويل طارئ لأي بنك يعاني نقصاً في السيولة بالشروط الآتية: (أ) أن يكون البنك ذا ملاءة مالية، (ب) ألا تزيد مدة التمويل على 180 يوماً يجوز مدها لفترة أو فترات أخري على ألا يزيد إجمالي مدة التمويل على سنة، (ج) أن يكون التمويل مقابل ضمانات كافية يقبلها البنك المركزي، (د) أن يكون سعر العائد المطبق أعلى من متوسط أسعار الإقراض السائدة بالسوق.”
وقد جاءت النصوص السابقة لتقرير الأوضاع حال الظروف العادية، فقررت تنظيم أحكام ضبط السيولة بمعرفة البنك المركزي والدعم المقرر للبنوك العامة والخاصة في هذه الحالة، فيما تصدي المشرع لحالة الظروف الاستثنائية بما ورد بنص المادة (11) إذ ورد فيها النص على أنه” مع عدم الإخلال بأحكام المادة (10) من هذا القانون يجوز لمجلس الإدارة في الظروف الاستثنائية الموافقة على تقديم تمويل للبنوك ذات الملاءة المالية المنخفضة أو المرجح تعثرها بصفته وكيلاً عن الحكومة…..”
وهذا النص قد أورد شروطاً محددة منها أن يكون الدعم ضرورياً للحفاظ على النظام المصرفي، مع النظر في قابلية البنك للاستمرار وباقي الشروط السابقة، وهنا نجد أن المشرع قد عالج الحالات العادية والحالات الخاصة أو وقت الأزمات، فيما هي الوسائل التشريعية اللازمة لسرعة الاستجابة حرصاً مواجهة الأزمة سريعاً بأقل الخسائر.
الأزمة المقبلة أزمة سيولة بالدرجة الأولى، ثم يعقبها توالى المشكلات ومنها انهيار البورصة وانكماش الاقتصاد، بجانب العنصر الدولى في سلاسل الإمداد التي مازالت تعاني بعد كورونا، والتضخم الذي لم يعالج بالكلية، تسير البنوك المركزية بالعالم حالياً على جمرة من النار أيما طريق سلكت سوف تحترق، والهدف الخروج بأقل الخسائر.
وعطفاً على ما تقدم نجد أن آليات التعامل مع الأزمة تشريعياً متوفرة – كما هو الحال بقانون رأس المال – ولكن التنفيذ هو الإشكالية، كما أن الضرورات الحالية توجب تعديل النص، وفيما تخص هذا نقترح أن يتم إلغاء المدة المحددة بالمواد سالفة الذكر فالأزمة لن تكون عابرة أو قريبة الحال وبالتالي لن يمكن بحال من الأحوال أن تكون مدة التمويل 180 يوم تزيد بحد أقصي إلى سنة ويجب أن توافق وزارة المالية في حالة الظروف الاستثنائية، فيجب تعديل المدة بالزيادة، ويجب الاستغناء – ولو مؤقتاً – عن موافقة وزارة المالية توفيراً لسرعة الاستجابة.
وفيما يخص شق التنفيذ يجب أن تتوافر لوائح ضبط إداري تعد من قبل البنك المركزي المصري للتعامل مع الأزمة حال بدايتها، فيجب أن يقوم البنك المركزي المصري بتأسيس وحد خاصة بداخله بموجب قرار إداري تقوم بدراسة السوق والوضع الحالى للبنوك وصولاً لتحديد القيم العادلة للدعم النقدي، كما يساعد ذلك في تحديد كمية السيولة التي سيتم ضخها، الأمر يتعلق بالمواجهة المبكرة لهذه الأزمة، فلا تكفي التشريعات للمواجهة ولكن يجب أن تتسم المواجهة بالسرعة والجدية، ولتحقيق ذلك يجب أن تكون الخطة معدة سلفاً.
لم يأتي الكاتب بجديد فالنصوص موجودة، والسرعة ممكنة، ولكن العبرة من هذا المقال هي تحديد الوقت المناسب للمواجهة ووجود الخطة الجاهزة المعدة سلفاً، فالقرار الإداري المتعلق بالمواجهة يجب أن يقوم على أسس تشريعية – قانونية ولائحية وإدارية – واضحة تساعد على سرعة التصرف.
وعملاً بالمادة (14) من ذات القانون يمكن للبنك المركزي بموجب دوره في جمع وتحليل البيانات أن يعهد إلى هيئة تنشأ تحت سلطته تحليل الوضع الخاص بالأزمة وتحديد القواعد اللائحية والإدارية اللازمة لمواجهة الأزمة من الناحية القانونية، ويجب أن تتضمن اللجنة عضواً قانونياً على الأقل، وتقدم اللجنة تقريرها للجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي وبذلك نكون قد توقعنا الأزمة وما يصاحبها من مشكلات، وتم تحديد كميات ضخ الأموال المناسبة وحجم السيولة المطلوبة ومصادر تمويلها سواء بالطباعة النقدية أو الاحتياطي النقدي أو احتياطات الذهب، أو على أقل تقدير تحديد ما يمكن توفيره والبحث عن حلول للعجز.
ومن ناحية أخري يجب على البنك المركزي المصري إعمال سلطته في الرقابة على البنوك خاصة فيما يخص تنظيم معدلات السيولة عملاً بالمادة 85 من قانون البنك المركزي، ومراجعة احتياطيات البنوك عملاً بالمادة 89 من القانون، وبالكلية نوصي المشرع بتعديل قانون البنك المركزي وإلغاء مدة التمويل ولو لوقت محدد بإعتباره إجراءاً تمهيدياً لمواجهة القادم، كما نوصي البنك المركزي – وهو هنا المشرع كون المطلوب إجراءات لائحية وقرارات إدارية – بتأسيس لجنة لدراسة السوق والبنوك والسيولة واعداد توصيات للحلول الجذرية السرعية وإعداد مشاريع قرارات لائحية وإدارية لمواجهة الأزمة القادمة باعتبارها مشروعاً قومياً لمواجهة الأزمة معد سلفاً فنحقق بذلك المواجهة المبكرة محاولة لتقليل الخسائر.