قيم وتقاليد المحاماة
بقلم: محمود طاهر المحامى
لننتزع حقوقنا انتزاعنا من قبضة من يضن علينا بها يجب أن نوقن ونؤمن بما لدينا من قيم لتكون منهاج وسلوك حياة.
فقدر كل هدف نبيل أن يصطدم ببعض المعوقات التي تبدو لأول وهلة ستحول دون الوصول إليه ، وهذا أيضا قدر كل رسالة سامية إذ تصادف وتلاقى الأشواك فى طريقها ، وكثيرا ما يصدمها ما هو كائن ، والذي غالباً ما يكون على النقيض تماماً بما هو واجب أن يكون ، فيجد الحامل للرسالة القائم بأمانتها نفسه بين نقيضين ، وقد يدفعه هذا لان ينقلب على عاقبيه ، فلا يبصر غير واقع امتلئ بالمعوقات يصده عن قصده ، فيظن أن ما كان يقتنع به مجرد وهم لا يصادف الحقيقة ، وينزل على تصريف الواقع وحكمه ، ولا يكون منه ذلك إلا لعجز فى إرادته ولغفلته عن السنن الكونية وانه لابد مختبر وممتحن .
ومنهم ما يزيده هذا الأمر إصراراً على تحمل تبعة ما أقتنع به ، فيؤمن برسالته وبهدفه ، ويوقن أن ما يلاقيه هو قدر كل أمر عظيم ، ويكون له في أنبياء الله ورسله أسوة ، وهم الذين أوذوا وحوربوا ، فلم يقعدهم ذلك عن أداء الرسالة ، وزادتهم المعوقات صلابة وقوة حتى علت كلمتهم كلمة الحق ، فبهداهم يقتدي. .
والمحاماة رسالة جليلة ومهنة سامية ، هي سياج الحق وضمان الحرية ، ورجالها هم فرسان الكلمة لطالما ناضلوا لأجل القيام بواجبهم نضالاً تتعرض فيه مصالحهم وحرياتهم للخطر وربما حياتهم نفسها ،فلا تعجب لحجم الأشواك التي تلاقيها المحاماة بل العجب في عزيمة فاترة وقلب غافل عن حقيقة ما يحمله بين جوانحه .
فالعدالة كأنما انشقت كانشقاق القمر شاطرين كلاهما لا يستغنى عن الآخر ، ولا تتكامل عدالة دونهما – القضاء شطر والمحاماة شطر يوازيه – وكم هو رائع أن تكون غاية القاضي ووجهته العدل الذي هو قوام السماوات والأرض ، ولا أروع من نضال المحامى لأجل هذه الغاية التي يجب أن تتملك كل ضميره ووجدانه ، وعلى قدر شرف الغاية تكون نبل الرسالة وقدر من يحمل أمانتها ، وهو في ذلك لن يجد الطريق ممهداً ، وسيصادف بعضاً من الصعاب تنوء عن حملها الجبال الراسيات. وكل ذلك يهون ويزول ولا يُذهب بريق رسالته ، مهما تحالفت عليه القوى ، إنما يبدأ التردي بحق حين ينكص حامل الأمانة على عقبيه، لاسيما حين يتحلل من آدابها وقيمها .
ومنذ أن عُرفت المحاماة ، وانطلاقاً من قدسية غايتها قامت لها قيم وتقاليد رسخت في وجدان رجالها فرسان الكلمة، فلزاماً أن نعرض لها كي نتلمس طريقنا فلا نتبع السبل ، ولنسير سير الواثق ، فلا تتزعزع لنا إرادة ولا تضيع لنا كرامة ، فبوابتا الحقيقة لإعادة الاحترام الواجب للمحاماة التقيد بأخلاقها وقيمها وتقاليدها .
قيم وتقاليد مهنة المحاماة
1- استقلال المحاماة
المحاماة رسالة ومهنة حرة قواما الانتصار للحق ونجدة المظلوم والحيلولة دون أن يدان إنسان بغير ما اكتسب ، وهى في ذلك شريك القضاء في تحقيق العدالة غير أن المحاماة ليست سلطة كسلطة القضاء ولا كأي سلطة في الدولة ، فالمحاماة في جوهرها الحر تجافى السلطة ولا تتمسح فيها ولا تتقرب إليها بل تقف منها موقف الرقيب الذي يسعى للتقويم وصد الاعوجاج ، والمحاماة في رسالتها الرقابية هذه لا تحمل سيفاً ، إنما تحمل قلم ، القلم كرمه الله تعالى في كلامه العزيز وأقسم به (ن . والقلم وما يسطرون) إن المحاماة في تعاملها مع سلطات الدولة يجب أن تبقى في إطار دورها دفاعاً عن حقوق وحريات المواطنين .
ولله در الأمام الشافعي إذ يقول عن أهل السلطة :-
ماذا تؤمل من قوم إذا غضبوا *** جاروا عليك وإن أرضيتهم ملوا
فاستعن بالله عن أبوابهم كرماً *** إن الوقوف على أبوابهم ذل
وقد قررت المحكمة الدستورية هذا المبدأ ودور المحامى الرادع لرجال السلطة فى حكمها رقم 6 لسنة 17 قضائية ” إن ضمانة الدفاع هي ضمانة لازمة كلما كان حضور المحامى ضرورياً كرادع لرجال السلطة إذا عمدوا إلى مخالفة القانون مطمئنين إلى انتفاء الرقابة على أعمالهم ”
وقد حرصت المعاهدات الدولية والدساتير فى غالب دول العالم على التأكيد على استقلالية المحاماة وكفالة حق الدفاع وقد نصت المادة الأولى من قانون المحاماة المصري على أن ” المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وفى تأكيد سيادة القانون وفى كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم. ويمارس مهنة المحاماة المحامون وحدهم في استقلال ولا سلطان عليهم في ذلك إلا لضمائرهم وأحكام القانون” ويقابل هذا نص المادة الثانية من نظام المحاماة الأردني ونص المادة الأولى من قانون المحاماة السوري وقانون المحاماة اللبناني وجاء نص المادة الأولى من القانون المغربي ” المحامون جزء من أسرة القضاء ، ومهنتهم حرة مستقلة ”
وقررت المحكمة الدستورية أيضاً ” لا يجوز أن يكون حضور المحامى شكلياً أو رمزياً متخاذلاً أو قاصرا عن أن يؤدى المعاونة الفعالة بتوفير الضمانات التي تكفل قيامه بدوره بوصفه شريكاً للسلطة القضائية فى النهوض برسالتها ” 6 لسنة 17 ق دستورية
فمهنة المحاماة تستمد سموها من نبل مقصدها، ولا ينال منها عدم فهم البعض لطبيعتها ، وان استقلال المحاماة دعامة حقيقة للعدالة وهى في حقيقتها لا تخلقها مجرد نصوص أو قوانين انما تقرر القوانين الضمانات التي تؤكد هذا الحق وتعززه ، وفوق كل هذا وقبله يجب أن يؤمن رجل المحاماة باستقلاله وسمو رسالته ، ون يكون مفطوراً على النضال لأجل الحق مستعصياً على الإغراء وعلى القهر سواء بسواء .
وان ثقافة المجتمع وتحضره وحرصه على سيادة القانون فيه ، وكذا سياسة أولى الأمر في غاية الأهمية ، فالنصوص مما علت مدا رجها لا قيمة بغير إرادة لتطبيقها فالعبرة ليست بما يقره القانون ولا بالنصوص ووفرتها ولكن العبرة بالقائمين على تطبيق القانون ومدى رغبتهم في احترام ذلك الحق وتلك الحرية ” ويجب أن يرسخ في الأذهان أن المحاماة ضرورة لازمة لأجل الحق والعدل ، وقد أكدت المحكمة الدستورية هذا بقولها ” وحق الدفاع قد أضحى مستقراً كحقيقة مبدئية لا يمكن التفريط فيها ، ولم تعد ضمانة الدفاع ترفاً يمكن التجاوز عنه أو التعلق بأهدابها الشكلية”
ومن ثم فإنه لا تعارض بين مفهوم المحاماة كمهنة حرة وبين مفهومها كرسالة وفن رفيع لأن نشوء المحاماة بعيدا عن سلطات الدولة وانطلاقاً من واجب الدفاع وتقديم المساعدة القانونية ، وتطلبها المعرفة والعلم والتأهيل الجيد ، حدد مفهومها كمهنة حرة مستقلة ، وحدد غرضها ودروها كأداة للدفاع والنصرة والنجدة ، ليبقى استقلال المحاماة أهم مقومات وجودها وأعز قيمها ويجب أن تكون هذا هو ما استقر في ضمير رجالها قبل غيرهم لتبقى المحاماة حرة الحركة تملك شجاعة الدفاع عن الحقوق والحريات دون طمع أو جزع .
( وكل اعتداء على استقلال المحاماة عائده ولازمه اعتداء على حقوق وحريات المواطنين – مادة 4 من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية)
وإن وجود النظام القانوني العادل الناجع لإقامة العدالة والحماية الفاعلة لحقوق الإنسان وحرياته يتوقفان على استقلال القضاء واستقلال المحاماة فإن كان العدل أساس الملك فلا عدل بغير قضاء ولا قضاء بغير محاماة يقظة .
2- فروسية الكلمة
المحاماة نصيرة الحق وهى صوته ، والمحاماة وجدت لحماية أغلى ما يملكه الإنسان ماله وحياته وحريته وكرامته وعرضه ، والفهم الصحيح للمحاماة يضعها في موضعها كجزء لا يتجزأ من سلطة العدل ، بإدراك الترابط العضوي بينها وبين القضاء وبادراك أن المحامى أصبح جزء لا يتجزأ لصحة انعقاد المحكمة .
وسلاح المحاماة البتار في مواجهة محاولات التوغل على الحقوق والحريات الكلمة ،بها يصول ويجول ، يدافع بالكلمة لتكون “حياة” تدافع وتدرأ بها الشرور والمظالم ، وتصد التوغل والجبروت والطغيان ، فلا عجب أن يطلب نبي الله موسى من ربه أن يشد عضه بأخيه لا لشيء ألا لأنه الأفصح لساناً ” وأخي هارون هو أفصح منى لساناً فأرسله معي ….. ” لذلك كان التلازم الحتمي بين الكلمة وبين المحاماة ، الكلمة للمحامى أداته للدفاع عن أصحاب الحقوق ، بها يرفع حجته لإقناع أهل الحكم والقضاء ، وفروسية الكلمة تقوم على هذه الاعتبارات ولذلك وكما قال الأستاذ الكبير / رجائي عطية – في أحد محاضراته – ” الكلمة ليست محض رصف حروف ، أو عبارات ، ولا هي محض مباهاة أو طنطنة .. لا تتحقق للكلمة هذه الفروسية ما لم تكن تعبيراً عن حاصل واقع قائم في وجدان وحنايا ملقيها ، مقروناً بالاستعداد للبذل في عالم الفعل لا في عالم التفاخر والتباهي ”
هذه هي الفروسية أن تحتضن أوجاع وآلام وهموم الناس ، وتخوض الغمار وتجتاز الصعاب للقيام برسالتك النبيلة فتدفع عنهم الظلم بحجة وبيان وبرهان .
ويُذكر للهلباوي أول نقيب للمحامين قوله ” إن أسمى مراتب المحاماة وأسمى معانيها هو أن يقف المحامون في جانب مظلوم تحالفت عليه القوى ، وأن يتحملوا معه شطرا مما يقاسي فتلك هي حقيقة المحاماة ”
وكثيرا لا يكتفي المحامى بحمل شطر من الهم بل يحمل على عاتقه الهم كامل كأنه صاحب المظلمة فيجافيه النوم ، ويشغله هم غيره عن نفسه وأهله .
وها هو محام يستهل دفاعه بالقول ” إني أتقدم إليكم بالحقيقة وبرأسي ، تصرفوا في إحداها بعد الاستماع إلى الأخرى ”
فارس الكلمة هو ذلك الذي لسان حاله وفعاله ” من امتنع أن يمشى مع أخيه خطوات فى حاجته أمشاه الله تعالى أكثر منها في غير طاعته”
المحاماة أبداً لا تتخفى ولا تتخلى وتنصر لما تراه الحق حتى لو كان صاحبه أول من ناصبها العداء، فهي لا تعرف إلا أن تقابل بالإحسان فعالهم متناسية الإساءة راضية بالانتصار للحق.
__________________________________
ذاك ما كان من أمر القيم والتقاليد – كحد أدنى – التي تحكم المحاماة كرسالة نجدة وصوت حق وهى وإن تجسدت في بعض ما ذكر ، فهناك قيم وتقاليد وآداب يجب ان تحكم رجال المحاماة القائمين بأعبائها الحاملين لأمانتها
✓✓✓ قيم وتقاليد رجال المحاماة (المحامين)
إن المحامى يكرس وقته وجهده لخدمة العدالة والحق وعليه أن يكون أهلا للاحترام الواجب لرسالته ، قادراً ابتداءً على الالتزام بشرفها ونبل غايتها ، فطالما للمواطن حق الحصول على محاكمة عادلة منصفة ، فمن ركائز هذا الحق وجود محام قادر على أداء واجب الدفاع على أكمل وجه لاسيما وأن المحكمة يعتريها البطلان إن تخلف وجوده ، فلا ينبغي أن يكون هذا الوجود شكلي ، وإن كان الافتئات على حق الدفاع من مظاهر هذه الشكلية ، فإن مهارة المحامى وبراعته ضرورة لازمة ، إن فقدها كان هو أول من يفتأت على حق الدفاع .
وهو الأمر الذي كان يستلزم وضع معيار دقيق على أساسة يتم قبول قيد المحامى ، أو على الأقل وضع معايير وضوابط عامة يمكن على أساسا الاهتداء إلى معرفة من يصلح للمحاماة من غيره ، فالمحاماة رسالة أولى بالرعاية وهى شطر العدالة وهى إن لم تكن قضاء حكم فهي قضاء ترجيح وإبداع ، فكان لزاماً أن يكون قبول قيد المحامى على أسس وقواعد راسية ، ويمكننا الاسترشاد برسالة أمير المؤمنين على رضي الله عنه الى الأشتر النخعى حين ولاه على مصر ففيا من الوصايا والآداب التي يجب أن تكون فى عين الاعتبار عند قبول قيد المحامى ” اختر للحكم بين الناس، أفضل رعيتك في نفسك، ممن لا تضيق به الأمور ولا تمحكه [تجعله ماحقاً لجوجاً] الخصوم، ولا يتمادى[ يستمر ويسترسل] في الزلة ولا يحصر من الفيء [الرجوع] إلى الحق إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه، وأوقفهم في الشبهات، وآخذهم بالحجج، وأقلهم تبرماً [ضجراً ومللا] بمراجعة الخصم، وأصبرهم على تكشف الأمور، وأصرمهم [أقطعهم للخصومة وأمضاهم فيها] عند اتضاح الحكم، ممن لا يزدهيه إطراء [أي لا يستخفه زيادة الثناء عليه]، ولا يستمليه إغراء”
وهذه شيم لازمة للمحامى لا يجب أن تنفك عنه وأن تلازمه طالما هو قائم بالرسالة ، وهو الأمر الذي يستلزم بحق تفعيل دور لجنة القبول بنقابة المحامين حتى تقوم بواجبها على أكمل وجه ويجب الا تصدر قرارها إلا بعد التحقق من توافر شروط القيد (مادة 18 محاماة ) على أني يكون دوراً حقيقاً وليس شكلياً
وقد اشترط قانون المحاماة فيمن يطلب قيده فى جداول المحامين شروطا ويمكن أن نستخلص الآتي :-
1- أن يكون محمود السيرة حسن السمعة وألا يكون قد صدر ضده حكم فى جناية أو جنحة ماسة بالشرف أو الأمانة أو الأخلاق ، وان يكون أهلا للاحترام الواجب لمهنة المحاماة وألا يكون قد اعتزل وظيفته أو منته ، أو انقطعت صلته بها لأسباب ماسة بالشرف والأمانة ، وهى شروط تلازم المحامى ما بقى بالمحاماة ، ويجب إذا تفلت منه احد هذه الشروط استبعاده ، ويجب التزام المحامى فى سلوكه المهني بمبادئ الشرف والاستقامة ، وعليه أن يحرص كامل الحرص على تجنب مواطن الريبة ، وألا يقع منه فعلا تناقله ألسن الناس على نحو يزعزع الثقة فيه .
وهكذا نخلص إلى أن شرط القيد بجداول الحامين أن يكون المحامى محمود السيرة حسن السمعة وهو شرط لابد من توافره من قبل قبول قيده إذ هو من مؤهلات القبول ويستلزم أن يلازمه حتى النهاية ويجب أن تكون مقاييس سلوك المحامى صارمة حازمة ، فالشبهات وورود مواطن الريب أمر لا يستقيم وشرف المحاماة ، ويلقى ظلالاً قاتمة على كرامة المهنة على نحو يضر بسموها وسمعتها.
2- إذا توافرت شروط القبول تعين النظر إلى المتقدمين واختبارهم الأمر الذي كان يستلزم وضع آلية لاختبار المتقدمين وإعدادهم إعداد يصلح بأمانة الدفاع ، بدلا من ترك الأمور فوضى ليختلط الصالح بالطالح ، والمُجد بمن و دونه ، وأنا لا أقول بغلق الأبواب فى وجه المتقدمين لكن أطلب وضع معايير وآليات يمكن عن طريقها الوقوف على من ينوى الاشتغال بالمحاماة اشتغالا فعليا من عدمه ، كما يعرف بها المتقدم نفسه هل يملك صلاحية الولوج إلى هذا المضمار من عدمه .
3- تسلتزم الضرورة إيجاد مراكز لتدريب المقبولين وفق مناهج تدريبة رائدة تحقق توفير محام صالح ، فالمحامى يدح صلاحه كما يد القاضي بعدله ، ولن يحصل المحامى إلى هذه المنزلة إلا بالعلم والقيم ، ومن ثم وجب إشباعه بمهما وتأهيله بهذين العنصرين ذلك لأنه بقدر تحصيله للعلم واكتسابه القيم يكون صلاحه ومهارته وبقدر صلاحه ومهارته تكون شجاعته ونضاله لأجل الحق والعدل .
وإن التأهيل ليس حتمياً للمحامى المبتدئ فحسب بل هو لازم له أثناء استمراره في رسالته ومهنته ولا بد له ن التأهيل المستر طالما هو محام .
4- الاستقامة والنزاهة قيم يجب ان تكون ى وجدان وضمير المحامى في السر والعلن ومع كل من يتصل بم طالما هو فى محراب المحاماة ويجب أن يتقيد بحدودهما وأن تلازماه ملازمة الروح للجسد ، ولم يفت قانون المحاماة أن يؤكد على ذلك ” على المحامى أن يلتزم في سلوكه المهني والشخصي بمبادئ الشرف والاستقامة والنزهة وان يقوم بجميع الواجبات التي يفرضها عليها هذا القانون والنظام الداخلي للنقابة ولوائحها وآداب المحاماة وتقاليدها”(مادة 62)
المحامى يجب أن يكون دائما وأبداً نزيها عف اللسان واليد ، يفرض هيبته فى النفوس بسلوك قويم يحفظ الكرامة ويصون السمعة
5- من لوازم الاستقامة عدم جواز النكوص عن الدفاع إلا إذا استشعر المحامى أنه لن يستطيع بسبب ظروفه أو ملابسات الدعوى أن يؤدى واجب الدفاع فيها بأمانة ، ومن لوازمها تقديم المساعدة القضائية لغير القادرين دون تقصير وبنفس العناية المعتادة منه (63 -64 محاماة)
6- على المحامى أن يلتزم بعض السلوكيات التي يجب أن تكون ديدنه وطباعه وهى ان يكون محبا للخير ، تواق للصلح والإصلاح ، لا يحرص ولا يحرض على خصومة ، يميل للتواضع ، محباً للقراءة والإطلاع ، وقوراً مهيباً ، ويجب عليه أن يحسن اختيار أصدقائه ، وجيرانه متى أمكن له ذلك ، وعليه أن يؤدب أبناؤه أحسن التأديب وينشئهم أحسن تنشئة.
تلك قيم وآداب تصاحب المحامى وتفرض عليه سلوكا في حياته العامة وتقيده في حياته الخاصة وعليه أن يرتضيها ولا يغلبه الهوى ليحيد عنها ولا تقهره الظروف فيجرها وذلك وفاء للأمانة وأداءً للرسالة .
وتبقى قيم تفرض سلوكاً يتبعه فى علاقته بزملائه ومن يتصل بهم في عمله ، وقد عالج قانون المحاماة في المواد 62 إلى 72 منه واجبات المحامى لكنها تبقى توجيهات عامة لا تعدو الحد الأدنى بالنسبة لمن ينشد الرفعة في هذه المهنة .
تقاليد المحامى وآدابه فى عمله وعلاقته بزملائه
1- المحاماة رسالة شرف يرتبط عقدها فيجمع أولها بآخرها لتشكل منظومة متكاملة وخبرة قانونية متراكمة يتوارثها جيل بعد جيل فكان لزاماً أن يكون الاحترام هو أساس التعامل بين الزملاء ولزاماً توقير الكبير والأسبق فى القيد ، يلاقيه عطف الأقدم على الأحدث وان يحوطه بالنصح والتوجيه .
فالمحاماة يجب أن تقوم على إخاء صادق وتضامن حقيقي يجمع لا يفرق ، يدعو للاتحاد ونبذ الشتات، وقد قيل بحق أن الاحترام وحده بين المحامين ليس بكاف بطريق الامتناع بل يجب أن يكون إيجابي فلا يجب أن يطلب المحامى تأجيل قبل أن يخطر به زميله بوقت كاف .
2- المحامى يستلزم عليه أن يعرف قدر المحاماة وأنها صناعة رفيعة المستوى ، ومن ثم يستلزم إلا يستخدم وسائل الدعاية ووسائل جلب الزبائن على نحو لا يتفق وجلال رسالته ويمتنع عليه استخدام الترغيب أو الوسطاء أو الإيحاء بنفوذ أو صلة حقيقة أو مزعومة وليكن الصدق حليته والنزاهة نزعته (مادة 71 محاماة)
دع الحرص على الدنيا *** وفى العيش لا تطمع ـ فإن الــرزق مقــسوم **** وسوء الظن لا ينـــفع.
3- المحامى خادم في محراب العدالة والعدالة تزدرى محب الظهور والزهو ، ومن ثم يمتنع على المحامى أن يستغل اهتمام الرأي العام بقضية يتولى الدفاع فيها ، ويقوم بالإدلاء بتصريحات أو بيانات عن القضايا المنظورة أو أن ينشر أموراً من شانها التأثير في سير الدعوى (مادة 70 محاماة)
4- المحامى أولى الناس بالأمانة فذلك أدعى لثقة الناس في ، بل أدعى لصون كرامته وحسن سمعته ، وليس هناك من شيء أدعى لحفظة من سر استودع لديك ، والمحامى بحكم عمله يطلع على جانب ن أسرار موكله وهو عليها مؤتمن ، بل هو أيضا قد يصل لعلمه بعض أسرار خصوم موكله ، والأمانة تقتضى إلا يتعرض لها إلا بالقدر اللازم لواجب الدفاع وليس للمحامى أن يتعرض للأمور الشخصية لخصوم موكليه ، با يتعارض مع الشرف والاستقامة (29 – 79 محاماة)
والخصم إن غلبته لا تستطل **** عليه بالسب كفاه ما حصل
آداب وقيم المحامى مع من يتصل بهم فى عمله
1- مع القضاء
أحرص الناس على استقلال القضاء هو المحامى ، هكذا يجب أن يكون ، فالقضاة والمحامين قدا من معدن واحد وتشعبت أعمالهم لأجل الشراكة في تحقيق العدالة ، فبقدر إيمان المحامى بقدسية رسالته بقدر إيمانه بجلال القضاء ، وعلى قدر تقديره لموقعه في محراب العدالة يكون تقديره لموقع القاضي على منصته في المحراب نفسه ، وليسلك المحامى تجاه القضاة مسلكاً محترماً يتفق وكرامة القاضي وهيبته من دون انتقاص من دوره فى الدفاع وحقه في الانتقاد والاعتراض المؤسس على القانون دون خوف أو اتخاذ أي اعتبارات شخصية تحول بينه وبين أداء الواجب ،وليسعى المحامى إلى الحفاظ على العلاقة المهنية كشريك في إقامة العدل وركيزة لا يصح انعقاد المحكمة بدونه .
2- مع موكله
ما حيلة من اخذ ظلماً واجتمعت عليه الأدلة الملفقة ، واجتمع عليه الناس ،و ما حيلة ضعيف الحجة الأول قد يضطر للاعتراف على نفسه بجرم لم يقترفه ، لعجزه عن الإتيان بدليل براءته بعد اجتماع الناس عليه ، والثاني قد يأخذ منه حقه وبحكم القضاء لا لشيء وإنما لافتقاره لمكنة الذود عن حقوقه والدفاع عنها ، عنا يتجلى دورك أيها المحامى ، وتتجلى فروسيتك بحق ، فعليك أن تكون أمينا فى أداء الواجب وان تتولى الدفاع عن وكلك بأمانة وإخلاص ، دون تجاوز لحدود الوكالة ، وبغير تقصير أو إهمال وعليك بالالتزام بالمحافظة على سر موكلك المهني ، وعليك واجب قانوني ومهني بأن تمتنع عن إبداء المشورة والعون لخصم موكلك ، وعليك أن تمتنع عن الشهادة ضده والامتناع عن كل ما يعرض مصالحه للخطر ، وتلتزم بإعادة الأوراق اليه وكل ما ائتمنك عليه من أموال ومستندات في المواعيد المتفق عليها.
ويجب ألا تختلط بموكلك اختلاطاً يهدم حدود التعامل بينكما ، ولا تدعه يملى عليك خطة الدفاع والعمل ، فهذا شأنك وحدك ، واعلم بأنك مدين بالولاء والإخلاص للقضية الأهم وهى قضية العدالة ، فلا تؤجر ذمتك لموكلك وكن دومع ناشد للحقيقة.
ــــــــــــــــــــــــــ
هذه بعض آداب وقيم رسالة المحاماة – وما أغافلناه لا ريب كثير فهي معين لا ينضب من الآداب والقيم وكان ما استعرضناه حدا أدنى لما ينبغي أن يكون ، فضلا على أن المحامى لا يقتصر تعامله بمناسبة أداء عمله على من تم ذكره إنما يتعامل مع أجهزة معاونة أخرى تتصل بالعدالة ويجب أن ينطلق في إطار تعامله معها من قواعد وآداب مهنته خدمة للغاية التي يناضل لأجلها وهى حماية الحقوق وصيانة الحريات .
ولابد لنا نحن جماعة المحامين أن نقف مع أنفسنا وقفة صدق ونحاسب أنفسنا حساب من يبتغى النجاة ، ولنتمسك وبقوة بآداب وقيم وتقاليد المحاماة فبها وحدها نستطيع أن نفتح قلوباً أغلقت أبوابها في وجوهنا، وسنفرض على المجتمع احترامنا وسننتزع حقوقاً من مخالب من يضن بها علينا ، وسنجد من خلفنا ظهيراً شعبيا يؤمن أن ما نسعى إليه هو سعى عائده عليه لا علينا.
” رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ” صدق الله العظيم