قراءة في مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد

أسماء دياب

أفصحت لجنة إعداد مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد عن أنها كانت تستهدف مادة واحدة، هى المادة الخاصة بالاستضافة، ثم امتد الأمر إلى مقترحات تعديل شملت224 مادة، تبدأ بأولى مراحل الزواج ، وهى الخطبة وشروطها، مرورا بالزواج، والطلاق، والخلع، والرؤية، والنفقة، وإجراءات صرف نفقة الطلاق.
وعلى النقيض مما بدا بأن وضع المرأة تحسن فى مشروع القانون الجديد، فهذا الظاهر يحمل عكس الحقيقة، وهذه بعض المواد المفخخة، على سبيل المثال لا الحصر، أولا: المادة الخاصة باستضافة الأب لأولاده فى حالة الطلاق، فلا أحد يختلف فى أحقية الأب بأن ينعم بمعية أبنائه، ويكون عنصرا فاعلا وحقيقيا فى تربية أبنائه، وتنشئتهم بشكل سوى. وبالفعل الاستضافة واقع موجود فى حالة الأزواج الذين تفرقوا بإحسان، وأبسط مظاهر الإحسان هى تمكين الأم والأولاد من منزل الزوجية طواعية، والاتفاق حول مسائل النفقة، والرؤية، والولاية طواعية، أو فى حالة الانفصال، لا بتسريح ولا إحسان، وواقع المحاكم خير دليل على ذلك، فالإحصاءات القضائية أوضحت أنه يوجد 15 مليون قضية أحوال شخصية فى المحاكم، منها ٨٥% قضايا نفقة، والرؤية والحضانة 15%.
فليس بأب من يسمح له ضميره وأخلاقه وأبوته بأن يترك أبناءه وطليقته يتسولون حقهم فى نفقة عادلة، ويراوغ بكل ما أوتى من ألاعيب للتهرب من الإنفاق على أولاده، بداية من تقديم أوراق تفيد بعجزه عن العمل، والاستقالة المستعارة، أو تغيير عمله، أو الزواج بأخرى، والتقديم للقاضى بما يفيد بأن الزوجة الأخرى بحاجة إلى مصاريف، وعلاج لتقليل مبلغ النفقة، مرورا بدفع رشاوى لأصحاب النفوس الضعيفة لإثبات بالتحريات عدم وجود دخل للزوج، ونهاية بمعاونة بعض المحضرين للأزواج فى الهروب من دفع النفقة، وعدم تنفيذ الأحكام، بأن يكتب فى الإنذار إنه لم يستدل على عنوان للزوج، وبالتالى يصير الزوج فى حكم القانون غير معلن بالحكم، ويماطل فى دفع نفقة الزوجة والأطفال، ويصل الأمر فى بعض الأحوال إلى تشويه سمعة الزوجة، واتهامها بتهم أخلاقية انتقاما منها للتنكيل بها فى المحاكم، فعدد الدعاوى الكيدية التى أقامها الأزواج ضد زوجاتهم، واتهموهن فيها بالخيانة والزنا، وأثبتت التحقيقات عدم صحتها، وصلت إلى ثلاثة آلاف خلال عام.
فكيف تستأمن هذه النوعية من الآباء على أبنائهم؟، وكيف تضمن الحاضنة عودة الأطفال لها؟، فكثير من الأطفال يتعرضون للخطف من قبل الآباء غير الحاضنين، فالأب الذى يراوغ فى الإنفاق على أولاده يستحق إسقاط حقه فى الرؤية، ليس مكافأة بقانون الاستضافة، ليتمكن من الانتقام من الأم بخطف الطفل، وتغيير محل الإقامة.
ثانيا: من المواد التى تعد إهانة للمرأة ربط النفقة بالطاعة لا بالعقد، مع أن الشريعة الإسلامية،ك لم تشترط من شرط لوجوب نفقة الزوجة،ك سوى الاحتباس على الذمة، فجاءت المادة(66) الفقرة الثانية تنص على أنه: “لا تجب النفقة للزوجة إذا ارتدت، أو امتنعت مختارة عن تسليم نفسها دون حق”، هكذا قرر مشروع القانون أن نفقة الزوجة ليست مستحقة بالعقد، كما سمح القانون بالحكم على عقيدة الزوجة بما يخالف حرية العقيدة المثبتة، والمستحقة للشخص المكلف العاقل، شرعاَ ودستورا، ولم يتعرض المشروع لردة الزوج، مما يكرس لثقافة ولاية الزوج الدينية على الزوجة، كما هو شائع فى الأوساط الظلامية.
ثالثا: تنص المادة (60) على أنه: “تسلب الحضانة فى حال صدور حكم جنائى على الحاضن فى جريمة مخلة بالشرف..، أو بسبب عدم القدرة الصحية على القيام بدوره فى رعاية الصغير على الوجه الأمثل”، فربط الحضانة بالمقدرة الصحية فية تنكيل بالحاضن. فمصلحة الصغير تتحقق برعاية الحاضن بنفسه، أو بخادمة تحت إشرافه، أو أى شخص آخر مساعد، كأم، أو أب، أو أو أخت.
رابعا: كان من الأولى تعديل قانون الولاية على المال، بدلا من البحث عن ترتيب حضانة الأب الأرمل. فمن الطبيعى والفطرى أن الطفل فى سنوات حياته الأولى يحتاج إلى امرأة. فإن توفيت الأم، فأم الأم، وهكذا، فقانون الولاية على المال مر عله نصف قرن، ويعامل إلى الآن الأم الأرمل على أنها لصة أو فاقدة للأهلية، ستسرق أو ستبدد أموال صغارها. فالأب إذا لم يعين الأم وصية على الأبناء، قبل وفاته، فستعانى الأم أشد المعاناة. فالقانون يعطى الولاية للجد أو العم، فتعانى المرأة، فى ظل هذا الوضع، من التحكم فى مصيرها هى وصغارها، فضلا عن الإجراءات الطويلة والمرهقة مع المجلس الحسبى، والتى قد لايسعفها الظرف والوقت فى الصبر عليها، لحادث مفاجئ أو عملية لقدر الله، فنحن فى حاجة فعلية لرفع المعاناة عن الأم والصغار فى هذا الوضع.
مما سبق، نستنتج أن المشروع الجديد فيه من المواد المفخخه ما يستحق ليس فقط إعادة النظر فيها، ولكن نسفها جملة، وإحلال أخرى تتماشى مع مستجدات العصر، وما يحدث فيه من فساد للذمم والأخلاق، وما يتناسب مع وضع المرأة، فلا يعقل أن تعامل المرأة فى القوانين إلى الآن كشيء يملك أو منقول ينقل، أو يتدخل فى حريتها فى الاعتقاد بدعوى أنها امرأة، ولزوجها حق الولاية الدينية عليها، فهل الزواج ينقص من أهلية المرأة فى الشريعة الإسلامية أو فى القانون المصرى؟، وهل نسعى إلى مجتمع منافق مزيف؟.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى