قراءات فنية (بنائية ودلالية) في النصوص الدستورية (1)

بقلم/ الدكتور محمد عبد الكريم أحمد الحسيني – المحامي، وأستاذ القانون المساعد بكلية الشريعة والقانون- قسم القانون والقضاء IUM  –

 

هذه قراءات منهجية في اللغة الدستورية كما تعبر عنها نصوص دستور سنة 2014م، قصدنا بها:

1-توجيه الأنظار إلى طبيعة هذه اللغة القانونية الفنية وإلى خصائصها ومراحلها وأهم عملياتها البنائية، وهو ما سوف يساعد السادة القانونيين على إدراك ماهية النص القانوني الدستوري، ودور بنائه اللغوي في فهمه وتفسيره واستخراج أحكامه وتعرف خصائص قواعده..

وفقا لما أراده المشرع الدستوري، تبعا لمبدأ ” قيام الفهم الدلالي على أساس الصوغ البنائي” – وسوف نأتي على تفصيله- .

2-توقيف السادة القانونيين على طبيعة المصطلحات والأوصاف والمفردات المستخدمة في البناء الدستوري ومدى فنيتها وجدارتها واقتدارها على اشتمال المعاني القانونية واحتواء الأحكام الدستورية تبعا لكل قاعدة دستورية (ضمنها المشرع الدستوري حكما محددا قاصدا بها غاية معينة)، وهذا من المهمات بل والأهمات في فهم دلالات النصوص الدستورية.

3-تعرف الدلالات اللغوية لمصطلحات النصوص الدستورية ومفرداتها وتراكيبها، وكيف يمكن فهمها في ضوء بنائها،  وكيفية تفسيرها تبعا لما تدل عليه صيغتها، والاقتدار على استخلاص الأحكام من قواعدها كما يعبر عنها نظم عباراتها وصوغ جملها وتركيب مفرداتها.

وعلى الجملة فهذه القراءة ما هي إلا تطبيق عملي لبحثنا القانوني الموسع باسم “النظرية العامة للغة القانونية” أصولها وأحكامها وواقعها القانوني المعاصر، وأصله رسالة دكتوراه تحصلناها بمرتبة امتياز بحمد الله تعالى.

 

التأسيسات العلمية للقراءة الفنية في النصوص الدستورية:

جدير بنا ذكر بعض التأسيسات التي لا استغناء عنها في هذه القراءة، فهي بمثابة الأصول التي تقوم عليها والتي يمكننا من خلالها استخلاص المعاني والأحكام الدستورية وفقا لقواعدها حسبما أرادها المشرع الدستوري :

 

التأسيس الأول: في تعريف  اللغة الدستورية

تتعدد لغات القانون فيما ترسمناه إلى :

1-لغة قانونية فنية.

وهي تلك اللغة المتخصصة الدقيقة التي تعبر عن خصائص وسمات القواعد القانونية (سواء أكانت قواعد دستورية أم قواعد تشريعية أساسية أو عادية).

وتعبر هذه اللغة القانونية الفنية  عن التشريعات في جملتها:

أ-التشريع الدستوري .

ب-التشريعات القانونية الأساسية.

د- التشريعات القانونية العادية.

 

2-لغة قانونية رسمية أو تقريرية

وهي تلك اللغة القانونية المحايدة، بمعنى أنها لغة وصفية تقريرية تخلو من الانفعالات ومن المجازات وهي أيضا لغة مباشرة تعبر عن مرادها بلفظ وتركيب وصوع ونظم وضعي قوامه الدقة والوضوح بعيدا عن أي ضرب من الصور البيانية أو العلاقات البلاغية.

وتعبر هذه اللغة عن “المقاربات التشريعية”  وهو مصطلح نعبر به عن معطيات النظام القانوني الوطني وعن كل بناء قانوني يقارب البناء التشريعي في طرائق وضعه أو في أهميته، وإن لم يكن في أصله نصا تشريعا ، وذلك مثل :

أ- اللوائح التنفيذية ، وهي مكتوبات قانونية لازمة وحتمية لإنفاذ القوانين، وبتوقفها يتوقف تنفيذ القانون على رغم إقراره وما ذلك إلا لأهميتها وخطورة مكانتها.

ب- المذكرات التوضيحية. وهي تلك التدوينات المصاحبة لعرض مشاريع النصوص القانونية المقترحة على البرلمان صاحب السلطة التشريعية والمختص بوضع القوانين وإصدارها.

ج- القرارات الإدارية الجمعية ، وأهميتها تأتي في كونها جمعية وهي أقوى القرار الإداري المفرد.

د- العقود الإدارية ، وهي عقود ذات طبيعة خاصة تختلف عن العقود المدنية لأنها تعنى بالمرفق العام والدومين العام … فهي على درجة خطيرة من الأهمية ينبغي التحري في بنائها وصوغها للحفاظ على الملكية العامة ومقومات الدولة  .

هذا بالإضافة إلى الإعلانات الدستورية والمراسيم بقوانين وبعض من أنواع الخطاب القانوني ، وخاصة تلك الخطابات القانونية في حالات الطوارئ والجوائح والملمات …فكلها على درجة كبيرة من الأهمية تقارب أهمية التشريعات، ومن ثم كانت لغتها تقريرية وصفية تقارب لغة التشريعات الفنية.

 

3- تعريف اللغة الدستورية:

في ضوء ما سبق يمكن تعريف اللغة الدستورية بطريقتين  :

الطريقة الأولى:

بأنها:” تلك اللغة الفنية القانونية ذات الخصائص المعينة والسمات المميزة لها -عن كافة اللغات القانونية الأخرى- والتي عليها تبنى نصوص الدستور وتصاغ بها جمله وتنظم بها عباراته”.

 

الطريقة الثانية:

وهنا تعرف اللغة الدستورية بملاحظة النظام اللغوي والتنظيم القائم والكامن في اللغة القانونية فنقول: “هي النظام اللغوي الفني الذي ينهض عليه بناء الدستور في جميع مراحله الخمسة بدءا من اختيار مفرداته وسبك تراكيبه وصوغ جملة ونظم عباراته وتكويده وإخراجه …””

 

وهذه اللغة التي تبنى منها الدساتير -في أساسها- هي اللغة العربية التراثية الفصحى، حيث نص الدستور ذاته عليها كما في مادته الثانية ونصها: “الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع”.،

غير أنها لغة قانونية متخصصة بل هي لغة فنية تقوم على أساس قانوني محكم وعلى مقومات خمسة تحزمها في كل مكوناتها ومفاصلها على ما سنأتي عليه تفصيلا في المقال القادم وما بعده بإذن الله تعالى.

أشرف زهران

صحفي مصري، حاصل على بكالريوس إعلام، ومحرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين، ومكتب النقيب،
زر الذهاب إلى الأعلى