في رحاب لغة القرآن.. الابن والولد

الدكتور أحمد عبد الظاهر – أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

قد يخلط البعض بين لفظ «الابن» ولفظ «الولد»، فيظنُّ أنَّ لفظ «الابن» يشمل الذكر والأنثى، وأنَّ لفظ «الولد» يُطْلَق على الذكور فحسب من الذرية. وقد يصل الأمر بالبعض إلى الاعتقاد بأن كلا اللفظين يتعلقان بالذكور دون سواهم (راجع: معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة، محمد العدناني، مكتبة لبنان، بيروت، 1430هـ ـ 2009م، صـ 732).

وفي هذا الشأن، ومن خلال الاسترشاد والاستدلال بالآيات القرآنية، وبالرجوع إلى المعاجم اللغوية، والكتابات الفقهية، يبدو سائغاً القول إن ثمة فارق بين لفظ الابن ولفظ الولد، وذلك من وجهين (من حيث جنس المولود، ومن حيث وجه الصلة بالأب أو الوالد)، وذلك على النحو المبين تفصيلاً من خلال العرض التالي:

الفارق بين الابن والولد من حيث جنس المولود

الصحيح لغة أن (البنين) هم الذكور، ويقابلهم (البنات)، ومفرد (بنِين): ابن، ومفرد (بنات): بِنْت أو ابنة؛ جاء في المعجم الوسيط: (الابن): الولد الذّكَر، وابن الابن وإن نزل. والجمع: أبناء، وبنون. والبِنْت: الأنثى من الأولاد، والجمع بنات. أما (الْوَلَد) فهو بمعنى مولود، ويشمل الذكور والإناث. فقد جاء في معجم المصباح المنير: «والْوَلَدُ، بفتحتين: كلُّ ما وَلَدَه شيء، ويطلق على الذَّكَر والأنثى والمثنَّى والمجموع … وجمعه أولاد».

الأدلة من القرآن الكريم

الدليل على أن لفظ الولد يشمل كل من الذكر والأنثى من القرآن الكريم، قوله تعالى في الآية الحادية عشرة من سورة النساء: )يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا(.

وفي الآية السابعة والأربعين من سورة آل عمران، يقول المولى عز وجل: )قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(. ويقول سبحانه: (إِنَّمَا أموالُكم وأولادُكُم فِتْنَة)، وَيقَول عز وجل: )إنَّ من أزْواجِكُم وأولادِكُم عدوّاً لكم(.

ويستدل على ذلك أيضاً بقوله تعالى في الآية الثالثة والثلاثين بعد المائتين من سورة البقرة: )وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(.

وفي سورة البلد، يقسم المولى عز وجل، قائلاً: )لَا أُقْسِمُ بِهَٰذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنتَ حِلٌّ بِهَٰذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ(. وفي تفسيره قوله تعالى: )وَمَا وَلَدَ(، اختلف المفسرون، فمنهم من ذهب إلى أن المقصود هو كل عاقر لم يلد، بينما ذهب الآخرون إلى أن المراد هو الولد، بحيث يكون القسم في الآية )وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ( هو «الوالد وولده».

الأدلة من السنة النبوية

يقول الرسول الكريم صلى عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له». ونظراً للاعتقاد الخاطئ بأن لفظ «الولد» يدل على الذكر فقط دون الأنثى، لذا فقد طرح البعض التساؤل عما إذا كان يشترط أن يكون الولد الصالح ذكراً. وفي الإجابة عن هذا التساؤل، أوضح العلماء أن ثمة قاعدة تقول: «كل مولود ولد». ومن ثم، فإن عبارة «ولد صالح» تشمل الولد الذكر والولد الأنثى، لأن القاعدة تقول كل مولود ولد.

ومما سبق، يتبيَّن أنَّ كلمة «البنين» تختلف في مدلولها ومعناها عن كلمة «الأولاد»، وأن لفظ «الولد» يطلق على الذكر والأنثى، بينما يطلق لفظ «الابن» على الذكر فقط.

الفارق بين الابن والولد من حيث الصلة بالأب أو الوالد

من ناحية أخرى، وفي بيان الفارق بين الولد والابن، تجدر الإشارة إلى أن ثمة فارقاً آخراً بينهما. بيان ذلك أن «الْولد يَقْتَضِي الْولادَة وَلَا يقتضيها الابْن وَالِابْن يَقْتَضِي أَبَا يَقْتَضِي والدا وَلَا يمسي الْإِنْسَان والدا إِلَّا إِذا صَار لَهُ ولد وَلَيْسَ هُوَ مثل الْأَب لأَنهم يَقُولُونَ فِي التكنية أَبُو فلَان وَإِن لم يلد فلَانا وَلَا يَقُولُونَ فِي هَذَا وَالِد فلَان». ولأجل ذلك، كان استخدام لفظ «التبني» في اللغة والقانون. فكلّ مَن تربّيه فهو «ابن» لك، سواء كان مِن صلبك أم لم يكن. أما «الولد» فيطلق على الابن الصلبي حصراً. ولذلك، نجد القرآن في آيات المواريث يحدد الابن الوارث بصيغة «الولد»، مميزاً في هذا الشأن بين الذكر والأنثى، مع تفادي استخدام لفظ «الابن» والبنت عند بيان أحكام المواريث، فيقول جل شأنه: )يوصيكمُ اللّـهُ في أولادكم(، ويقول سبحانه وتعالى: )إنْ كان له ولد( (سورة النساء: الآية 11).

مدى التزام الصياغة التشريعية بالدلالة اللغوية

إدراكاً للدلالة اللغوية للفظ «الولد» على كل من الذكر والأنثى، تنص المادة الثمانون البند الأول من قانون المعاملات المدنية الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة رقم (5) لسنة 1985م على أن «يكون لكل شخص اسم ولقب، ويلحق لقبه بأسماء أولاده». وغني عن البيان أن لقب الوالد يلحق بأولاده، ذكوراً وإناثاً.

وفي المقابل، يحدث أحياناً أن يستخدم المشرع لفظ «الابن»، قاصداً به كل من الابن والبنت، الأمر الذي يتناقض مع الدلالة اللغوية الصحيحة للفظ. فعلى سبيل المثال، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، وبالاطلاع على المرسوم بقانون اتحادي رقم (41) لسنة 2022 في شأن الأحوال الشخصية المدني، نجد أن الفصل الرابع منه قد ورد تحت عنوان «حضانة الأبناء». وغني عن البيان أن المراد هنا هو حضانة الأطفال من الذكور والإناث، وليس جنساً واحداً بعينه منهم.