فطرة الآدمي

من تراب الطريق (1137)

فطرة الآدمي

نشر بجريدة المال الأحد 11/7/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

الاعتدال وعدم التطرف من سليقة وفطرة الآدمي السليم الذي يمثل الغالبية من البشر، وليس فضيلة أخلاقية يكتسبها صاحبها بالاختيار والتعلم والاعتياد.. إنه مجرد نتيجة لميل الإنسان الطبيعي إلى التواصل وتكوين الجماعة والرغبة الفطرية في إقامة المودات والعلاقات الاجتماعية اللازمة لتبادل المنافع والخدمات ومطالب الحياة المشتركة. وذلك خلاف ما يسمى بالاعتدال أو تجنب الإفراط والتفريط، وهو قيمة أخلاقية لها منزلتها لدى الناس بعامة في كل عصر وبيئة.. قوامها قوة في الإرادة والوعى وقدرة على ضبط أهواء النفس، ورصيد من سعة الصدر والحكمة والرشد والفطنة، بموجبه يلتزم المرء حدوده لا يتخطاها ملتزمًا العرف السائد بين الشرفاء.. هؤلاء الذين يعتبرون من أمارات الشرف والوعى والفهم ـ احترام آدمية الآدمي ورعايتها في كافة الأحوال والظروف !

وغلبة الأطماع على حياة الآدمي ضرورة فرضتها كثرة الاحتمالات والمجاهيل والغيبيات في حياته الفردية والاجتماعية.. فهو من لحظة الإخصاب إلى أن يغادر الدنيا يتحسس طريقه الذي لا يعرفه بيقين.. ويحدس ويخمن ويتأول ويخاطر ويغامر ويقامر ويَخْدع ويُخدع ويسلم ويستسلم، ثم ينتهى وهو صفر اليدين أو يكاد.. لا يترك إلاّ آثارا ومأثورات لا تقطع باتجاه واحد ثابت.. ولا تلقن الآخرين سلوكاً بعينه يلتفتون إليه وينتفعون به ولا يخالفونه.

والصلة بين الأطماع وبين الحظ وثيقة للغاية.. إذ لا يخلو طمع طامع من افتراض شىء من حسن الظن بالأيام والأحداث، أو على الأقل من افتراض أنه لن يصادف هو بالذات سوء طالع مفاجئ ليس في استطاعته إبعاده.. لأن من يطمع يفترض دائما أنه قد أقام مطمعه على أسس متينة محكمة، وزودها بما يكفيها من عوامل يرجح معها الفوز.. وهو غالبا ما يبالغ في التفاؤل قليلاً أو كثيرًا ـ لشدة شوقه وقوة رغبته في نيل ما يطمع فيه.. وهو حين يفشل يعزو في الغالب هذا الفشل للحظ العاثر والمقادير المكتوبة ومعها تدخل الخصوم والحاسدين الذين لا يغفر لهم قط تدخلهم ذلك الذي يزعمه أو يفترض حصوله بدلالة فشله الذي صدمه !!

قيمة المعاني الدينية لدى البشر تتركز في أنها معان كونية ثابتة دائمة أزلية وأبدية توافق العقل الأسمى وإن كانت تبدو متعارضة ـ أحيانًا أو كثيرًا ـ مع مقولات العقل الإنساني الذي يريد الفهم الواضح والحل المعقول، ويريد أن يستهدى بما هو جلى ومشاهد في داخلنا وخارجنا من أحداث وظواهر الكون المشهودة لإدراكاتنا وحواسنا مما هو قابل للاستزادة من الفهم وقابل لذلك للتصحيح والتعديل والمراجعة وإعادة الصياغة أو إعادة التصور ‍‍‍!

بقى أن أقول لكم، إن قيمة الإنسان فيه، لا في مرايا الآخرين.. مستوية كانت أو محدبة أو مقعرة، ولكن تنشب الأزمة حين تتغلغل التفاهة وقلة القيمة وهوان الشأن إلى الداخل.. وكثيرا ما يكون لهذا الهوان مقدمات قد لا يمسك بها الواقع في وهدتها، ولكنها تتحكم في مسارات حياته.. أحيانا بالوعى وأحيانا باللاوعي.. كشأن الجازع من العمل الحر الهارب منه إلى حماية وأمان الوظيفة العامة على نظام: « إن فاتك الميري اتمرغ في ترابه » !.. فإن فاته الميري طلب الأمان في الوظيفة الخاصة، حتى وإن دفع فيها من كرامته !!

قال أحد العارفين: « من قرت عينه بالله تعالى قرت به كل عين، ومن لم تقر عينه بالله تقطع قلبه على الدنيا حسرات. » !