علمنا النسبي في رحاب العلم اللدني (1)
من تراب الطريق (988)
علمنا النسبي في رحاب العلم اللدني (1)
نشر بجريدة المال الثلاثاء 1/12/2020
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
علم ويعلم، من الكلمات التي يكثر تداولها وتحتاج إلى فهم يتوازى مع معناها الجليل.. حين يقال عَلِم فإن ذلك يعنى أنه أدرك وعرف ـ بقدر من الإدراك والمعرفة ـ شيئا كان يجهله.. هذا هو المعنى الأصلي للفظ في أي لغة من لغات البشر.. وقد يأتي الإعلام بالعلم من نشاط مباشر للشخص يتغيا تحصيل معلوم لا يعلمه من كتاب أو مشهد أو ما إلى ذلك، وقد يأتي الإعلام من مصدر خارجي، فيقال أُعْلِمَ ممن كلف أو قام بالإعلام.. وربما اختلفت المعاني ومعها الحساسيات عند اختلاف المنزلة ما بين أدنى وأعلى لا يتوقع وربما لا يرتضى أن يأتيه الإعلام ممن هو أدنى منه، بل يفترض فيه كمال الطاعة والحرص على إثبات هذه الطاعة والتعبير عنها بما يدل على ما للأعلى من مكانة ومقام !
ولفظ عليم والعليم، ذكر كثيرًا في القرآن المجيد اسما من أسماء الله الحسنى، وصفةً من صفاته سبحانه وتعالى.. وأسماؤه جل شأنه معبرة عن صفاته.. يوصف تبارك وتعالى في القرآن الكريـم بأنه « عليم ».. من نحو : « إن الله بكل شيء عليم » . ونحو : « إن الله كان عليماً خبيراً » ونحو : « والله عليم بالظالمين » . ونحو: « فإن الله شاكر عليم » . ونحو : « والله سميع عليم ».. ويذكر سبحانه وتعالى باسم « العليم » كاسم من أسمائه الحسنى، من نحو : « إنه هو العليم الحكيم » . ونحو : « بلى وهو الخلاق العليم »
ونحو : « وهـو السميع العليم » ونحو : « قال نبأني العليم الخبير » ونحو: « ذلك تقدير العزيز العليم » .
وعلْم الله عز وجل، هو العلم المطلق، ليس نسبيا كعلم البشر، وعلمه سبحانه لا يأتي ـ كشأن المخلوقين ـ بعد جهل، ومن المحال أن يسبق علمه جهلُ.. فعلمه ـ تعالت حكمته ـ أزلي لا يتقيد بزمان ولا بمكان كما يتقيد علم البشر، ولا يغيب شيء عن إدراكه سبحانه، كما يحصل ذلك لكل آدمي.. فحرص الإنسان على أن لا تفتنه فتنة ما عن ربه ودينه ـ إخبار منه بسلوك سوى يرفعه ويزفه إلى ربه جل شأنه.. لا ليخرجه ـ حاشا لله ـ من الجهل به كما يفعل الناس بين بعضهم وبين بعض، بل ليثبت به لنفسه كمال طاعته في جواره الداخلي المفترض دوامه بينه وبين ربه.. هذا الجوار نعمة كبرى ميزه بها الخالق عز وجل، ورحب سبحانه بأن يستعمل فيها الإنسان لغته الآدمية أيا كانت ـ على قدر ما تبلغ من التطور والتقدم .
وأكثر من ثلاثة أرباع اللغة الآدمية ـ رموز وإشارات.. تعكس حياة البشر وتصور عواطفهم وآمالهم ومخاوفهم.. لو فقدوها ـ تنهار حياتهم وينهار ما معها من العلاقات والروابط والأصول والعادات والقيم التي بنيت عليها حياتهم .
ونحن نستعمل ذات هذه اللغة في بناء صلاتنا بالحيوانات القابلة للاستئناس وبالنباتات التي يتاح لنا فرص التعامل معها، أما علاقة البشر بالطبيعة غير الحية وبالحيوانات والنباتات غير القابلة للاستئناس، فعلاقة أحادية من طرف واحد فقط هو الإنسان.. أما غير الإنسان فلا يشارك في هذه العلاقة ويكفي أن يرضخ ويذعن ويقوم بما يطلبه منه الآدمي، طبقا للنواميس الطبيعية الكونية التي تنقاد لها كل الأشياء غير الحية أو غير الواعية التي تملأ الكون الهائل الذي لا يعدو كوكب الأرض أن يكون مجرد ذرة متضائلة فيه !.. ونحن لا نعرف عن طبيعة هذه النواميس إلا قليلا جدًّا برغم ألوف السنين التي مرت على وجودنا الآدمي.. ومعرفة هذا القليل القليل ـ قد مكنت الآدميين ومكنت معهم الأحياء من حيوان ونبات ـ من البقاء والتطور !.. وهو ما يلفت نظرنا إلى كفاءة الحياة وقلة حاجتها إلى المعرفة الواعية، واعتمادها الفطري الآلي على ما تزودها به الطبيعة غير الحية ـ اعتماداً يكاد أن يكون كليا نشهده في أنفسنا وفي داخلنا ـ كما نشهده في بلايين الأحياء من حولنا !