علاقات الإخوان بالقوى السياسية والحزبية فى الزمن الماضى
من تراب الطريق (1247)
نشر بجريدة المال الثلاثاء 25/1/2022
ــ
بقلم نقيب المحامين الأستاذ : رجائى عطية
ـــ
الذى لا أفهمه قط ، وليس فى وسعى أن أفهمه ، العلاقة الحميمة الممتدة بين الناصريين ـــ ولا أقول الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ـــ وبين الاخوان .
ومهما قيل فى موقف الوفد من الاخوان ، فإنه لا يمكن أن يقاس بموقف ثورة يوليو من الإخوان ، لا سيما بعد حادث المنشية ، الذى صمم الاخوان على أنه مصطنع ، وقطعت الأدلة وتمسك الناصريون بأنه واقع صحيح .
مصطفى النحاس ، زعيم متميز بين زعماء مصر ، فى استقامته ونزاهته وأمانته وقوته وصراحته فى الحق .. لم تمنع السنين الطوال التى عاشها معزولًا عزلاً تامًا ، من عام 1952 حتى وفاته فى 23 أغسطس 1965، لم تمنع من تذكر المصريين له ، وخروجهم عن بكرة أبيهم بالملايين لتشييعه فى جنازة حاشدة تعبيرًا عن حبهم وإكبارهم لهذا الوطنى الخالص .
صفحات مصطفى النحاس مع الإخوان ، جديرة بأن نعرفها . يُروى أنه فى ظل حكومة الوفد برئاسة النحاس ، تقدم حسن البنا لترشيح نفسه لمجلس النواب عن دائرة الإسماعلية فى عام 1944 ، ولم يكن مصطفى النحاس حتى ذلك الوقت على علم بخطط وأهداف الإخوان السياسية ، وقيل إن الأستاذ محمد عفيفى شعبان رئيس تحرير الحوادث ـ وهى جريدة وفدية ، لفت نظره إلى طبيعة أهداف الإخوان السياسية ، ونقل إليه صورة كاملة لأنشطتها وتشكيل مكتب الإرشاد ، والخطر المشرئب فى ربوع البلاد .
حين فهم النحاس باشا أبعاد هذه السياسة ، وخطر إقحام الدين فى السياسة ، استدعى إليه حسن البنا ، ودار بينهما حوار لم يخل من الخشونة والتهديد من جانب مصطفى النحاس . المهم أن حسن البنا وافق أخيرًا على سحب ترشيحه ، مقابل حصوله على وعد من رئيس الوزراء على بعض المطالب ، ومنها إلغاء وتقييد بيع المشروبات الكحولية .
وعلى خلاف ما توقعه المحيط ، إلتزم النحاس باشا بكلمته ، وكان متدينًا ، فأصدر بصفته الحاكم العسكرى أمرًا بمنع تداول الخمور فى جميع المؤسسات طوال شهر رمضان وفى بعض المناسبات الأخرى مثل المولد النبوى ، وفى بعض ساعات النهار .
واختلفت الآراء والتحليلات فى رصد ما اتُّفق عليه ، فمال البعض إلى أن النحاس المتدين معروف بتعاطفه مع حركة الإخوان ، وأكد البعض أن استدعائه حسن البنا كان بناءً على آراء مهمة وصلته . وأن من مظاهر الخشونة التى بدت فى مخاطبة النحاس لحسن البنا فى ذلك اللقاء الثنائى ، أنه هدد البنا إذا لم يسحب ترشيحه ، بأنه سيقوم بإغلاق جميع شعب الإخوان ، وقال البعض إنه أغلق بالفعل خمسين شعبة منها ، ولكن أعضاء الجماعة ثاروا وحاولوا فتح مراكزهم بالقوة ، فاضطر النحاس باشا للتراجع ، وأمر بإعادة فتحها .
هذا مشهد من مشاهد عديدة دارت بين الإخوان وبين القوى الحزبية والسياسية فى أربعينات وخمسينات القرن الماضى . وقد ظل الإخوان لعشرات السنين ، يتشكون من أن الحكومات تتعقبهم وتضيّق عليهم ، ودخل ذلك على البعض ، فتعاطفوا دون دراية بالخلفيات ، إلاَّ أن الإخوان ــ دون إدراك للأثر ــ نقلوا المواجهة بعد ثورة 30 يونيو 2014 ، لتكون مع الشعب ، بمصادرة مرافقه واحتياجاته ، وأعمال النسف والتدمير فيها ، فى مشاهد مؤسفة ملأت جنبات مصر ، ولم ينجح الإخوان فى الإقناع ببراءتهم منها ، فمن عباءتهم خرجت كل كيانات التطرف والإرهاب ، وبانتقال المواجهة لتكون مع الشعب ، فقد الإخوان حلمهم بالعودة إلى الحكم ، فقد تحولت دفة المواجهة لتكون مع الشعب ، وهذه خطيئة الإخوان الكبرى ، فالشعوب أبدًا لا تقهر !!!