عقيدة الإسلام في توحد الإنسان

نشر بجريدة الشروق الخميس 4/11/2021
ـــ
بقلم نقيب المحامين، الأستاذ: رجائى عطية
يتطلب الإسلام من الإنسان أن يكون معنيًا بدنياه وآخرته ولا تذهب به إلى فصام تتحير فيه سريرته .
ومن هنا لم يذهب الإسلام مذهب التفرقة بين ما لله وما لقيصر ، لأن الأمر فى الإسلام كله لله « بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا » .. « وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ » .. « رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ » .
وقد أبت عقيدة الإسلام على المسلم أن يطيع الحاكم بجزء منه ويطيع الله بغيره ، وأبت على المرأة أن تعطى بدنها فى الزواج لزوجها وتنأى عنه بروحها فى سريرتها ، وأبت على الإنسان جملة أن يستريح إلى « الفصام الوجدانى » ويحسبه حلاًّ لمشكلة الحكم والطاعة قابلاً للدوام .
وينبغى أن نفرق ـ فيما ينبه الأستاذ العقاد ـ بين الاعتراف بحقوق الجسد وإنكار حقوق الروح ، فإن الاعتراف بحقوق الجسد لا يستلزم إنكار الروحانية ولا الحد من سبحاتها التى اشتهرت باسم التصوف .
إذ لا يوصف بالشمول دين ينكر الجسد ولا ينكر الروح ، وقد أشار القرآن المجيد إلى الفارق بين عالم الظاهر وعالم الباطن فى قصة الخضر وموسى عليهما السلام ، وذكر تسبيح جميع الموجودات ما كانت له حياة ناطقة وما لم تكن له حياة .. « وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ » (الإسراء 44)
وحسب المرء أن يرضى مطالبه الروحية ولا يخالف عقائد دينه ليوصف ذلك الدين بالشمول ويبرأ من داء الفصام .
كذلك يخاطب الإسلام العقل ، ولا يقصر خطابه على الضمير أو الوجدان .. ويجعل التفكير بابًا من أبواب الهداية التى يتحقق بها الإيمان .
« قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا » ( سبأ 46 )
« كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ » ( البقرة 219 ) .
ومع الشمول فى مخاطبة الإنسان روحًا وجسدًا ، وعقلاً وضميرًا ، بدا الشمول وأثره فى اعتدال عقيدة المسلم بين الإيمان بالقدر ، والإيمان بالتبعة والحرية الإنسانية ،
فمن عقيدة المسلم فى دينه ..
« إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لاَ يُؤَخَّرُ » ( نوح 4 )
« وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ » ( فاطر 11 )
« وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً » ( آل عمران 145 )
« وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً » ( الأحزاب 3 )
ومن عقائد دينه أيضًا أن أمره موكول إلى عمله ..
« إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ » ( الرعد 11 )
« وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ » ( هود 117 )
« وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ » ( الشورى 30 )
وليس فى الإسلام خطيئة موروثة بخطأ آخر ، ولا تحتاج توبة التائب إلى كفارة من غيره . وأمر المسلم موقوف عليه وعلى عمله : « وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ » ( التوبة 105 ) .
ومن شمول العقيدة الإسلامية أنها تخاطب الكافة ، لا أمة دون أمم ، ولا قومًا دون آخرين ، ولا بلدًا دون بلاد ، وتخاطب النفس الإنسانية بجملتها من عقل وروح وضمير .
« وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا » ( سبأ 28 )
« قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيـعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ » ( الأعراف 158)
« قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ » ( البقرة 136 )
« إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنـدَ رَبِّهِــمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِـمْ وَلاَ هُـمْ يَحْزَنُـونَ » ( البقرة 62 )
« يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ » ( الحجرات 13 )
ولا إيثار فى الإسلام لطبقة ولا لفئة ولا للون ولا لجنس ، وكل بحسب عمله .
ولا يذكر القرآن الحكيم الضعف إلاّ ليذكر الضعيف بأنه أهل للمعرفة بالله إذا جاهد وصبر وأنف أن يسخر لبه وقلبه للمستكبرين ، وإلاّ فإنه لمن المجرمين .
ففى القرآن المجيد : « يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْـدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِـينَ » ( سبأ 31 ، 32 )
وما يستمر ضعف أحدٍ إذا صبر على البلاء ، فإن الصبر قوة أقوى من قوة العصبة الأشـداء .
وبهذه العقيدة الشاملة غلب الإسلام .. وهى العقيدة التى ميزته عن غيره من الأديان ، الكتايية وغير الكتابية .. وهى التى يسرته للدفاع والصمود فى وجه الأشداء الذين صدوا عن سبيل الله .
ومن هنا يحدد الأستاذ العقاد وجهته من بحوث كتابه الضافى عن حقائق الإسلام وأباطيل خصومه .
( أولاً ) أن الإسلام يومئ إلى المسلم عقيدة فى الذات الإلهية وعقيدة فى الهداية النبوية وعقيدة فى الإنسان ـ لا تعلوها عقيدة أخرى .
و( ثانيًا ) أن أحكام الإسلام لا تعوق المسلم عن غاية تفتحها أمامه مفرزات العلم وإنجازات الحضارة .
و( ثالثًا ) أن فى الإسلام زادًا لكافة الأمم الإنسانية فى طريق المستقبل الطويل .. يواتيها بما فيها من غنى لها حيث نضبت العقائد الروحية فى سواه أو تكاد .
وعلى هذا ، وباسم الله ، حدد الأستاذ العقاد وجهته على هدى من الإيمان بالله .
العقيدة الإلهية فى الإسلام
العقيدة فى الإله رأس كل العقائد الدينية ، وهى الأدل على نصيب العقيدة الدينية من رفعة الفهم والوجدان ، ومن صحة المقاييس التى يقاس بها الخير والشر ، وتقدر على مقتضاها الحسنات والسيئات .
وقد كان النظر فى صفات الله مجالاً لتنافس أكبر العقول من أصحاب الفلسفة الفكرية ، ومن دعاة وأصحاب الحكمة الدينية .
ولكن الإسلام جاء من جوف الصحراء بأسمى عقيدة فى الإله الواحد رب العالمين ، صححت كل ما شاب فلسفات السابقين من أفكار ومن أوضار .
ولا يبسط الأستاذ العقاد عقيدة الإسلام فى الإله ، قبل أن يطوف فى عجالة بما أبداه أرسطو ومذهبه ، وأفلاطون إمام الفلسفة الأفلاطونية الحديثة وشيخ الفلسفة الصوفية بين الغربيين .
ومذهب أرسطو فى الإله أنه كائن أزلى مطلق الكمال لا أول له ولا آخر ، ولا عمل له ولا إدارة ، والله غنى عن كل طلب ، ولا يناسب الإله فى نظره أن يبتدئ العمل فى زمان ، لأنه أبدى سرمدى لا يطرأ عليه طارئ أو يستجد عليه جديد ـ يدعوه إلى عمل .
إذن ، هو كمال مطلق لا يعمل ، ولا يريد ..
أو هو كمال مطلق يوشك أن يكون هو والعدم المطلق على حد سواء .
زر الذهاب إلى الأعلى