طالع حيثيات حكم هام للقضاء الإداري يقضي بإلزام الدولة براتب ضمان شهري للمعاقين ذهنيا
كتب: أشرف زهران
في موقف إنساني نبيل سطره حكم محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة في مايو عام 2016، برئاسة المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة، لقنت به درسا في الإنسانية للمسئولين عن الشئون الاجتماعية بوزارة التضامن، مؤكدة أن الرحمة هي الوجه الاخر للعدل وأرست مبدأ جديدا لصالح المعاقين ذهنيا بصفة مستقلة عن معاش أسرهم، حيث ألزمت الدولة بصرف مساعدة ضمانية شهرية للمعاقين ذهنيا.
وأكدت المحكمة في حيثيات حكمها أن أموال المعاقين ذهنيا لا يجوز الحجز عليها وألزمت وزارة التضامن بدفع 19 ألف جنيه لمعاقة ذهنيا حرمتها من معاشها الضمانى لمدة 5 سنوات متصلة، مشددة على أن المساعدة الشهرية الضمانية للمعاقين ذهنيا ليست منحة من الدولة تقبضها أو تبسطها وفق إرادتها بل هي حق وشرف لمن يلتمس الطريق إليه، فلا يغمطون حقا ولا يحرمون أملا.
وقالت المحكمة أيضا في حيثياتها: إن للمعاقين حقوقا ينبغي ضمانها بوصفها أساسا مشتركا للتدابير الدولية والوطنية، يندرج تحتها حق المعاقين الأصيل في صون كرامتهم الإنسانية، وحمايتهم من ألوان المعاملة المهينة أو التعسفية، ودون إخلال بتمتعهم بالحقوق الأساسية التي يمارسها غيرهم من المواطنين الذين يماثلونهم عمرا وانه يجب الا تخل الحقوق الدستورية المشتركة بين الاسوياء وغيرهم بتلك الحماية التي ينبغي أن يلوذ بها ضعفاؤهم، ليجدوا في كنفها الأمن والاستقرار.
وكان وكيل وزارة التضامن بمحافظة البحيرة لم يرحم معاقة ذهنيا وقطع معاشها البالغ مقداره 215 جنيها شهريا فقط! بل طالبها برد 4 آلاف جنيه قيمة معاشها الذي صرفته مدة خمس سنوات سابقة! ثم قرر إضافتها إلى معاش ابيها الزهيد هو الآخر البالغ 240 جنيها شهريا! واشترط لاستحقاقها المعاش الضمانى زواجها أو بلوغها سن الخمسين!
ووصفت المحكمة في حكمها التاريخى تصرف وكيل الوزارة بأنه عدوان على حقوق المعاقين ذهنيا طبقا للمواثيق الدولية وغمط لحقوقهم الضمانية وبغى على كيانهم الانسانى وابطلت المحكمة مطالبة وكيل الوزارة للمعاقة ذهنيا لمبلغ 4 آلاف جنيه تم صرفها لها وقررت لأول مرة أن أموال المعاقين ذهنيا لا يجوز الحجز عليها.
وكما أكدت على أنه من حق المعاقين صون كرامتهم الإنسانية وحمايتهم من ألوان المعاملة المهينة أو التعسفية أو الاستغلالية وأكدت أن وزارة التضامن هي الوزارة التي يجب أن تؤهل من يعتلى أرفع مناصبها بنوازع الخير استجابة لواقع المعاقين ذهنيا لمواجهة عجزهم لا أن يغمطونهم بقرارات جائرة منهية عنها في الدستور مثلما كشفت عنه هذه الدعوى وهى الفتاة التي وصفتها المحكمة بأنها لا تملك لإعاقتها دفعا أو تصويبا.
وقضت المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين محمد حراز ووائل المغاورى نائبى رئيس مجلس الدولة بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر من وكيل وزارة التضامن الاجتماعى بالبحيرة رقم 3442 لسنة 2012 فيما تضمنه من وقف المعاش الضمانى المقرر لشقيقة المدعى القيم عليها الفتاه ” سناء محمد محمد مبارك “، المصابة بتخلف عقلى شديد وآفة عقلية من نوع العته اعتبارا من 1/2/2010 بحجة استحقاقها له عند زواجها أو بلوغها سن الخمسين عاما وعدم استحقاقها المعاش بصفة مستقلة وفيما تضمنه أيضا من ضم اسمها إلى معاش ابيها المسن الذي يتقاضى معاشا شهريا زهيدا مقداره 240 جنيها شهريا، وما يترتب على ذلك من اثار اخصها:
أولا: الزام وزارة التضمان الاجتماعى بمنح المدعية متجمد المعاش الضمانى المقرر بمبلغ 215 جنيها شهريا الذي اوقف عن الفتاه المعاقة ذهنيا المذكورة اعتبارا من 1/2/2010 حتى 30 / 12/ 2013 والبالغ مقداره 10.108 جنيها عشرة آلاف ومائة وثمانية جنيهات.
ثانيا: الزام وزارة التضامن الاجتماعى برفع قيمة المساعدة الشهرية الضمانية ( المعاش الضمانى سابقا ) من مبلغ 215 جنيها شهريا إلى مبلغ 323 جنيها شهريا اعتبارا من 1/1/2014 أعمالا لقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 375 لسنة 2014 والزام الإدارة بصرف المبلغ المتجمد المستحق لها اعتبارا 1/1/2014 التاريخ الذي يبدأ فيه سريان قرار رئيس الوزراء حتى تاريخ صدور هذا الحكم في 18/4/2016 هو 8.915 ثمانية آلاف وتسعمائة وخمسة عشر جنيها.
ثالثا: الزام وزارة التضامن الاجتماعى بصرف قيمة المساعدة الشهرية الضمانية لشقيقة المدعى اعتبارا من تاريخ صدور هذا الحكم بقيمة 323 جنيها شهريا مالم يتم زيادتها بقرار جديد لرئيس مجلس الوزراء فتعامل به ودون التوقف على الشرط الباطل لتلك الوزارة بزواجها أو بلوغها سن الخمسين عاما.
رابعا: بطلان مطالبة وزارة التضامن الاجتماعى لشقيقة المدعى بمبلغ 4225 جنيها جملة ما تم صرفه لها المدة من 1/2/2010 حتى 30/9/2012 لمخالفته للقانون مخالفة صارخة الذي لم يجز مطالبة المعاقين ذهنيا بمبالغ تم صرفها لهم بموجب قانون الضمان الاجتماعى أو الحجز عليها، والزمت الجهة الإدارة المصروفات.
وقالت المحكمة أن المشرع الدستورى المصرى جعل لكل مواطن – ومن بينهم بلا ريب الاشخاص ذوى الاحتياجات الخاصة بمختلف انواع الاعاقة واشدهم وطأة المعاقين ذهنيا – لا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعى الحق في الضمان الاجتماعى بما يضمن له حياة كريمة إذا لم يكن قادرا على اعالة نفسه واسرته، وفى حالات العجز عن العمل والشيخوخة والبطالة، يخولهم تلك الحقوق التي يقوم الدليل جليا على عمق اتصالها بمتطلباتهم الخاصة، وارتباطها بأوضاعهم الاستثنائية، لتعيد إليها توازنا اختل من خلال عوارضهم، وتلك هي العدالة الاجتماعية التي حرص الدستور على صونها لكل مواطن توكيدا لجدارته بالحياة اللائقة وانطلاقا من أن مكانة الوطن وقوته وهيبته، ينافيها الإخلال بقدر الفرد ودوره في تشكيل بنيانه ومن ثم فان قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعي يعني وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها واتصال أفرادها وترابطهم ليكون بعضهم لبعض ظهيرا، فلا يتفرقون بددا أو يتناحرون طمعا، أو يتنابذون بغيا، وهم بذلك شركاء في مسئوليتهم قبلها، لا يملكون التنصل منها أو التخلي عنها، وليس لفريق منهم بالتالي أن يتقدم على غيره انتهازا، ولا أن ينال من الحقوق قدرا منها يكون بها – عدوانا – أكثر علوا، بل يتعين أن تتضافر جهودهم لتكون لهم الفرص ذاتها، التي تقيم لمجتمعاتهم بنيانها الحق.
وأضافت المحكمة أنه يجب الا تخل الحقوق الدستورية المشتركة بين الاسوياء وغيرهم بتلك الحماية التي ينبغي أن يلوذ بها ضعفاؤهم، ليجدوا في كنفها الأمن والاستقرار، وبهذه المثابة فان تدابير اقتصادية واجتماعية وتشريعية يتعين ضمانها في شأن المعاقين ذهنيا، تأخذ واقعهم في اعتبارها، ولا تنحي مشكلاتهم عن دائرة اهتمامها، بل توليها ما تستحق من الرعاية، لتقدم لهم عونا يلتئم وأوضاعهم وليس ذلك تمييزا منهيا عنه دستوريا، بل هو نزول على حكم الضرورة وبقدرها، فلا يغمطون حقا ولا يحرمون املا، ولما كان المعاقون ذهنيا هم على القمة انسانيا من الحاجة لمعاش يكفيهم لمواجهة عجزهم التام، يعوضهم عن انعدام ارادتهم الذي يحرمهم من فرص يعملون من خلالها، ولا يكلف الله نفسا الا وسعها.
وأشارت المحكمة أن المعاقين ذهنيا ينبغى أن يكونوا على القمة من استحقاق المساعدة الشهرية الضمانية ( المعاش الضمانى سابقا ) التي تصرف تطبيقا لاحكام قانون الضمان الاجتماعى – ومن أجل ظروفهم – في الحدود التي يبينها القانون، وليست المساعدة الشهرية الضمانية للمعاقين ذهنيا منحة من الدولة تقبضها أو تبسطها وفق إرادتها ليتحدد على ضوئها من يتمتعون بها أو يمنعون منها، بل هو مقرر باعتباره شرفا لمن يلتمس الطريق إليه ممن يقدمه اليهم، وواجبا عليهم أداؤه، وحقا لا يهدر، ومدخلا إلى حياة لائقة قوامها الاطمئنان إلى غد أفضل لفئة لا تدرك ما يحيط بها من حياة ولهم عالمهم الخاص الذي هو سر من اسرار الخالق سبحانه وتعالى، وطريقا لبناء شخصيتهم الإنسانية من خلال تكامل عناصرها، وإسهاما حيويا في تقدم هؤلاء الاشخاص وإشباع احتياجاتهم، وإعلاء لذاتية الفرد بغض النظر عن ذهاب العقل لديه.
وذكرت المحكمة إلى أنه تقديرا لدور المجتمع في مجال النهوض بمسئوليته تجاه المعاقين ذهنيا، وصونا للتقاليد والقيم الخلقية الأصيلة، التي ينافيها أن يظل المتخلفون عقليا مؤاخذين بعاهاتهم لا يملكون لها دفعا أو تقويما أو تصويبا لأوضاعهم العاجزة ذهنيا فلا يملكون ثمة قدر من التدبر والتفكر فمنحهم مساعدة ضمانية شهرية، ينبغي أن يكون بديلا عن عجزهم التام والكامل ازاء افة العقل التي تمثل استحالة طبيعية تحول بينهم وبين تلمس أدنى فرصهم في العمل، وحتى يشاركهم المجتمع حقهم في حياة ملائمة تكون كرامتهم قاعدتها وركيزتها بحكم ما انعم الله على الإنسان من هبة العقل وهم الذين وطأوا الحياة بدونه ويعيشون من غيره ويرحلون دون ادراكه.
وأضافت المحكمة أن الإعلان الخاص بحقوق المتخلفين عقليا الذي اعتمد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤرخ في 20 ديسمبر 1971 قد انتهى إلى ضرورة حماية حقوق ذوى العاهات البدنية والعقلية وتأمين رفاههم وإعادة تأهيلهم، وكفل حقوق المتخلفين عقليا، واخصها أنه للمتخلف عقليا، إلى أقصى حد ممكنا عقليا، نفس ما لسائر البشر من حقوق وحقه في الحصول على الرعاية والعلاج الطبيين المناسبين وعلي قدر من التعليم والتدريب والتأهيل والتوجيه يمكنه من إنماء قدراته وطاقاته إلى أقصى حد ممكن وحق التمتع بالأمن الاقتصادي وبمستوي معيشة لائق وله إلى أقصى مدي تسمح به قدراته، والحق في أن يقيم المتخلف عقليا مع أسرته ذاتها أو اسرة بديلة، وأن يشارك في أشكال مختلفة من الحياة المجتمعية، وينبغي أن تحصل الأسرة التي يقيم معها على مساعدة وله حق في أن يكون له وصي مؤهل عند لزوم ذلك لحماية شخصه ومصالحه وحق في حمايته من الاستغلال والتجاوز ومن المعاملة المحاطة بالكرامة.
وأشارت المحكمة أن البين من التطور التاريخي في المجتمع الدولى لأوضاع ذوى الاحتياجات الخاصة أو المعاقين، وقواعد معاملتهم، أن كثيرا من الوثائق الدولية منحتهم الرعاية التي يقتضيها إنماء قدراتهم، وأن جهودا تبذل باطراد من أجل تشخيص عوارضهم في مهدها، وقبل استفحال خطرها، ثم تقييمها للحد من آثارها، وأن آراء عديدة تدعو الدول على تباين اتجاهاتها، لأن تنقل إلى مجتمعاتها – ومن خلال حملاتها الإعلامية بوجه خاص – ما يبصرها بأن المعاقين مواطنون ينبغي منحهم من الحقوق ما يكون لازما لمواجهة ظروفهم الذاتية التي لا يملكون دفعها، لتمهد بذلك للقبول بالتدابير التي تفرضها، وتعينهم بها على مواجهة مسئولياتهم. وكان من بين تلك المواثيق، ذلك الإعلان الصادر في 9/12/1975 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة برقم 3447 لسنة 1975 في شأن حقوق المعاقين،
Declaration on the rights of disabled persons، متوخيا أن تعمل الدول – سواء من خلال تدابير فردية، أو عن طريق تضافر جهودها – من أجل إرساء مقاييس أكثر حزما للنهوض بأوضاع المعاقين، وتوكيد ضرورة استخدامهم بصورة كاملة، وتحقيق تقدمهم من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية، آخذة في اعتبارها احتياجاتهم الخاصة، وضرورة تطوير ملكاتهم لإعدادهم لحياة أفضل، ولحفزهم على الاندماج في مجتمعاتهم من خلال إسهامهم في أكثر مناحي النشاط تنوعا.
وأوضحت المحكمة أن الإعلان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3447 لسنة 1975 في 9 ديسمبر 1975 في شأن حقوق المعاقين سالف البيان أكد على أن الحقوق المنصوص عليها فيه، لا استثناء منها. ولا تمييز في نطاقها، يكون مرده إلى العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الآراء على اختلافها، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة أو المولد، أو بناء على أي مركز آخر يتعلق بالمعاق أو بأسرته، ذلك أن المعاقين – ولعوار في قدراتهم البدنية أو العقلية بسبب قصور خلقي أو غير خلقي – عاجزون بصفة كلية أو جزئية عن أن يؤمنوا بأنفسهم ما يكون ضروريا لحياتهم، سواء كأفراد، أو على صعيد مظاهر حياتهم الاجتماعية، أو هما معا، ومن ثم كان منطقيا أن يؤكد هذا الإعلان، أن للمعاقين حقوقا ينبغي ضمانها، بوصفها أساسا مشتركا للتدابير الدولية والوطنية، يندرج تحتها حق المعاقين الأصيل في صون كرامتهم الإنسانية، وحمايتهم من ألوان المعاملة المهينة أو التعسفية أو التمييزية، وكذلك من كل استغلال، ودون إخلال بتمتعهم بالحقوق الأساسية التي يمارسها غيرهم من المواطنين الذين يماثلونهم عمرا، وهو ما يعني – وفي المقام الأول – حقهم في حياة لائقة تكون طبيعية، وكاملة قدر الإمكان، أيا كانت خصائص عوائقهم أو مناحي قصورهم، أو مصدرها، أو درجة خطورتها. ولا يجوز بحال – وعلى ما نص عليه ذلك الإعلان – حرمان المعوقين من حقوقهم المدنية والسياسية، ولا من الرعاية الطبية والنفسية والوظيفية، ولا من التدابير التي تتوخى تمكينهم من الاعتماد ذاتيا على أنفسهم، ولا من الحق في تعليمهم وتدريبهم وتأهيلهم مهنيا بما يطور ملكاتهم وقدراتهم، مرتقيا بها إلى ذراها، كافلا دمجهم في مجتمعاتهم. وهم يتمتعون كذلك بالحق في الأمن – اقتصاديا واجتماعيا – وفي الحصول على عمل مع ضمان استمراره، وبالحق في مزاولة مهن منتجة ومجزية بالنسبة لانواع متقدمة من الاعاقة تستطيع أن تندمج في المجتمع.
واستطردت المحكمة إلى إن الجمعية العامة للأمم المتحدة – في سعيها لدعم حقوق المعاقين في فرص يتماثلون فيها مع غيرهم، وألا يكون نصيبهم منها مجحفا في مجال الرعاية الأشمل لظروفهم – ارتأت أن تعزز الإعلان المتقدم، بالقرار رقم 96/48 الصادر في 20/12/1993، لتصوغ بمقتضاه مجموعة من القواعد التي تبين مستوياتها الفرص المتكافئة التي ينبغي ضمانها للاشخاص ذوى الاحتياجات الخاصة والمعاقين persons with disabilities وبوجه خاص، لمواجهة أشكال من العوائق التي كشفتها التجربة العملية، وكان من شأنها تعميق قصور المعاقين عن تحمل كامل مسئولياتهم داخل مجتمعاتهم، من بينها جهلهم أو إهمالهم أو خوفهم، بل وأوهامهم وخرافاتهم وتفصل هذه القواعد تلك الفرص التي أتاحتها للمعاقين، سواء كان عوارهم دائما أو عرضيا، بدنيا أو ذهنيا، أو مرضا عقليا، أو ظرفا طبيا، أو من العوارض التي تؤثر في حواسهم، وبهذه المثابة كان لازما أن يمتد هذا التكافؤ في الفرص إلى ميادين متعددة، يندرج تحتها التعليم والأمن الاجتماعي، والحياة العائلية، وتكامل الشخصية، والعقيدة، والاستخدام وهى تعبر عن اتجاه عام فيما بين الدول التي ارتضتها، يتمثل في توافقها على تطبيقها، باعتبارها طريقا قويما لدعم جهودها في مجال الاستثمار الأعمق لطاقاتها البشرية وهو ذات النهج الذي انتهجه المشرع الدستورى المصرى احتفاءا بهم بالنص في الدستور على مجموعة من الحقوق والثوابت الدولية لحقوق الاشخاص ذوى الاعاقة والاقزام إدراكا منه بأن كل معاق ينبغي أن ينال المساعدة والوقاية وفرص التأهيل الملائمة التي يتمكن معها من الإسهام إلى أقصى حد مستطاع في ميزات ومسئوليات الحياة الكاملة في المجتمع الذي ينتمي إليه.
وذكرت المحكمة إن تنظيم أوضاع المعاقين – وطنيا كان أم دوليا – توخي دوما ضمان فرص يتخطون بها عوائقهم، ويتغلبون من خلالها على مصاعبهم، ليكون إسهامهم في الحياة العامة ممكنا وفعالا ومنتجا، ذلك أن نواحي القصور التي تعرض لهم مردها إلى عاهاتهم، ومن شأنها أن تقيد من حركتهم وأن تنال بقدر أو بآخر من ملكاتهم فلا يكونون “واقعا” متكافئين مع الأسوياء حتى بعد تأهيلهم مهنيا، لتبدو مشكلاتهم غائرة الأبعاد لا تلائمها الحلول المبتسرة بل تكون مجابهتها نفاذا إلى أعماقها وتقريرا لتدابير تكفل استقلالهم بشئونهم وانصرافا إلى مناهج علمية وعملية تتصل حلقاتها وتتضافر مكوناتها متخذة وجهة بذاتها هي ضمان أن يكون المعاقون أكثر فائدة وأصلب عودا، وأوثق اتصالا بأمنهم وكان لازما وقد تعذر على المعاقين “عملا” أن تتكافأ فرص استخدامهم مع غيرهم، أن يكون هذا التكافؤ مكفولا “قانونا” على ضوء احتياجاتهم الفعلية، وبوجه خاص في مجال مزاولتهم لأعمال بعينها، أو الاستقرار فيها، مع موازنة متطلباتها بعوارضهم التي أعجزتهم منذ ميلادهم، أو بما يكون قد طرأ من أسبابها بعدئذ وإلى نقص قدراتهم عضويا أو عقليا أو حسيا، لتتضاءل فرص اعتمادهم على أنفسهم ليقربهم من بيئتهم، وليمكنهم من النفاذ إلى حقهم في العمل، لا يعتمدون في ذلك على نوازع الخير عند الآخرين، ولا على تسامحهم، بل من خلال حمل هؤلاء على أن تكون الفرص التي يقدمونها للمعاقين مناسبة لاحتياجاتهم، مستجيبة لواقعهم، وأن يكون هدفها مواجهة آثار عجزهم، ومباشرة مسئولياتهم كأعضاء في مجتمعاتهم، تمنحهم عونها، وتقيلهم من عثراتهم. وليس ذلك تمييزا جائرا منهيا عنه دستوريا لتجعلهم أشد بأسا، وأفضل موقعا.
وأوضحت المحكمة أن شقيقة المدعى ” سناء محمد محمد مبارك ” مصابة – على نحو ما جاء بالشهادة الطبية المرفقة باعراض تخلف عقلى شديد ولا تستطيع الكلام ولا تتعرف على الاشياء ولا النقود ولا تستطيع التعامل مع الآخرين وان التشخيص افة عقلية من نوع العته وهى تجعلها غير قادرة على إدارة أموالها وصدر حكم من محكمة الاسرة بالحجر عليها وتعيين شقيقها قيما بلا اجر عليها لإدارة أموالها في المعاش الضمانى وان وزارة التضامن الاجتماعى قررت صرف معاش ضمانى لها بصفة مستقلة بمبلغ 215 جنيها شهريا إلا إن وكيل وزارة الضمان الاجتماعى بمحافظة البحيرة أصدر قراره المطعون فيه متضمنا وقف صرف معاشها الضمانى المقرر لها قانونا اعتبارا من 1/2/2010 وأضافها إلى معاش والدها المسن البالغ مقدراه 240 جنيها شهريا ومتضمنا كذلك مطالبتها بمبلغ 4225 جنيها جملة ما تم صرفه لها المدة من 1/2/2010 حتى 30/9/2012 على اقساط شهرية ومتضمنا أيضا عدم استحقاقها المعاش بصفة مستقلة الا إذا تم زواجها أو بلغت سن الخمسين عاما ! وهو ما أكده كذلك كتاب مدير عام مديرية الشئون الاجتماعية بالبحيرة بان المعاشات الضمانية هي مساعدات شهرية وليست دائمة ويتم استمرارها أو تعديلها أو ايقافها وهى حجج واهية لا تجد لها سندا في الدستور أو القانون أو المنطق أو العقل ومن ثم يكون القرار المطعون فيه الصادر من وكيل وزارة التضامن الاجتماعى بمحافظة البحيرة مخالفا لاحكام الدستور والقانون وعدوانا على حقها الذي كفلته لها المواثيق الدولية والدستور المصرى ومخلا بحقها في الأمان والاستقرار ونيلا لما هو معقود لمثل مكانتها من الحياة الكريمة وهى المعاقة ذهنيا وغمطا لحقوقها الضمانية وبغيا على كيانها الانساني.
وكيل الوزارة بلغ ذروة القسوة في أن يأخذ فتاة معاقة ذهنيا بعاهتها فيطالبها بمبالغ المعاش الضمانى الذي صرفته قيمته 4225 جنيها وهى أموال غير قابلة للحجز عليها ويجب على وزارة التضامن أن تؤهل من يعتلى ارفع مناصبها بنوازع الخير استجابة لواقع المعاقين ذهنيا لمواجهة عجزهم لا أن يغمطونهم بقرارات جائرة منهية عنها في الدستور.
واختتمت المحكمة حكمها الانسانى المستنير إلى أن قرار وكيل وزارة التضامن باشتراط تزوج المعاقة ذهنيا أو بلوغها سن الخمسين لصرف المساعدة الضمانية الشهرية يعد تغولا على ما هو مقرر بالدستور من شمول المعاقين ذهنيا بالرعاية والحماية وتعميقا لالم ضعفها وهى غير المدركة، وماسا بحاجتها لمعاش ضمانى الذي استعيض عنه بالمساعدة الشهرية الضمانية المقرره لها بموجب قانون الضمان الاجتماعى ولائحته والقرارات المتصلة به، وقد تغافل مصدر القرار المطعون فيه أن حقها كمعاقة ذهنيا ليس منحة يقبضها أو يبسطها وفق إرادته ليحدد على ضوئها من يتمتع بها أو يمنع منها، بل هو حق مقرر لها لا يهدر، وبلغت قسوة مصدر القرار المطعون فيه التي لا تجد سندا لها من قانون أو عمادا من قاعدة اخلاقية في أن يأخذ فتاة معاقة ذهنيا بعاهتها فيطالبها بمبالغ المعاش الضمانى الذي صرفته من أجل الحياة المدة من 1/2/2010 حتى 30/9/2012 والبالغ قيمتها 4225 جنيها وهى أموال محمية بنص القانون وغير قابلة للحجز عليها، ثم يحرمها من صرفه ويوقفه بل ويعلق صرفه مستقبلا على زواجها أو بلوغها سن الخمسين عاما ثم يتفضل عليها بتأشيرة على طلبها المقدم من شقيقها القيم عليها بأنه سوف يعيد النظر في معاشها الضمانى في ضوء قرار جديد لوزير التضامن الاجتماعى وهى الوزارة التي يجب أن تؤهل من يعتلى ارفع مناصبها بنوازع الخير استجابة لواقع المعاقين ذهنيا لمواجهة عجزهم لا أن يغمطونهم بقرارات جائرة منهية عنها في الدستور مثلما كشفت عنه هذه الدعوى وهى الفتاة التي لا تملك لاعاقتها دفعا أو تصويبا ولم يرحم عاهتها فالرحمة هي الوجه الاخر للعدل رغم أن السعى لهذه الفتاة لمنحها اخص حق من حقوقها الإنسانية فخر لا يتلمس معانيه ونبل غاياته ومراميه الا لمن يقيم وزنا واحتراما لاحكام الدستور والقانون بحسبان أن السعى إلى المعاقين ذهنيا لمنحهم حقوقهم شرف يلتمس الطريق إليه ممن ناط به القانون ادراكه وواجبا عليه أداؤه.
وعقب النطق بالحكم لم يصدق الحاضرون بالقاعة من جمهور المتقاضين الاحساس الربانى الذي اودعه الله في قلوب المعاقين ذهنيا الذي تجسد في فرحة المعاقة ذهنيا بابتسامتها وكأنها تشعر بأن حقها عاد اليها وأن المحكمة نطقت بالحق لصالحها وهو ما ابكى من كان في قاعة المحكمة وحقا الرحمة – كما أكدت المحكمة الموقرة – هي الوجه الاخر للعدل.