ضمان عدم التعرض في عقد الإيجار

بقلم الدكتور/ محمد طرفاوى محمد

يعد عقد الإيجار من أكثر العقود أهمية في الحياة العملية، حيث يقوم في كثير من المنازعات التي تنظرها المحاكم سبباً فيها، ويُعَرف عقد الإيجار بأنه عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكن المستأجر من الانتفاع بشيئ معين مدة معينة لقاء أجر معلوم.

يعتبر ضمان عدم التعرض من الضمانات الهامة في الفقه القانوني والحياة العملية، فهو المحور لبيان مدى تنفيذ كل طرف لالتزاماته من عدمه، ويضمن المؤجر عدم التعرض للمستأجر نفاذاً لأحكام القانون المدني، فقد ورد بالمادة (571) من القانون المدني ما نصه أنه” على المؤجر أن يمتنع عن كل ما من شأنه أن يحول دون انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة ولا يجوز له أن يحدث بالعين أو بملحقاتها أى تغيير يخل بهذا الانتفاع.”

والتزام المؤجر بعدم التعرض هو التزام قانوني، يلتزم به المؤجر في حال من الأحوال، ويتفرع عن هذا الالتزام ضمان عدم التعرض للمؤجر نفسه، وضمان منع تعرض الغير للمستأجر في الانتفاع بالعين المؤجرة، وقد تواترت أحكام محكمة النقض المصرية على أن التزام المؤجر بعدم التعرض للمستأجر فعلى المؤجر أن يمتنع عن كل ما يحول دون انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة، وهذا الضمان لا يتقادم فيلتزم به المؤجر مادام عقد الإيجار مازال قائماً ولم يقض بفسخه رضاءً أو قضاءً، كذلك تواترت أحكام محكمة النقض في التزام المؤجر بدفع التعرض الصادر من الغير وهو التزام بتحقيق نتيجة، فإذا تعرض الغير للمستأجر بأعمال مادية فقط تعين على المؤجر أن يتخذ الإجراءات القانونية اللازمة لدفع هذا التعرض.

يستخدم المستأجر ضمان عدم التعرض بطريقين: الأول: دعوى منع تعرض مستعجلة سواءً كان التعرض من المؤجر أو من الغير، ويراعى في هذه الدعوى ضرورة مراعاة شروط اختصاص القضاء المستعجل الواردة بالمادة (45) من قانون المرافعات وهما شرطى الجدية والاستعجال، وعدم المساس بأصل الحق، كذلك في حالة رفع الدعوى لمواجهة التعرض الصادر من الغير يجب اختصام المؤجر لكونه ملزماً بدفع هذا التعرض.

الثاني: دعوى منع التعرض أمام القضاء الموضوعي، وترفع عادة مع انتفاء شروط اختصاص القضاء المستعجل، وتخضع الدعوى سواءً رفعت أمام القضاء المستعجل أو الموضوعي للقواعد العامة في قانون الإثبات، فعلى الدائن إثبات الالتزام وعلى المدين إثبات التخلص منه.

ويمتد الضمان إلى كل تعرض أو إضرار بحقوق المستأجر سواء بني على أمر مادي أو سبب قانوني يصدر عن المؤجر أو الغير، فالتعرض قد يقوم على أعمال مادية بحتة، وقد يأتي من أعمال قانونية، ويشترط في كلاهما أن يحول دون انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة.

وتكمن شروط قيام الضمان بمنع التعرض في عدة أمور: أولها: صدور التعرض للمستأجر، وثانيها: أن يكون التعرض صادراً أثناء سريان عقد الإيجار، وثالثها: أن يحول التعرض دون انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة، وأخيراً: ألا يستند المؤجر في تلك الأعمال التي يقوم بها إلى حق ثابت، ويضاف إليها حال كون التعرض من الغير شرط آخر وهو أن يدعى الغير حقاً يتعلق بالعين المؤجرة ويتعارض مع حق المستأجر.

تتعدد وتتنوع صور التعرض فمن صور التعرض الشخصي الدخول في العين المؤجرة واستعمالها ومنع المستأجر من الانتفاع بها، وكذلك رفع دعاوى كيدية بالطرد أو فسخ عقد الإيجار دون سند من الواقع والقانون، على سبيل المثال رفع دعوى فسخ لعدم سداد الأجرة، في الوقت الذي سدد فيه المستأجر الأجرة المستحقة حتى آخر شهر بموجب إيصالات محررة من المؤجر؛ ويمكن عنا كذلك المطالبة بالتعويض لإساءة استخدام حق التقاضي عملاً بالمادة (5) من القانون المدني، ويمكن بدلاً من رفع دعوى منع تعرض مستقلة أن يقدم كطلب عارض في الدعوى الكيدية عملاً بالمادتان (123، 124) من قانون المرافعات.

وقد يكون التعرض صادراً للمستأجر من الغير بفعل مادي وفي هذه الحالة نفرق بين حالتين: الحالة الأولي: أن يستند التعرض لحق يدعيه الغير وهنا يجب أن يضمن المؤجر هذا التعرض، والحالة الثانية: ألا يستند التعرض لأي حق وفي هذه الحالة يجوز للمستأجر مواجهته بجميع دعاوى الحيازة دون إخطار المؤجر، وكذلك لا يضمن المؤجر مثل هذا التعرض.

يمكن للمستأجر في جميع الحالات أن يرجع على المتعرض بالتعويض، وتختلف حالات المسئولية في هذا الشأن، فحال كون التعرض من المؤجر يمكن للمستأجر أن يطالبه بالتعويض عملاً بأحكام العقد، حيث إن التعرض ذاته هو صورة من صور الإخلال بالعقد، (المادة 157، 158 من القانون المدني) فإذا سببت ضرراً وتوافرت بينهما علاقة السببية يستحق المستأجر تعويضاً عن هذا التعرض، وحال كون التعرض من الغير يمكن للمستأجر أن يرجع بقواعد المسئولية التقصيرية لتعويضه عن هذا التعرض، فالخطأ هنا لا يقوم على عقد بل على مجرد فعل غير مشروع حقق ضرراً وتوافرت بينهما علاقة السببية (المادة 163 من القانون المدني) بما يوجب تعويض المستأجر.

ويكون التعويض عن فقدان المستأجر حقه المشروع والطبيعي في الانتفاع بالعين المؤجرة، كذلك عما فات من كسب وما لحق من خسارة، عملاً بالمادتان (221، 222) من القانون المدني.

فكرة ضمان منع التعرض تقوم بالكلية على أساس ضمان تنفيذ العقد والتعامل بحسن نية، فهى من الأفكار التي تؤثر في وجود العقد وتنفيذه، وتساعد على حماية المستأجر من أي ضرر يمكن أن يلحق به نتيجة حرمانه من الانتفاع بالعين المؤجرة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى