ضمان العيوب الخفية في القانون والفقه الإسلامي

بقلم: الأستاذ/ محمد النجار

ضمان العيوب الخفية كضمان التعرض والاستحقاق، بحيث وجود العيب في المبيع يؤدي إلى عدم انتفاع المشتري انتفاعا مفيدا، وعليه يلتزم البائع اتجاه المشتري بحكم القانون والفقه بضمان العيب، وهذا ما قضت به المحكمة العليا.

وقد عالج فقهاء الشريعة الإسلامية ضمان العيوب الخفية تحت ما يسمى بخيار العيب.

أولا: تعريف العيب الخفي

يقصد بالعيب لغة: هو كل ما يخلو عنه أصل الفطرة السليمة من الأوصاف العارضة أو هو ما تنقص به عين الشيء أو قيمته أو ثمنه أو يفوت به غرض صحيح.

العيب في الاصطلاح الفقهي: يقصد به خیار العيب أي أن يكون أحد العاقدين حق في فسخ العقد بسبب عيب في المعقود عليه لم يعلم به حين العقد.

المشرع المصري فقد عرفته محكمة النقض المصرية على أنه: «الآفة الطارئة التي تخلو منها الفطرة السليمة للمبيع»، وهو التعريف الذي سبق إليه الفقه الإسلامي.

لقد ورد لفظ عيب في القرآن الكريم بقوله تعالى: «أما السفينة فكانت إمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأكل سفينة غصبا»، وكذا قول رسول الله: «المسلم أخو المسلم. ولا يعلم المسلم باع من أخيه بيعا، فيه عيب إلا بينه له».

كما قال أيضا: إذا بايعت فقل لا خلابة.

ثانيا: شروط العيب الموجب للضمان

لا تتحقق مسئولية البائع في ضمان المبيع بمجرد ظهور العيب فيه، يجب توافر مجموعة من الشروط والتي تطرق إليها الفقه الإسلامي، وهي على النحو التالي:

1) أن يكون العيب قديما والمقصود بقدم العيب أن يكون العيب موجود في المبيع وقت التسليم، وقد أكد الفقه الإسلامي على هذا الشرط وذلك من خلال الآراء الفقهية التالية:

– عند الحنفية: فقد أكدوا على ضمان العيب عند البيع وفي الفترة الواقعة بينه وبين التسليم، وهذا ما جاء في قول الكسائي: «وأما شرائط ثبوت الخياران فمنها ثبوت العيب عند البيع أو بعده قبل التسليم».

– عند الشافعية: فقد ألزموا البائع بضمان العيب حتى تمام القبض، وفي هذا جاء في حاشيتا القليوبي وعميرة ما يلي: «للمشتري الخيار في رد المبيع بظهور عيب قديم بالنسبة إلى القبض فيصدق بالحادث قبله بعد العقد».

– عند المالكية: إن شرط قدم العيب يعني وجوده في المبيع وحتى وقت التسليم وجاء في حاشية الدسوقي: «العيب يعني القديم وهو الكائن حين البيع أو قبله».

– عند الحنابلة: لم يختلفوا عن الآراء السالفة الذكر لكن ميزوا بين حالة ضمان البائع وضمان المشتري، حيث جاء في المغني ما يلي: «وإذا تعيب المبيع في يد البائع بعد العقد فإن كان المبيع من ضمانه فحكمه حكم العيب القديم، وإن كان من ضمان المشتري فحكمه حكم العيب الحادث بعد القبض، فأما الحادث بعد القبض فهو من ضمان المشتري، ولا يثبت به الخيار».

2) أن يكون العيب خفيا

يكون العيب خفيا إذا كان المشتري لا يعلم به وقت التسليم، أما إذا علم به سابقا فعلی العقد أو أخيرا، فالبائع غير ملزم بضمانه.

ويسقط حق المشتري في الضمان إذا أثبت البائع أن المشتري كان باستطاعته أن يفحص المبيع بعناية الرجل العادي، ولا يسقط حقه في الضمان في حالة إثبات بأن البائع أكد له على خلو المبيع من العيب أو أخفاه غشا منه، أما جمهور الفقهاء المسلمين لم يقيدوا العيب بأن يكون خفيا، بل اعتبروا العيب مضمونا سواء كان ظاهرا أو خفيا مع مراعاة أنه لو ثبت علم المشتري بالعيب، ظاهرا أو خفيا سقط خیاره، وقد ذكر الكساني شرائط ثبوت الخيار ولم يذكر شرط الخفاء وعليه فالبائع يضمن كافة العيوب لا فرق بين الظاهر والخفي.

كما نهى الرسول عن إخفاء العيب في المبيع لقوله: «من باع عبا أم يبينه لم يزل في مقت الله أو لم تزل الملائكة تلعنه».

3) أن يكون العيب مؤثرا

العيب المؤثر هو ذلك العيب الذي ينقص من قيمة المبيع أو من الانتفاع به بحسب الغاية المقصود من المبيع بحيث لو علم به المشتري وقت التعاقد ما كان ليبرم العقد أو على الأقل عدم قبوله للشراء بالثمن الوارد في العقد وإنما يثمن أقل.

  • • آثار ضمان العيوب الخفية

إذا توفرت الشروط سابقة الذكر، فإن للمشتري حق الرجوع على البائع لضمان العيب، لأجل الحفاظ على حقه في الضمان، ويترتب عن ذلك الأثار التالية:

– أولا: المبادرة بفحص المبيع وإخطار البائع بالعيب.

على المشتري قيام بفحص المبيع عند استلامه والتأكد من سلامته، فإذا وجد هناك عيب ينقص من قيمة المبيع عليه.

إخطار البائع في مدة معقولة وهذه الأخيرة متروكة لتقدير القاضي لكن في حالة عدم إخطار البائع بالعيب سقط حقه في الضمان.

– ثانيا: دعوى الضمان

«إذا أخبر المشتري البائع بالعيب الموجود في المبيع في الوقت الملائم وكان له الحق في المطالبة بالضمان».

إن للمشتري حق الرجوع على البائع بالضمان في حالة إخباره بالعيب الموجود بالمبيع في الوقت المناسب.

ويسقط حق الضمان بتقادم دعوى الضمان في مدة حددها القانون وهي انقضاء سنة من يوم تسليم المبيع،

– ثالثا: جواز تعديل أحكام الضمان

«يجوز للمتعاقدين بمقتضى اتفاق خاص أن يزيدا في الضمان وأن ينقصا منه أو أن يسقط هذا الضمان غير أن كل شرط يسقط الضمان أو ينقصه يقع باطلا إذا تعمد البائع إخفاء العيب في المبيع غشا منه»، يتبين من خلال هذه المادة أنه يجوز للمتعاقدين الاتفاق على تعديل أحكام الضمان سواء بالزيادة أو الإنقاص أو الإعفاء.

– في حالة زيادة الضمان للمشتري حق في رد المبيع والحصول على تعويض كامل إذا تحقق التزام البائع بالضمان.

– في حالة إنقاص الضمان يجوز للمشتري حق رد المبيع سليما دون سائر عناصر التعويض الأخرى.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى