ضرورة احتراف العمل التجاري كشرط لاكتساب صفة التاجر
بقلم الدكتور/ وليد محمد وهبه أستاذ القانون التجاري بكلية الحقوق الجامعة العربية المفتوحة
يقصد باحتراف الأعمال التجارية ممارسة الشخص الأعمال التجارية بصفة مستمرة ومتكرره بحيث يمكن اعتبارها مهنته الرئيسية التي يرتزق منها ٠ونظراً لعدم وجود ضابط معين يمكن الاستناد إلية لتحديد فكرة الاحتراف، ذهب الفقهاء مذاهب مختلفة لوضع ضابط لفكرة الاحتراف ذهب البعض، إلى فكرة المضاربة وبالتالي يكتسب الشخص صفة التاجر إذا مارس الأعمال التجارية بصفة متكررة بهدف تحقيق ربح يرتزق منه، وبناء على هذا الضابط إعترف القضاء بصفة التاجر للشخص الذى يحترف عمليات المضاربة في البورصة ولكن يؤخذ على هذا المعيار أنه غير كاف حيث أن نية المضاربة قد تتوافر لدى الشخص الذى يمارس أحد الأعمال التجارية المنفردة بشكل عارض ومع ذلك لا يكتسب صفة التاجر.
ولقد ذهب رأى آخر إلى الأخذ بفكرة المشروع التجاري فالشخص يكتسب صفة التاجر متى قام بالعمل في شكل مشروع، حيث أن وجود المشروع يؤدى إلى انعكاس الصفة التجارية على حرفة من يباشر استغلال المشروع واعتباره تاجراً ولكن لا يمكن الأخذ بهذا الرأي على إطلاقه، لأنه يوجد كثيراً من الحرفيين الذين يمارسون نشاطهم من خلال مشروع ومع ذلك لا يكتسبون صفة التاجر.
على سبيل المثال الباعة الجائلين الذين يباشرون العمل التجاري على وجه الاستمرار و بدون وجود مشروع ورغم ذلك يكتسبون صفة التاجر وعلى ذلك يمكن القول بأن الاحتراف فكرة واقعية تتمثل في قيام الشخص بممارسة الأعمال التجارية – المنفردة او في شكل مشروع – على نحو رئيسي معتاد بصفة مستمرة ومتكررة بحيث يمكن اعتبارها مصدر رزقه الأساسي ٠
اختلاف الاعتياد عن الاحتراف:
الاحتراف هو ممارسة الأعمال التجارية على سبيل الاعتياد بحيث تكون هي النشاط الرئيسي الذى يعتمد عليه في كسب رزقه أما الاعتياد فهو القيام بالأعمال بصورة طارئة بين الحين والآخر، واعتياد الشخص القيام بعمل معين لا يرفعه إلى مرتبة الاحتراف فقد يستطيع الشخص القيام بأعمال على وجه الاعتياد دون أن يصل الأمر إلى اعتباره محترفاً طالما إنه لم يصل إلى حد الاعتياد على هذا العمل التجاري كوسيلة منتظمة لكسب العيش والارتزاق وعلى ذلك يعتبر الاعتياد مرتبة أدنى من الاحتراف، فقد يعتاد الشخص مثلاً القيام بشراء كتب يضمها إلى مكتبته، ومع ذلك لا يعتبر محترفاً يكتسب صفة التاجر واعتياد مؤجر العقار سحب الكمبيالات على المستأجرين بقيمة الأجرة فإنه لا يعتبر محترفاً يكسب صفة التاجر لأنه لا يعتمد – في هذين الصورتين – على هذا العمل للحصول على دخله واشتراط التكرار لكى يعتبر الشخص محترفاً لا يعنى بالضرورة القيام بالعمل مئات المرات، بل يكفى أن يكون التكرار كافياً لاعتباره العمل الرئيسي الذى يعتمد عليه الشخص في رزقه ودخله، والتفرقة بين الاعتياد والاحتراف وثبوت الاحتراف مسألة موضوعية يستقل قاض الموضوع بتقديرها ويخضع في تقدير اكتسابصفة التاجر من عدمه لرقابة محكمة النقض حيث أنها من المسائل القانونية.
محل الاحتراف:
احتراف العمل في حد ذاته لا يكسب الشخص صفة التاجر، ولكن يجب أن يقع هذا الاحتراف على الأعمال التجارية ٠ والأعمال التجارية التي يجب أن يمارسها الشخص حتى يعتبر محترفاً هي الأعمال التجارية المنفردة لذاتها أو التي تقع على وجه الاحتراف، والتي نصت عليها المواد ٦، ٥ ،٤ من قانون التجارة رقم ١٧لسنة ١٩٩٩ إما الأعمال التجارية بالتبعية فإن احترافها لا يؤدى إلى اكتساب صفة التاجر حيث أنها أعمال ليست في الأصل تجارية بل هي أعمال مدنية تم إعطائها وصف التجارية لأنها مرتبطة بحرفة التاجر أما إذا تعددت أنشطة التاجر بأن كان يمارس نشاطاً تجارياً وله نشاط أخر مدنى فإن ذلك لا يمنع من اكتساب صفة التاجر إذا احترف مزاولة العمل التجاري وكان ذلك مستقلاً عن العمل المدنى مثل التاجر الذى يملك أرض زراعية يبيع حاصلاته من خلال مشروع ٠
المحظور عليهم الاتجار بمقتضى قوانين أو لوائح أو أنظمة خاصة:
كان الفقه والقضاء مستقر في المجموعة التجارية الملغاة على اكتساب صفة التاجر للأشخاص المحظور عليهم مباشرة التجارة بواسطة قوانين مهنتهم أو اللوائح أو الأنظمة الخاصة التي يخضعون لها، مثل أعضاء هيئة التدريس بالجامعات والعاملين المدنيين بالدولة والمحامين والقضاة وغيرهم، إذا قام هؤلاء الأشخاص بممارسة العمل التجاري على سبيل الاحتراف ٠
وقد جاء قانون التجارة رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ ونص على ذلك صراحة في المادة ١٧ حيث نصت على أنه (إذا زاول التجارة أحد الأشخاص المحظور عليهم الاتجار بمقتضى قوانين أو لوائح أو أنظمة خاصة اعتبر تاجراً وسرت عليه أحكام القانون التجاري . ولكن يجب ملاحظة أن اكتساب هؤلاء الأشخاص صفة التاجر لا يمنع من توقيع الجزاء التأديبي المنصوص عليه في قوانينهم أو لوائحهم أو أنظمتهم الخاصة طالماً خالفوا الحظر المنصوص عليه في هذه القوانين أو اللوائح أو الأنظمة الخاصة ٠
مشروعية العمل التجاري:
يثور التساؤل عند قيام الشخص بإحتراف الأعمال التجارية غير المشروعة التي تحرمها القوانين كتجارة المخدرات أو شراء وبيع الأسلحة غير المرخصة أو إدارة منزل للدعارة أو للعب القمار، هل يكتسب الشخص باحترافه هذه الأعمال صفة التاجر؟ ذهب رأى إلى أن عدم مشروعية النشاط الذى يمارسه الشخص لا يمنع من اكتسابه صفة التاجر لأن في ذلك إجحافاً بمصالح الغير حسن النية الذى تعامل مع الشخص باعتبار أنه يقوم بنشاط مشروع، فحماية لهؤلاء يمكنهم مطالبته بالديون على أساس القانون التجاري ويمكنهم شهر إفلاسه ٠
وذهب الرأي الراجح فقها وقضاءاً إلى أن صفة التاجر محددة
بواسطة القانون فهذا مركز قانوني لا يتمتع به إلا من يباشر تجارة مشروعة، فحماية الديون التجارية للغير حسن النية الذين تعاملوا مع هؤلاء الأشخاص لا يساوى دخولهم في مركز قانوني يجب ألا يتمتع به إلا من مارس أعمال مشروعة كما أن هناك القوانين الجنائية التي تحقق الردعالعام والخاص دون حاجة لإضفاء صفة التاجر على هؤلاء ويذهب رأى أخر إلى التفرقة بين الغير حسن النية والغير سيء النية الذى يتعامل مع الشخص الذى يحترف القيام بأعمال غير مشروعة.
فسيء النية غير جدير بحماية القانون كمن يشترى مواد مخدرة من تاجر مخدرات أو يشترى سلاحاً من صانع أسلحة بدون ترخيص .أما حسن النية فهو جدير بتلك الحماية، كمن يقوم بتوريد مواد غذائية لمحل عام معد للجمهور يدار لأغراض منافية للآداب وهو لا يعلم بذلك معتقداً أنه فندق أو مطعم فإذا توقف صاحب المحل عن دفع ثمن تلك المواد فإنه يعتبر تاجراً يمكن شهر إفلاسه لأن القواعد العامة والجزاءات المقررة في قانون العقوبات لا تسعف الدائن مثل نظام شهر الإفلاس ٠
ولكننا نرى تأييد الرأي الثاني حيث لا يجب أن يكتسب من يحترف أعمال تجارية غير مشروع صفة التاجر والغير حسن النية يمكن حمايته من خلال الوسائل العادية لحماية الدائن المقررة وفقاً للقواعد العامة ٠
ومن ذلك يتبين مدى أهمية توضيح معنى الاحتراف حتى يمكن التاجر أو الممارسة للتجارة إكتساب صفة تاجر من عدمه وحتى يكون للدائنين القدرة على إستيضاح صفته هل هو تاجر أم لا حتى لا تتأثر تجارتهم بتعاملهم معه ويتمكنوا من مراجعته قضائيا امام المحكمة المختصة.