صناعة التشريعات الجنائية في عالم متغير.. الاغتصاب الزوجي
بقلم/ الدكتور أحمد عبد الظاهر – أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة
«لعبة نيوتن» مسلسل مصري تم عرضه في شهر رمضان 1442ه، ولعبت دور البطولة فيه الفنانة منى زكي والفنان محمد فراج، وتدور أحداثه حول «هنا» (تلعب دورها الفنانة منى زكي)، وهي زوجة تنشأ بينها وبين زوجها العديد من الخلافات، بعد قصة حب، فتقرر إنهاء حياتها الزوجية، وتبتعد عن المشكلات التي تواجهها، وتقرر السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تتزوج هناك من أحد المصريين المقيمين في بلاد العم سام، ويدعى «مؤنس» (يلعب الدور الفنان محمد فراج). وفي إحدى حلقات المسلسل، حاول «مؤنس» أن يمارس الجنس عنوة مع «هنا» تحت اسم أخذ حقه الشرعي. وقد أثارت هذه الحلقة جدلاً كبيراً بين من يقول إنها زوجته ومن حقه أن يأخذ حقه الشرعي في الاستمتاع وأنه لا يطيق صبراً، وبين من يقول إن ما فعله «مؤنس» هو اغتصاب. وغني عن البيان أن الغالبية العظمى قد يصدمها الرأي الثاني، حيث لا يتصور هؤلاء أن الزوج يمكن أن يغتصب زوجته. وبدون الانحياز لرأي دون الآخر، نرى من الملائم أن نتناول الموضوع من وجهة نظر دينية وطبية وقانونية.
رأي العلم في ممارسة الزوج الجنس عنوة مع زوجته
يؤكد علماء النفس أن التهيئة النفسية للزوجة قبل اللقاء الزوجي مهمة جداً، وتساعد على المتعة المشتركة، بل إن مقدمات العلاقة إذا غلبت عليها الرومانسية قد تكون بالنسبة إلى المرأة أهم من العلاقة نفسها، باعتبارها عاطفية ورومانسية بطبعها، وقد قيل: «إن المرأة تعشق وتحب بقلبها وأذنها». ومن هنا، يشير علماء النفس إلى خطورة المفهوم الخاطئ للعلاقة الزوجية أنها قائمة على القوة والعضلات، وإنما أهم منها مقدمتها، وإذا شعرت المرأة أن زوجها يقدر ظروفها النفسية التي قد تجعلها تعتذر له على تلبية طلبه، زاد في نظرها احتراماً، لأنه هنا نظر إليها كإنسان به مشاعر وأحاسيس وليس مجرد جسد، وفي نفس الوقت لا بد أن تصارح الزوجة زوجها بعذرها بكل شفافية، وتحاول أن تعوضه بالكلام الجميل الذي يشبع عاطفته ويجعله يتعاطف معها ويتقبّل عذرها.
وفي مقاله المنشور بجريدة الوطن، يوم الثلاثاء الموافق 11 مايو 2021م، تحت عنوان: «مؤنس» اغتصب «هنا»، يقول الدكتور خالد منتصر إن الاغتصاب – كما نعرف جميعاً – فعل جنسي تجبر عليه الضحية بواسطة رجل غريب عنها، أي بالضرورة ليس زوجها، ولكن هذا التعريف قد تغير الآن بعد رصد العلاقات الزوجية بصورة علمية، ومعرفة أن كثيراً من بديهيات العلاقة الجنسية قد صارت الآن في ذمة التاريخ مثل رغبة الرجل وفحولته التي بالضرورة تتفوق على رغبة المرأة والتي استغلها البعض في الدفاع عن تعدد الزوجات، وأيضاً بديهية أن المرأة مجرد وعاء جنسي مستقبل فقط وجسد مستعد للجماع في أي وقت وليس عليه أن يرفض أو أن يتململ، لأن الجنس في اعتقاد القدماء لا يكلفها جهداً أو عناء، ولذلك كانوا يعتبرون الرفض إما دلالاً منها أو عنجهية وعجرفة لا بد أن تعاقب عليها بكسر أنفها المتعالي الممتنع بلا سبب، ولكن مع التقدم الحضاري والاجتماعي والعلمي عرفنا فيما بعد أن المرأة ليست مجرد دمية بلاستيك بها وعاء مثقوب لتفريغ كبت الرجل الجنسي اللاهث على الدوام والذى يضنيه فحيح الرغبة المتأججة، ولكنها إنسان مثلها مثل الرجل، الجنس عندها لا يتم بضغطة زر، ولكنه يتم بمجموعة معقدة من التفاعلات النفسية والشعورية والجسدية، ولكى تستمتع به لا بد أن تكون لديها رغبة وإلا لو انتفت الرغبة عندها ومارست مع الزوج رغماً عنها وهى توهمه بأنها مستمتعة فلا فرق بينها وبين العاهرة التي عليها أن تتغندر وتمثل الاستمتاع حتى يرضى عنها الزبون الذى هو الزوج وبعد الانتهاء من هذه المسرحية الهزلية من الممكن أن تذهب سريعاً للحمام كي تتقيأ ما في جوفها قرفاً من هذا اللقاء الخالي من المشاعر. وعرفنا بواسطة العلم أيضاً أن المرأة من الممكن أن تنتقل من نشوة إلى نشوة أخرى أو بلغة علم السكسولوجي من أورجازم إلى أورجازم بدون مدة فاصلة على عكس الرجل الذى لا بد أن يمر على نشوته وقت لا يستجيب فيه لأى إثارة حتى يدخل منطقة نشوة أخرى، وهذا الوقت تتفاوت مدته حسب السن، وبهذا تسقط أسطورة أن رغبة الرجل متأججة عن المرأة، وآخر ما توصل إليه هذا العلم هو أن المرأة تستجيب للمثيرات اللفظية من مغازلات وكلام معسول أي إن الأذن لديها عضو جنسي أساسي والترتيب للقاء لا بد له من تمهيدات وملاطفات لا ينفع معها أن يكون الجماع فجائياً بطريقة روتينية فجة. أما الرجل، فيثيره المشهد لا المسمع، ولذلك فالعين عنده مصدر الإثارة، ومن الممكن أن يمارس الجنس بلا مقدمات لفظية أو تمهيدات رومانسية. وهنا فرق هام يجعلنا نفهم الجنس عند المرأة وكم هو معقد ورافض للإجبار، وهو ما يقودنا إلى اعتبار أن الجنس الذي يمارسه الزوج بالإجبار مع زوجته الرافضة لممارسته معه يعتبر اغتصاباً، ولا تنفيه أو تجمله أو تقلل من حدته ورقة كتب الكتاب والقائمة والشهود والمأذون، فهذه كلها ديكورات لا تخفى قبح هذا السلوك البشع من الزوج تجاه زوجته.
رأي الدين في ممارسة الزوج الجنس عنوة مع زوجته
لا خلاف بين الفقهاء أن الإسلام اعتبر العلاقة الزوجية للرجل مع زوجته من باب العبادة التي يثاب الطرفان فيها، لأن كل واحد منهما حرص على عفة الآخر والحصول على متعته بالحلال، ولعلّ هذا ما يفهم من الحديث النبوي الذي رواه الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري: «إن ناساً من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالوا له: يا رسول الله ذهب أهل الدثور، أي الأموال، بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال لهم النبي: أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون، إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر».
ولا ينازع أحد من الفقهاء في صحة الأحاديث النبوية التي تتضمن وعيداً للزوجة التي تهجر فراش زوجها أو لا تستجيب لدعوة الزوج إلى الفراش. وقد وردت في هذا الباب أحاديث عديدة. إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح». ويقول صلى الله عليه وسلم: «إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور». وفي حديث آخر، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها».
ومن ثم، واستناداً إلى التطبيق الحرفي للأحاديث النبوية سالفة الذكر، يرى بعض الفقهاء أنه متى دعا الرجل زوجته، في أي ساعة من ليل أو نهار، وجبت عليها طاعته، ولو لم تكن لها رغبة. فوفقاً لهذا الرأي، النصوص الشرعية صريحة بوجوب تلبية الزوجة لزوجها مهما كانت ظروفها، باستثناء العذر الشرعي المتمثل في العادة الشهرية. ومن ثم، ينتهي هؤلاء إلى ضرورة التطبيق الحرفي للنصوص الشرعية، وإلا فإننا نفتح أبواباً للمعاصي وانهيار الأخلاق وضياع العفة، حتى مع وجود علاقة زوجية معطلة ولو مؤقتاً بامتناع الزوجة، وإلا لما قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ».
وفي المقابل، يرى بعض الفقهاء تأويلاً سائغاً للنصوص الشرعية سالفة الذكر، وبحيث ينبغي فهمها في إطار نظرة شاملة لنظام الزواج وأحكامه وآدابه في الإسلام. وهذا التأويل السائغ للأحاديث النبوية الشريفة هو أن الوعيد المذكور للزوجة الممتنعة عن فراش زوجها مرتبط بعدم وجود عذر صحي أو نفسي، وهنا تكون الزوجة آثمة شرعاً، لأنها لم توفر له مطلبه الحلال، مما قد يفتح الباب أمامه للحرام لإشباع تلك الغريزة التي جعل الله الوسيلة الوحيدة لإشباعها هو الزواج الشرعي. لقد جعل الله العلاقة الزوجية من أقدس العلاقات الإنسانية، نظراً لما فيها من مشاعر طيبة واحترام كل من الزوجين لآدمية الآخر، وليست مجرد العلاقة الحميمة فقط، مع تقديرنا لأهميتها في حدوث التوافق الزوجي، لكن كل ذلك يجب أن يكون بالتفاهم والوفاق الذي يغلّفه الحب وليس مجرد «آمر ومأمور» وكأننا في وحدة عسكرية». بيان ذلك أن الله لم يجعل الزواج آية من آياته من فراغ، نظراً لما فيه من ثلاثية مشتركة يجب أن يحرص عليها الزوجان، وهي «السكن والمودة والرحمة» فقال الله تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (سورة الروم: الآية 21). ومن ثم، فإن حصول الزوج على حقه الشرعي بالقوة، دون مراعاة لرغبة أو مشاعر زوجته، أمر لا يقرّه الشرع، وإنما طلب منه الإسلام تهيئة الجو النفسي حتى تتم العلاقة الزوجية في حالة من الراحة والقبول والاندماج والتوافق، وليس مجرد أمر عسكري من الزوج وطاعة عمياء من الزوجة، ولعل هذا ما نبهنا إليه الدين بأن يقدِّم الزوج للجماع بالملاطفة والمداعبة والملاعبة والتقبيل، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يلاعب أهله ويقبل زوجاته، وقال للأزواج في كل زمان ومكان: «لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة، وليكن بينهما رسول، قيل: وما الرسول يا رسول الله؟ قال: القبلة والكلام». فعلى الأزواج إذن أن يعاملوا زوجاتهم بلطف ورحمة ورقة وتهيئة نفسية والتماس الأعذار لها إذا كانت متعبة صحياً أو نفسياً، والتقرّب إليها ومعرفة سبب تعبها، والعمل على إزالته، مما يجعلها متهيئة للمعاشرة الزوجية وسعيدة، بل وتسعى إليها وتطلبها إذا كانت راغبة في هذا، لأن هذا حقها شرعاً. وليكن رائد الأزواج وقدوتهم في هذا الشأن ما قاله وكان يفعله الصحابة في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم، وعبّر عنه عبد الله بن عباس، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، واصفاً اهتمامه وحرصه على نظافته وتزينه لزوجته، لأن ذلك حق لكل من الزوجين على الآخر، فقال: «إني لأتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي»، وتلا قول الله تعالى: «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ». وبالتالي فإن الرجل إذا عامل زوجته من أجل الفراش بطريقة سيئة لا تتفق مع آدميتها وكرامتها ولم تستطع أن تتحمّل ذلك، فعليها نصحه بالحسنى وتوضيح حقيقة حالتها وأسباب امتناعها بصدق وشفافية، فإن استجاب وتفهم فهو خير، وإن لم يتفهم وتعجرف معها ونظر إليها نظرة دونية، وكأن وظيفته المعاشرة الصماء فقط بلا مشاعر، فإنه يحق لها أن ترفع أمرها للقضاء لطلب التطليق إذا فقدت الأمل في تغييره للأحسن.
وينبغي على الأزواج مراجعة أنفسهم وفهمهم الخاطئ للحديث النبوي الشريف الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح». ويجب على الأزواج أن يبحثوا عن سبب هذا الهجر لفراشهم وإصلاح عيوبهم والتماس الأعذار لزوجاتهم إذا كن متعبات أو مريضات جسدياً أو غير متهيئات نفسياً. وفي الوقت ذاته، يتعين على الزوجة أن تحاول، قدر استطاعتها تلبية رغبة زوجها حتى تعفه، لأنها تكون آثمة إذا امتنعت عن فراشه بلا عذر، والله وحده هو المطلع على النوايا المحاسب عليها، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل أمرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه».
ويحذر أنصار هذا الرأي الأزواج من الاستناد إلى أقوال بعض الفقهاء القدامى الذين وصفوا العلاقة الزوجية بصورة خاطئة بأنها عقد استمتاع من الرجل للمرأة، وكأن الزواج عبارة عن المعاشرة فقط، مع أنه أوسع من هذا المعنى الجسدي بكثير، وعلاقة سامية مغلفة بالرحمة والمودة والسكن، وبالتالي يجب أن تكون في المعاشرة الزوجية مراعاة لاحتياجات كلا الطرفين للآخر. ولا يجوز جعل النصوص الشرعية، من الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية، سيفاً مسلطاً على رقبة الزوجة دون التماس الأعذار لحالتها المزاجية أو الصحية، أو غير ذلك من الظروف التي تتعرض لها النساء، ولهذا لا بد من إعادة نظر في الفقه الذي يتناول المسائل الزوجية، والذي يجعل بعض الفقهاء يقولون إن الزوجة تستحق دخول النار حتماً وفوراً إذا لم تفعل ما يدعوها إليه زوجها، وكأنها مجرد آلة فقط عليه الأمر وعليها الاستجابة.
إن الجماع من الأمور الحياتية المهمة التي أتى بها ديننا من خلال الزواج الشرعي، وجعل لها من الآداب والأحكام ما يرقى بها عن أن تكون مجرد «لذّة بهيمية»، لدرجة أنه جعلها عبادة يثاب أطرافها، وقرنها بأمور من النيّة الصالحة، بل جعل هناك أذكاراً وآداباً شرعية قبلها، حتى في ليلة الزفاف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا تزوج أحدكم امرأة فليقل اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه»، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الأزواج إلى الدعاء لله عندما يأتون زوجاتهم، فقال: «أما لو أن أحدهم يقول حين يأتي أهله باسم الله، اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، ثم قدر بينهما في ذلك أو قضى ولداً لم يضره شيطان أبداً». ومن ثم، ينبغي على الأزواج أن يتعاملوا برفق ورحمة مع زوجاتهم، في الحياة الزوجية بوجه عام والعلاقة الحميمية بوجه خاص، وليتخذوا من رسول الله صلى الله عليهم قدوتهم وأسوتهم، وليلتزموا وصفه صلى الله عليه وسلم لسلوكه كله مع زوجاته، وفي كل الأحوال. ففي الحديث الذي روته زوجته أم المؤمنين عائشة، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»، وكان صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه بزوجاتهم خيراً، ويقول: «إنما هن عوان عندكم» أي أسيرات بحكم الشرع، ولهذا يجب شرعاً الرفق والرحمة بهن، فقال «الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء». وعلى هذا النحو، فإن الدين الإسلامي يحث الزوج على التحلّي بالرفق في تعامله مع زوجته في حياته الزوجية عامة وقبل المعاشرة الزوجية خاصةً، حتى تكون مهيأة نفسياً لذلك. ولعل أفضل الرفق يكون بين الزوج وزوجته، وأسوأ العنف والغلظة تكون أيضاً بين الزوج وزوجته، وخاصةً في هذه العلاقة التي يراد منها العفة وتوطيد الحب بينهما، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله»، وبين صلى الله عليه وسلم جزاء الرفق بوجه عام، والزوجة هنا أولى به من غيرها فقال: «ألا أخبركم بمن يحْرُم على النار؟ أو بمن تَحْرُم عليه النار؟ تَحْرُم النار على كل قريب هين لين سهل». ويجب على الزوج شرعاً أن يكون رفيقًا مع زوجته حتى يرفق الله به يوم القيامة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه: «اللهم مَنْ وَلِي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم، فأرفق به»، ومن أجمل ما قال الفقهاء في هذا الشأن قول سفيان الثوري لأصحابه: «أتدرون ما الرفق؟ قالوا: قل يا أبا محمد، قال: أن تضع الأمور في مواضعها، الشدة في موضعها، واللين في موضعه». ويمكن القول إن المعاشرة الزوجية أولى المواقف بالرفق، بدلاً من الفظاظة أو الفجاجة التي يرتكبها بعض الأزواج، الذين يسيئون فهم الإسلام ولا يتأملون قول الله تعالى لنبيه، صلى الله عليه وسلم، وكل أفراد أمته من بعده: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» (سورة آل عمران: الآية 159).
رأي القانون في ممارسة الزوج الجنس عنوة مع زوجته
ورد النص على جريمة الاغتصاب، أو على حد قول المشرع «مواقعة أنثى بغير رضاها»، وذلك في المادة 267 الفقرة الأولى من قانون العقوبات المصري، مستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 11 لسنة 2011م، والتي تنص على أن «من واقع أنثى بغير رضاها يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد». وبالتمعن في هذا النص، يبدو جلياً أن المشرع قد استخدم للتعبير عن الركن المادي للجريمة لفظ «المواقعة» المقترنة بانعدام رضا المجني عليها. وتطلب في المجني عليه شرطاً وحيداً، وهو أن يكون «أنثى». وهكذا، جاءت عبارات النص عامة، فلم يقصر المشرع النموذج القانوني للجريمة على الحالة التي لا يكون فيها ثمة رابطة زوجية بين الجاني والمجني عليه. ومع ذلك، قد يكون قائل إن رضا الأنثى بمواقعة زوجها لها مفترضة من موافقتها على الزواج. بل إنها تعلم يقيناً أن عليها واجب شرعي في إحصان زوجها، فلا يجوز لها أن تمتنع عن المواقعة الجنسية، متى طلب زوجها منها ذلك. والواقع أن الفقه الجنائي المصري مستقر على أن «عدم شرعية الاتصال الجنسي» هي أحد شروط تحقق النموذج القانوني لجريمة الاغتصاب. وفي بيان ذلك، يقول أحد فقهاء القانون الجنائي: «إذا كان الاتصال الجنسي الذي أكره الرجل المرأة عليه مشروعاً، فإنه لا يصلح ابتداءً ليقوم به الركن المادي للاغتصاب. ويكون هذا الاتصال مشروعاً إذا كان في نطاق نظام اجتماعي يعترف للرجل بالحق في هذا الاتصال ويفرض على المرأة الالتزام بقبوله، وهذا النظام في القانون الحالي هو الزواج فقط. وقد اتفق فقهاء الشريعة الإسلامية على أن الاتصال الجنسي حق للزوج، وواجب على الزوجة، ومنهم من أضاف إلى ذلك أنه كذلك حق للزوجة وواجب على الزوج. وتطبيقاً لذلك، لا يرتكب الزوج جريمة الاغتصاب إذا أكره زوجته على الصلة الجنسية. ولكن إذا كانت أفعال الإكراه في ذاتها جريمة، كالضرب فيما يجاوز به الزوج حدود حقه في التأديب كان مسئولاً عن هذه الجريمة فقط. ولكن، الزواج لا ينتج هذا الأثر إلا إذا كان صحيحاً كي ينتج حكمه الشرعي من حيث (حل متعة كل من الزوجين بزوجه)، أما إذا كان الزواج باطلاً أو فاسداً فهو لا يخلع على الصلة بين طرفيه الصفة المشروعة، وإن كان جهل الزوج بسبب البطلان أو الفساد ينفي القصد لديه. وشرعية الصلة الجنسية بما يمنع من قيام الاغتصاب موقوتة بالوقت الذي يقوم خلاله الزواج: فإن كان قبله، كما لو أكره الخطيب خطيبته عليها، قامت بها الجريمة، ولو عقد الزواج بعد ذلك بوقت يسير؛ وإن كانت بعد انحلاله، كما لو باشرها المطلق بائناً على مطلقته أو المطلق رجعياً بعد أن بانت عنه مطلقته بانتهاء عدتها، قامت الجريمة كذلك. أما إذا باشرها المطلق رجعياً قبل انتهاء العدة فلا جريمة، لأن هذا الطلاق (لا يرفع قيد الزوجية ولا يزيل ملكاً ولا حلاً) طالما لم تنقض العدة، بل إن هذه الصلة تعد مراجعة فتستأنف بها الحياة الزوجية» (راجع في هذا الشأن: د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، وفقاً لأحدث التعديلات التشريعية، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الرابعة، سنة 2012م، رقم 722، ص 606 و607).
رأينا الخاص في هذا الشأن
البين من الرأي الفقهي القانوني سالف الذكر أنه يقوم في أساسه على اتفق فقهاء الشريعة الإسلامية على أن الاتصال الجنسي حق للزوج، وواجب على الزوجة، ومنهم من أضاف إلى ذلك أنه كذلك حق للزوجة وواجب على الزوج. ويخلص من ذلك إلى القول بشرعية المواقعة الجنسية التي تقع من الزوج على زوجته، ولو كان ذلك كرهاً عنها، وأن الاتصال الجنسي لا تقع به جريمة الاغتصاب. وهنا، أرى من الملائم أن نحرص على استخدام عبارة المشرع نفسه، وهي «مواقعة أنثى بغير رضاها». ولا شك أن فعل المواقعة الجنسية بغير الرضا يتحقق، ولا ينفي ذلك وجود علاقة الزوجية من عدمه. ومع ذلك، قد يقول البعض إن انتفاء الرضا لحظة حدوث المواقعة يغني عنه الرضا بالعلاقة الزوجية نفسها، وما تفترضه من الرضا بالمعاشرة الزوجية بين الطرفين. فلا يلزم توافر الرضا في كل مرة.
وفي اعتقادي أنه ينبغي التمييز بين وجود الحق وبين استيفاء هذا الحق. ولا توجد أدنى مشكلة في حالة استيفاء الحق رضاء، بأن يؤدي الملتزم به واجبه تجاه صاحب الحق. ولكن، التساؤل يثور في حالة ما إذا كان الملتزم بالحق غير راغب في أداء التزاماته لسبب أو لآخر، وسواء كان ذلك تعنتاً منه وبدون وجه حق أو كان ذلك لوجود مانع نفسي أو صحي أو ذهني معين.
وفي الإجابة عن هذا التساؤل، نرى من الواجب استحضار التفرقة المستقرة في فقه المعاملات المدنية بين الحق الشخصي والحق العيني، ناظرين في ذلك إلى أن عقد الزواج هو أحد المعاملات أو العقود المدنية. فإذا كان الحق العيني يمكن استيفاؤه عيناً، وبطريق التنفيذ العيني جبراً عن الملتزم به، فإن الحق الشخصي لا يمكن استيفاؤه جبراً عن إرادة الملتزم به، ولا يبقى لصاحب الحق سوى التنفيذ بطريق التعويض. ولما كانت الحقوق الناشئة عن عقد الزواج هي من قبيل الحقوق الشخصية التي لا تقع على عين معينة، لذا فإن القول بحق الزوج في المواقعة الجنسية لزوجته رغماً عن إرادتها يتنافى ويتجافى مع طبيعة الحق الشخصي. ولا يبقى سوى التعويض عن عدم استيفاء الحقوق الناجمة عن عقد الزواج، كأن يقرر المشرع اعتبار الزوجة ناشزاً إذا لم تمكن الزوج من نفسها. وقد يقرر المشرع إسقاط نفقة الزوجة إذا منعت نفسها من الزوج أو امتنعت عن الانتقال إلى بيت الزوجية الشرعي دون عذر شرعي، أو إذا تركت بيت الزوجية دون عذر شرعي، أو إذا منعت الزوج من الدخول إلى بيت الزوجية دون عذر شرعي، أو إذا صدر حكم أو قرار من المحكمة مقيد لحريتها في غير حق للزوج وجاري تنفيذه. ومن ناحية أخرى، وإذا كان فقهاء الشريعة الإسلامية متفقون على أن الاتصال الجنسي حق للزوج، وواجب على الزوجة، فإن منهم من أضاف إلى ذلك أنه كذلك حق للزوجة وواجب على الزوج. وإذا كان لا يمكن إجبار الزوج على أداء حق الزوجة رغماً عنه، فإن العدالة تقتضي بألا يقبل إجبار الزوجة على أداء حق الزوج رغماً عن إرادتها. بل إن الزوج قد يكون متزوجاً من أكثر من زوجة، وبالتالي يمكنه أن يعف نفسه من خلال علاقة شرعية أخرى، بينما لا يمكن للزوجة أن تعف نفسها بطريقة شرعية إذا امتنع الزوج عن أداء واجبه الشرعي حيالها.
ومع ذلك، ورغم أننا نرى عدم جواز اكراه الزوجة على ممارسة العلاقة الجنسية رغماً عنها، فإن ذلك لا يعني التعامل مع هذه الحالة بالطريق الجنائي، من خلال ملاحقة الزوج جنائياً بتهمة الاغتصاب. وإنما كل ما تملكه الزوجة في هذه الحالة هو طلب الطلاق، إذا استحال عليها العيش مع الزوج ورده إلى سبيل الرشاد.