شركات المحاماة والضرورة الإجتماعية والإقتصادية

بقلم: عماد البحيري

تحدثت فى المقال السابق عن دور شركات المحاماة فى تنمية مهارات المحامى فى الجانب المهنى، وفى هذا المقال أود أن أشير إلى دور شركات المحاماة فى الجانب الاجتماعى والاقتصادى.

وأقصد بالجانب الاجتماعى، المنزلة الأدبية للمحامى وهيبته وكرامته التى طالما ينادى بها المحامون، ويضعها المرشحون للمواقع النقابية فى أولى اهتماماتهم. أما الجانب الاقتصادى، فهو ذلك المتعلق بالحالة المادية للمحامى والتى تعد ركن ركين لقيام المهنة على قدمين ثابتتين.

وعن هذا الدور، يمكن التقاط النقاط التالية:

1- من القوانين الاقتصادية المعروفة، أنه كلما زاد العرض قل الطلب، وكلما قل الطلب قل معه الثمن. والخدمة القانونية يسرى عليها هذا القانون كما يسرى على أى سلعة وخدمة.. فكلما زادت مكاتب المحاماة، أى زاد العرض، كلما قلل ذلك من قيمة الخدمة القانونية السوقية، بمعنى أن العميل عندما يسير فى أحد الشوارع فيجد عشرات المكاتب للمحاماة فيكون لذلك أثره السلبى على المهنة من جانبين. من الجانب الأدبى، حيث ان كثرة المكاتب تقلل من نظرة العميل إلى المهنة، لا سيما أن كثير من هذه المكاتب تكون فى عقارات لا تليق. ومن الجانب المادى، حيث يستطيع العميل أن يتردد حول عشرات المكاتب للحصول على أقل قدر من الأتعاب، لا سيما ان معظم مكاتب المحاماة لا تتقاضى مقابل نظير الاستشارات القانونية، وهذا مما يؤسف له.. فلو أن هذا العدد مت المحامين اندمجوا فى شركة واحدة، لأدى ذلك إلى حصر مكاتب المحاماة فى عدد محدود من الشركات فى كل دائرة مما يرفع من قيمة الخدمة التى تقدمها الشركة للعميل، ذلك ان قلة المعروض سيعمل على رفع القيمة السوقية بحسب القانون سالف الذكر.

2- لا شك أن هذا الحصر لمكاتب المحاماة سيكون له أثار أخرى غاية فى الأهمية. فمن إثاره الأدبية، أن دخول مكتب المحاماة سيكون عزيزا على العملاء، فلن يجد العمل هذا الكم الكبير من المكاتب ليتردد حولها فى قضية غير ذات شأن، لا سيما ان مكتب المحاماة فى صورة شركة لن يقبل سؤال العميل بغير مقابل مادى. ومن الآثار الاجتماعية، فإن هذا سيقلل من كثرة القضايا والمنازعات التافهة والتى لا يهدف المتقاضى منها سوى (جرجرة خصمه فى المحاكم) لأنه يعلم أن لهذه الجرجرة ثمنا باهظا وكلفة عالية، وسوف يعود هذا بأثر طيب على حسن سير مرفق القضاء، لأن عدد القضايا سيقل، وسيقف عند حد المنازعات الجادة والحقيقية.

3- تكثر شكاية السادة المحامين مت كثرة التعامل مع السادة الموظفين فى المحاكم والمصالح فى أنحاء الجمهورية، وما يترتب عليه من اهتزاز صورة المهنة اجتماعيا. وكانوا قديما يستعينون على ذلك بوكيل لمباشرة الأعمال الإدارية، والاستعانة بمثل هذا الوكيل لا يطيقه المحامى الفرد فى مكتبه، لكنه بالطبع فى استطاعة الشركة والكيان القانونى المؤسسى، فشركات المحاماة تمكن أعضاءها من الاستعانة بهذا الوكيل الإدارى، ليقتصر عمل المحامى على العمل القضائى مما يعزز هيبته ومكانته.

4- فى ظل الأزمة الراهنة التى تمر بها بلدنا العزيز، والعالم كله، والتى اوشكت ان تحيق ببعض الأخوة المحامين، حتى ان صراخهم قد علا وشكايتهم طارت كل مطار، رغم ان العمل لم يتوقف لأكثر من شهر واحد، مما ينبىء عن مشكلة حقيفية يجب العمل على حلها.. وهنا يأتى دور شركات المحاماة، فالمؤسسة قادرة على ممارسة الادخار، والادخار يرادف الاستقمار فى علم الاقتصاد، والاستثمار من سمات التقدم والتحضر. وقد لا يتمكن المحامى الفرد من ممارسة الاستثمار، أما المؤسسة فهى على ذلك أقدر، فشركة المحاماة تستطيع وضع نظام يقتطع من دخول أعضاءها فى حساب بنكى او مشروع استثمارى، يستعينون به مع مرور الوقت على مواجهة الظروف، بحيث يكفيهم مؤنة الحياة الكريمة إذا ما ألمت بهم مثل هذه الظروف.

5- وإلى ما سبق نضيف ان ممارسة مهنة المحاماة من خلال المؤسسات هو السائد الآن فى الدول المتقدمة وكذلك فى دول العالم العربى، وهذا يفرض علينا ان نسلك نفس المسلك ونسير فى هذا الطريق لئلا نستيقظ يوما فنفاجأ باتفاق دولى يسمح للأجانب ممارسة العمل القانونى فى بلدنا بما تفرضة سطوة العولمة الآن على الساحة الدولية، فلا نجد لنا معهم مكانا، ونصبح لهم مجرد تابعين.

هذا ما عندى، ومن المؤكد أن هناك من الفوائد الأخرى الكثير والكثير يعلمها الزملاء مما لم اطرحه فى هذه الكتابات.
وختاما أقول أن هذا الطرح وذلك المقترح يحتاج إلى مثابرة وجهد غير يسير، لأنه يواجه عقبة ثقافية فى المقام الأول، وهى أشد ما يواجهه أى تغيير، ولكن التجديد فى كل عصر وطور له رجاله القادرون عليه.

زر الذهاب إلى الأعلى