زواج المتعة

 بقلم : يوسف أمين حمدان

مِنْ شُرُوطِ صِحَةِ عَقْد الزواج أن تكونَ صيغة العقد مؤبدة، أن تكون صيغة العقد غير مؤقتة بمدة سواء كانت المدة قصيرة أم طويلة، أى يكون الإيجاب والقبول مؤبدًا، فإذا كانت الصيغة دالة على التأقيت كما لو قال الرجل: “تَزَوَّجْتُكِ مُدَّة سنة أو مدة إقامتي في الخارج ” فقالت: “قَبِلْتُ” لا يَنْعَقد العقد، لأن المَقْصود هو حِل العِشْرَةِ بين الزوجين ودوامها وإقامة الأسرة وتربية الأولاد والقيام على شؤونهم، لأن الزواج شرع على سبيل الاستمرار والدوام، أما إذا كان الزواج لمدة معينة مثل المثال السابق نكون أمام نوعين آخرين وهما زواج المتعة و الزواج المؤقت ويَنْصَبُّ الْحَديْث على زواج المتعة.

فزواج المتعة من أنواع الزواج غير المؤبد، وهو ما اشتملت صيغته على لفظ التمتع أو الاستمتاع مثل أن يقول الرجل للمرأة أتمتع بكِ مُدة بمبلغ كذا، فتقول “قبلت”، وحكمه “باطل” كالزواج المؤقت تمامًا، لأنه لا يُقْصَد به الدوام والبقاء والاستقرار، فنكاح المتعة في حقيقته نكاح مؤقت لمدة معينة أو لمدة مجهولة، إلا أن صيغته تشتمل على لفظ التمتع أو الاستمتاع، وكذلك لايشترط في زواج المتعة حضور شهود بخلاف الزواج المؤقت الذي ينعقد بحضور شهود، كما أن زواج المتعة لا يشترط تحديد مدة معينة على خلاف الزواج المؤقت في أن مدة الزواج فيه محددة، وعلى هذا فإنه يكون باطلا شرعا، لقوله تعالى “وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَـٰفِظُونَ إِلَّا عَلَىٰۤ أَزۡوَ ٰ⁠جِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَیۡرُ مَلُومِینَ” سورة المؤمنون 5،6/ المعارج 29،30
فالآية وصفت المؤمنين بأنهم حافظون لفروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، والمرأة المتمتع بها ليست زوجة باتفاق العلماء.

ويقول الإمام الصنعاني في بيانه للمتعة (أعلم أن حقيقة المتعة كما فى كتب الإمامية هى نكاح المؤقت بأمد معلوم، وغايته إلى خمسة وأربعين يوما، ويرتفع النكاح بانقضاء الوقت في المنقطعة الحيض، وبحيضتين في الحائض، وبأربعة أشهر وعشر في المتوفى عنها زوجها، وحُكْمه ألا يثبت لها مهر غير المشروط، ولا تثبت لها نفقة ولا توارث ولا عدة إلا استبراء بما ذكر، ولا يثبت به نسب إلا أن يشترط، وتحرم المصاهرة بسببه).

حديث سلمة هذا أفاد أنه -صلى الله عليه وسلم- رخَّص في المتعة ثم نهى عنها واستمر النهي ونسخت الرخصة، وإلى نسخها ذهب الجماهير من السلف والخلف، وقد روى نسخها بعد الترخيص فى ستة مواطن:-
الأول: فى خيبر
والثانى: فى عمرة القضاء
والثالث: عام الفتح
والرابع: عام أوطاس
والخامس: غزوة تبوك
والسادس: في حجة الوداع فهذه التي وردت) إلا أن فى ثبوت بعضها خلافا.

حتى الشيعة؛ حيث يروى أن نكاح المتعة مباح، لأنه أُبيْح في صدر الأول للإسلام ولم تُنْسخ إباحته واستدلوا أيضا إلى ظاهر قوله تعالى: “(۞ … فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِۦ مِنۡهُنَّ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ …” النساء 24، إلا أنهم لا يعترفون بأنها زوجة ولها حقوق.

وما واستدلوا به من القرآن فليس من المتعة، وإنما هو النكاح الصحيح بدليل سياق الآية، فالله تعالى قد بين فى الآية التى قبلها المحرمات من النساء ثم قال عز وجل(۞ … وأُحِل لَكُم مَّا وَرَاۤءَ ذَ ٰ⁠لِكُمۡ أَن تَبۡتَغُوا۟ بِأَمۡوَ ٰ⁠لِكُم مُّحۡصِنِینَ غَیۡرَ مُسَـٰفِحِینَۚ فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِۦ مِنۡهُنَّ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةࣰۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ فِیمَا تَرَ ٰ⁠ضَیۡتُم بِهِۦ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡفَرِیضَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا حَكِیمࣰا” النساء 24 أى أن الله تعالى قد أحل لكم أن تتزوجوا من غير المحرمات زواجا طاهرا عفيفا، والاستمتاع في الآية ليس المراد به المتعة وإنما المراد به الاستمتاع بالزوجة الشرعية، والأجر في الآية المُراد به المهر، كما في قوله تعالى: “… فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذۡنِ أَهۡلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ …” النساء 25
وتبدأ هذه الآية ب: (وَمَن لَّمۡ یَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلًا أَن یَنكِحَ ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُم مِّن فَتَیَـٰتِكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِۚ…” النساء 25 وكل هذا يقطع بأن الآيات المذكورة من سورة النساء تتناول النكاح الشرعي وليس نكاح المتعة.

فما رأي دار الإفتاء المصرية في هذا الشأن؟
وقد أفتت دار الإفتاء المصرية بأن الزواج المؤقت باطل فقد جاء بفتواها الصادرة بتاريخ 19/3/1962 في الطلب رقم 217/1962 بأن:
(قرر الفقهاء أن تأقيت النكاح بمدة معينة شهر أو سنة أو سنتين مثلا يقتضي بطلان العقد لأن طبيعته الدوام والاستقرار فلا يقبل التأقيت في العقد قصدا -ونصوا على أن من صور التأقيت أن يقال في العقد- أنه يتزوجها مدة بقائه في جهة كذا أو في الدراسة في الجامعة كما في مسألتنا، كما قرر الفقهاء أن الرجل إذا تزوج إمرأة دون تأقيت، ولكن شرط في العقد أن يطلقها بعد مدة معينة -فإن العقد يكون صحيحا وشرط بعده وهو مناف لمقتضى العقد وهو دوام النكاح واستقراره، فيلغى هذا الشرط ويبقى العقد صحيحا، أما في صورة التأقيت السابقة فإن العقد قد اشتمل في صلبه على التأقيت فيقع باطلا).

زر الذهاب إلى الأعلى