دور المحكمة الجنائية الدولية الدائمة (3)
بقلم: أ ـ محمد عبد اللطيف
القينا الضوء في الأجزاء السابقة على دور المحكمة الجنائية الدولية العظيم، ونتابع فى هذا الجزء من المقال هذا الدور المتعاظم ودعوة الجميع إلى مساندة ذلك الدور الفارق في التاريخ فالمحاكم الدولية الجنائية كانت محاكم مؤقته قائمة لمحاكمة أشخاص بعينهم ولأحداث معينة تنتهى بالمعاقبة على تلك الأحداث ومحكامة هؤلاء المتهمين بمعنى أنها لها أختصاص شخصى وأقليمى وزمنى معين، أما المحكمة الجنائية الدولية فهي محكمة دائمة ينعقد لها الاختصاص أمام أي شخص يرتكب الجرائم التي تدخل في اختصاصها، ولا ينتهى أختصاصها بالفصل في أحداث معينة فاختصاص تلك المحكمة عالمي يشمل كل جزء في الكوكب المائي بخلاف الحال بالنسبة للمحاكم الدولية السابقة عليها.
فنشأت تلك المحاكم لمعاقبة المهزوم كما الحال في محاكم نورمبرج أو طوكيو أو لمعاقبة الضعيف كما الحال في محاكمات يوغسلفيا وروندا، المحكمة الجنائية الدولية مقدم لها 19 ملفًا حالياً، تتعلق بالجرائم التي تدخل في اختصاصها 6 ملفات منهم تنظرهم المحكمة، وهي ملفات الكونغو الديمقراطية، أوغندا، السودان، ليبيا، أفرقيا الوسطى، كينيا، وانضم إليهم ملف أفغانستان حديثاً والباقي في مرحلة التحقيق المبدئي الذي تتولى فيه المحكمة تحديد اختصاصها بشأن ذلك الملف، و تلك الملفات تتعلق بدول ليس لها ثقل أو حشد دولى عدا ملفين الأول افغانستان الذي ستكون القوات الأمريكية ومخابرتها المركزية ومسلحي طالبان وحكومة افغانستان خصوم أمام المحكمة المعنية، وملف فلسطين الذي من خلال تفعيله ستحاكم إسرائيل عن الجرائم المرتبكة في الأراضى الفلسطينة.
فالمحكمة الجنائية الدولية تسطر التاريخ، فهي الآن تريد أن تحاكم القوة العظمى الأولى في الكرة الأرضية، تحاكم المنتصر على غير العادة، تريد أن تنشأ عرف جديد، أن الولايات المتحدة الأمريكية قد خالفت كثيراً القانون الدولي الدبلوماسي والقانون الدولي الاقتصادي وخالفت القانون الدولي الجنائي في شقيه الموضوعي والإجرائي، فتلك المحكمة تقف في وجهها تريد تحقيق العدل والنصرة للقتلى والمكلومين، فهي نائبة الأرواح التي راحت ضحايا العمليات العسكرية في أفغانستان، ونائبة المعذبين اللذين ذاقوا ويلات وآلام الحروب وسلبوا الإرادة والحرية وعذبوا فوق كل ذلك، فنحن نطالب على كل قانوني محامياً كان أو قاضياً أو أكاديمياً، فعلى دولتنا المصرية أن تستهجن تلك العقوبات، تقف مع الحشد الذي سيدافع عن القانون وتطبيقه، فالولايات المتحدة الأمريكة تقف أمام المحكمة المنوط بها عقاب من تحميه دولته أو لا تريد محاكمته مستخدمة وسائل غير قانونية ضاربة كل المبادىء والأعراف القانوية والدولية عرض الحائط، تقف في مواجهة كافة الدول وأمام أقوى المنظمات الدولية سواء كانت الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبى، غير عائبة بأحد وغير منصاعه لأى قاعدة قانونية وذلك ليس غريباً فهي قد عزمت النية على ذلك في مؤتمر الأمم المتحدة الدبلوماسى فى روما فى مقر منظمة الأغذية والزراعة الدولية المعنى بأنشاء محكمة جنائية دولية حيث قد شاركت 160 دولة و 16 من المنظمات والكيانات الدولية الحكومية و122منظمة غير حكومية حيث مثلوا بصفتهم مراقبين فى ذلك المؤتمر المنعقد فى الفترة من 15 يونيو إلى 17 يوليو فى بروما، والذى كان نتاج سجال دام اكثر من خمسين عاماً للوقوف على أنشاء محكمة جنائية دولية من عدمه، حيث اعترضت الولايات المتحدة الأمريكية على النظام الأساسى للمحكمة ومعها ستة دول وهم، اسرائيل، قطر، الهند، الصين، العراق، ليبيا، في مقابل امتناع 21 دولة وموافقة 120 دولة صوتت لصالح أنشاء تلك المحكمة المعينة، فنحن ندعو من جديد للتكاتف والوقوف بجانب المحكمة الجنائية الدولية حيث يغيب المشرع الدولى بالمعنى الفنى الدقيق وكذلك ضمانات تنفيذ أحكام تلك المحكمة التي لا يضمنها إلا تضافر الدول ورغبتها الحقيقة في تنفيذ تلك الأحكام.