حول دعوة الكتابة للموقع .. أقول: لبيَّك معالي النقيب
بقلم: د. حمدي أبو سعيد
الشخص العظيم هو الذي يُؤمن بأهمية العلم والثقافة والفكر في هذه الحياة، فيبذل علمه وفكره وثقافته للآخرين لا يبتغي بذلك غير وجه الله، وقديماً قالوا: “إنَّ زكاة العلم انفاقه”، ومثل هذا الإنسان العظيم حقَّاً لا يتوقف عند بذله علمه وخبراته لطلبة العلم والثقافة والفكر من تلاميذه، ولكنه يسعى جاهداً ليصنع من هؤلاء التلاميذ جيلاً من العلماء والمفكرين والمثقفين أصحاب الفكر والرأي والتوجيه، ومن هُنا تكمن العظمة والرُّقي لهذا الأستاذ القُدوة ..
فالشخص العظيم حقّاً هُو الذي يسعى لتوريث هذا العلم الذي هو ميراث الأنبياء إلى نخبة متميزة من التلاميذ النُّجباء تليق بأن تكون من ورثة الأنبياء؛ إذ يقول سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ)) [أخرجه أبو داوود] ..
إنّ الشخص العظيم الناجح الذي يُؤمن بأهمية العلم والفكر والثقافة في إحداث نهضة شاملة داخل المؤسسة التي يُديرها على كافة الأصعدة، فيسعى من موقع مسؤوليته إلى العمل على صناعة أجيال واعدة من العلماء والمثقفين والمفكرين من أرباب الأقلام وأصحاب الرأي وقادة الفقه والفكر التي تعمل على النهوض بواقع المؤسسة ومُستقبلها ..
ومن هُنا تأتي أهمية دعوة معالي النقيب الفقيه الأستاذ رجائي عطية لاستنهاض همم أبنائه وزملائه المحامين من خلال الاستكتاب في الموقع الإلكتروني الرسمي لنقابة المحامين وهي دعوة كريمة لا يسع أصحاب الأقلام من المحامين الشُّرفاء إلا تلبيتها، والاستجابة لها .. لذلك قُلت مُلبيّاً هذه الدعوة الكريمة .. لبَّيك معالي النقيب ..
إنَّ أهمية هذه الدعوة تأتي من مكانة وقدر صاحبها الفقيه الكبير وإيمانه بأهمية وقيمة العلم والفكر والثقافة، وأن أهم ما يُساعد المحامي الذي ينشُد أن يكون كاتباً مرموقاً أو باحثاً مُتميّزاً هو القراءة الجادة والمتنوعة في كافة العلوم والمعارف الإنسانية وأهمها بالطبع العلوم القانونية، وأن الاستمرار في تحصيل العلم والمعرفة وتطوير الذات علميّاَ وفكريّاَ هو الطريق الأمثل لصناعة الكاتب المرموق والباحث المتميز ..
ثُم َّ إنَّ أهمية هذه الدعوة الكريمة الذي ينبغي على زملائي المحامين الكرام من أصحاب الأقلام التفاعل معها بصدق والتعاطي معها بإيجابية أنها جاءت منذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها قدمي معالي النقيب أرض نقابة المحامين وبدون أي تأجيل لحين استكمال تشكيلات النقابة والانطلاق في تطوير أدواتها الإدارية والمالية والبشرية والعلمية والإعلامية .. وغيرها، ولو تمَّ تأجيلها لكان للتأجيل وجه صحيح ومقبول .. ولكنَّه النقيب الفقيه المفكر العالم الجليل الذي يعرف قيمة العلم ومكانته ويُقدره حقَّ قدره .. وهذا هُو الفارق الكبير بين العالم الفقيه وبين الجاهل الذي لا يعرف قيمة العلم ولا يحترم أهله؛ لذلك قال الحقُّ تبارك وتعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) [سورة الزُّمَر: 9] .. والله لا يستويان!! ..
لو أجَّلت دعوتك الكريمة لما لامك أحدٌ يا معالي النقيب .. ولكن يأبى شيخنا رجائي عطية إلاَّ الشُّمُوخ والهمة العالية وقمة المجد والرُّقي في محراب ورثة الأنبياء .. وهو الذي جعل من صاحبة الجلالة “المحاماة” “رسالة” ، فأعطاه الله ثمرتها “حصاداَ” يسر الناظرين ..
لذا فإنَّ من اللائق بأصحاب الأقلام من السادة المحامين الكرام التفاعل مع هذه الدعوة الكريمة، والتعاون مع السادة الزُّملاء في اللجنة الإعلامية والموقع الرسمي للنقابة سعياً لإثراء الموقع بمقالات وبحوث ودراسات ومُراجعات للكتب وحوارات مع كبار الفقهاء والعلماء وأصحاب الخبرات المُقدَّرة من شيوخ مهنة المحاماة لتكون المحاماة رسالة بصدق تتلاقح فيها الأفكار، وتتواصل الأجيال، وتُتبادل الخبرات والمعارف كما أرادها بالضبط أستاذنا معالي النقيب الفقيه ..
وقد يرد هُنا بهذه المناسبة تساؤل مشروع .. ماذا تعني دعوة معالي النقيب لاستكتاب المحامين من أساتذة القانون والكُتَّاب والباحثين لكتابة مقالات ودراسات قانونية لإثراء الموقع الرسمي للنقابة بفكر وفقه قانوني أصيل يُنشط العلم والبحث والفكر لدى المحامين ؟؟ .. ماذا تعني دعوة معالي النقيب للكتابة؟؟ ..
وبكل بساطة فإن الإجابة على هذا التساؤل يعني أنّ: معالي النقيب قد رأى بعين بصيرته أنَّ مشاركة المحامي في كتابة المقالات والدراسات يعني المزيد من القراءة والتعلُّم والاطلاع .. يعني السعي الدؤوب إلى تطوير الذات واكتساب المهارات والخبرات والترقي على سُلّم الوُصول في مدارج الفكر والثقافة .. وأنَّ هذا يعني صناعة مُحام مُتعلم مُتمكن في مهنته .. وأنَّ هذا يعني المساهمة في صناعة طبقات من الكُتّاب والأدباء والعلماء والمفكرين والفقهاء النابهين، وهذه هي نُقطة البداية، ومن سار على الدَّرب وصل .. وهذا سيكون بمشيئة الله تعالى من الحصاد الواعد لهذا العمل المبارك الذي أرسى قواعده النقيب الفقيه مع أول يوم له على رأس نقابة المحامين ..
فهذه الدعوة الكريمة لمعالي النقيب الفقيه تعني باختصار:
1 – المساهمة في كشف المواهب والقُدرات العلمية والفكرية والثقافية لدى جمهور المحامين.
2 – إنها دعوة إلى تنشيط العلم والفكر والثقافة وتعميق القراءة بين المحامين من خلال الاطلاع على أمهات الكتب، ومصادر العلم والفكر والثقافة، والمراجع العلمية الأصيلة، بعيداً عن التحصيل الهش من جُذاذات وقُصاصات لا تُسمن ولا تُغني من جُوع.
3 – تنشيط الكتابة والبحث والدرس والتعلم واكتساب المهارات اللازمة لتطوير الذات لدى شباب المحامين وأجيالهم التي لم تُتح لهم فرصة ثمينة قيِّمة كهذه في ظل الاحتكار والتعطيل الأهوج للنوافذ العلمية والإعلامية للنقابة.
4 – صناعة طبقة من الكُتَّاب والباحثين والمثقفين المتميزين في الكتابة والبحث والفكر القانوني.
5 – صناعة طبقة من أرباب الفكر والرأي من العلماء والفقهاء وفلاسفة القانون ومُفكريه، ذلك أنَّ توفير بيئة علمية للكتابة والنشر وتبادل الأفكار والحوارات والنقاشات العلمية الجادة والنافعة وممارسة ذلك في جو أخوي رفيع مع الالتزام بآداب الحوار والبحث العلمي الحر المستقل النزيه كل هذا قد صنع أجيال من كبار العلماء والمفكرين وهو كفيل بصناعة أمثال هؤلاء من السادة المحامين من خلال توفير هذه البيئة العلمية الرصينة .. ولا يخفى ما صنعته على سبيل المثال مجلات قديمة مثل “الرسالة” التي كان يصدرها الكاتب الكبير الأستاذ أحمد حسن الزيات رحمه الله، وما كان يدور فيها من حوارات ومعارك علمية وفكرية صنعت جيلاً من مفاخر العلماء والكُتَّاب والأدباء والمفكرين .. وغيرهم ..
6 – تعني هذه الدعوة: تكون تراكم علمي ومعرفي وثراء ثقافي وسباحة علمية وثقافية وفكرية ماتعة بين شتى فنون العلوم والمعارف الإنسانية.
7 – تعني هذه الدعوة: السعي إلى اكتساب مهارة ورصانة (الجودة والاتقان) في كُلِّ أعمال المحامي .. حيث تبدأ أولى عمليات التجويد والاتقان منذ اللحظات الأولى لكتابة المقال أو الدراسة، وتستمر طوال الكتابة، لتُنتج مع التدريب والتمرس والدأب والعكوف في محراب العلم والفكر والثقافة مهارة (الجودة والاتقان) التي تغيب عن كثير من أعمالنا ..
ولعلَّ ما أصاب مهنة صاحب الجلالة “المحاماة” من انتكاسة وتردي وسوء أوضاعها في الآونة الأخيرة بسبب حرص البعض على التجهيل والإقصاء المتعمد للعلماء والفقهاء وأصحاب الرأي والخبرة من شيوخ المحامين، وتقريب أهل الثقة الأضعف علميّاً وثقافياً وتقنيّاً والأكثر تدنِّياً وإسفافاً، وإبعاد أهل العلم والرأي والفضل من شيوخ المحاماة وأساتذتها وأعلامها الكبار، مع التسلط الغشوم على المنافذ العلمية للنقابة (المعاهد ومجلة المحاماة)، والسيطرة الاحتكارية الإقصائية على البوابة الرسمية والأدوات الإعلامية للنقابة (الموقع الإلكتروني وغيره) .. كل هذا يُعطي الأهمية الكُبرى لدعوة معالي النقيب للكتابة وتطوير وإثراء البوابة الإعلامية للنقابة بمقالات وكتابات جادة نافعة؛ فهل نُسارع إلى تلبية الدعوة الكريمة لمعالي النقيب .. أما إني سأقول: لبيك معالي النقيب .. فهل أنتم –يا أصحاب رسالة المحاماة- فاعلون؟ ! ..