حول التطرف والإرهاب مع الإمام الطيب (4)
من تراب الطريق (1239)
نشر بجريدة المال الأحد 2/1/2022
ــ
بقلم : رجائى عطية
ــــ
رأينا فى السنوات القريبة الماضية ؛ كيف طال هذا الإرهاب الأسود لبنان جنة العرب ، فأعمل فيها الدمار ، وأتى على الأخضر واليابس ، واستهدف القضاء على التعايش المشترك بين الطوائف فيها ، ويعرف من تابعوا أنه فى نوفمبر 2015 ، تبنى تنظيم داعش الإرهابى عملية إرهابية فى منطقة « برج البراجنة » ، أسفرت عن 43 قتيلاً ، و 239 جريحًا ، وطال هذا الإرهاب فى ذات الشهر العاصمة الفرنسية باريس ، واغتال من الذكور والإناث ما يزيد على مائة من القتلى والضحايا من الأبرياء ، وأصاب مئات أخرى منهم ، بجراح مميته ، دون أن يكون لهؤلاء الإرهابيين أى حُجّة على القتلى والجرحى ، فاغتالوا الأبرياء وهذا إثم فى الإسلام عظيم وعند الله تعالى أعظم .
الذين يرتكبون هذه الآثام والجرائم ، ويظنون خبلاً أنهم يحسنون صنعًا ، بينما هم يزرعون ويقيمون العداوات ضد الإسلام والمسلمين ؛ فى بلد فيها أكثر من خمسة ملايين مسلم ، فعرضوهم للكراهية وكراهية الإسلام ذاته ، فيما صار يعبر عنه بالإسلام فوبيا ـ ولم يكد العالم يفيق من هاتين الكارثتين ، حتى صدم بكارثة دامية أخرى فى « مالى » ؛ وما قتل فيها من الرهائن المحتجزين فى « باماكو » فى فندق « رادسوف بلو » ، أما مصر وبقيّة العالم العربى فقد نالهم من هذا الإرهاب الأسود أوفى نصيب ، ومن اللافت أن هؤلاء الحمقى تركوا الأعداء ، وأعملوا قتلاً فى المسلمين .
هذا الإرهاب ـ فيما يقول الدكتور الطيب ـ هو أولاً وأخيرًا فكرٌ ملبوس ، فهو عند معتنقيه فلسفة حياة يهون من أجلها الموت والانتحار ، بدعوى أن هذه العمليات استشهادية ، بينما هى إثم عظيم لا علاقة له بالشهادة والاستشهاد .
ويثبت التاريخ أن بواعث الإرهاب ليست مردودة فقط إلى الانحراف عن الأديان ، فمن هؤلاء مأجورون حتى صار مألوفًا أن يكون فى هذه الميليشيات المسلحة مأجورون من شتى بقاع العالم ، ومنهم بل ومعظمهم من لا يديـن بالإسلام !
ينبغى إذن أن يفهم الجميع أن الإرهاب لا دين ولا وطن ولا هوية له ، ومن الخطأ البالغ أن يُعزى هذا الإجرام إلى الإسلام ، فالإرهاب والقتل محرمان فى كافة الأديان وفى الإسلام .
لقد عانى المسلمون بأضعاف أضعاف غيرهم من هذه الهجمات الإرهابية التى شنتها عليهم جيوش منظمة وميليشيات مسلحة وعصابات ، بعضها قد اتخذ من الأديان ستارًا ، ومع ذلك لم تختلط الأمور فى أذهاننا ، واعين مدركين أن من ارتكبوا جرائم حرق المصحف وحرق بيوت الله فى الغرب ، لا تعزى جرائمهم إلى أى دين من ديانات الغرب .
واجب إذن على أئمة الأديان أن يحملوا عبء التعامل مع الإرهاب الذى يزداد يومًا بعد أيام ، وصار من المتعين ، فيما أوصى الإمام الأكبر :
أولاً : أن نسير فى اتجاه إطفاء الحرائق ، وردم بُؤَر التوتر فى عالمنا العربى والإسلامى ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً .
وثانيا : التصدى للفكر الإرهابى بمختلف صوره وأشكاله ، ودعوة النُّخَب العربية والإسلامية ـ كلٌّ فى مجال تخصصه ـ لتجفيف ينابيع هذا الفكر الملبوس من خلال منظومة متكاملة تشمل التعليم والثقافة والشباب والإعلام ، وخطاب دينى معبِّر عن حقيقة الإسلام وشريعته .
وثالثا : محاربة ثقافة الكراهية والحقد ، ونشر ثقافة الأخوّة والمودَّة والزمالة العالمية التى دعا إليها شيخ الأزهر الأستاذ محمد مصطفى المراغى فى رسالة مشهورة ، بعث بها إلى مؤتمر علماء الأديان الذى عُقد فى لندن بالقرن الماضى عام 1936م .
ويُحمد لمجلس حكماء المسلمين أنه يطلق من سنوات قوافل تدور حول العالم وتجوب شتى البقاع لتنشر ثقافة السلام التى يتبناها الإسلام ، وتصحيح المفاهيم المغلوطة التى أدت إلى ما تعانى منه الإنسانية هذه المعاناة المرة !!