حماية العلامات التجارية في ظل التسوق عبر أنظمة الذكاء الاصطناعي ٢

بقلم: الدكتور/ وليد محمد وهبه

على الرغم من عدم وجود قضايا ـ على حد علمنا ـ تناولت بشكل مباشر مسألة الذكاء الاصطناعي والمسؤولية عن انتهاك العلامات التجارية، إلا أنه يوجد عدد من القضايا المرفوعة على مدار العقد الماضي أمام محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي التي يمكن أن نستعين بها في ضوء هذه التكنولوجيا الجديدة لإلقاء بعض الضوء على هذا المسألة.

تناولت قضية لوي فيتون ضد غوغل فرنسا مسألة الإعلان باستخدام الكلمات المفتاحية والاختيار التلقائي لهذه الكلمات المفتاحية في نظام أدووردز الخاص بغوغل، وقررت المحكمة في هذه القضية أن غوغل ليست مسؤولة عن انتهاك العلامة التجارية إلا إذا كانت قد أدت دوراً نشطاً في نظام الإعلان باستخدام الكلمات المفتاحية. وفي قضية لوريال ضد إيباي، والتي تعلقت ببيع السلع المقلدة على سوق إيباي على الإنترنت، قررت المحكمة أن موقع إيباي لا يُعد مسؤولاً عن انتهاك العلامات التجارية إلا إذا كان مدركاً للنشاط المنتهك. واستُخدمت الحجّة نفسها في قضية كوتي ضد أمازون. ومن ثم يبدو أنه إذا كان مزود تطبيق الذكاء الاصطناعي لديه إجراءات إزالة كافية مثل التي ذُكرت في قضيتي غوغل وإيباي، ولم يكن المزود على علم بالنشاط المنتهك، فإنه لا يُعد مسؤولاً عن النشاط المنتهك.

ومع ذلك، إذا كان مزود الذكاء الاصطناعي متورطاً بشكل أعمق في أي نشاط منتهك محتمل، تشير قضيتان إلى أن المسؤولية قد تقع حينئذ على عاتق مزود الذكاء الاصطناعي. ففي قضية كوزميتيك ووريورز المحدودة ولاش المحدودة ضد موقع Amazon.co.uk وأمازون الاتحاد الأوروبي ذات المسؤولية المحدودة المرفوعة أمام المحكمة العليا في المملكة المتحدة، قررت المحكمة أن أمازون مسؤولة عن الانتهاكات التي حدثت من جراء استخدام علامات تجارية ككلمات مفتاحية تقود إلى روابط لموقعها لا تحتوي على المنتجات المحمية بالعلامات التجارية المستخدمة، لدرجة أن المستهلك لا يستطيع أن يميّز ما إذا كانت المنتجات المعروضة للبيع تخص مالك العلامات أو لا.

فضلاً عن ذلك، رُفعت سلسلة من الدعاوى أمام المحكمة الألمانية الاتحادية فيما يخص شركة أورتليب سبورتارتيكل ذات المسؤولية المحدودة وقررت المحكمة بشأنها أن أمازون تُعد مسؤولة طالما أن الإعلانات على موقع Amazon.de تقود إليها كلمة البحث أورتليب “Ortlieb” على أساس استخدامها في أوصاف المنتجات وكذلك على أساس السلوك السابق للمستهلكين، وهو جانب مهم من جوانب تطبيقات الذكاء الاصطناعي. وكان المنطق الذي استندت إليه المحكمة في قرارها هو أن المستهلكين “استُدرجوا” بطريقة تجعلهم يتوقعون أن منتجات أورتليب “فقط” هي المعروضة للبيع. وقد تكهن البعض، وأبرزهم ماركوس روفينين في مدونة آي بي كات، بأن هذا المنطق من الممكن أن ينطبق أيضاً على ما يسمى بإعلانات قوائم المنتجات على الإنترنت حيث يعرض محرك البحث المنتجات بشكل نشط بناء على سلوكيات البحث السابقة، وهو ما يشبه سلوكيات الشراء السابقة للمستهلكين، وذلك من أهم الموارد التي تستقي منها تطبيقات الذكاء الاصطناعي اقتراحات الشراء وقراراته.

يثير استخدام الذكاء الاصطناعي في سياق البيع بالتجزئة أسئلة مهمة أيضًا فيما يتعلق بالإعلانات المقارنة واللوائح المتعلقة بالأشخاص المؤثرين. فبطبيعة الحال، يعتبر تطبيق الذكاء الاصطناعي، مثل أمازون أليكسا، نظير “الشخص المؤثر”. وفي المتوسط، يوصي أليكسا المستهلك بثلاثة منتجات محتملة ليشتريها، وهي عادة ما تكون العلامة التجارية الرائدة، والعلامة التجارية الخاصة بأمازون، ومنتج متأثر بقرارات الشراء السابقة للمستهلك. وحتى لو كان تطبيق الذكاء الاصطناعي نفسه غير مفوّض باتخاذ قرار الشراء، فإنه بطبيعة الحال “يؤثر” على هذا القرار.

فضلاً عن ذلك، في قضية إنترفلورا ضد غوغل التي تتناول الإعلان بالكلمات المفتاحية والمرفوعة في المملكة المتحدة، رغم أن القاضي أرنولد لم يبت في نهاية المطاف في مسألة الإعلان المقارن، إلا أنه أعرب عن استغرابه لأن جهة الدفاع لم تتذرع بتوجيه الاتحاد الأوروبي بشأن الإعلان المضلل والمقارن

(التوجيه 2006.114/EC). ربما إذا رفعت قضية بخصوص استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الإعلان المقارن ستُعالج هذه المسألة مباشرة.

وبذلك ومن كل ما سبق يتبين مدى الدور البارز لحماية العلامات التجارية لحماية أنظمة الذكاء الإصطناعى حيث بدأ واضعو السياسات حول العالم في فهم الآثار الواسعة النطاق للذكاء الاصطناعي على الاقتصاد والمجتمع، بدأت الويبو ودولها الأعضاء في التفاعل بشأن جوانب الذكاء الاصطناعي التي تخص الملكية الفكرية، سواء من حيث تأثيره على إدارة الملكية الفكرية أو على سياساتها.

abdo

صحفي بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين؛ عمل في العديد من إصدارات الصحف والمواقع المصرية، عمل بالملف السياسي لأكثر من عامين، عمل كمندوب صحفي لدى وزارتي النقل والصحة، عمل بمدينة الإنتاج الإعلامي كمعد للبرامج التلفزيونية.
زر الذهاب إلى الأعلى