حماية البيانات الشخصية في ظل تطور الذكاء الاصطناعي
بقلم الدكتور/ محمد طرفاوي محمد المحامى
الذَّكَاءُ الْاِصْطِنَاعِيُّ أو الذَّكَاءُ الصِّنَاعِيُّ أو الذَّكَاءُ الصُّنْعِيُّ هو سلوك وخصائصُ معينة تتسم بها البرامج الحاسوبية فتُحاكي القدراتِ الذهنية البشرية وأنماطَ عملِها. ومن أهم هذه الخصائص: القدرةُ على التعلم، والاستنتاجِ، ورَدِّ الفعل علىٰ حالاتٍ لم تُبرمَج في الآلة، إلا أَنه مصطلح جدلي؛ لعدم وجود تعريف محدد للذكاء. ويمكن أن يُعَرَّف الذكاء الاصطناعي بأنه: ذكاءٌ تُبديه الآلات والبرامج بما يُحاكي القدراتِ الذهنية البشرية وأنماطَ عملِها، مثلُ: القدرةِ على التعلم، والاستنتاجِ، ورَدِّ الفعل على حالاتٍ لم تُبرمج في الآلة، وبه تُصنَعُ حواسيبُ وبرامجُ قادرة على اتخاذ سلوك بشري.
أنواع الذكاء الاصطناعي يمكن تقسيمه إلى:
الذكاء الاصطناعي الضيق
وهو الذكاء الاصطناعي الذي يتخصص في مجال واحد، فمثلاً هناك أنظمة ذكاء اصطناعي يمكنها التغلب على بطل العالم في لعبة الشطرنج، وهو الشيء الوحيد الذي تفعله.
يشير هذا النوع إلى حواسيب بمستوى ذكاء الإنسان في جميع المجالات، أي يمكنه تأدية أي مهمة فكرية يمكن للإنسان القيام بها، إن إنشاء هذا النوع من الذكاء أصعب بكثير من النوع السابق ونحن لم نصل إلى هذا المستوى بعد.
الذكاء الاصطناعي الفائق
يعرف الفيلسوف في أكسفورد نيك بوستروم الذكاء الفائق بأنه “فكر أذكى بكثير من أفضل العقول البشرية في كل مجال تقريبًا، بما في ذلك الإبداع العلمي والحكمة العامة والمهارات الاجتماعية”، وبسبب هذا النوع يعتبر مجال الذكاء الاصطناعي مجالاً شيقاَ للتعمق به.
تطور الذكاء الاصطناعي بشكل سريع وقوى مما أدى إلى عدم وجود الأبحاث الكافية حول الحلول القانونية لمشاكله، أو حول تنمية مميزاته، بشكل أعم حول وضع قانون خاص بالذكاء الاصطناعي لتنظيمه بما له وما عليه، في محاولة لتنمية المميزات ومعالجة العيوب.
ظهرت أهم عيوب الذكاء الاصطناعي في بيانات الأشخاص وحياتهم الشخصية، فمع كمية المعلومات الهائلة التي تدخل إلى برامج الذكاء الاصطناعي أصبحنا امام اعتداء سافر على حقوق الأفراد في حماية بياناتهم الخاصة بل وتعريضهم للخطر حال تسريب تلك البيانات.
يعد هذا العيب الخطير من أهم معوقات تقبل فكرة الذكاء الاصطناعي بشكل عام بجانب الأفكار الأخرى الخيالية من سيطرته على البشر وفناء الجنس البشري، وأفكار اخري منطقية مثل استبدال بعض الوظائف بالذكاء الاصطناعي ومن ثم يحل محل البشر .
بالنظر إلى اعتداء برامج الذكاء الاصطناعي على الحياة الخاصة والخطورة التي تمثلها على بيانات الافراد وما يمكن أن ينتج عن ذلك من مخاطر بالمجتمع، يجب ان تتم معالجة المشكلة تشريعياً بشكل فوري وسريع إذ لا تكفي التشريعات الحالية في معالجة هذه المشكلة؛ فقانون حماية الملكية الفكرية لا يتضمن بنداً يجرم خروج الذكاء الاصطناعي عن المألوف والتعدي على بيانات الأفراد وحقوقهم المحمية بالقانون كالحق في الصورة على سبيل المثال.
يجرم القانون أفعال الأشخاص مدنياً وجنائياً إلا أنه لم يتصدي لحالة برامج الذكاء الاصطناعي، والمشكلة الأكبر من يعاقب على الفعل هل تعاقب الشركة أم يعاقب المسئول عنها أم يعاقب كلاهما، وسوف يطرح الموضوع نقاشاً حاداً حول المسئولية الجنائية للشخص المعنوى وهل هو أهل للمساءلة الجنائية أم لا.
في دولة كالكويت عاقب قانون غسل الأموال الحالي الشخص المعنوي جنائياً بالغرامة والغلق وأقر مسئوليته بجانب الشخص الطبيعي، ونرى أن وجود تشريع بشكل فوري حتى ولو كان محل جدل أمراً هاماً في الوقت على أن تتم معالجة التشريع مع ظهور مشاكل التطبيق.
ويمكن أن يعتمد التشريع على تعديل لقانون الملكية الفكرية الحالي بموجبه يتم إقرار مسئولية على شركات برامج الذكاء الاصطناعي ومسئوليها حال التعدي على حرمة الحياة الخاصة أو البيانات الشخصية، وتقوم المسئولية عن عنصرين جنائي ومدني؛ وفي العنصر الجنائي يكون ركن الجريمة المادي هو فعل الاعتداء – كما هو الحال حاليا بالنسبة للأفراد – ويكتفي بالقصد الجنائي العام فقط كركن معنوي للجريمة لكون الذكاء الاصطناعي برنامج فحال حصوله على المعلومة ونشرها فقد تحقق القصد ووجدت النتيجة الإجرامية مما يقيم المسئولية كاملة.
وفي الشق المدني نعتمد بشكل رئيسي على فكرة حجية الحكم الجنائي امام القاضي المدني، ويتم تأصيل المسئولية بناء على قواعد المسئولية التقصيرية فكل خطأ سبب ضرر للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض، كما يتم استعمال نظرية حراسة الأشياء – كون برامج الذكاء الاصطناعي شيء – وتكون المسئولية تضامنية بين الشركة والمسئول فكلاهما مسئول عن حراسة الشيء، مما يعنى أن الخطأ فيها مفترضاً لا يحتاج إلى إثبات.
هذا الموضوع موضوع هام للدراسة والبحث وقد رأيت ان اعرض الفكرة بداية كونها مؤثرة في المجتمع المصري خاصة مع الظهور والتطور السريع للذكاء الاصطناعي، كما أن بعض الدول كدول الاتحاد الأوروبي وسنغافورة قد وضعت بالفعل تشريعات تناقش الذكاء الاصطناعي وتحاول زيادة مميزاته واستخدامها وتحاول كذلك معالجة مخاطر هذا الأمر؛ ويمكن اعتبار المقال بداية للبحث في هذا الموضوع الحيوي وتنبيها للباحثين بأهميته.