حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٩ لسنة ١ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٩ لسنة ١ دستورية
– – – ١ – – –
لما كان القرارات التى تصدرها اللجنة القضائية للإصلاح الزراعى، و هى تمارس عملاً قضائياً أسنده إليها المشرع، تعتبر بحسب طبيعتها أحكاماً قضائية و ليست قرارات إدارية، و كان مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعى إذ يباشر – فى صدد إعتماده قرارات هذه اللجنة – ما إختص به بنص صريح فى القانون، فإن ما يتولاه فى هذا الشأن يتداخل مع عمل اللجنة، و هو عمل قضائى على ما سلف بيانه، بحيث تلحق الصفة القضائية ما يصدره المجلس من قرارات.
وحيث إن الوقائع – على مايبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعين كانا قد أقاموا الاعتراض رقم ٨٧ لسنة ١٩٦٣ أمام اللجنة القضائية للاصلاح الزراعى يطلبون فيه الاعتداد بعقد البيع الابتدائى الصادر إليهم من والدتهم بتاريخ ١٥ أغسطس سنة ١٩٦٠عن أطيان زراعية مساحتها ٧٩ ف و ٢٣ ط ، كما كانت البائعة بدورها قد أقامت الاعتراض رقم ١٥٨ لسنة ١٩٦٣ تطلب فيه الاعتداد بذات العقد، وبعد ضم الاعتراضين قررت اللجنة بجلسة ٢١ مارس سنة ١٩٦٥ رفضهما موضوعا. طعن المدعون فى هذا القرار أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم ١٤٢ لسنة ١٨ ق طالبين الغاءه، ودفعت الهيئة العامة للاصلاح الزراعى بعدم قبول الطعن استناداً إلى البند رقم (٢) من المادة السادسة من القرار بقانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧١ بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ بالاصلاح الزراعى والقانون رقم ١٥ لسنة ١٩٦٣ بحظر تملك الأجانب للأراضى الزراعية وما فى حكمها والذى لا يجيز الطعن فى القرارات الصادرة من اللجان القضائية للاصلاح الزراعى قبل العمل بأحكام هذا القانون أذا كان قد صدر فى شأنها قرار نهائى من مجلس ادارة الهيئة العامة للاصلاح الزراعى، وإذ كان مجلس الادارة قد صدق بتاريخ ١١ يونيه سنة ١٩٦٦ على القرار المطعون فيه فإن الطعن عليه يكون غير جائز ، فدفع المدعون بعدم دستورية البند رقم (٢) من المادة السادسة المشار إليه، وبجلسة ٤ يناير سنة ١٩٧٧ قررت المحكمة وقف الفصل فى الطعن وحددت للمدعين ثلاثة أشهر لرفع دعواهم الدستورية، فأقاموا الدعوى الماثلة. وحيث إن المادة السادسة من القرار بقانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧١ بشأن تعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ بالاصلاح الزراعى والقانون رقم ١٥ لسنة ١٩٦٣ بحظر تملك الأجانب للأراضى الزراعية وما فى حكمها تنص على أنه “يجوز لأطراف النزاع الطعن فى القرارات الصادرة من اللجان القضائية المنصوص عليها فى الفقرة الأخيرة من المادة ١٣ مكررا من المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ المشار إليه والصادرة قبل العمل بأحكام هذا القانون وذلك بتوافر الشروط الآتية: ١ – …………………….. ٢ – ألا يكون القرار قد صدر فى شأنه قرار نهائى من مجلس اداره الهيئة العامة للاصلاح الزراعى “. وحيث إن المدعين يطلبون الحكم بعدم دستورية البند رقم (٢) من هذه المادة لأسباب حاصلها أن اللجنة القضائية للاصلاح الزراعى لاتعدو أن تكون لجنة ادارية، وأن كلا من قراراتها والقرارات الصادرة بشأنها من مجلس إدارة الهيئة العامة للاصلاح الزراعى هى قرارات إدارية وليست أحكاماً قضائية، وبالتالى يكون النص على عدم جواز الطعن فى قرارات هذه اللجان – الصادرة قبل العمل بالقرار بقانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧١ – إذا كان قد صدر فى شأنها قرار نهائى من مجلس إدارة الهيئة العامة للاصلاح الزراعى مخالفا للمادة ٦٨ من الدستور التى كفلت حق التقاضى للناس كافة وحظرت النص على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء، بالاضافة إلى اخلاله بمبدأ المساواة بين المواطنين أذ أباح للبعض الطعن فى قرارات تلك اللجان لمجرد التراخى فى التصديق عليها، وحظره على البعض الآخر ممن بادر مجلس إدارة الهيئة العامة للاصلاح الزراعى بالتصديق على القرارات الصادرة ضدهم. وحيث إن الحكومة طلبت رفض الدعوى استناداً إلى ما استقر عليه قضاء محكمة النقض وجرى به قضاء المحكمة العليا من اعتبار اللجنة القضائية للاصلاح الزراعى جهة قضاء ناط بها المشرع سلطة الفصل فيما أسند إليها من منازعات. وحيث إن المادة ١٣ مكررا من المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ بالاصلاح الزراعى المعدلة بالقرار بقانون رقم ٣٨١ لسنة ١٩٥٦ – وقبل تعديلها بالقرار بقانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧١ – كانت تنص فى فقرتها الثانية على أن ” … تشكل لجنة قضائية أو أكثر من مستشار من المحاكم يختاره وزير العدل تكون له الرئاسة ومن عضو بمجلس الدولة ومندوب عن اللجنة العليا للاصلاح الزراعى ومندوب عن الشهر العقارى وآخر عن مصلحة المساحة وتكون مهمتها فى حالة المنازعة تحقيق الاقرارات والديون العقارية وفحص ملكية الأراضى المستولى عليها، وذلك لتعيين مايجب الاستيلاء عليه طبقا لأحكام هذا القانون، كما تختص هذه اللجنة بالفصل فى المنازعات الخاصة بتوزيع الأراضى المستولى عليها”. كما نصت الفقرة الرابعة منها على أن” … تبين اللائحة التنفيذية الاجراءات التى تتبع فى رفع المنازعات أمام اللائحة التنفيذية – بعد تعديلها بقرار رئيس الجمهورية الصادر فى ٣١ يناير سنة ١٩٥٧ – على أن ” تقوم اللجنة القضائية فى حالة المنازعة – بتحقيق الاقرارات وفحص الملكية والحقوق العينية واجراءات التوزيع ولها فى سبيل ذلك تطبيق المستندات وسماع أقوال من ترى لزوما لسماع أقوالهم وتكليف المستولى لديهم أو من وزعت الأرض عليهم وغيرهم من ذوى الشأن الحضور أمامها لابداء ملاحظاتهم وتقديم ما تطلبه منهم من بيانات أو مستندات ويكون التكليف بكتاب موصى عليه بعلم الوصول قبل الجلسة بأسبوع على الأقل. ولذوى الشأن أن يحضروا أمام اللجنة بأنفسهم أو ينيبوا عنهم محاميا فى الحضور. وللجنة الاستعانة بمن ترى الاستعانة بهم من الموظفين الفنيين أو الإداريين أو غيرهم من ذوى الخبرة. ولا يكون انعقاد اللجنة صحيحا إلا بحضور جميع أعضائها وتصدر قراراتها بالأغلبية المطلقة وتكون مسببة”. وجاء بالمذكرة الايضاحية للقانون رقم ١٣١ لسنة ١٩٥٣ بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ المشار إليه – فى شأن اللجنة القضائية للاصلاح الزراعى – أنه ” … نظرا لأهميتها خلع عليها صفة قضائية وحددت طريقة تشكيلها ليكفل لذوى الشأن من الضمانات ما يكفله لهم القضاء العادى فى هذا النوع من مسائل فيتم بذلك التوفيق بين مصالح الأفراد من جهة ومصلحة الدولة فى سرعة البت فى مسائل ملكية الأراضى المستولى عليها”، وهو ما أشارت إليه أيضا المذكرة الإيضاحية للقرار بقانون رقم ٣٨١ لسنة ١٩٥٦ بتعديل المادة ١٣ مكررا سالفة الذكر فيما أوردته من أنه “ولذلك أنشئت لجنة قضائية روعى فى تشكيلها أن تكفل لذوى الشأن من الضمانات ماتكفله لهم جهات القضاء…”. كما أوضحت المذكرة الايضاحية للقانون رقم ١١ لسنة ١٩٧٢ بالغاء موانع التقاضى فى بعض القوانين انه بما تضمنه هذا القانون من الغاء للنصوص الواردة فى قوانين الاصلاح الزراعى التى كانت تحصن الأعمال والقرارات الادارية من رقابة القضاء”… لم يعد هناك أى مانع من موانع التقاضى فى هذه الحالات، فضلا عما كان قد استقر عليه قضاء محكمة النقض من اعتبار اللجنة القضائية المشكلة طبقا لقانون الاصلاح الزراعى جهة قضائية مستقلة بالنسبة لما خصها الشارع بنظره من تلك المنازعات(نقض مدنى جلسة ٢٣ ديسمبر سنة ١٩٦٥، الطعن رقم ٢٦٠ لسنة ٣١ القضائية) “. وحيث إن مؤدى ماتقدم أن اللجنة القضائية للاصلاح الزراعى هى جهة قضائية مستقلة عن جهتى القضاء العادى والإدارى أنشأها المشرع وخصها بالفصل دون سواها فيما ينشأ عن تطبيق قانون الاصلاح الزراعى من منازعات متعلقة بملكية الأراضى المستولى عليها ، وقرارات الاستيلاء الصادرة بشأنها وما يتصل بتوزيعها على المنتفعين بأحكامه، وذلك باتباع اجراءات قضائية لها كافة سمات اجراءات التقاضى وضماناته وتؤدى إلى سرعة البت فى هذه المنازعات حتى يحسم أمرها وتتحقق بذلك الأهداف التى صدر من أجلها قانون الاصلاح الزراعى ، وهو ما أفصح عنه المشرع فى المذكرات الايضاحية للقانون رقم ١٣١ لسنه ١٩٥٣ والقرار بقانون رقم ٣٨١ لسنة ١٩٥٦ بتعديل بعض أحكام قانون الاصلاح الزراعى، والقانون رقم ١١ لسنة ١٩٧٢ بشأن الغاء موانع التقاضى على ما سلف بيانه، وبالتالى فإن القرارات التى تصدرها هذه اللجنة، وهى تمارس عملا قضائيا أسنده إليها المشرع، تعتبر بحسب طبيعتها أحكاما قضائية وليست قرارات ادارية . كما أن مجلس إدارة الهيئة العامة للاصلاح الزراعى إذ يباشر فى صدد اعتماده قرارات اللجنة القضائية للاصلاح الزراعى – ما اختص به بنص صريح فى القانون ، فإن ما يتولاه فى هذا الشأن يتداخل مع عمل اللجنة، وهو عمل قضائى على ما سلف بيانه، فتلحق لزوما الصفة القضائية ما يصدره من قرارات. لما كان ذلك وكان اسناد ولاية الفصل فى المنازعات الناشئة عن تطبيق قانون الاصلاح الزراعى إلى هيئة قضائية مستقلة عن جهتى القضاء العادى والإدارى لما سلف بيانه من اعتبارات، مما يدخل فى سلطة المشرع إعمالا للتفويض المخول له بالمادة ١٦٧ من الدستور فى شأن تحديد الهيئات القضائية واختصاصاتها، فإن ما ينعاه المدعون على البند رقم (٢) من المادة السادسة من القرار بقانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧١ المشار إليه من أنه يتضمن مصادرة لحق التقاضى ويحصن القرارات الإدارية من رقابة القضاء يكون على غير أساس. لما كان ما تقدم وكان مبدأ المساواة بين المواطنين فى الحقوق لا يعنى المساواة بين جميع الأفراد رغم اختلاف ظروفهم ومراكزهم القانونية، ذلك أن المشرع يملك لمقتضيات الصالح العام وضع شروط عامة مجردة تحدد المراكز القانونية التى يتساوى بها الأفراد أمام القانون، بحيث يكون لمن توافرت فيهم هذه الشروط دون سواهم أن يمارسوا الحقوق التى كفلها لهم المشرع، وينتفى مناط المساواة بينهم وبين من تخلفت بالنسبة إليهم هذه الشروط. ولما كان ماتضمنه البند رقم (٢) من المادة السادسة من القرار بقانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٧١ موجها إلى كافة من تماثلت ظروفهم ومراكزهم القانونية من أطراف النزاع، بعدم صدور قرار نهائى من مجلس إدارة الهيئة العامة للاصلاح الزراعى فى شأن القرار الذى أصدرته اللجنة القضائية للاصلاح الزراعى ، وتوافر بذلك لهذا النص شرطا العموم والتجريد، فإن النعى عليه بالإخلال بمبدأ المساواة يكون غير سديد. وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الدعوى. لهذه الأسباب حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعين المصروفات ومبلغ ثلاثين جنيها مقابل أتعاب المحاماة.