حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٩٢ لسنة ٤ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٩٢ لسنة ٤ دستورية
– – – ١ – – –
ساوى المشرع بين الأراضى الزراعية و الأراضى البور و الصحراوية من حيث خضوعها جميعاً للحد الأقصى للملكية الزراعية و ذلك إعتباراً من تاريخ نفاذ القانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ فى ٢٥ يوليو سنة ١٩٦١ الذى عدل المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ بالإصلاح الزراعى، و كان هذا التعديل بمقتضى هذا القانون الأخير إنما يتعارض فحسب مع نص الفقرة الأولى من البند [ب] من المادة الثانية من المرسوم بقانون سالف الذكر – المعدلة بالقانون رقم ١٤٨ لسنة ١٩٥٧ – و التى كانت تستثنى الأراضى البور من الحد الأقصى للملكية الزراعية، فإنه يكون قد ألغى نص هذه الفقرة ضمناً دون أن يمتد هذا الإلغاء التشريعى إلى نص الفقرة الأخيرة من ذلك البند و الذى يتضمن مانعاً من التقاضى بالنسبة للقرار الذى يصدره مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعى فى شأن الإدعاء ببور الأرض و هو النص المطعون فى دستوريته. و مقتضى ذلك أن هذا النص و إن كان قد أضحى معطلاً إذ لم يعد له محل يرد عليه بعد إلغاء الإستثناء الخاص بالأراضى البور إعتباراً من تاريخ نفاذ القانون رقم ١٢٧ لسنة ٦١ على ما سلف بيانه، إلا أنه مع ذلك لم يفقد وجوده كنص تشريعى فضلاً عن أن ذلك الإلغاء التشريعى الخاص بالأراضى البور لا يرتد إلى الماضى – أى إلى الفترة التى تبدأ من تاريخ نفاذ قانون الإصلاح الزراعى فى ٩ سبتمبر ١٩٥٢ حتى تاريخ نفاذ القانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ فى ٢٥ يولية سنة ١٩٦١، و من ثم فلا يحول إلغاء الإستثناء الذى كان مقرراً بالفقرة الأولى من البند [ب] سالف الذكر دون النظر فى الطعن بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من هذا البند و ذلك من قبل الذين نشأت لهم مراكز قانونية تتعلق بتطبيق الإستثناء المشار إليه خلال فترة نفاذه و بالتالى توافرت لهم مصلحة شخصية فى الطعن بعدم دستورية النص المانع من التقاضى دفاعاً عن تلك المراكز القانونية.
– – – ٢ – – –
إن المشرع لم يسبغ على مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعى – حال إصداره قراره بشأن الأرض البور التى كانت مستثناه من الحد الأقصى للملكية الزراعية – ولاية الفصل فى أية خصومة تنعقد أمامه بقرارات حاسمة طبقاً لإجراءات و ضمانات معينة، و إنما عهد إليه إصدار قراره بشأن الأرض البور بعد فحص طلب إستثنائها ثم قراره فى التظلم الذى يرفع إليه و ذلك لبيان طبيعة الأرض موضوع الطلب و ما إذا كانت بوراً أم أرضاً زراعية، و دون أن يفرض المشرع على مجلس الإدارة إخطار ذوى الشأن للمثول أمامه لسماع أقوالهم و تقديم أسانيدهم و تحقيق دفاعهم أو يوجب عليه تسبيب ما يصدره من قرارات إلى غير ذلك من الإجراءات القضائية التى تتحقق بها ضمانات التقاضى، و إذ كانت الهيئة العامة للإصلاح الزراعى من أشخاص القانون العام و تقوم على مرفق عام فإن قرار مجلس إدارتها بشأن الأرض البور يعد قراراً إدارياً نهائياً تفصح به جهة الإدارة عن إرادتها الملزمة بقصد إحداث أثر قانونى هو إعتبارها من الأراضى الزراعية أو الأراضى البور و خضوعها بالتالى للحد الأقصى للملكية الزراعية من عدمه.
– – – ٣ – – –
إن المادة ٦٨ من الدستور تنص على أن “التقاضى حق مصون و مكفول للناس كافة و لكل مواطن حق الإلتجاء إلى قاضيه الطبيعى ….. و يحظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء”. و ظاهر هذا النص أن الدستور لم يقف عند حد تقرير حق التقاضى للناس كافة كمبدأ دستورى أصيل بل جاوز ذلك إلى تقرير مبدأ حظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء. و قد خص الدستور هذا المبدأ بالذكر رغم أنه يدخل فى عموم المبدأ الأول الذى يقرر حق التقاضى للناس كافة و ذلك رغبة من المشرع الدستورى فى توكيد الرقابة القضائية على القرارات الإدارية و حسماً لما ثار من خلاف فى شأن عدم دستورية التشريعات التى تحظر حق الطعن فى هذه القرارات، و قد ردد النص الدستورى المشار إليه ما أقرته الدساتير السابقة ضمناً من كفالة حق التقاضى للافراد و ذلك حين خولتهم حقوقاً لا تقوم و لا تؤى ثمارها إلا بقيام هذا الحق بإعتباره الوسيلة التى تكفل حمايتها و التمتع بها و رد العدوان عليها، و بإعتباره من الحقوق العامة بالنظر إلى ما يترتب على حرمان طائفة معينة منه مع تحقق مناطه – و هو قيام المنازعة فى حق من حقوق أفرادها – من إهدار لمبدأ المساواة بينهم و بين غيرهم من المواطنين الذين لم يحرموا هذا الحق و هو المبدأ الذى كفلته المادة ٣١ من دستور سنة ١٩٥٦ و المادة ٧ من دستور سنة ١٩٥٨ و المادة ٢٤ من دستور سنة ١٩٦٤ و المادة ٤٠ من الدستور القائم.
– – – ٤ – – –
إن الفقرة الأخيرة من البند [ب] من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم ١٧٨ سنة ١٩٥٢ بالإصلاح الزراعى المعدلة بالقانون رقم ١٤٨ لسنة ١٩٥٧ إذ نصت – فيما يخص القرار الصادر من مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعى بشأن الإدعاء ببور الأرض – على أنه “إستثناء من أحكام قانون مجلس الدولة و قانون نظام القضاء لا يجوز طلب إلغاء القرار المذكور أو وقف تنفيذه أو التعويض عنه”. تكون قد تضمنت حظراً للتقاضى فى شأن هذا القرار و إنطوت على تحصين له من رقابة القضاء – رغم أنه من القرارات الإدارية النهائية – الأمر الذى يخالف حكم كل من المادتين ٤٠ و ٦٨ من الدستور القائم و ما أوردته الدساتير السابقة.
– – – المحكمة – – –
بعد الأطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات، والمداولة . حيث إن الدعوى استوفت أوضاعها الشكلية. وحيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم ٩٤٩ لسنة ١٥ ق أمام محكمة القضاء الإدارى طلب فيها الحكم بإلغاء القرار الصادر من الهيئة العامة للاصلاح الزراعى رقم ٢٩٠ بتاريخ ٤ سبتمبر سنة ١٩٥٧ برفض ما طلبه مورثه من اعتبار الأطيان المبينة فيه بورا مستثناه من حكم المادة الأولى من قانون الاصلاح الزراعى وبإلغاء قرار ذات الهيئة رقم ٩ الصادر بتاريخ ٢٢ نوفمبر سنة ١٩٦٠ برفض التظلم من قرار الرفض المشار إليه. وبجلسة ٦ مايو سنة ١٩٦٩ قضت المحكمة بعدم جواز نظر الدعوى استناداً إلى ما نص عليه فى البند (ب) من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ بالاصلاح الزراعى من عدم جواز الطعن فى القرارات الصادرة بشأن الأراضى البور، غير أن المدعى طعن فى هذا الحكم لدى المحكمة الإدارية العليا وقيد طعنه برقم ٨٤٦ لسنة ١٥ ق إدارية عليا حيث دفع بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من البند (ب) من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ – المعدلة بالقانون رقم ١٤٨ لسنة ١٩٥٧ – باعتبار أنها تحوى مانعا من التقاضى بالمخالفة للدستور، فقضت المحكمة بجلسة ١٦ مارس سنة ١٩٨٢ – بعد أن قدرت جدية هذا الدفع – بتأجيل نظر الطعن وأمهلت المدعى ثلاثة أشهر لرفع الدعوى الدستورية فأقام دعواه الماثلة. وحيث إن الحكومة دفعت بعدم قبول الدعوى تأسيساً على أن نص البند (ب) من المادة الثانية – من المرسوم بقانون ١٧٨ لسنة ٥٢ لم يعد قائماً لإلغائه ضمناً بتعديل المادة الأولى من المرسوم بقانون المشار إليه وذلك بمقتضى القانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ الذى اعتبر الأراضى البور فى حكم الأراضى الزراعية وبالتالى لايكون للمدعى مصلحة فى دعواه، كما أنه ليس له الاحتكام إلى مبادىء الدستور القائم فى النعى بعدم دستورية النص المطعون فيه لما سلف من إلغائه بالقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ قبل نفاذ هذا الدستور الذى ليس له أثر رجعى. وحيث إن المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ بالاصلاح الزراعى بعد أن نص – عند صدوره – فى مادته الأولى على أنه “لايجوز لأى شخص أن يمتلك من الأراضى الزراعية أكثر من مائتى فدان..” قضى فى مادته الثانية – المعدلة بالقانون رقم ١٤٨ لسنة ١٩٥٧ – بأنه “استثناء من حكم المادة الأولى السابقة: (أ) … (ب) ويجوز للأفراد أن يمتلكوا أكثر من مائتى فدان من الأراضى البور والأراضى الصحرواية وتعتبر هذه الأراضى زراعية فيسرى عليها حكم المادة الأولى عند انقضاء خمس وعشرين سنة من تاريخ الترخيص فى الرى من مياه النيل أو الآبار الأرتوازية ويستولى عندئذ لدى المالك على مايجوز مائتى فدان نظير التعويض المنصوص عليه فى المادة (٥) وذلك كله مع عدم الاخلال بجواز التصرف فى هذه الأراضى قبل انقضاء المدة المشار إليها..” وقد صدر بعد ذلك القانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ معدلاً للمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ سالفة الذكر بحيث صار نصها “لايجوز لأى فرد أن يمتلك من الأراضى الزراعية أكثر من مائة فدان ويعتبر فى حكم الأراضى الزراعية ما يملكه الأفراد من الأراضى البور والأراضى الصحراوية وكل تعاقد ناقل للملكية يترتب عليه مخالفة هذه الأحكام يعتبر باطلاً ولايجوز تسجيله”. ولما كان مؤدى تلك النصوص أن المشرع قد ساوى بين الأراضى الزراعية وبين الأراضى البور والصحراوية من حيث خضوعها جميعاً للحد الأقصى للملكية الزراعية وذلك اعتباراً من تاريخ نفاذ القانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ فى ٢٥ يولية سنة ١٩٦١، وكان التعديل الذى أورده المشرع بمقتضى هذا القانون الأخير إنما يتعارض فحسب مع نص الفقرة الأولى من البند (ب) من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ – المعدلة بالقانون رقم ١٤٨ لسنة ١٩٥٧ – والتى كانت تستثنى الأراضى البور من الحد الأقصى للملكية الزراعية، فإنه يكون قد ألغى نص هذه الفقرة ضمنا دون أن يمتد هذا الالغاء التشريعى إلى نص الفقرة الأخيرة من ذلك البند والذى يتضمن مانعاً من التقاضى بالنسبة للقرار الذى يصدره مجلس إدارة الهيئة العامة للاصلاح الزراعى فى شأن الادعاء ببور الأرض وهو النص المطعون فى دستوريته. ومقتضى ذلك أن هذا النص وإن كان قد أضحى معطلاً أذ لم يعد له محل يرد عليه بعد إلغاء الاستثناء الخاص بالأراضى البور اعتباراً من تاريخ نفاذ القانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ على ما سلف بيانه، إلا أنه مع ذلك لم يفقد وجوده كنص تشريعى فضلاً عن أن ذلك الألغاء التشريعى الخاص بالأراضى البور لايرتد إلى الماضى – أى إلى الفترة التى تبدأ من تاريخ نفاذ قانون الاصلاح الزراعى فى ٩ سبتمبر سنة ١٩٥٢ حتى تاريخ نفاذ القانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ فى ٢٥ يولية سنة ١٩٦١، من ثم فلا يحول الغاء الاستثناء الذى كان مقرراً بالفقرة الأولى من البند (ب) سالف الذكر دون النظر فى الطعن بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من هذا البند وذلك من قبل الذين نشأت لهم مراكز قانونية تتعلق بتطبيق الاستثناء المشار إليه خلال فترة نفاذه وبالتالى توافرت لهم مصلحة شخصية فى الطعن بعدم دستورية النص المانع من التقاضى دفاعاً عن تلك المراكز القانونية. ومما يؤكد مصلحتهم فى ذلك ما نصت عليه المادة الأولى من القانون رقم ٨٤ لسنة ١٩٦٣ فى شأن الاعتراضات ببور الأرض المقدمة من المستولى لديهم إلى الهيئة العامة للاصلاح الزراعى من استمرار مجلس إدارة هذه الهيئة فى نظر هذه الاعتراضات وفقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ بالاصلاح الزراعى وذلك بالرغم من إلغاء استثناء الأرض البور من الحد الأقصى للملكية الزراعية نفاذا للقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ على ما سلف بيانه. وحيث إنه لما كان الثابت من الوقائع أن المرحوم…….. – والد المدعى – قد خضع لأحكام المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ بالاصلاح الزراعى وتم الاستيلاء من تحت يده فى سنة ١٩٥٤ على القدر الزائد عن الحد الأقصى الجائز تملكه حينئذ – وهو مائتا فدان – باعتبار أن القدر الزائد كله من الأراضى الزراعية فقدم طلباً يتضمن الادعاء بأن هذا القدر من الأراضى البور المستثناه من الحد الأقصى للملكية الزراعية والتى كان يجوز للأفراد وقتذاك أن يتملكوا منها أكثر من مائتى فدان، وكانت المادة الثانية من القانون رقم ١٤٨ لسنة ١٩٥٧ قد قضت – استثناء من حكم الفقرة الأولى من البند (ب) المشار إليه – بان تستولى الحكومة على ما جاوز مائتى فدان من الأراضى البور المملوكة للأفراد يوم ٩ سبتمبر سنة ١٩٥٢ مع عدم الاعتداد بما حدث بعد هذا التاريخ من تجزئة الملكية بسبب الميراث أو الوصية ثم قضت بأنه لايخضع للاستيلاء الأراضى البور التى سبق التصرف فيها بعقود ثابتة التاريخ قبل العمل بهذا القانون فى ١٣ يوليو سنة ١٩٥٧ مما مفاده أن المشرع – بموجب القانون رقم ١٤٨ لسنة ١٩٥٧ المعدل بالقانون رقم ٣٤ لسنة ١٩٦٠ – قد أخرج ما زاد عن الحد الأقصى من الأرض البور من نطاق الاستثناء ثم الغى هذا الاستثناء كلية بالقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ من تاريخ نفاذه وأخضعها جميعاً للحد الأقصى للملكية الزراعية . لما كان ذلك، فإن مصلحة المدعى تتمثل فى أنه إذا ما ثبت أن الأرض التى كان يملكها مورثه وتم الاستيلاء عليها باعتبارها أرضاً زراعية – على ماسلف بيانه – هى من الأرض البور، فأنه يكون من حقه – كوارث له – أن يمتلك نصيباً منها لا يجاوز مع باقى ملكيته الحد الأقصى المقرر بالقانون رقم ١٤٨ لسنة ١٩٥٧ وأن تعتبر تصرفاته فى هذا القدر صحيحة ونافذة متى كانت ثابتة التاريخ قبل العمل بهذا القانون، كما يحق له أن ينتفع به خلال الفترة ما بين تاريخ سريان المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ والقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١. لما كان ما تقدم فإن الدفع المبدى من الحكومة بعد قبول الدعوى لانتفاء المصلحة فيها يكون على غير أساس متعيناً رفضه. وحيث أن المدعى ينعى على الفقرة الأخيرة من البند (ب) من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ بالاصلاح الزراعى أنها تتضمن منعاً من التقاضى وتحصيناً للقرارات التى يصدرها مجلس إدارة الهيئة العامة للاصلاح الزراعى فى شأن الادعاء ببور الأرض – وهى قرارات إدارية نهائية – الأمر الذى يخالف نص المادة ٦٨ من الدستور التى رددت ما قررته ضمناً الدساتير السابقة من كفالة حق التقاضى فضلاً عن مخالفته لحكم المادة ٤٠ الدستور وما كانت عليه جميعها من أن المواطنين لدى القانون سواء وأنهم متساوون فى الحقوق والواجبات. وحيث إن البند (ب) من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ بالاصلاح الزراعى – المعدلة بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٥٧ – بعد أن نص فى الفقرة الأولى منه على أنه “يجوز للأفراد أن يمتلكوا أكثر من مائتى فدان من الأراضى الصحراوية لاستصلاحها…” وفى الفقرة الثانية على أنه “تصدر اللجنة العليا للاصلاح الزراعى قرارا فى شأن الادعاء ببور الأرض يعلن إلى ذوى الشأن بالطريق الإدارى…. ولهم أن يتظلموا منه إلى اللجنة العليا رأساً فى خلال ثلاثين يوماً من تاريخ إعلانهم”. نص فى الفقرتين الأخيرتين على أنه “يكون قرار اللجنة الذى تصدره بعد فوات الميعاد نهائيا، وقاطعاً لكل نزاع فى شأن الادعاء ببور الأرض وفى الاستيلاء المترتب على ذلك”. و”استثناء من أحكام قانون مجلس الدولة وقانون نظام القضاء لايجوز طلب إلغاء القرار المذكور أو وقف تنفيذه أو التعويض عنه”. هذا وقد حل مجلس إدارة الهيئة العامة للاصلاح الزراعى محل اللجنة العليا للاصلاح الزراعى بمقضتى المادة الثانية من قرار رئيس الجمهورية رقم ٦١٤ لسنة ١٩٥٧ الذى صدر بإنشاء الهيئة العامة للإصلاح الزراعى لتتولى عمليات الاستيلاء والتوزيع وإدارة الأطيان المستولى عليها إلى أن يتم توزيعها. وحيث إن مؤدى هذه النصوص أن المشرع لم يسبغ على مجلس إدارة الهيئة العامة للاصلاح الزراعى – حال إصداره قراره بشأن الأرض البور التى كانت مستثناه من الحد الأقصى للملكية الزراعية – ولاية الفصل فى أية خصومة تنعقد أمامه بقرارات حاسمة طبقاً لإجراءات وضمانات معينة، وانما عهد إليه إصدار قراره بشأن الأرض البور بعد فحص طلب استثنائها ثم قراره فى التظلم الذى يرفع إليه وذلك لبيان طبيعة الأرض موضوع الطلب وما إذا كانت بوراً أم أرضاً زراعية، ودون أن يفرض المشرع على مجلس الإدارة اخطار ذوى الشأن للمثول أمامه لسماع أقوالهم وتقديم أسانيدهم وتحقيق دفاعهم أو يوجب عليه تسبيب ما يصدره من قرارات إلى غير ذلك من الإجراءات القضائية التى تتحقق بها ضمانات التقاضى، وإذ كانت الهيئة العامة للاصلاح الزراعى من أشخاص القانون العام وتقوم على مرفق عام فإن قرار مجلس إدارتها بشأن الأرض البور يعد قرارا ادارياً نهائياً تفصح به جهة الإدارة عن إرادتها الملزمة بقصد إحداث أثر قانونى هو اعتبارها من الأراضى الزراعية أو الأراضى البور وخضوعها بالتالى للحد الأقصى للملكية الزراعية من عدمه. وحيث إن المادة ٦٨ من الدستور تنص على أن “التقاضى حق مصون ومكفول للناس كافة ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى… ويحظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء”. وظاهر هذا النص أن الدستور لم يقف عند حد تقرير حق التقاضى للناس كافة كمبدأ دستورى أصيل بل جاوز ذلك إلى تقرير مبدأ حظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء. وقد خص الدستور هذا المبدأ بالذكر رغم أنه يدخل فى عموم المبدأ الأول الذى يقرر حق التقاضى للناس كافة وذلك رغبة من المشرع الدستورى فى توكيد الرقابة القضائية على القرارات الإدارية وحسما لما ثار من خلاف فى شأن عدم دستورية التشريعات التى تحظر حق الطعن فى هذه القرارات، وقد ردد النص الدستورى المشار إليه ما أقرته الدساتير السابقة ضمنا من كفالة حق التقاضى للأفراد وذلك حين خولتهم حقوقاً لاتقوم ولاتؤتى ثمارها ألا بقيام هذا الحق باعتباره الوسيلة التى تكفل حمايتها والتمتع بها ورد العدوان عليها، وباعتباره من الحقوق العامة بالنظر إلى ما يترتب على حرمان طائفة معينة منه مع تحقق مناطه – وهو قيام المنازعة فى حق من حقوق أفرادها – من إهدار لمبدأ المساواة بينهم وبين غيرهم من المواطنين الذين لم يحرموا هذا الحق وهو المبدأ الذى كفلته المادة ٣١ من دستور سنة ١٩٥٦ والمادة ٧ من دستور سنة ١٩٥٨ والمادة ٢٤ من دستور سنة ١٩٦٤ والمادة ٤٠ من الدستور القائم. لما كان ما تقدم فإن الفقرة الأخيرة من البند (ب) من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ بالاصلاح الزراعى المعدلة بالقانون رقم ١٤٨ لسنة ١٩٥٧ إذ نصت – فيما يخص القرار الصادر من مجلس إدارة الهيئة العامة للاصلاح الزراعى بشأن الادعاء ببور الأرض – على أنه “استثناء من أحكام قانون مجلس الدولة وقانون نظام القضاء لايجوز طلب الغاء القرار المذكور أو وقف تنفيذه أو التعويض عنه”. تكون قد تضمنت حظراً للتقاضى فى شأن هذا القرار وانطوت على تحصين له من رقابة القضاء – رغم أنه من القرارات الإدارية النهائية – الأمر الذى يخالف حكم كل من المادتين ٤٠ و٦٨ من الدستور القائم وما أوردته الدساتير السابقة على ما سلف بيانه. ولامحل لما تثيره الحكومة من أنه لايجوز الاحتكام إلى الدستور القائم فى النعى بعدم دستورية النص المطعون فيه لالغائه بالقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ قبل نفاذ هذا الدستور، ذلك أن هذا الدفاع مردود بأن القانون المشار إليه – وان كان قد ألغى ضمناً الاستثناء الخاص بالأراضى البور من الحد الأقصى للملكية الزراعية قبل نفاذ الدستور إلا أن هذا الالغاء لم يتناول النص المطعون فيه الذى بقى قائماً كنص تشريعى على ماسلف بيانه ومن ثم تخضع رقابته الدستورية لأحكام الدستور القائم. وحيث إنه لما تقدم يتعين الحكم بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من البند (ب) من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ بالاصلاح الزراعى المعدلة بالقانون رقم ١٤٨ لسنة ١٩٥٧.