حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٧ لسنة ١٦ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٧ لسنة ١٦ دستورية
تاريخ النشر : ١٣ – ٠٢ – ١٩٩٧

منطوق الحكم : رفض دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة برفض طلب الحكم بعدم دستورية المادة ٥ من مواد إصدار القانون رقم ٢٠٣ لسنة ١٩٩١ بشأن شركات قطاع الأعمال العام وكذلك المواد ٣ و٢٠ و٤٣ و٥٥ من ذات القانون

الحكم

برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور نهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف وعبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين أعضاء وحنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين وحمدى أنور صابر أمين السر .

– – – ١ – – –
قضاء هذه المحكمة ، قد جرى على أن المناعى الشكلية هى التى تقوم فى مبناها على مخالفة نص قانونى للأوضاع الإجرائية التى تطلبها الدستور ، سواء فى ذلك ما إتصل منها بإقتراح النصوص القانونية أو إقرارها أو إصدارها حال إنعقاد السلطة التشريعية ، أو ما كان منها منصرفاً إلى الشروط التى يفرضها الدستور لمباشرة رئيس الجمهورية الاختصاص بإصدارها حال غياب السلطة التشريعية أو بتفويض منها ، وكان الاستيثاق من توافر الأوضاع الشكلية التى يتطلبها الدستور فى القوانين جميعها ، يعتبر سابقاً بالضرورة على الخوض فى إتفاقها أو تعارضها مع الأحكام الموضوعية للدستور ، فإن الفصل فى عوار موضوعى يدل بالضرورة على إستيفاء النصوص القانونية للمطعون عليها لمتطلباتها الشكلية بما يخول دون بحثها من جديد . ومتى كان ما تقدم ، وكان قضاء المحكمة الدستورية العليا بجلستها المعقودة فى ١٤ يناير ١٩٩٥ فى القضية رقم ١٧ لسنة ١٤ قضائية ” دستورية ” وكذلك حكمها الصادر بجلستها المعقودة فى ٦ إبريل ١٩٩٥ فى القضية رقم ٣٠ لسنة ١٦ قضائية ” دستورية ” فاصلاً فى عوار موضوعى : أولهما فيما إنتهى إليه من عدم دستورية نص البند السادس من المادة الثانية من القانون رقم ٧٣ لسنة ١٩٧٣ فيما تضمنه من حظر ترشيح شاغلى وظائف الإدارة العليا لعضوية مجالس إدارة شركات قطاع الأعمال العام التابعة ، وثانيهما : فيما قضى به من عدم دستورية ما نصت عليه الفقرة (٥) من المادة ٢١ من قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم ٢٠٣ لسنة ١٩٩١ من تحديد حد أقصى للمكافأة السنوية التى يتقاضاها أعضاء مجلس الإدارة المنتخبون ، وكان هذان الحكمان قد إنبنيا على تعارض النصوص المطعون عليها والأحكام الموضوعية فى الدستور ، فإنهما يكونان قد إنتهيا إلى موافقتها للدستور شكلاً ، تقديراً بأن القانون لا يعد كذلك إلا إذا كان مستوفياً أصلاً للأوضاع الإجرائية التى تطلبها الدستور فيه ، فإذا جاوزها ، فإن النصوص التى تضمنها تفقد صفتها كقواعد قانونية ، فلا يجوز تطبيقها ، ولا يتصور بالتالى الخوض فى إتفاقها أو تعارضها ــ موضوعياً ــ مع الدستور .

– – – ٢ – – –
قضاء الحكم يعتبر منصرفاً إلى المسائل التى فصل فيها صراحة ، وكذلك إلى تلك التى ترتبط بها بحكم الاقتضاء العقلى ، فلا يكونان إلا كلا غير منقسم ، ويتكاملان بالتالى فى شأن بنيان الحكم ، والدعائم التى يقوم عليها .

– – – ٣ – – –
المسائل التى لا يقوم قضاء الحكم صحيحاً قبل بحثها ، تتقدم غيرها ، إذ تمهد لهذا القضاء بوصفها مدخلاً إليه . وكلما كان القانون معيباً شكلاً ، غدا منعدماً إبتداء ، وإحياؤه من رقاد لا يعدو أن يكون جهداً ضائعاً ولهواً . ومن غير المتصور أن تحيل المحكمة الدستورية العليا بصرها فى قانون يفتقر إلى شكلية لا يقوم بفواتها سوياً على قدميه ، بل يكون إستيفاؤها ــ وباعتبارها شرطاً لوجوده ــ لازماً ، وإلا كان خوضها فى المطاعن الموضوعية غير متعلق بقانون بمعنى الكلمة .

– – – ٤ – – –
قضاء هذه المحكمة ــ فى المسائل التى تناولها ــ يعتبر قاطعاً فيها ، مانعاً من إثارة الجدل حولها من جديد ، فلا تجوز مراجعتها فيه عملاً بالمادة ٤٨ من قانونها .

– – – ٥ – – –
النصوص القانونية التى تقرها السلطة التشريعية إنحرافاً بها عن مقاصد حددها الدستور ، وتنكبها بالتالى لأغراض عينها ، تفترض أن تكون هذه المقاصد والأغراض من مكوناتها ، فلا ينفصل بنيانها عنها ، بل تشملها المطاعن الموضوعية بالنظر إلى إتساعها لكل عوار لا يرتبط بالأوضاع الشكلية التى يتطلبها الدستور فى النصوص القانونية .

– – – ٦ – – –
النصوص الدستورية لا يجوز تفسيرها باعتبارها حلاً نهائياً ودائماً لأوضاع إقتصادية جاوز الزمن حقائقها ، فلا يكون تبنيها والإصرار عليها ، ثم فرضها بآلية عمياء إلا حرثاً فى البحر . فلا يتعين فهمها على ضوء قيم أعلى غايتها تحرير الوطن والمواطن سياسياً وإقتصادياً . قهر النصوص الدستورية لإخضاعها لفلسفة بذاتها ، يعارض تطويعها لآفاق جديدة تريد الجماعة بلوغها ، فلا يكون الدستور كافلاً لها ، بل حائلاً دون ضمانها .

– – – ٧ – – –
التنمية الاقتصادية والاجتماعية التى يتطلبها الدستور ، هدفها تغيير أشكال من الحياة من خلال منظومة تتكامل روافدها ، يكون التعليم فيها أكثر عمقاً وإمتداداً ، والبيئة التى نعايشها خالية من ملوثاتها بصورة أشمل ، والفرص التى يتكافأ المواطنون فى الحصول عليها أبعد نطاقاً ، وتوكيد حرياتهم كافلاً حيويتها وإكتمالها ومساواتهم فى مباشرتها ، وحياتهم الثقافية أكثر ثراء ووعياً ، ونظم معاشهم أفضل بمزاياها وعلو مستوياتها . ومن ثم تتحقق التنمية ــ وميادينها متعددة ــ من خلال الاستثمار فى رأس المال ــ مادياً كان أو بشرياً ــ لتقارنها زيادة فى الدخل توجهها قدرة الجماعة فى زمن معين على أن تتخطى عثراتها ، وأن تكرس مواردها لإحداثها ، وأن تكون مدخلاتها تقدماً علمياً معززاً باستثماراتها التى يرتبط معدل النمو بزيادتها وإستدامها وتصاعد إنتاجيتها ، ضماناً لإقادة المواطنين منها ، ولو بدرجات متفاوتة . الاستثمار بمختلف صوره ــ العام منها والخاص ــ ليس إلا أموالاً تتدفق . وسواء عبأتها الدولة أو كونها القطاع الخاص ، فإنها تتكامل فيما بينها ، ويعتبر تجميعها لازماً لضمان قاعدة إنتاجية أعرض وأعمق لا يكون التفريط فيها إلا ترفاً ، ونكولاً عن قيم يدعو إليها التطور ويتطلبها .

– – – ٨ – – –
ما تنص عليه المادة ٢٩ من الدستور من أشكال للملكية تتقدمها الملكية العامة ، وتقوم إلى جانبها كل من الملكية التعاونية والملكية الخاصة ، ليس إلا توزيعاً للأدوار فيما بينها لا يحول دون تساندها وخضوعها جميعاً لرقابة الشعب . ومقتضاها أن يكون الاستثمار العام قوداً للتقدم ، معبداً الطريق إليه ، فلا يقتصر على ميادين محدودة ، بل يمتد إلى مواقع رئيسية تعمل الدولة من خلالها على تنفيذ مهامها السياسية والاجتماعية ، ويندرج تحتها متطلباتها فى مجال الدفاع والأمن والعدل والصحة والتعليم وحماية بيئتها ومواردها ، وصون بنيتها الأساسية ، والحد من نمو سكانها ، وأداء خدماتها بوجه عام لغير القادرين ، ولازمها أن تعزز قيادتها هذه بدعمها لأعباء يقصر الاستثمار الخاص عن تحملها .

– – – ٩ – – –
تواصل التنمية وإثرائها لنواتجها ــ وعلى ما تنص عليه المادة ٣٠ من الدستور ــ إنما يمثل أصلاً يبلوره الاستثمار العام . ولئن مهد هذا الاستثمار الطريق إلى الاستثمار الخاص ، وكان جاذباً لقواه ، إلا أنه اسبق منه وجوداً ، وأبعد أثراً ، إذ يمتد لميادين متعددة لا يقبل عليها الاستثمار الخاص أو يتردد فى ولوجها ، وإن كان تدفق الاستثمار العام لمواجهتها لازماً ضماناً لسير الحياة وتطويراً لحركتها . بما مؤداه أن لكل من الاستثمارين العام والخاص دوره فى التنمية ، وإن كان أولهما قوة رئيسية للتقدم تتعدد مداخلها ، وليس لازماً أن يتخذ هذا الاستثمار شكل وحدة إقتصادية تنشئها الدولة أو توسعها ، ولا عليها أن تبقيها كلما كان تعثرها بادياً ، أو كانت الأموال الموظفة فيها لا تغل عائداً مجزياً ، أو كان ممكناً إعادة تشغيلها لاستخدامها على نحو أفضل . ولا مخالفة فى ذلك للدستور ، بل هو تكريس لتلك القيم التى يدعو إليها ، وفى مقدمتها أن الاستثمار الأفضل والأجدر بالحماية ، يرتبط دوماً بالدائرة التى يعمل فيها ، وعلى تقدير أن الاستثمارين العام والخاص شريكان متكاملان ، فلا يتزاحمان أو يتعارضان أو يتفرقان ، بل يتولى كل منهما مهاماً يكون مؤهلاً لها وأقدر عليها . وإن جاز القول بأن الاستثمار العام يثير قدرة المواطنين ويقظتهم وتميزهم ، وعلى الأخص من خلال نقل التكنولوجيا وتطويعها وتعميمها .

– – – ١٠ – – –
ما تنص عليه المادة ٢٠ من قانون شركات قطاع الأعمال العام من جواز تداول أسهم الشركات التابعة لشركات قابضة ــ ولو آل هذا التداول إلى بيعها للقطاع الخاص ــ لا يمثل ردة عن الدور الرائد للاستثمار العام . بل هو صون لموارد لا يجوز تبديدها أو بعثرتها ، ضماناً لتواصل التنمية وترابط حلقاتها ، فى إطار من التعاون بين شركائها .

– – – ١١ – – –
من المقرر أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة ، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا فى الخصومة الدستورية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة ، وهو كذلك يقيد تدخلها ، فلا تفصل فى غير المسائل الدستورية التى يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعى . ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية إذا رفعها إليها غير الأشخاص الذين أضر بهم النص المطعون فيه ، سواء أكان هذا الضرر إقتصادياً أم غيره ، وشيكاً يتهددهم ، أم كان قد وقع فعلاً . ويتعين دوماً أن يكون هذا الضرر منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور مستقلاً بالعناصر التى يقوم عليها ، ممكناً تصوره ومواجهته بالترضية القضائية تسوية لآثاره ، عائداً فى مصدره المباشر إلى النص المطعون فيه . فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من أدعى مخالفته للدستور ، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه ، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه ، دل ذلك على إنتفاء المصلحة الشخصية المباشرة ، ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعها ، لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية ، عما كان عليه قبلها .

– – – ١٢ – – –
من المقرر أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة ، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا فى الخصومة الدستورية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة ، وهو كذلك يقيد تدخلها ، فلا تفصل فى غير المسائل الدستورية التى يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعى . ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية إذا رفعها إليها غير الأشخاص الذين أضر بهم النص المطعون فيه ، سواء أكان هذا الضرر إقتصادياً أم غيره ، وشيكاً يتهددهم ، أم كان قد وقع فعلاً . ويتعين دوماً أن يكون هذا الضرر منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور مستقلاً بالعناصر التى يقوم عليها ، ممكناً تصوره ومواجهته بالترضية القضائية تسوية لآثاره ، عائداً فى مصدره المباشر إلى النص المطعون فيه . فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من أدعى مخالفته للدستور ، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه ، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه ، دل ذلك على إنتفاء المصلحة الشخصية المباشرة ، ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعها ، لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية ، عما كان عليه قبلها .

– – – ١٣ – – –
الدعوى الدستورية ــ وقد تحدد نطاقها ــ فقد غدا لازماً التقيد بحدودها وإستبعاد ما عداها من النصوص التى لا شأن لها بالنزاع الموضوعى أصلاً ، وإنما عرضها المدعى على هذه المحكمة بصورة مجردة إستظهاراً لحكم الدستور بشأنها ، مجاوزاً بذلك بها حدود ولايتها التى لا تتدخل بها إلا بوصفها ملاذاً نهائياً ، مرتبطاً وجوداً وعدماً بتلك الأضرار التى يكون إيقاعها بالمدعى مفوتاً عليه مصلحة مشروعة يبتغيها ، فلا يكون الضرر فى إطارها متوهماً أو منتحلاً .

– – – ١٤ – – –
الدستور وإن كفل بنص المادة ٥٩ ما أسماه ” بالمكاسب الاشتراكية ” وإعتبر دعمها والحفاظ عليها واجباً وطنياً ، إلا أنه خلا من كل تحديد لها يكون معرفاً بمضمونها ونطاقها ، بل جهل تماماً بها ، ولم يحل حتى إلى قانون لبيان مكوناتها ، ولا يتصور بالتالى أن يكون الدستور كافلاً للعمال غير تلك الحقوق والمزايا التى نص عليها فى شأنهم .

– – – ١٥ – – –
المزايا التى ينشئها المشرع للعمال ، لا يجوز إعتبارها جزءاً من مكاسبهم إذا خلا الدستور منها ، بل يكون بقائها أو زوالها بيد المشرع فى حدود سلطته التقديرية ، و وفق شروط موضوعية .

– – – ١٦ – – –
الحقوق التى ضمنها الدستور للعمال شأنها شأن غيرها من الحقوق التى كفلها لسواهم ، لا يجوز فصلها عن مسئولية إقتضائها ، ولا مقابلتها بغير واجباتها ، ومدخلها بالضرورة أن تكون المزايا التى ربطها الدستور بالعمل ، محددة نطاقاً على ضوء قيمته ، فلا تتساقط على من يطلبونها بغير جهد منهم يقارنها ويعادلها ، وإلا كان عبؤها فادحاً وإضرارها بالثروة القومية بعيداً .

– – – ١٧ – – –
ديباجة الدستور ذاتها تقرر بأن التطوير الدائم لأوضاع الحياة فى الوطن ينبغى أن يكون نهجاً متواصلاً وعملاً دؤوباً ، مرتبطاً بإطلاق الجماهير لطاقاتها وملكاتها ، فلا يكون إسهامها حضارياً وإنسانياً إلا عن طريق العمل وحده . وهو ما تنص عليه المادة ٢٥ من الدستور التى تكفل لكل مواطن نصيباً من الناتج القومى يحدده القانون بمراعاة عمله وملكيته غير المستغلة .

– – – ١٨ – – –
لئن حدد الدستور بنص المادة ٢٣ الأغراض التى ينبغى أن تتوخاها خطة التنمية ، ومن بينها زيادة فرص العمل ، وتقرير حدين للأجور لا تقل فيه عن أدناهما ولا تربو على أعلاهما ، ضماناً لتوازن الدخول وتقريبها فيما بينها ، إلا أن هذه المادة ذاتها تقيم رباطاً وثيقاً بين الأجر والإنتاج ، فلا يكون الأجر وما يتصل به من المزايا ، إلا من ناتج العمل وبقدره . وتردد المادة ٢٦ من الدستور هذا المعنى من خلال ضمانها للعمال نصيباً فى إدارة مشروعاتهم وفى أرباحها ، يقترن بإلتزامهم بتنمية الإنتاج والمحافظة على أدواته ، وتنفيذ الخطة الاقتصادية داخل وحداتهم وفقاً للقانون . وهو ما يعنى أن للحقوق أسبابها وأدواتها وشرائطها ، فلا يكون طلبها لازماً إلا باستيفائها .

– – – ١٩ – – –
الدستور حرص بالنصوص التى تضمنها على أن تكون التنمية طريقاً وهدفاً ، وأن تكون وسائلها أعون على إنفاذها ، وأن يكون التكامل بين مراحلها وعياً عميقاً . بل إن ديباجة الدستور تؤكد أن قيمة الفرد ــ التى ترتبط بها مكانة الوطن وقوته ــ مردها إلى العمل ، وأن النضال من أجل الحرية يقتضى أن يكون دور المواطنين فى تثبيتها فاعلاً . وإذا صح القول بأن الحرية السياسية والحرية الاقتصادية متكاملتان ، فإن العمل ــ وكلما كان مبرءاً من الاستغلال ــ كان طريقاً لتحرير الوطن والمواطن . ولا يجوز بالتالى أن يقترن بمزايا لا يرتبط عقلاً بها .

– – – ٢٠ – – –
الدستور وثيقة تقدمية لا تصد عن التطور آفاقه الرحبة ، فلا يكون نسيجها إلا تناغماً مع روح العصر ، وما يكون كافلاً للتقدم من مرحلة بذاتها ، يكون حرياً بالاتباع بما لا يناقض أحكاماً تضمنها الدستور .

– – – ٢١ – – –
تنظيم المشرع للشركات القابضة والتابعة يعتبر بديلاً عن تنظيم هيئات القطاع العام وشركاتها ، وكان منطقياً بالتالى ــ بعد أن نص قانون شركات قطاع الأعمال العام ، على نقل عمال هذه الهيئات وشركاتها إلى الشركات القابضة والشركات التابعة لها بذات أوضاعهم الوظيفية وأجورهم وبدلاتهم ومزاياهم النقدية والعينية وتعويضاتهم ــ أن تصدر لوائح جديدة تنظم شئونهم الوظيفية بالشركات المنقولين إليها ، وألا يسرى نظام العاملين بالقطاع العام فى شأنهم إعتباراً من تاريخ العمل بهذه اللوائح التى لا دليل من الأوراق على أنها سلبتهم حقوقاً كفلها الدستور ، ولا منعتهم حقوقاً تتصل بصون الملكية العامة التى كفل الدستور دعمها بنص المادة ٣٠ .

– – – ٢٢ – – –
الخطأ فى تأويل أو تطبيق النصوص القانونية ، لا يوقعها فى حمأة المخالفة الدستورية إذا كانت صحيحة فى ذاتها .

– – – ٢٣ – – –
إستقراء نص المادة ٣٣ من القانون المطعون عليه ، تدل على أنها لا تعارض حق العمال ــ المنصوص عليه فى المادة ٢٦ من الدستور ــ فى الحصول على جزء من الأرباح التى حققها المشروع ، وإن كان المشرع قد أقام لصرفها حدوداً منطقية لضبطها ، من بينها ألا تقل الأرباح التى يتقرر توزيعها على العاملين عن ١٠% من مجموعها ، وألا يجاوز ما يؤدى إليهم نقداً مجموع أجورهم السنوية الأساسية ، على أن يوزع القدر الزائد على هذه الأجور ــ لا على العمال مباشرة ــ بل عن طريق تعميق خدماتهم التى يفيدون منها بوجه عام .

– – – ٢٤ – – –
وتصرح المواد ٣٨ و ٣٩ و ٤٣ من اللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادر بها قرار رئيس مجلس الوزراء رقم ١٥٩٠ لسنة ١٩٩١ ، بأن الأرباح القابلة للتوزيع هى الأرباح الصافية مستنزلاً منها خسائر رأس المال عن سنين سابقة ، وأن الأصول الثابتة التى يبيعها المشروع أو يعوض عنها لا يعتبر عائدها من الأرباح التى يجوز توزيعها . بل إن الأرباح الصافية لا يجوز صرفها كلما كان ذلك ضرورياً للحفاظ على المركز المالى للوحدة الاقتصادية أو لاستمرار نشاطها . ولا مخالفة فى ذلك لنص المادة ٢٦ من الدستور التى تكفل للعمال نصيباً فى الأرباح ، ولا تطلق فى الوقت ذاته صرفها من القيود ، ولو كان تحققها صورياً ، أو كان الاستمرار فى توزيعها إستنزافاً لقدرة المشروع على أداء دوره فى مجال التنمية الاقتصادية ، أو حائلاً دون تكوين أموال إحتياطية يجنبها لأغراض محددة ويستنزلها من الأرباح الصافية ، بل يتعين دوماً أن يفسر نص المادة ٢٦ من الدستور فى إطار الأغراض التى توخاها ، والتى تفترض لضمانها ألا يناقض حق العمال فى الحصول على جزء من عائد عملهم ، حق المشروع فى أن يظل حياً وفاعلاً .

– – – ٢٥ – – –
أن مصلحة المدعى ، محض مصلحة نظرية غايتها إعمال النصوص التى تضمنها الدستور إعمالاً مجرداً تعبيراً فى الفراغ عن ضرورة التقيد بها . وما إلى ذلك قصد المشرع بالخصومة الدستورية التى أتاحها للمتداعين ضماناً لمصالحهم الشخصية المباشرة ، فلا تعارضها أو تعمل بعيداً عنها . ولا يتصور بالتالى أن تكون هذه الخصومة نافذتهم التى يعرضون من خلالها ألواناً من الصراع ــ طبقياً كان أم مذهبياً ــ لا شأن لها بنزاعهم الموضوعى ، ولا أن يكون هدفها إستثارة للحوار حول آراء يؤمنون بها أو حقائق يطرحونها لإثباتها أو نفيها . وإنما شرطها إتصال المسائل الدستورية موضوعها بالحقوق المدعى بها فى النزاع الموضوعى . وما قرره المدعى من أن النص المطعون فيه لا يتضمن حداً أقصى للأجور ــ وبفرض صحته ــ مؤداه ألا تتقيد المزايا التى يطلبها فى دعواه الموضوعية بهذا الحد ، وهو ما يحقق مصلحته فيها .

– – – المحكمة – – –
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة. حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم ٣٧٢ لسنة ١٩٩٣ عمال كلى الإسكندرية، مختصماً فيها رئيس مجلس الوزراء بصفته وزيراً لقطاع الأعمال العام، ووزير التموين، طالباً الحكم بتسوية مستحقاته طبقاً لما كان يتقاضاه من حوافز ومكافآت مالية عن الإنتاج بحكم مشمول بالنفاذ المعجل وبلا كفالة. وقال شرحاً لدعواه أنه كان عاملاً فنياً للطباعة بالشركة المصرية للورق والأدوات الكتابية (رومنى) وظل بها إلى أن صدر قرار بدمجها فى الشركة المصرية للأدوات الكهربائية. ثم قامت الشركة القابضة للسلع الاستهلاكية والهندسية والكيمائية ببيع الشركة المدمجة مما أدى إلى انهيار الشركة الدامجة كلية، وتوقفها عن صرف بدل طبيعة العمل والحوافز التى كان يتقاضاها، فأقام لطلبها دعواه الموضوعية المشار إليها. وأمام محكمة الموضوع دفع المدعى بجلستها المعقودة ١٦ / ١١ / ١٩٩٣ بعدم دستورية قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم ٢٠٣ لسنة ١٩٩١، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع فقد أجلت نظر النزاع الموضوعى، وأذنت للمدعى باتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية فأقام الدعوى الماثلة. وحيث إن المدعى ينعى – بصفة أصلية – على قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم ٢٠٣ لسنة ١٩٩١، بطلانه من الناحية الشكلية لعدم عرض مشروع هذا القانون على مجلس الشورى قبل إصداره بالمخالفة لنص المادة ١٩٤ والفقرة الثانية من المادة ١٩٥ من الدستور، التى تقضى أولاهما بان يختص هذا المجلس بدراسة واقتراح ما يراه كفيلاً بالحفاظ على مبادئ ثورة يوليو ١٩٥٢. وتتطلب ثانيتهما أن يؤخذ رأى هذا المجلس فى مشروعات القوانين المكملة للدستور، ويندرج تحتها شئون القطاع العام التى تحيل المادة ٣٣ من الدستور إلى القانون لتنظيمها. وحيث إن قضاء هذه المحكمة، قد جرى على أن المناعى الشكلية هى التى تقوم فى مبناها على مخالفة نص قانونى للأوضاع الإجرائية التى تطلبها الدستور، سواء فى ذلك ما اتصل منها باقتراح النصوص القانونية أو إقرارها أو إصدارها حال انعقاد السلطة التشريعية، أو ما كان منها منصرفاً إلى الشروط التى يفرضها الدستور لمباشرة رئيس الجمهورية الاختصاص بإصدارها حال غياب السلطة التشريعية أو بتفويض منها ؛ وكان الاستيثاق من توافر الأوضاع الشكلية التى يتطلبها الدستور فى القوانين جميعها، يعتبر سابقاً بالضرورة على الخوض فى اتفاقها أو تعارضها مع الأحكام الموضوعية للدستور ؛ فإن الفصل فى عوار موضوعى يدل بالضرورة على استيفاء النصوص القانونية المطعون عليها لمتطلباتها الشكلية بما يحول دون بحثها من جديد. وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان قضاء المحكمة الدستورية العليا بجلستها المعقودة فى ١٤ يناير ١٩٩٥ فى القضية رقم ١٧ لسنة ١٤ قضائية “دستورية”، وكذلك حكمها الصادر بجلستها المعقودة فى ٦ إبريل ١٩٩٥ فى القضية رقم .٣ لسنة ١٦ قضائية “دستورية” فاصلاً فى عوار موضوعى: أولهما فيما انتهى إليه من عدم دستورية نص البند السادس من المادة الثانية من القانون رقم ٧٣ لسنة ١٩٧٣ فيما تضمنه من حظر ترشيح شاغلى وظائف الإدارة العليا لعضوية مجالس إدارة شركات قطاع الأعمال العام التابعة ؛ وثانيهما : فيما قضى به من عدم دستورية ما نصت عليه الفقرة (٥) من المادة ٢١ من قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم ٢٠٣ لسنة ١٩٩١ من تحديد حد أقصى للمكافأة السنوية التى يتقاضاها أعضاء مجلس الإدارة المنتخبون؛ وكان هذان الحكمان قد انبنيا على تعارض النصوص المطعون عليها والأحكام الموضوعية فى الدستور، فانهما يكونان قد انتهيا إلى موافقتها للدستور شكلاً، تقديراً بأن القانون لايعد كذلك إلا إذا كان مستوفيا أصلاً للأوضاع الإجرائية التى تطلبها الدستور فيه، فإذا جاوزها، فإن النصوص التى تضمنها تفقد صفتها كقواعد قانونية، فلا يجوز تطبيقها، ولايتصور بالتالى الخوض فى اتفاقها أو تعارضها – موضوعياً – مع الدستور. وحيث إن المدعى ينعى على فواصل التمييز بين المطاعن الشكلية والموضوعية التى جرى بها قضاء هذه المحكمة، أنها تقوم على افتراض لايجوز أن تتعلق به الأحكام القضائية، ولا أن يكون من أسبابها. وليس فى قانون المحكمة الدستورية العليا ما يمنعها من العدول عن قضائها فى هذا الشأن. وحيث إن هذا النعى مردود أولاً: بأن قضاء الحكم يعتبر منصرفاً إلى المسائل التى فصل فيها صراحة، وكذلك إلى تلك التى ترتبط بها بحكم الاقتضاء العقلى، فلا يكونان إلا كلا غير منقسم، ويتكاملان بالتالى فى شأن بنيان الحكم، والدعائم التى يقوم عليها . ومردود ثانياً: بأن المسائل التى لايقوم قضاء الحكم صحيحاً قبل بحثها، تتقدم غيرها، إذ تمهد لهذا القضاء بوصفها مدخلاً إليه . وكلما كان القانون معيباً شكلاً، غدا منعدماً ابتداء، وإحياؤه من رقاد لايعدو أن يكون جهداً ضائعاً ولهواً. ومن غير المتصور أن تجيل المحكمة الدستورية العليا بصرها فى قانون يفتقر إلى شكلية لايقوم بفواتها سوياً على قدميه، بل يكون استيفاؤها – وباعتبارها شرطاً لوجوده – لازماً، وإلا كان خوضها فى المطاعن الموضوعية غير متعلق بقانون بمعنى الكلمة . ومردود ثالثاً: بأن قضاء هذه المحكمة – فى المسائل التى تناولها – يعتبر قاطعاً فيها، مانعاً من إثارة الجدل حولها من جديد، فلا تجوز مراجعتها فيه عملاً بالمادة ٤٨ من قانونها. وحيث إن المدعى طلب كذلك – وبصفة احتياطية – الحكم بعدم دستورية قانون شركات قطاع الأعمال العام – فى جملة الأحكام التى تضمنها – باعتبار أن الأغراض التى استهدفها منافية لنص المادة ٣٠ من الدستور التى تمنح القطاع العام دوراً تقدمياً يتحمل به المسئولية الرئيسية فى خطة التنمية، ويقود خطاها فى مختلف مجالاتها. بيد أن القانون المطعون فيه أجاز بنص المادة ٢٠ تداول أسهم وحدات هذا القطاع، وهو ما يعنى نقل ملكيتها إلى القطاع الخاص، وزوال السيطرة الشعبية عليها، ووجود نوع من الاقتصاد المختلط تنماع به الحدود الفاصلة بين صور الملكية التى حددها الدستور، وفى الصدارة منها الملكية العامة التى كفل حرمتها، وجعل حمايتها ودعمها . واجباً وطنياً على ما تنص عليه مادته الثالثة والثلاثون . وحيث إن هذا النعى مردود أولاً: بأن النصوص القانونية التى تقرها السلطة التشريعية انحرافاً بها عن مقاصد حددها الدستور، وتنكبها بالتالى لأغراض عَيَّنها، تفترض ان تكون هذه المقاصد والأغراض من مكوناتها، فلا ينفصل بنيانها عنها، بل تشملها المطاعن الموضوعية بالنظر إلى اتساعها لكل عوار لا يرتبط بالأوضاع الشكلية التى يتطلبها الدستور فى النصوص القانونية . ومردود ثانياً: بأن النصوص الدستورية لايجوز تفسيرها باعتبارها حلاً نهائياً ودائماً لأوضاع اقتصادية جاوز الزمن حقائقها، فلايكون تبنيها والإصرار علىها، ثم فرضها بآلية عمياء إلا حرثاً فى البحر. بل يتعين فهمها على ضوء قيم أعلى غايتها تحرير الوطن والمواطن سياسيا واقتصاديا . ومردود ثالثاً: بأن قهر النصوص الدستورية لإخضاعها لفلسفة بذاتها، يعارض تطويعها لآفاق جديدة تريد الجماعة بلوغها، فلا يكون الدستور كافلاً لها، بل حائلاً دون ضمانها . ومردود رابعاً: بأن التنمية الاقتصادية والاجتماعية التى يتطلبها الدستور، هدفها تغيير أشكال من الحياة من خلال منظومة تتكامل روافدها، يكون التعليم فيها أكثر عمقاً وامتداداً، والبيئة التى نعايشها خالية من ملوثاتها بصورة أشمل، والفرص التى يتكافأ المواطنون فى الحصول عليها أبعد نطاقاً، وتوكيد حرياتهم كافلاً حيويتها واكتمالها ومساواتهم فى مباشرتها، وحياتهم الثقافية أكثر ثراءً ووعياً، ونظم معاشهم أفضل بمزاياها وعلو مستوياتها . ومن ثم تتحقق التنمية – وميادينها متعددة – من خلال الاستثمار فى رأس المال – مادياً كان أو بشرياً – لتقارنها زيادة فى الدخل توجهها قدرة الجماعة فى زمن معين على أن تتخطى عثراتها، وأن تكرس مواردها لإحداثها، وأن تكون مدخلاتها تقدماً علمياً معززاً باستثماراتها التى يرتبط معدل النمو بزيادتها واستدامتها وتصاعد إنتاجيتها، ضماناً لإفادة المواطنين منها، ولو بدرجات متفاوتة . ومردود خامساً: بان الاستثمار بمختلف صوره – العام منها والخاص – ليس إلا أموالاً تتدفق. وسواء عبأتها الدولة أو كونها القطاع الخاص، فإنها تتكامل فيما بينها. ويعتبر تجميعها لازماً لضمان قاعدة إنتاجية أعرض وأعمق لايكون التفريط فيها إلا ترفاً، ونكولاً عن قيم يدعو إليها التطور ويتطلبها. وما تنص عليه المادة ٢٩ من الدستور من أشكال للملكية تتقدمها الملكية العامة، وتقوم إلى جانبها كل من الملكية التعاونية والملكية الخاصة، ليس إلا توزيعاً للأدوار فيما بينها لايحول دون تساندها وخضوعها جميعاً لرقابة الشعب. ومقتضاها أن يكون الاستثمار العام قوداً للتقدم، معبداً الطريق إليه، فلا يقتصر على ميادين محدودة، بل يمتد إلى مواقع رئيسية تعمل الدولة من خلالها على تنفيذ مهامها السياسية والاجتماعية، ويندرج تحتها متطلباتها فى مجال الدفاع والأمن والعدل والصحة والتعليم وحماية بيئتها ومواردها، وصون بنيتها الأساسية، والحد من نمو سكانها، وأداء خدماتها بوجه عام لغير القادرين، ولازمها أن تعزز قيادتها هذه بدعمها لأعباء يقصر الاستثمار الخاص عن تحملها. ومردود سادساً: بأن تواصل التنمية وإثرائها لنواتجها – وعلى ما تنص عليه المادة ٣٠ من الدستور – إنما يمثل أصلاً يبلوره الاستثمار العام. ولئن مهد هذا الاستثمار الطريق إلى الاستثمار الخاص، وكان جاذباً لقواه، إلا أنه أسبق منه وجوداً، وأبعد أثراً، إذ يمتد لميادين متعددة لايقبل عليها الاستثمار الخاص أو يتردد فى ولوجها، وإن كان تدفق الاستثمار العام لمواجهتها لازماً ضمانا لسير الحياة وتطويراً لحركتها. بما مؤداه أن لكل من الاستثمارين العام والخاص دوره فى التنمية، وإن كان أولهما قوة رئيسية للتقدم تتعدد مداخلها، وليس لازماً أن يتخذ هذا الاستثمار شكل وحدة اقتصادية تنشئها الدولة أو توسعها، ولاعليها أن تبقيها كلما كان تعثرها بادياً، أو كانت الأموال الموظفة فيها لاتغل عائداً مجزياً، أو كان ممكناً إعادة تشغيلها لاستخدامها على نحو أفضل. ولا مخالفة فى ذلك للدستور، بل هو تكريس لتلك القيم التى يدعو إليها، وفى مقدمتها أن الاستثمار الأفضل والأجدر بالحماية، يرتبط دوماً بالدائرة التى يعمل فيها، وعلى تقدير أن الاستثمارين العام والخاص شريكان متكاملان، فلا يتزاحمان أو يتعارضان أو يتفرقان، بل يتولى كل منهما مهاماً يكون مؤهلاً لها وأقدر عليها. وإن جاز القول بأن الاستثمار العام يثير قدرة المواطنين ويقظتهم وتميزهم، وعلى الأخص من خلال نقل التكنولوچيا وتطويعها وتعميمها. ومردود سابعاً: بأن ما تنص عليه المادة ٢٠ من قانون شركات قطاع الأعمال العام من جواز تداول أسهم الشركات التابعة لشركات قابضة – ولو آل هذا التداول إلى بيعها للقطاع الخاص – لايمثل ردة عن الدور الرائد للاستثمار العام. بل هو صون لموارد لايجوز تبديدها أو بعثرتها، ضمانا لتواصل التنمية وترابط حلقاتها، فى إطار من التعاون بين شركائها. وحيث إن من المقرر أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا فى الخصومة الدستورية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة، وهو كذلك يقيد تدخلها، فلاتفصل في غير المسائل الدستورية التى يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعى. ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية إذا رفعها إليها غير الأشخاص الذين أضربهم النص المطعون فيه، سواء أكان هذا الضرر اقتصاديا أم غيره، وشيكا يتهددهم، أم كان قد وقع فعلا. ويتعين دوما أن يكون هذا الضرر منفصلا عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلا بالعناصر التى يقوم عليها، ممكنا تصوره ومواجهته بالترضية القضائية تسوية لآثاره، عائدا فى مصدره المباشر إلى النص المطعون فيه . فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلا على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لايعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعها، لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية، عما كان عليه قبلها . وحيث إن النزاع الموضوعى، مداره حق المدعى فى الحصول على الحوافز ومكافآت الإنتاج التى كان يتقاضاها قبل دمج الشركة التى كان يعمل فيها فى غيرها وفقا لقانون شركات قطاع الأعمال العام؛ وكان المدعى قد طعن على الأحكام التي تضمنها هذا القانون فى جملتها، فإن ما يتصل منها بالنزاع الموضوعى، هى وحدها التى تتعلق بها دعواه الدستورية، وإليها دون سواها تمتد رقابة هذه المحكمة على الشرعية الدستورية، لتفصل فى دستورية أحكام المواد ٥ من قانون إصدار قانون شركات قطاع الأعمال العام، والمواد ٣٣ و٤٣ من ذات القانون . أما المواد ٣ و٢٠ و٥٥ من هذا القانون التى أثار المدعى عدم دستوريتها – من باب الاحتياط الكلى – فلا شأن للنزاع الموضوعى بها، ذلك أن أولها يتعلق بكيفية تشكيل مجلس إدارة الشركة القابضة ومكافآت أعضائه ورواتبهم ؛ وثانيتهما بجواز تداول أسهم الشركات التابعة لشركات قابضة وفقا للأحكام التى بينتها اللائحة العامة لبورصات الأوراق المالية، وثالثتها بالقواعد التى يتم على ضوئها مراقبتها ماليا . وحيث إن الدعوى الدستورية – وقد تحدد نطاقها على هذا النحو – فقد غدا لازما التقيد بحدودها واستبعاد ماعداها من النصوص التى لاشأن لها بالنزاع الموضوعى أصلا، وإنما عرضها المدعى على هذه المحكمة بصورة مجردة استظهارا لحكم الدستور بشأنها، مجاوزا بذلك بها حدود ولايتها التى لاتتدخل بها إلا بوصفها ملاذا نهائيا، مرتبطاً وجودا وعدما بتلك الأضرار التى يكون إيقاعها بالمدعى مفوتا عليه مصلحة مشروعة يبتغيها، فلايكون الضرر فى إطارها متوهما أو منتحلا . وحيث إن المواد المطعون عليها – والمتصلة بالنزاع الموضوعى – هى التى صاغها المشرع على النحو الآتى : – مادة ٥: من قانون إصدار قانون شركات قطاع الأعمال العام : مع عدم الإخلال بما ورد فى شأنه نص خاص فى هذا القانون المرافق، لايسرى نظام العاملين بالقطاع العام الصادر بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٨ على العاملين بالشركات الخاضعة لأحكام القانون المرافق، وذلك اعتبارا من تاريخ العمل باللوائح المشار إليها . مادة ٣٣ من القانون المرافق ونصها : يكون للعاملين بالشركة نصيب فى الأرباح التى يتقرر توزيعها تحدده الجمعية بناء على اقتراح مجلس الإدارة بما لايقل عن ١٠% من هذه الأرباح . ولايجوز أن يزيد مايصرف للعاملين نقدا من هذه الأرباح على مجموع أجورهم السنوية الأساسية . وتبين اللائحة التنفيذية كيفية توزيع مايزيد على مجموع الأجور السنوية من الأرباح على الخدمات التى تعود بالنفع على العاملين بالشركة . مادة ٤٣ من القانون المرافق ونصها : يراعى فى وضع اللوائح المنظمة لشئون العاملين مايأتى : أولا : أن يكون لكل شركة هيكل تنظيمى وجدول وظائف بما يتفق مع طبيعة أنشطة الشركة وأهدافها . ثانيا : التزام نظام الأجور بالحد الأدنى المقرر قانونا . ثالثا : ربط الأجر ونظام الحوافز والبدلات والمكافأت وسائر التعويضات والمزايا المالية للعاملين فى ضوء ماتحققه الشركة من إنتاج أو رقم أعمال وما تحققه من أرباح وحيث إن المدعى ينعى على المواد السابقة – والتى تحدد نطاق الطعن بها – إخلالها بنص المادة ٥٩ من الدستور التى تقضى بصون المكاسب الاشتراكية ودعمها وحمايتها، ويندرج تحتها الضمانة ضد الفصل والنقل وإجازات العاملين مع التقيد بحد أقصى للأجور . وحيث إن هذا النعى مردود أولا: بأن الدستور، وإن كفل بنص المادة ٥٩ ماأسماه “بالمكاسب الاشتراكية” واعتبر دعمها والحفاظ عليها واجبا وطنيا، إلا أنه خلا من كل تحديد لها يكون معرفا بمضمونها ونطاقها، بل جهل تماما بها، ولم يحل حتى إلى قانون لبيان مكوناتها، ولايتصور بالتالى أن يكون الدستور كافلا للعمال غير تلك الحقوق والمزايا التى نص عليها فى شأنهم . ومردود ثانيا: بأن المزايا التى ينشئها المشرع للعمال، لايجوز اعتبارها جزءا من مكاسبهم إذا خلا الدستور منها، بل يكون أمر بقائها أو زوالها بيد المشرع فى حدود سلطته التقديرية، ووفق شروط موضوعية . ومردود ثالثا: بأن الحقوق التى ضمنها الدستور للعمال شأنها شأن غيرها من الحقوق التى كفلها لسواهم، لايجوز فصلها عن مسئولية اقتضائها، ولامقابلتها بغير واجباتها، ومدخلها بالضرورة أن تكون المزايا التى ربطها الدستور بالعمل، محددة نطاقا على ضوء قيمته، فلا تتساقط على من يطلبونها بغير جهد منهم يقارنها ويعادلها، وإلا كان عبؤها فادحا وإضرارها بالثروة القومية بعيدا . بل إن ديباجة الدستور ذاتها تقرر بأن التطوير الدائم لأوضاع الحياة فى الوطن ينبغى أن يكون نهجا متواصلا وعملا دؤوبا، مرتبطا بإطلاق الجماهير لطاقاتها وملكاتها، فلا يكون إسهامها حضاريا وإنسانيا إلا عن طريق العمل وحده . وهو ماتنص عليه المادة ٢٥ من الدستور التى تكفل لكل مواطن نصيبا من الناتج القومى يحدده القانون بمراعاة عمله وملكيته غيرالمستغلة. ولئن حدد الدستور بنص المادة ٢٣ الأغراض التى ينبغى أن تتوخاها خطة التنمية، ومن بينها زيادة فرص العمل، وتقرير حدين للأجور لاتقل فيه عن أدناهما ولاتربو على أعلاهما، ضمانا لتوازن الدخول وتقريبها فيما بينها، إلا أن هذه المادة ذاتها تقيم رباطا وثيقا بين الأجر والإنتاج، فلايكون الأجر ومايتصل به من المزايا، إلا من ناتج العمل وبقدره . وتردد المادة ٢٦ من الدستور هذا المعنى من خلال ضمانها للعمال نصيبا فى إدارة مشروعاتهم وفى أرباحها، يقترن بالتزامهم بتنمية الإنتاج والمحافظة على أدواته، وتنفيذ الخطة الاقتصادية داخل وحداتهم وفقا للقانون. وهو مايعنى أن للحقوق أسبابها وأدواتها وشرائطها، فلايكون طلبها لازما إلا باستيفائها. ومردود رابعا: بأن الدستور حرص بالنصوص التى تضمنها على أن تكون التنمية طريقا وهدفا، وأن تكون وسائلها أعون على إنفاذها، وأن يكون التكامل بين مراحلها وعيا عميقا. بل أن ديباجة الدستور تؤكد أن قيمة الفرد – التى ترتبط بها مكانة الوطن وقوته – مردها إلى العمل، وأن النضال من أجل الحرية يقتضى أن يكون دور المواطنين فى تثبيتها فاعلا. وإذا صح القول بأن الحرية السياسية والحرية الاقتصادية متكاملتان، فإن العمل – وكلما كان مبرءا من الاستغلال – كان طريقا لتحرير الوطن والمواطن . ولايجوز بالتالى أن يقترن بمزايا لايرتبط عقلا بها . ومردود خامسا: بأن الدستور وثيقة تقدمية لاتصد عن التطور آفاقه الرحبة، فلايكون نسيجها إلا تناغما مع روح العصر. ومايكون كافلا للتقدم فى مرحلة بذاتها، يكون حريا بالاتباع بما لايناقض أحكاما تضمنها الدستور . ومردود سادسا: بأن تنظيم المشرع للشركات القابضة والتابعة يعتبر بديلا عن تنظيم هيئات القطاع العام وشركاتها، وكان منطقيا بالتالى – بعد أن نص قانون شركات قطاع الأعمال العام، على نقل عمال هذه الهيئات وشركاتها إلى الشركات القابضة والشركات التابعة لها بذات أوضاعهم الوظيفية وأجورهم وبدلاتهم ومزاياهم النقدية والعينية وتعويضاتهم – أن تصدر لوائح جديدة تنظم شئونهم الوظيفية بالشركات المنقولين إليها، وألا يسرى نظام العاملين بالقطاع العام فى شأنهم اعتبارا من تاريخ العمل بهذه اللوائح التى لادليل من الأوراق على أنها سلبتهم حقوقا كفلها الدستور. ولامنعتهم حقوقا تتصل بصون الملكية العامة التى كفل الدستور دعمها بنص المادة ٣٠. ومردود سابعا: بأن الخطأ فى تأويل أو تطبيق النصوص القانونية، لايوقعها فى حمأة المخالفة الدستورية إذا كانت صحيحة فى ذاتها . وحيث إن استقراء نص المادة ٣٣ من القانون المطعون عليه، يدل على أنها لاتعارض حق العمال – المنصوص عليه فى المادة ٢٦ من الدستور – فى الحصول على جزء من الأرباح التى حققها المشروع، وإن كان المشرع قد أقام لصرفها حدودا منطقية لضبطها، من بينها ألاتقل الأرباح التى يتقرر توزيعها على العاملين عن ١٠% من مجموعها، وألا يجاوز مايؤدى إليهم نقدا منها مجموع أجورهم السنوية الأساسية على أن يوزع القدر الزائد علي هذه الأجور – لاعلي العمال مباشرة – بل عن طريق تعميق خدماتهم التى يفيدون منها بوجه عام. وتصرح المواد ٣٨ و٣٩ و٤٣ من اللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادر بها قرار رئيس مجلس الوزراء رقم ١٥٩٠ لسنة ١٩٩١، بأن الأرباح القابلة للتوزيع هى الأرباح الصافية مستنزلا منها خسائر رأس المال عن سنين سابقة، وأن الأصول الثابتة التى يبيعها المشروع أو يعوض عنها لايعتبر عائدها من الأرباح التى يجوز توزيعها . بل إن الأرباح الصافية لايجوز صرفها كلما كان ذلك ضروريا للحفاظ على المركز المالى للوحدة الاقتصادية أو لاستمرار نشاطها . ولامخالفة فى ذلك لنص المادة ٢٦ من الدستور التى تكفل للعمال نصيبا فى الأرباح، ولاتطلق فى الوقت ذاته صرفها من القيود، ولو كان تحققها صوريا، أو كان الاستمرار فى توزيعها استنزافا لقدرة المشروع على أداء دوره فى مجال التنمية الاقتصادية، أو حائلا دون تكوين أموال احتياطية يجنبها لأغراض محددة ويستنزلها من الأرباح الصافية، بل يتعين دوما أن يُفسر نص المادة ٢٦ من الدستور فى إطار الأغراض التى توخاها، والتى تفترض لضمانها ألا يناقض حق العمال فى الحصول على جزء من عائد عملهم، حق المشروع فى أن يظل حيا وفاعلا. وحيث إن المدعى ينعى على نص المادة ٤٣ من القانون المطعون فيه، إغفالها التقيد بحد أقصى للأجور بالمخالفة لنص المادة ٢٣ من الدستور التى تنص على أن ينظم الاقتصاد القومى وفقا لخطة تنمية شاملة تكفل زيادة الدخل القومى . وزيادة فى فرص العمل وضمان حد أدنى للأجور، ووضع حد أعلى لها يكفل تقريب الفوارق بين الدخول. وحيث إن هذا النعى مردود، أولا: بأن مصلحة المدعى فيه، محض مصلحة نظرية غايتها إعمال النصوص التى تضمنها الدستور إعمالا مجردا تعبيرا فى الفراغ عن ضرورة التقيد بها . وما إلى ذلك قصد المشرع بالخصومة الدستورية التى أتاحها للمتداعين ضمانا لمصالحهم الشخصية المباشرة، فلاتعارضها أو تعمل بعيدا عنها . ولايتصور بالتالى أن تكون هذه الخصومة نافذتهم التى يعرضون من خلالها ألوانا من الصراع – طبقيا كان أم مذهبيا – لاشأن لها بنزاعهم الموضوعى، ولاأن يكون هدفها استثارة للحوار حول آراء يؤمنون بها أو حقائق يطرحونها لإثباتها أو نفيها . وإنما شرطها اتصال المسائل الدستورية موضوعها بالحقوق المدعى بها فى النزاع الموضوعى . وماقرره المدعى من أن النص المطعون فيه لايتضمن حدا أقصي للأجور – وبفرض صحته – مؤداه ألا تتقيد المزايا التى يطلبها فى دعواه الموضوعية بهذا الحد، وهو مايحقق مصلحته فيها . ومردود ثانيا: بأن النص المطعون فيه لايقرر غير الأسس التى لايجوز التحلل منها فى اللوائح المنظمة لشئون العاملين فى الشركة، ومن بينها أن يكون لكل منها هيكلها التنظيمى وجدول بوظائفها بما يتفق وطبيعة نشاطها وأهدافها، وأن يكون تقيدها بالحد الأدنى المقرر قانونا للأجور لازما، مع ربط هذه الأجور وغيرها من المزايا المالية التى يحصل العامل عليها – وسواء أفرغها المشرع فى صورة حافز أو بدل أو مكافأة أو تعويض – بإنتاجها أو رقم أعمالها أو بالأرباح التي حققتها . وتقرير النص المطعون فيه للأسس التي تصدر هذه اللوائح على ضوئها، لايعنى امتناع تكملتها بقواعد أخرى تقوم إلى جانبها. متى كان ما تقدم، وكانت النصوص المطعون عليها لاتناقض حكما آخر فى الدستور.

زر الذهاب إلى الأعلى