حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٧ لسنة ٢ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٧ لسنة ٢ دستورية
– – – ١ – – –
يبين من أمر رئيس الجمهورية رقم ١ لسنة ١٩٦٧ الخاص بالرقابة أنه صدر إستناداً إلى حكم البند الثانى من المادة الثالثة من القرار بقانون رقم ١٦٢ لسنة ١٩٥٨ – بشأن حالة الطوارئ – الذى يجيز لرئيس الجمهورية إصدار الأوامر بمراقبة الرسائل و الصحف و المطبوعات و المحررات و كافة وسائل التعبير قبل نشرها و ضبطها و مصادرتها – و ذلك عند إعلان حالة الطوارئ – التى تم إعلانها بموجب القرار الجمهورى رقم ١٣٣٧ لسنة ١٩٦٧ . و ينص أمر رئيس الجمهورية رقم ١ لسنة ١٩٦٧ فى مادته الأولى على أنه ” تفرض من الآن إلى حين صدور أوامر أخرى من أجل سلامة الوطن رقابة عامة فى جميع أنحاء البلاد و مياهها الإقليمية على الكتابات و المطبوعات و الصور و الطرود التى ترد إلى مصر أو ترسل منها إلى الخارج أو تمر بها أو تتداول داخل البلاد . . . ” و فى مادته الثانية على أن ” يتولى الرقيب العام و من يندبه من الموظفين التابعين – فى سبيل الدفاع الوطنى و الأمن العام – فحص و مراقبة جميع المواد و الرسائل و الأخبار التى تسرى عليها أحكام الرقابة وفقاً لما نص عليه فى المادة “١” و له أن يؤخر تسليمها أو يوقفها أو يمحو فيها أو يصادرها أو يعدمها أو يتصرف فيها على أى وجه إذا كان من شأنها الإضرار بسلامة الدولة . . . ” كما نصت مادته الثامنة – محل هذه الدعوى – على أنه ” لا تترتب أية مسئولية و لا تقبل أية دعوى على الحكومة المصرية أو أحد مصالحها أو موظفيها أو الرقيب العام أو أى موظف تابع له أو أى شركة أو أى فرد بسبب أى إجراء إتخذ تنفيذاً لأعمال الرقابة و فى حدود إختصاصها المبين فى هذا الأمر ” . و مؤدى ذلك أن المشرع قصد بحكم هذه المادة الأخيرة أن يحصن كافة القرارات و الأعمال التى يتخذها القائمون على شئون الرقابة – فى حدود إختصاصهم – ضد أى طعن بإلغائها أو أى مطالبة بالتعويض عن الأضرار المترتبة عليها و لو كانت هذه القرارات و الأعمال معيبة – فجاء النص بإعفائهم هم و الحكومة و الجهات التى يتبعونها إعفاء مطلقاً من كل مسئولية تترتب عليها ، فحظر قبول أية دعوى بشأنها ، كاشفاً بذلك عما تغياه المشرع من هذه المادة برمتها من إغلاق باب كل منازعة فى تلك القرارات و الأعمال و حجب حق التقاضى بصددها .
– – – ٢ – – –
إن المادة ٦٨ من الدستور تنص على أن التقاضى حق مصون و مكفول للناس كافة ، و لكل مواطن حق الإلتجاء إلى قاضيه الطبيعى . . . و يحظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء . و ظاهر من هذا النص أن الدستور لم يقف عند حد تقرير التقاضى للناس كافة كمبدأ دستورى أصيل ، بل جاوز ذلك إلى تقرير مبدأ حظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء ، و قد خص الدستور هذا المبدأ بالذكر رغم أنه يدخل فى عموم المبدأ الأول الذى يقرر حق التقاضى للناس كافة و ذلك رغبة من المشرع فى توكيد الرقابة القضائية على القرارات الإدارية و حسماً لما ثار من خلاف فى شأن عدم دستورية التشريعات التى تحظر حق الطعن فى هذه القرارات ، وقد ردد النص المشار إليه ما أقرته الدساتير السابقة ضمناً من كفالة حق التقاضى للافراد و ذلك حين خولتهم حقوقاً لا تقوم و لا تؤتى ثمارها إلا بقيام هذا الحق بإعتباره الوسيلة التى تكفل حمايتها و التمتع بها و رد العدوان عليها .
– – – ٣ – – –
إن الدساتير سالفة الذكر قد تضمن كل منها نصاً على أن المواطنين لدى القانون سواء، و أنهم متساوون فى الحقوق و الواجبات العامة ، كما ورد فى الدستور القائم هذا النص فى المادة ٤٠ منه. و لما كان حق التقاضى من الحقوق العامة التى كفلت الدساتير المساواة بين المواطنين فيها ، فإن حرمان طائفة معينة من هذا الحق مع تحقق مناطه – و هو قيام المنازعة فى حق من حقوق افرادها – ينطوى على إهدار لمبدأ المساواة بينهم و بين غيرهم من المواطنين الذين لم يحرموا من هذا الحق .
– – – ٤ – – –
إن القرارات و الأعمال التى تتخذها الجهة القائمة على تنفيذ شئون الرقابة – المنصوص عليها فى المادة الأولى من أمر رئيس الجمهورية رقم ١ لسنة ١٩٦٧ – إنما هى قرارت و أعمال تصدر عن تلك الجهة بإعتبارها سلطة عامة بقصد إحداث مركز قانونى معين إبتغاء مصلحة عامة ، فتكون لها صفة القرارات و الأعمال الإدارية و تنبسط عليها رقابة القضاء ، و من ثم فإن المادة الثامنة من هذا الأمر إذ تقضى بعدم ترتيب أية مسئولية و عدم قبول أية دعوى على الحكومة أو موظفيها أو الرقيب العام بسبب أى إجراء إتخذ تنفيذاً لأعمال الرقابة المشار إليها – و هى أعمال و قرارات إدارية على ما سلف البيان – تكون قد إنطوت على مصادرة لحق التقاضى و إخلال بمبدأ المساواة بين المواطنين فى هذا الحق مما يخالف المادتين ٤٠ و ٦٨ من الدستور .
– – – المحكمة – – –
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة. حيث إن الدعوى أستوفت أوضاعها القانونية. وحيث إن الوقائع – على ما يبين من قرار الاحالة وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم ١٩٣٢ لسنة ٢٩ قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى طالبا الحكم بإلزام المدعى عليهم بأن يؤدوا إليه متضامنين مبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض. وقال بيانا لدعواه أنه قام بتأليف كتاب بعنوان “محمد نبى الإسلام فى التوارة والأنجيل والقرآن” وأعد منه أربعة آلاف نسخة بعد أن اجازته إدارة البحوث والنشر بمجمع البحوث الإسلامية بحسبانها الجهة ذات الاختصاص فى هذا الشأن، ثم قدم مؤلفه هذا إلى الرقيب العام للموافقة على نشره وتوزيعه وفقاً لأحكام أمر رئيس الجمهورية رقم (١) لسنة ١٩٦٧ الذى عهد إليه بفحص الكتب والمطبوعات قبل تداولها، بيد أن الرقيب أصدر قراراً بحظر نشر الكتاب داخل البلاد بحجة أنه يمس عقيدة النصارى، فى حين أن موضوع الكتاب المشار إليه لا ينطوى على المساس بأى عقيدة، بدلالة أن الجهة الدينية المختصة أجازته، بل أن الرقابة – ذاتها – وافقت على نشره خارج البلاد، ولم تحظر تداول كتب أخرى نقلت البحث الذى تضمنه كتابه، الامر الذى يجعل قرار الرقيب بحظر نشره ومصادرة نسخه المطبوعه عملاً خاطئا وغير مشروع يستوجب التعويض عنه مما حدا به إلى إقامة دعواه بالطلبات سالفة الذكر. وقد دفعت الحكومة الدعوى امام محكمة القضاء الإدارى بعدم قبولها عملاً بحكم المادة الثامنة من أمر رئيس الجمهورية رقم ١ لسنة ١٩٦٧ التى تقضى باعفاء الحكومة وموظفيها من المسئولية عن أى اجراء أتخذ تنفيذاً لأعمال الرقابة وبحظر قبول أية دعوى قبلهم فى هذا الصدد. وإذ تراءى للمحكمة عدم دستورية هذا النص، قضت بجلسة ١١ نوفمبر سنة ١٩٧٩ بوقف الدعوى واحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية للفصل فى مدى دستوريته. وحيث إنه يبين من أمر رئيس الجمهورية رقم ١ لسنة ١٩٦٧ الخاص بالرقابة أنه صدر استناداً إلى حكم البند الثانى من المادة الثالثة من القرار بقانون رقم ١٦٢ لسنة ١٩٥٨ – بشأن حالة الطوارئ – الذى يجيز لرئيس الجمهورية اصدار الأوامر بمراقبة الرسائل والصحف والمطبوعات والمحررات وكافة وسائل التعبير قبل نشرها وضبطها ومصادرتها – وذلك عند إعلان حالة الطوارئ – التى تم إعلانها بموجب القرار الجمهورى رقم ١٣٣٧ لسنة ١٩٦٧. وينص أمر رئيس الجمهورية رقم ١ لسنة ١٩٦٧ فى مادته الأولى على أنه “تفرض من الآن وإلى حين صدور أوامر أخرى من اجل سلامة الوطن رقابة عامة فى جميع أنحاء البلاد ومياهها الإقليمية على الكتابات والمطبوعات والصور والطرود التى ترد إلى مصر أو ترسل منها إلى الخارج أو تمر بها او تتداول داخل البلاد…” وفى مادته الثانية على أن “يتولى الرقيب العام ومن يندبه من الموظفين التابعين – فى سبيل الدفاع الوطنى والأمن العام – فحص ومراقبة جميع المواد والرسائل والأخبار التى تسرى عليها أحكام الرقابة وفقاً لما نص عليه فى المادة (١) وله أن يؤخر تسليمها أو يوقفها أو يمحو فيها أو يصادرها أو يعدمها أو يتصرف فيها على أى وجه إذا كان من شأنها الاضرار بسلامة الدولة….” كما نصت مادته الثامنة – محل هذه الدعوى – على أنه “لا تترتب أية مسئولية ولا تقبل أية دعوى على الحكومة المصرية أو أحد مصالحها أو موظفيها أو الرقيب العام أو أى موظف تابع له أو أى شركة أو أى فرد بسبب أى اجراء أتخذ تنفيذاً لأعمال الرقابة وفى حدود اختصاصها المبين فى هذا الأمر”. ومؤدى ذلك أن المشرع قصد بحكم هذه المادة الأخيرة أن يحصن كافة القرارات والأعمال التى يتخذها القائمون على شئون الرقابة – فى حدود اختصاصهم – ضد أى طعن بإلغائها أو أى مطالبة بالتعويض عن الاضرار المترتبة عليها ولو كانت هذه القرارات والأعمال معيبة – فجاء النص باعفائهم هم والحكومة والجهات التى يتبعونها إعفاء مطلقاً من كل مسئولية تترتب عليها، فحظر قبول أية دعوى بشأنها، كاشفاً بذلك عما تغياه المشرع من هذه المادة برمتها من اغلاق باب كل منازعة فى تلك القرارات والأعمال وحجب حق التقاضى بصددها. وحيث إن المادة ٦٨ من الدستور تنص على ان “التقاضى حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى… وبحظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء”. وظاهر من هذا النص أن الدستور لم يقف عند حد تقرير حق التقاضى للناس كافة كمبدأ دستورى أصيل، بل جاوز ذلك إلى تقرير مبدأ حظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء، وقد خص الدستور هذا المبدأ بالذكر رغم أنه يدخل فى عموم المبدأ الأول الذى يقرر حق التقاضى للناس كافة وذلك رغبة من المشرع فى توكيد الرقابة القضائية على القرارات الإدارية وحسما لما ثار من خلاف فى شأن عدم دستورية التشريعات التى تحظر حق الطعن فى هذه القرارات، وقد ردد النص المشار إليه ما أقرته الدساتير السابقة ضمنا من كفالة حق التقاضى للأفراد وذلك حين خولتهم حقوقاً لا تقوم ولا تؤتى ثمارها إلا بقيام هذا الحق باعتباره الوسيلة التى تكفل حمايتها والتمتع بها ورد العدوان عليها. وحيث إن الدساتير سالفة الذكر قد تضمن كل منها نصا على أن المواطنين لدى القانون سواء، وأنهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، كما ورد فى الدستور القائم هذا النص فى المادة ٤٠ منه. ولما كان حق التقاضى من الحقوق العامة التى كفلت الدساتير المساواة بين المواطنين فيها، فإن حرمان طائفة معينة من هذا الحق مع تحقق مناطه – وهو قيام المنازعة فى حق من حقوق أفرادها – ينطوى على اهدار لمبدأ المساواة بينهم وبين غيرهم من المواطنين الذين لم يحرموا من هذا الحق. وحيث إن القرارت والاعمال التى تتخذها الجهة القائمة على تنفيذ شئون الرقابة – المنصوص عليها فى المادة الأولى من أمر رئيس الجمهورية رقم ١ لسنة ١٩٦٧ – إنما هى قرارات واعمال تصدر عن تلك الجهة باعتبارها سلطة عامة بقصد احداث مركز قانونى معين ابتغاء مصلحة عامة، فتكون لها صفة القرارات والأعمال الإدارية وتنبسط عليها رقابة القضاء، ومن ثم فإن المادة الثامنة من هذا الأمر إذ تقضى بعدم ترتيب أية مسئولية وعدم قبول أية دعوى على الحكومة أو موظفيها أو الرقيب العام بسبب أى اجراء اتخذ تنفيذاً لأعمال الرقابة المشار إليها – وهى أعمال وقرارات إدارية على ما سلف بيانه – تكون قد انطوت على مصادرة لحق التقاضى واخلال بمبدأ المساواة بين المواطنين فى هذا الحق مما يخالف المادتين ٤٠، ٦٨ من الدستور. وحيث إنه لما تقدم، يتعين الحكم بعدم دستورية نص المادة الثامنة من أمر رئيس الجمهورية رقم ١ لسنة ١٩٦٧ الخاص بالرقابة.