حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٦ لسنة ١٥ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٦ لسنة ١٥ دستورية
– – – ١ – – –
حظرت الفقرة الأولى من المادة ٣٨ من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم ٣٥ لسنه ١٩٧٦، الجمع بين عضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية، والعضوية العاملة فى نقابة مهنية بما يزيد على ٢٠ % من مجموع عدد أعضاء هذا المجلس، وذلك ما لم تكن أغلبية المنظمة النقابية من المنتمين إلى نقابات مهنية ونصت فقرتها الثانية على انه لا يجوز فى جميع الأحوال الجمع بين عضوية مجالس أدارت النقابات المهنية وعضوية مجالس إدارات المنظمات النقابية الخاضعة لأحكام هذا القانون وقد نعت المدعية على هذا النص مخالفته أحكام المواد ٨، ٤٠،٤٧،٥٦،٦٢، من الدستور، قولاً منها بأنه يخل بتكافؤ الفرص بين المواطنين، وكذلك بمبدأ المساواة أمام القانون فضلاً عن إهداره لحرية التعبير، وكذلك الحق فى الحرية النقابية وتكوين التنظيم النقابي على أساس ديمقراطي، وتقيده لحقى الانتخاب والترشيح.
– – – ٢ – – –
البين من تقرير اللجنة المشتركة من لجنة القوى العاملة وهيئة مكتب اللجنة التشريعية عن مشروع القانون رقم ٣٥ لسنة ١٩٧٦ بشأن النقابات العمالية، أن الفقرة الأولى من المادة ٣٨ المشار إليها لم تكن واردة أصلاً فى المشروع المقدم من الحكومة، وأن خلافاً داخل اللجنة المذكورة قد ثار حول نطاق حق العمال الأعضاء فى نقابة مهنية، فى أن يكونوا أعضاء بمجلس إدارة المنظمة النقابية العمالية، وان الآراء التى قبل بها فى هذا الشأن ترددت بين تقرير هذا الحق على إطلاقه، وبين القبول ببعض الحلول التى اعتبرها أصحابها حلولاً توفيقية أو واقعية أكثر منها قانونية.
فالذين قالوا بإطلاق هذا الحق، ذهبوا إلى أن كل قيد يحد من حق العمال أعضاء النقابة المهنية فى الانضمام إلى النقابة العمالية والتمثيل فى تشكيلاتها المختلفة، يعتبر مخالفا للاتفاقيات الدولية، وللدستور، لإخلاله بالحرية النقابية، وانطوائه على التمييز أو التقييد فى مجال العضوية النقابية، ولخروجه كذلك على مبدأ تشكيل التنظيم النقابي على أساس ديموقراطى، ومنافاته للقوانين العمالية فى الدول العربية والغربية والشرقية كذلك فإن الأصل فى النقابة المهنية هى أنها تعد من أشخاص القانون العام التى تتوخى تنظيم شئون المهنة وحمايتها من الدخلاء عليها، مع ضمان حقوق أعضائها فى ممارستها على ممارستها على مسئوليتهم ولحسابهم الخاص غير أن تطورا مفجعا أصابها، وأخرجها عن حقيقة وظائفها وباعد بينها وبين المهام التى كانت تقوم أصلا عليها، حين انضم إليها ” بقوة القانون ” من لا يعملون لحسابهم، ولا يمارسون استقلالا مهنة حرة على مسئوليتهم بل يتبعون رؤسائهم فى الحكومة ووحدات الحكم المحلى والقطاعين العلم والخاص، ويؤدون عملهم تحت إشرافهم لقاء أجر، مما ألحق الضرر بالحركة النقابية العمالية، وأضعفها، ويخرج هؤلاء من تجمعاتها، وحصولهم من نقاباتهم المهنية على عديد من المزايا التى جذبتهم إليها ولابد أن يتفاقم هذا الضرر، وان الضرر، وأن يزداد حده، إذا ما حال المشرع بين المهنيين والمنظمة النقابية العمالية، سواء بمنعهم من الانضمام إليها، أو الدخول فى مختلف تشكيلاتها، وكذلك إذا قيد ذلك الحق بما يحد من محتواه .
يؤيد ذلك أن التمييز بين العمال على أسس المؤهل، وتقييد حرياتهم بالتالى، مما يعوق التقدم، ولا يستقيم سياسيا أو تشريعيا أو قانونيا ذلك أن تأهيل العمال غدا ضرورة لازمة إزاء تطور العلوم وتباين مناهجها ومن غير المتصور أن يحرم غالبية عمال المنشأة فى المنظمة النقابية المتعلقة بها لمجرد حصولهم على مؤهل، أو ممارستهم لمهنة بذاتها يكون المؤهل شرطا للقيد فى جداولها .
وعلى نقيض هؤلاء الذين أجازوا الجمع بين عضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية والعضوية العاملة فى نقابة مهنية على إطلاق، قال آخرون من أعضاء اللجنة المشار إليها الذين أيدوا النص المطعون عليه، بان تمثيل الأغلبية العددية من العمال بالمعنى السياسي للعامل، يتحقق إذا ما كفل المشرع تمثيل المهنيين فى مجلس إدارة المنظمة النقابية بما لا يزيد على ٢٠ % من مجموع أعضاء المجلس، باعتبار أن هذه النسبة هى التى تنسجم مع التوزيع العددي لهذين الفريقين فى المنشآت العمالية، ولا تشكل بالتالي قيدا على الحرية النقابية ولا تقيم كذلك تمييزا بين العمال، ولا حجرا على إرادتهم فى اختيار من يقدرون جدراته لتمثيلهم بل أن تقريرها يدعم الحركة العمالية، ذلك أن تجمعاتها لن تكون إلا لهؤلاء الذين يدينون بالولاء لها .
– – – ٣ – – –
المصلحة الشخصية المباشرة _ وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية _ مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية لازما للفصل فى النزاع الموضوعى، وكان ما يتصل من هذا النزاع بالنص المطعون عليه، غنما ينحصر فيما قرره من عدم جواز الجمع بين عضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية والعضوية العاملة فى نقابة مهنية فيما يزيد على ٢٠ %من مجموع مقاعد ذلك المجلس، وكان عدم فوز المدعية بمقعد فى مجلس إدارة النقابة العمالية، وإنما يعود إلى مجاوزتها تلك النسبة التى فرضها النص المطعون عليه مما حملها على التدخل فى الدعوى الموضوعية وإبداء دفعها بعدم الدستورية، فإن نطاق الطعن الماثل ينحصر فى هذه الحدود، ولا يمتد لغيرها من اجزاء النص المطعون عليه .
– – – ٤ – – –
البين من دستور منظمة العمل الدولية، ان مبدأ الحرية النقابية يعتبر لازما لتحسين أوضاع العمال، وضمان الاستقرار والسلام الاجتماعي كذلك تعامل حرية التعبير والحرية النقابية، باعتبارهما مفترضين لازمين لاطراد التقدم وفى هذا الإطار اعتمد المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية فى دورته الحادية والثلاثين، الاتفاقية رقم ٨٧ فى شأن الحرية النقابية ، النافذة أحكامها اعتبارا من ٤ يوليو سنه١٩٥٠، والتي تخول العمال _ دون تمييز من أى نوع _ الحق فى تكوين منظماتهم التى يختارونها بغير إذن سابق، ودون تقيد بغير القواعد المنصوص عليها فى دساتيرها وأنظمتها وهى قواعد تصوغها بإرادتها الحرة، وتنظيم بها – على الأخص – طرق إدارتها وبرامجها ومناحي نشاطها، وبما يحول بين السلطة العامة والتدخل فى شئونها ، أو الحد من ممارستها لتلك الحقوق أو تعطيلها [المواد ١،٢،٣ منها ] ن بل ان مادتها الرابعة تنص على أن منظماتهم تلك، لا يجوز حلها أو تعليق نشاطها عن طريق الجهة الإدارية .
وكذلك أقر المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية ن فى دورته الثانية والثلاثين، الاتفاقية رقم ٩٨ فى شان التنظيم النقاب، المنافذه أحكامها اعتبارا من ٨ يوليو سنه ١٩٥١، والتي كفل بمادتها الولى لكل عامل الحماية الكافية من أية أعمال يقصد بها التمييز بين العمال فى مجال استخدامهم، إخلالا بحريتهم النقابية ويكون ضمان هذه الحماية لازما يوجه خاص إزاء الأعمال التى يقصد بها تعليق استخدام العامل على شرط عدم الانضمام إلى منظمة نقابية، أو حمله على التخلى عن عضويته فيها، أو معاملته إجحافاً لانضمامه إليها، أو لإسهامه فى نشاطها بعد انتهاء عمله.
– – – ٥ – – –
كفل دستور جمهورية مصر العربية ـ بنص المادة ٥٦ ـ جوهر الأحكام التى انتظمتها هاتان الاتفاقيتان الدوليتان، والتى تعتبر مصر طرفاً فيهما بتصديقها عليهما، ذلك أن المادة ٥٦ من الدستور تنص على ما يأتى [ إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديموقراطى حق يكفله القانون، وتكون لها الشخصية الاعتبارية وينظم القانون مساهمتها فى تنفيذ الخطط والبرامج الاجتماعية، وفى رفع مستوى الكفاية، ودعم السلوك الاشتراكي بين أعضائها، وحماية أموالها وهى ملزمة بمساءلة أعضائها عن سلوكهم فى ممارسة نشاطهم وبالدفاع عن الحقوق والحريات المقررة قانوناً لأعضائها ].
– – – ٦ – – –
ان حرية العمال فى تكوين تنظيمهم النقابى، وكذلك حرية النقابة ذاتها فى إدارة شئونها، بما فى ذلك إقرار القواعد التى تنظم من خلالها اجتماعاتها، وطرائق عملها وتشكيل أجهزتها الداخلية، وأحوال اندماجها فى غيرها ومساءلتها لأعضائها عما يقع بالمخالفة لنظمها، لا ينفصلان عن إنتاجها الديموقراطية أسلوبا وحيدا يهمين علة نشاطها ويكفل الموازنة بين حقوقها وواجباتها وكذلك بناء تشكيلاتها وفق الإدارة الحرة للعمال المنضمين إليها _ المؤهلين منهم وغير المؤهلين _ ودون قيد يتعلق بعدد الأولين منسوبا إلى عدد العمال غير المهنيين ذلك ان مبدا الحرية النقابية يعنى حق العمال _ وأيا كان قطاع عملهم ودون ما تمييز فيما بينهم _ فى تكوين منظماتهم النقابية بغض النظر عن معتقداتهم أو آرائهم السياسية او توجهاتهم أو انتماءاتهم، دون إخلال بحق النقابة ذاتها فى أن تقرر بنفسها أهدافها، ووسائل تحقيقها ، وطرق تمويلها، وإعداد القواعد التى تنظم بها شئونها .
ولا يجوز _ بوجه خاص _ إرهاقها بقيود تعطل مباشرتها لتلك الحقوق، ولا ان يكون تمتعها بالشخصية الاعتبارية معلقا على قبولها الحد من ممارستها، ولا أن يكون تأسيسها رهنا بإذن من الجهة الإدارية، ولا أن تتدخل هذه الجهة فى عملها بما يعوق إدارتها لشئونها ولا أن تقرر حلها أو وقف نشاطها عقابا لها، ولا أن تحل المنظمة النقابية فيما تراه أكفل لتامين مصالح أعضائها والنضال من اجلها .
– – – ٧ – – –
إن تكوين التنظيم النقابي لابد أن يكون تصرفا إراديا حرا، لا تهيمن عليه السلطة العامة بل يستقل عنها ليظل بعيدا عن سيطرتها ومن ثم تتمحض الحرية النقابية عن النقابية عن قاعدة أولية فى التنظيم النقابي، تمنحها بعض الدول قيمة دستورية فى ذاتها، لتكفل بمقتضاها حق كل عامل فى الانضمام إلى المنظمة النقابية التى يطمئن إليها ن وفى انتقاء واحدة أو اكثر من بينها _ عند تعددها – ليكون عضوا فيها، وفى أن ينعزل عنها جميعا فلا يلج أبوابها وكذلك فى أن يعدل عن البقاء فيها منهيا عضويته بها .
وهذه الحقوق التى تتفرغ عن الحرية النقابية، تعد من ركائزها، ويتعين ضمانها لمواجهة كل إخلال بها، وبوجه خاص لرد خطرين عنها لا يتعادلان فى آثارهما، ويتأتيان من مصدرين مختلفين ذلك أن المنظمة النقابية ذاتها قد تباشر ضغوطها فى مواجهة العمال غير المنضمين إليها، لجذبهم لدائرة نشاطها توصلا لإحكام قبضتها على تجمعاتهم، وقد يتدخل رجال الصناعة والتجارة فى أوضاع الاستخدام فى منشآتهم، أو التهديد بفصل عمالهم، أو بمساءلتهم تأديبيا، أو بإرجاء ترقياتهم، لضمان انصرافهم عن التنظيم النقابى، أو لحملهم على التخلى عن عضويتهم فيه .
– – – ٨ – – –
الحرية النقابية – محددا إطارها على النحو المتقدم _ لا تعارض ديموقراطية العمل النقابي، بل هى المدخل إليه، ذلك أن الديموقراطية النقابية هى التى تطرح _ بوسائلها وتوجهاتها _ نطاقا للحماية يكفل للقوة العامة مصالحها الرئيسية، ويبلور إرادتها وينفض عن تجمعاتها عوامل الجمود وهى كذلك مفترض أولى لوجود حركة نقابية تستقل بذاتيتها ومناحي نشاطها ولازمها أمران : أولهما أن يكون الفوز داخل النقابة بمناصبها المختلفة _ على تبادين مستوياتها وأيا كان موقعها _ مرتبطا بالإرادة الحرة لأعضائها، وبشرط أن تكون لكل عضو انضم إليها – الفرض ذاتها _ التى يؤثر بها _ متكافئا فى ذلك مع غيره – فى تشكيل سياستها العامة وبناء مختلف تنظيماتها وفاء بأهدافها وضمانا لنهوضها بالشئون التى تقوم عليها ثانيهما : ان الحرية النقابية لا تعتبر مطلبا لفئة بذاتها داخل النقابة الواحدة، ولا هى من امتيازاتها . بل يتعين إن يكون العمل النقابي إسهاما جماعيا لا يتمحض عن انتقاء حلول بذاواتها تستقل الأقلية بتقديرها وتفرضها عنوة ذلك أن تعدد الآراء داخل النقابة الواحدة وتفاعلها، إثراء لحرية النقاش فيها ، لتعكس قراراتها ما تتصوره القاعدة الأعراض من الناخبين فيها مبلورا لأفكارهم ومحددا لمطالبهم، إنفاذا لإرادتهم من خلال أصواتهم التى لا تجوز تقيد فرص الإدلاء بها دون مقتض، ولا فرض الوصاية عليها .
– – – ٩ – – –
إن ما نص عليه الدستور فى المادة ٥٦، من قيام النقابات واتحاداتها على أساس ديموقراطي، يدل على أن حكمها جاء عاما مطلقا، منصرفا إلى كل تنظيم نقابي _ مهنيا كان أو عماليا _ ممتدا إلى تشكيلاتها جميعا – على تباين مستوياتها ودرجاتها _ كاشفا عن أن العمل النقابى لا يؤمن مصالح جانبية محدودة أهميتها، بل يوفر للمنضمين إليه، الحقائق الكاملة التى يحددون من خلالها أولوياتهم، ويفاضلون على ضوئها بين من يتزاحمون من بينهم على الظفر بعضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية التى ينتمون إليها .
– – – ١٠ – – –
ضمان الدستور – بنص المادة ٤٧ منه – لحرية التعبير عن الآراء والتمكين من عرضها ونشرها سواء التعبير، قد تقرر بوصفها الحرية الأصل التى لا يتم الحوار المفتوح إلا فى نطاقها وبدونها تفقد حرية الاجتماع مغزاها، ولا تكون لها من فائدة وبها يكون الأفراد أحرارا لا يتهيبون موقفا، ولا يترددون وجلا، ولا ينتصفون لغير الحق طريقا .
– – – ١١ – – –
إن ما توخاه الدستور من خلال ضمان حرية التعبير، هو أن يكون التماس الآراء والأفكار، وتلقيها إليه، غير مقيد بالحدود الإقليمية على اختلافها، ولا منحصر فى مصادرة بذواتها تعد من قنواتها، بل قصد أن تترامى آفاتها، وان تتعدد مواردها وأدارتها، وأن تنفتح مسالكها، وتفيض منابعها ” Marketplace of ideas ” ” Free trade in ideas ” لا يحول دون ذلك قيد يكون عاصفا بها، مقتحما دروبها، ذلك أن لحرية التعبير أهدافا لا تريم عنها، ولا يتصور أن تسخر لسواها، هى أن يظهر ضوء الحقيقة جليا، فلا يداخل الباطل بعض عناصرها، ولا يعتريها بهتان ينال من محتواها ولا يتصور أن يتم ذلك إلا من خلال اتصال الآراء وتفاعلها ومقابلتها ببعض، وقوفا على ما يكون منها زائفا أو صائبا، منطويا على مخاطر واضحة ، أو محققا لمصلحة مبتغاة ذلك أن الدستور لا يرمى من وراء ضمان حرية التعبير، أن تكون مدخلا إلى توافق عام، بل تغيا بصونها أن يكون كافلا لتعدد الآراء Plurality of opinions وإرسائها على قاعدة من حيدة المعلومات Neutrality of information ليكون ضوء الحقيقة منارا لكل عمل، وحددا لكل اتجاه .
– – – ١٢ – – –
إن حرية التعبير التى تؤمنها المادة ٤٧ من الدستور، أبلغ ما تكون أثرا فى مجال اتصالها بالشئون العامة، وعرض أوضاعها تبيانا لنواحى التقصير فيها، وتقويما لاعوجاجها، وليس حق الفرد فى التعبير الآراء التى يريد إعلانها، معلقا على صحتها،ولا مرتبطا بتمشيها مع الاتجاه العام فى بيئة بذاتها، ولا بالفائدة العملية التى يمكن أن تنتجها وإنما أراد الدستور بضمان حرية التعبير، أن تهيمن مفاهيمها على مظاهر الحياة فى أعماق منابتها، بما يحول بين السلطة العامة وفرض وصايتها على العقل العام Public mind ، فلا تكون معاييرها مرجعا لتقييم الآراء التى تتصل بتكوينه، ولا عائقا دون تدفقها .
– – – ١٣ – – –
من المقرر كذلك أن حرية التعبير، وتفاعل الآراء التى تتولد عنها، لا يجوز تقييدها بأغلال تعوق ممارستها، سواء من ناحية فرض قيود مسبقة على نشرها، أو من ناحية العقوبة اللاحقة التى تتوخى قمعها بل يتعين أن ينقل المواطنون من خلالها _ وعلانية _ تلك الأفكار التى تجول فى عقولهم، لا يتهامسون بها نجيا، بل يطرحونها عزما _ ولو عارضتها السلطة العامة – إحداثا من جانبهم – وبالوسائل السلمية – لتغيير قد يكون مطلوبا فالحقائق لا يجوز إخفاؤها، ومن غير المتصور أن يكون النفاذ إليها ممكنا فى غيبة حرية التعبير كذلك فإن الذين يعتصمون بنص المادة ٤٧ من الدستور، لا يملكون مجرد الدفاع عن القضايا التى يؤمنون بها بل كذلك اختيار الوسائل التى يقدرون مناسبتها وفعاليتها سواء فى مجال عرضها أو نشرها ، ولو كان بوسعهم إحلال غيرها من البدائل لترويجها ولعل اكثر ما يهدد حرية التعبير، أن يكون الإيمان بها شكليا أو سلبيا بل يتعين أن يكون الإصرار عليها قبولا بتبعاتها، وألا يفرض أحد على غير صمتا ولو بقوة القانون Enforced silence .
– – – ١٤ – – –
حرية التعبير التى كلفها الدستور، هى القاعدة فى كل تنظيم ديموقراطي، لا تقوم إلا بها ويعدو الإخلال بها أن يكون إنكارا لحقيقة أن حرية التعبير لا يجوز فصلها عن أدواتها، وإن وسائل مباشرتها يجب أن ترتبط بغاياتها، فلا يعطل مضمونها أحد، ولا يناقض الأعراض المقصودة من إرسالها .
– – – ١٥ – – –
الحق فى التجمع، بما يقوم عليه من انضمام عدد من الأشخاص إلى بعضهم لتبادل وجهات النظر فى شان المسائل التى تعنيهم من الحقوق التى كفلتها المادتان ٥٤، ٥٥ من الدستور، وذلك سواء نظرنا إليه باعتباره كافلا لأهم قنواتها، محقق من خلالها أهدافها .
– – – ١٦ – – –
الحق فى التجمع _ وسواء كان حق أصيلا أو تابعا _ اكثر ما يكون واصالا بحرية عرض الآراء وتداولها كلما أقام أشخاص يؤيدون موقفا أو اتجاه معينا، تجمعا منظما Ordered assemblage يحتويهم، ويوظفون فيه خبراتهم، ويطرحون آمالهم، ويعرضون فيه كذلك لمصاعبهم، ويتناولون بالحوار ما يؤرقهم، ليكون هذا التجمع نافذة يطلون منها على ما يعتمل فى نفوسهم، وصورة حية لشكل من أشكال التفكير الجماعي Collective thinking إذ كان ذلك بنيان على تجمع _ وسواء كان الغرض مكنه سياسيا أو نقابيا أو مهنيا _ لا يعدو أن يكون عملا اختياريا لا يساق الداخلون فيه سوقا، ولا يمنعون من من الخروج منه قهرا، وكان هذا الحق فى محتواه لا يمتحض عن مجرد الاجتماع بين أشخاص متباعدين ينعزلون عن بعضهم بل يرمى بالوسائل السلمية إلى أن يكون إطارا يضمهم، ويعبرون فيه عن مواقفهم وتوجهاتهم فقد غدا متداخلا مع حرية التعبير، ومكونا لأحد عناصر الحرية الشخصية التى لا يجوز تقييدها بغير أتباع الوسائل الموضوعية والإجرائية التى يتطلبها الدستور، أو يكفلها القانون، واقعا عند البعض فى نطاق الحدود التى يفرضها صون خواص حياتهم وأعماق حرمتها بما يحول بما يحول دون اقتحام أغوارها، أو تعقبها، لغير مصلحة جوهرية لها معينا، لازما اقتضاء ولو لم يرد بشأنه نص فى الدستور، كافلا للحقوق التى أحصاها ضماناتها، محققا فعالياتها، سابقا على وجود الدساتير ذاتها، مرتبطا بالمدينة فى مختلف مراحل تطورها، كامنا فى النفس البشرية، تدعو إليه فطرتها وهو فوق هذا من الحقوق التى لا يجوز النزول عنها.
– – – ١٧ – – –
إن حرية التعبير ذاتها، تفقد قيمتها إذا جحد المشرع حق من يلوذون بها فى الاجتماع المنظم . وحجب بذلك تبادل الآراء فى دوائر أعرض، بما يحول دون تفاعلها وتصحيح بعضها البعض، ويعطل تدفق الحقائق التى تتصل باتخاذ القرار، ويعوق انسياب روافد تشكيل الشخصية الإنسانية التى لا تمكن تنميتها إلا فى شكل من أشكال الاجتماع .
ذلك ان الانعزال عن الآخرين يؤول إلى إستعلاء وجهة النظر الفردية وتسلطها، ولو كان أفقها ضيقا Narrowness أو كان عمقها أو تحز بها One – Suddenness باديا .
وكذلك فإن هدم حرية الاجتماع، إنما يقوض الأسس التى لا يقوم بدونها نظام للحكم يكون مستندا إلى الإرادة الشعبية ولا تكون الديموقراطية فيه بديلا مؤقتا، أو إجماعا زائفا، أو تصالحا مرحليا لتهدئة الخواطر بل شكلا مثاليا لتنظيم العمل الحكومى، وإرساء قواعده ولازم ذلك امتناع تقييد حرية الاجتماع إلا وفق القانون، وفى الحود التى تتسامح فيها النظم الديموقراطية، وترتضيها القيم التى تدعو إليها .
– – – ١٨ – – –
حق المرشحين فى الفوز بعضوية المجالس التى كفل الدستور أو المشرع صفتها التمثيلية، لا ينفصل عن حق الناخبين فى الإدلاء بأصواتهم لاختيار من يثقونه فيه من بينهم . ذلك أن هذين الحقين مرتبطا، ويتبادلان التأثير فيما بينهما ولا يجوز بالتالى أن تفرض على مباشرة أيهما تلك القيود التى لا تتصل بتكامل العملية الانتخابية وضمان مصداقيتها Integrity and Reliability of the Electctoral Process أو بما يكون كافلا إنصافها، وتدفق الحقائق الموضوعية المتعلقة بها بل يجب أن تتوافر لها بوجه عام أسس ضبطها، بما يصون حيدتها، ويحقق الفرص المتكافئة بين المتزاحمين فيها ومن ثم تقع هذه القيود فى حمأة المخالفة الدستورية، إذا كان مضمونها، أو هدفها مجرد حرمان فئة من عمال المنظمة النقابية _ ودون أسس موضوعية _ من فرض الفوز بعضوية مجلس إدارتها ذلك أن آثرها هو أبعاد هو إبعاد هؤلاء عن العملية الانتخابية بأكملها، وحجبهم بالتالى عن الإسهام فيها بما مؤداه احتكار غرمائهم لها، وسيطرتهم عليها دون منازع ن وإنهاء حق المبدعين فى إدارة الحوار حول برامجهم وتوجهاتهم وهو ما يقلص من دائرة الاختيار التى يتيحها المشرع للناخبين، وبوجه خاص، كلما كان المبعدون أدنى إلى ثقتهم، وأجدر بالدفاع عن حقوقهم .
– – – ١٩ – – –
إن القيم العليا لحرية التعبير _ بما تقوم عليه من تنوع الآراء وتدفقها وتزاحمها _ ينافيها ألا يكون الحوار المتصل بها فاعلا ومفتوحا ن بل مقصورا على فئة بذاتها من أعضاء المنظمة النقابية، او منحصرا فى مسائل لا يتعداها .
– – – ٢٠ – – –
إن حق الناخبين فى الاجتماع مؤداه ن ألا تكون الحملة الانتخابية _ التى تعتبر قاعدة لتجمعاتهم وإطارا يحددون من خلاله أولوياتهم _ محدودة آفاقها ولا أن يئول تنظيمها إلى تضاؤل فرصهم التى يفاضلون من خلالها بين عدد أكبر من المرشحين، وانتفاء من يكون من بينهم شريكا معهم فى أهدافهم Like _ minded Citizens قادرا على النضال من أجل تحقيقها .
– – – ٢١ – – –
إن المهنيين الذين انضموا إلى المنظمة النقابية العمالية، لا يتمكنون وفقا للنص المطعون فيه من الظفر بعضوية مجلس إدارتها، وإلا فى الحدود التى لا تزيد فيها نسبتهم إلى مجموع عدد أعضاء هذا المجلس عن ٢٠ %، زهز ما يعنى أنغلاق طريقهم إلى مجلس إدارة تلك المنظمة، بعد أن خاضوا انتخاباتها، وفازا فيها، لمجرد مجاوزتهم لتلك النسبة التى حددها النص المطعون فيه دون أسس موضوعية تظاهرها، بما مؤداه إهدار إرادة القاعدة العمالية التى منحتهم ثقتها على ضوء اقتناعها بموقفهم من قضاياها، وحرمانها من ان تفاضل _ من خلال البرامج التى طرحتها الحملة الانتخابية _ بين عدد أكبر من المرشحين يكونون أقدار إلى بلورة أفكارها، والنضال من اجل بناء مواقفها، وكان من المقرر أن اتساع قاعدة الاختيار فيما بين المرشحين، ضمانه أساسية تكفل لهيئة ظروفا أفضل تمنح من خلالها ثقتها لعناصر من بينهم تكون أجدر بالدفاع عن مصالحها، وكان النص المطعون فيه لا يطلق قاعدة الاختيار هذه بل يحد من دائرتها ويضيق من نطاقها، مؤثرا بذلك فى حق الاقتراع بما ينال من فاعليته، فإن ذلك النص، ينحل من الناحية الدستورية إلى فرض نوع من الوصاية على القاعدة العمالية، ويؤول إلى تفككها أو اضطرابها، أو بعثرة تكتلاتها من خلال إلزامها بان تمنح ثقتها لغير من وقع عليهم اختارها ابتداء، وأن تكون لها موازين جديدة تقدر على ضوئها من تصعدهم _ من دونهم – إلى مجلس إدارة المنظمة العمالية، وقد يكونون أقل منهم شأنا، سواء فى صلابتهم، أو قدرتهم على ابتكار الحلول الملائمة لقضاياها، وهو ما ينال كذلك من حرية القاعدة العمالية فى التعبير عن مواقفها، من خلال تجمعاتها، والتي تعد إطارا ومحورا لكل تنظيم انتخابي يحدد مطالبها .
– – – ٢٢ – – –
القول بأن النص المطعون فيه، يعكس تناسبا عدديا بين المهنيين المنضمين إلى المنظمة العمالية، وغيرهم من العمال أعضائها، مردود أولا بانتفاء الدليل على صحته، ومردود ثانيا بان اختيار من يمثلون أعضاء النقابة بمجلس إدارتها، ليس مرتبطا بموقعهم من النقابة ذاتها، وما إذا كانوا هم الأكثر أو الأقل عددا بين جموعها، بل بقدرتهم على تامين مصالحها ومردود ثالثا بأن إبطال عضويتهم بمجلس إدارة المنظمة النقابية بعد الفوز بها، لا يعدو أن يكون تحريفا لارادة الناخبين، مع حملهم على إبدال من منحوه ثقتهم بغيره، وليس ذلك غلا تشويها لحق الاقتراع، وانحرافا عن الأغراض التي يتوخاها .
ولا مساغ كذلك للقول بأن النص المطعون عليه، يكفل للحركة النقابية العمالية وحدتها ويضمن ولاء العمال لأهدافها، وذلك أن المنظمة النقابية ذاتها _ ومن خلال برامجها وتوجهاتها _ وعلى ضوء من أجل الدفاع عن مصالحها، هي التي توحد بين أعضائها، فلا يتحولون عنها أو يفارقونها وكذلك فإن ولاءهم لها رهن بصون الحرية النقابية فى مضمونها ووسائل تأديبيا إذا لم يلتزموا بميثاقها، أو كان سلوكهم مشينا مناهضا لها وليس جائزا بحال _ من وجهة أخرى _ أن تعطل وحدة الحركة النقابية العمالية أو الولاء لأهدافها، حقوقا كفلها الدستور للعمال المنضمين إليها .
– – – ٢٣ – – –
من المقرر أنه إذا كفل الدستور حقا من الحقوق، فإن القيود عليه، لا يجوز أن تنال من محتواه، إلا بالقدر، وفى الحدود التي ينص عليها الدستور، وكان ضمان الدستور بنص المادة ٦٢ لحقي الانتخاب والترشيح اللذين كفلهما لكل مواطن وفقا لأحكام القانون وغن تقيد بنصوص بعض مواده الأخرى، كالمادتين ٢٦، ٨٧ منه التي توفر أولاهما لصغار الفلاحين وصغار الحرفيين ٨٠ % على الأقل من مقاعد مجلس إدارة الجمعية التعاونية الزراعية أو الجمعية التعاونية الصناعية، وتنص ثانيتهما على أن يكون نصف عدد أعضاء مجلس الشعب على الأقل من العمال والفلاحين، إلا أن هذه القيود مرجعها إلى النصوص الدستورية ذاتها، ولا يجوز أن يقاس تشريعيا عليها، وغلا كان القانون مخالفا للدستور.
– – – ٢٤ – – –
إن الدساتير المصرية جميعا بدءا بدستورية سنه ١٩٢٣ وانتهاء بالدستور القائم، رددت جميعها مبدأ المساواة القانونية De Jute وباعتباره الضمانة الرئيسية لصون الحقوق والحريات فى مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ _ فى جوهرة _ وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور، بل يمتد مجال إعمالها كذلك ن إلى تلك التي كفلها المشرع للمواطنين فى حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتئيه محققا للصالح العام
– – – ٢٥ – – –
لئن نص الدستور فى المادة ٤٠ منه، على حظر التمييز بين المواطنين فى أحوال بعينها، هي تلك التي تقوم التمييز فيها على أساس من الجنس، أو الأصل، أو اللغة، أو الدين، أو العقيدة، غلا أن إيراد الدستور لصور بذاتها يكون التمييز محظورا فيها، مرده إنها الأكثر شيوعا فى الحياة العملية، ولا يدل البتة على انحصاره فيها إذا لو صح ذلك لكان التمييز بين المواطنين فيما عداها جاهزا دستوريا، وهو ما يناقض المساواة التي كفلها الدستور، ويحول دون إرساء أسسها، وبلوغ غلايتها .
وآية ذلك أن من صور التمييز التي أغفلتها المادة ٤٠ من الدستور، ما لا يقل عن غيرها خطرا سواء من ناحية محتواها أو من جهة الآثار التي ترتبها ن كالتمييز بين المواطنين فى نطاق الحقوق التي يتمتعون بها، أو الحريات التي يمارسونها لاعتبار مرده إلى مولدهم، او مركزهم الاجتماعي، أو عصبيتهم القبلية، أو إلى موقفهم من السلطة العامة، أو إعراضهم عن تنظيماتها ، آو تبنيهم لأعمال بذاتها، وغير ذلك من أشكال التمييز التي لا تظاهرها أسس موضوعية تقيمها، وكان من المقرر أن صور التمييز المجافية للدستور وغن تعذر حصرها، غلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور أو القانون، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بها، وبوجه خاص على صعيد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية متى كان ذلك وكان النص المطعون عليه قد استبعد المهنيين – الذين تزيد نسبتهم فى مجلس إدارة المنظمة النقابية عن ٢٠ % من مجموع مقاعده _ من الظفر بعضوية هذا المجلس رغم تماثلهم مع عمال النقابة من غير المهنيين مراكزهم القانونية لانضوائهم جميعا تحت نقابة واحدة تتكافأ حقوقهم وواجباتهم فيها، ودون أن يستند التمييز بين هاتين الفئتين إلى أسس موضوعية يقتضيها التمثيل فى مجلس إدارة المنظمة ن فأن هذا التمييز يكون تحكيما، ومنهيا عنه بنص المادة ٤٠ من الدستور٠
– – – ٢٦ – – –
متى كان النص المطعون عليه يخل بالحقوق التي كفلها الدستور فى مجال تكوين التنظيم النقابي على أساس ديمقراطي، وكذلك بحرية التعبير والاجتماع، وبحقي الترشيح والاقتراع وبمبدأ المساواة أمام القانون، وهى الحريات والحقوق المنصوص عليها فى المواد ٤٠، ٤٧، ٥٥، ٥٦، ٦٢ من الدستور، فإنه يكون باطلا إذ كان ذلك، وكان ما ورد بعجز الفقرة الأولى من المادة ٣٨ المشار إليها من انه [وذلك ما لم تكن أغلبية المنظمة النقابية من المنضمين إلى نقابات مهنية ] ن يرتبط ارتباطا لا يقبل التجزئة بنطاق الطعن الماثل باعتباره استثناء من قاعدة الحظر التى فرضها النص المطعون عليه ن فإن هذا الاستثناء يسقط تبعا للحكم ببطلان ذلك النص .
بعد الاطلاع علي الأوراق ، والمداولة . حيث إن الوقائع – حسبما يبين من صحيفة الدعوي وسائر الأوراق – تتحصل فى أنه عند إجراء انتخابات مجلس إدارة اللجنة النقابية للعاملين باللاسلكي ، حصلت المدعية علي أصوات تفوق ماحصلت عليهه المدعي عليهها الثانية ، التى بادرت إلي إقامة دعواها الموضوعية رقم ٧٦٧ لسنة ١٩٩١ أمام محكمة شئون العمال بالقاهرة ، مختصمة فيها وزير القوي العاملة وآخرين ، طالبة الحكم بصفة مستعجله بوقف إعلان نتيجة الانتخابات ، والحكم بفوزها بعضوية المجلس المشار اليه بدلاً من المدعية ، وذلك علي سند من أحكام المادة ٣٨ من قانون النقابات العمالية التي تحظر الجمع بين عضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية والعضوية العاملة في نقابة مهنية بمايزيد عن ٢٠% من مجموع أعضاء هذا المجلس . وإذ دفعت المدعية – بعد تدخلها انضماما إلي المدعي عليهم في النزاع الموضوعي – بعدم دستورية النص المشار اليه ، وكانت محكمة الموضوع قد قدرت جدية دفعها ، وصرحت لها بإقامة الدعوي الدستورية ، فقد أقامت الدعوى الماثلة . وحيث إن المادة ٣٨ من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم ٣٥ لسنة ١٩٧٦ تنص علي مايأتي : – ” لايجوز الجمع بين عضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية ، والعضوية العاملة فى نقابة مهنية بما يزيد علي ٢٠% من مجموع عدد أعضاء هذا المجلس ، وذلك مالم تكن أغلبية المنظمة النقابية من المنتمين إلي نقابات مهنية . ” ” ولايجوز في جميع الأحوال الجمع بين عضوية مجالس إدارات النقابات المهنية ، وعضوية مجالس إدارات المنظمات النقابية الخاضعة لأحكام هذا القانون. وحيث إن المدعية تنعي علي ذلك النص مخالفته أحكام المواد ٨ ، ٤٠ ، ٤٧ ، ٥٦، ٦٢ من الدستور ، قولاً منها بأنه يخل بتكافؤ الفرص بين المواطنين ، وكذلك بمبدأ المساواة أمام القانون . فضلاً عن إهداره لحرية التعبير ، وكذلك الحق فى الحرية النقابية وتكوين التنظيم النقابي علي أساس ديمقراطي ، وتقييده لحقي الانتخاب والترشيح . وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوي الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوي الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في النزاع الموضوعي ، وكان مايتصل من هذا النزاع بالنص المطعون عليهه ، إنما ينحصر فى ما قرره من عدم جواز الجمع بين عضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية والعضوية العاملة في نقابة مهنية فىما يزيد عليه ٢٠% من مجموع مقاعد ذلك المجلس ، وكان عدم فوز المدعية بمقعد في مجلس إدارة النقابة العمالية إنما يعود إلي مجاوزتها تلك النسبة التي فرضها النص المطعون عليهه ، مما حملها علي التدخل في الدعوي الموضوعية ، وإبداء دفعها بعدم الدستورية ، فإن نطاق الطعن الماثل ينحصرفي هذه الحدود ، ولايمتد لغيرها من أجزاء النص المطعون عليه . وحيث إن البين من تقرير اللجنة المشتركة من لجنة القوي العاملة وهىئة مكتب اللجنة التشريعية عن مشروع القانون رقم ٣٥ لسنة ١٩٧٦ بشأن النقابات العمالية ، أن الفقرة الأولي من المادة ٣٨ المشار اليها لم تكن واردة أصلاً في المشروع المقدم من الحكومة، وأن خلافاً داخل اللجنة المذكورة قد ثار حول نطاق حق العمال الأعضاء فى نقابة مهنية ، في أن يكونوا أعضاء بمجلس إدارة المنظمة النقابية العمالية ، وأن الآراء التى قيل بها في هذا الشأن ترددت بين تقرير هذا الحق علي إطلاقه ، وبين القبول ببعض الحلول التي اعتبرها أصحابها حلولاً توفيقية أو واقعية أكثر منها قانونية ٠ فالذين قالوا بإطلاق هذا الحق ، ذهبوا إل أن كل قيد يحد من حق العمال أعضاء النقابة المهنية في الانضمام إلي النقابة العمالية والتمثيل في تشكيلاتها المختلفة ، يعتبر مخالفا للإتفاقيات الدولية ، وللدستور، لإخلاله بالحرية النقابية ، وانطوائه علي التمييز أو التقييد في مجال العضوية النقابية ، ولخروجه كذلك عليه مبدأ تشكيل التنظيم النقابي علي أساس ديموقراطي ، ومنافاته لقوانين النقابات العمالية في الدول العربية والغربية والشرقية . كذلك فإن الأصل في النقابة المهنية هي أنها تعد من أشخاص القانون العام التي تتوخي تنظيم شئون المهنة وحمايتها من الدخلاء عليهها ، مع ضمان حقوق أعضائها فى ممارستها علي مسئوليتهم ولحسابهم الخاص. غير أن تطوراً مفجعا أصابها ، وأخرجها عن حقيقة وظائفها ، وباعد بينها وبين المهام التي كانت تقوم أصلاً عليهها ، حين انضم اليها “بقوة القانون” من لايعملون لحسابهم ، ولايمارسون استقلالاً مهنة حرة عليه مسئوليتهم . بل يتبعون رؤسائهم فى الحكومة ووحدات الحكم المحليى والقطاعين العام والخاص ، ويؤدون عملهم تحت إشرافهم لقاء أجر ، مما ألحق الضرر بالحركة النقابية العمالية ، وأضعفها ، بخروج هؤلاء من تجمعاتها ، وحصولهم من نقاباتهم المهنية عليه عديد من المزايا التى جذبتهم اليها . ولابد أن يتفاقم هذا الضرر ، وأن يزداد حدة ، إذا ماحال المشرع بين المهنيين والمنظمة النقابة العمالية، سواء بمنعهم من الانضمام إليها أوالدخول في مختلف تشكيلاتها ، وكذلك إذا قيد ذلك الحق بما يحد من محتواه . يؤيد ذلك أن التمييز بين العمال عليه أساس المؤهل ، وتقييد حرياتهم بالتالى ، ممايعوق التقدم ، ولايستقيم سياسيا أو تشريعيا أو قانونيا . ذلك أن تأهيل العمال غدا ضرورة لازمة إزاء تطور العلوم وتباين مناهجها . ومن غير المتصور أن يحرم غالبية عمال المنشأة من التمثيل فى المنظمة النقابية المتعلقة بها ، لمجرد حصولهم علي مؤهل ، أو ممارستهم لمهنة بذاتها يكون المؤهل شرطاً للقيد فىجداولها . وعلي نقيض هؤلاء الذين أجازوا الجمع بين عضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية ، والعضوية العاملة في نقابة مهنية عل إطلاق ، قال آخرون من أعضاء اللجنة المشار اليها الذين أيدوا النص المطعون عليهه ، بأن تمثيل الأغلبية العددية من العمال بالمعني السياسي للعامل ، يتحقق إذا ماكفل المشرع تمثيل المهنيين في مجلس إدارة المنظمة النقابية بما لايزيد عليه ٢٠% من مجموع أعضاء المجلس باعتبار أن هذه النسبة هي التي تنسجم مع التوزيع العددي لهذين الفريقين في المنشآت العمالية ، ولاتشكل بالتالي قيداً علي الحرية النقابية . ولاتقيم كذلك تمييزا بين العمال ، ولا حجرا علي إرادتهم في اختيار من يقدرون جدارته لتمثيلهم . بل أن تقريرها يدعم الحركة العمالية ، ذلك أن تجمعاتها لن تكون إلا لهؤلاء الذين يدينون بالولاء لها . وحيث إن البين من دستور منظمة العمل الدولية ، أن مبدأ الحرية النقابية يعتبر لازما لتحسين أوضاع العمال وضمان الاستقرار والسلام الاجتماعي . كذلك تعامل حرية التعبير والحرية النقابية باعتبارهما مفترضين لازمين لاطراد التقدم . وفى هذا الإطار اعتمد المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في دورته الحادية والثلاثين ، الاتفاقية رقم ٧٨ فى شأن الحرية النقابية ، النافذة أحكامها اعتبارا من ٤ يوليو سنة ١٩٥٠ ، والتي تخول العمال – دون تمييز من أي نوع – الحق في تكوين منظماتهم التى يختارونها بغير إذن سابق ، ودون تقيد بغير القواعد المنصوص عليهها فى دساتيرها وأنظمتها . وهى قواعد تصوغها بإرادتها الحرة وتنظم بها – عليه الأخص – طرق إدارتها وبرامجها ومناحي نشاطها، وبما يحول بين السلطة العامة والتدخل في شؤنها، أوالحد من ممارستها لتلك الحقوق أو تعطيلها ( المواد ١ ، ٢ ، ٣ منها ) ، بل أن مادتها الرابعة تنص علي أن منظماتهم تلك ، لايجوز حلها أو تعليهق نشاطها عن طريق الجهة الإدارية . وحيث إن المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية ، أقر كذلك في دورته الثانية والثلاثين ، الاتفاقية رقم ٨٩ في شأن التنظيم النقابي ، النافذة أحكامها اعتباراً من ٨ يوليو سنة ١٩٥١ ، والتي كفل بمادتها الأولي لكل عامل الحماية الكافىة من أية أعمال يقصد بها التمييز بين العمال في مجال استخدامهم ، إخلالا بحريتهم النقابية . ويكون ضمان هذه الحماية لازما بوجه خاص إزاء الأعمال التي يقصد بها تعليهق استخدام العامل علي شرط عدم الانضمام إلي منظمة نقابية ، أو حمله علي التخلي عن عضويته فيها ، أو معاملته إجحافاً لانضمامه اليها أو لإسهامه في نشاطها بعد انتهاء عمله . وحيث إن دستور جمهورية مصر العربية كفل بنص المادة ٦٥ منه جوهر الأحكام التى انتظمتها هاتان الاتفاقيتان الدوليتان ، والتي تعتبر مصر طرفا فيهما بتصديقها عليههما ، ذلك أن المادة ٦٥ من الدستور تنص عليه مايأتي [ إنشاء النقابات والاتحادات عليه أساس ديموقراطي حق يكفله القانون ، وتكون لها الشخصية الاعتبارية . وينظم القانون مساهمتها فى تنفىذ الخطط والبرامج الاجتماعية ، وفى رفع مستوي الكفاية ، ودعم السلوك الاشتراكي بين أعضائها ، وحماية أموالها . وهى ملزمة بمساءلة أعضائها عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم …. وبالدفاع عن الحقوق والحريات المقررة قانونا لأعضائها ] . وحيث إن حرية العمال في تكوين تنظيمهم النقابي ، وكذلك حرية النقابة ذاتها فى إدارة شئونها ، بما فى ذلك إقرار القواعد التى تنظم من خلالها اجتماعاتها ، وطرائق عملها وتشكيل أجهزتها الداخلية ، وأحوال اندماجها فى غيرها ، ومساءلتها لأعضائها عما يقع منهم بالمخالفة لنظمها ، لاينفصلان عن انتهاجها الديموقراطية أسلوبا وحيداً يهىمن عليه نشاطها ويكفل الموازنة بين حقوقها وواجباتها. وكذلك بناءتشكيلاتها وفق الإرادة الحرة للعمال المنضمين اليها – المؤهلين منهم وغير المؤهلين – ودون قيد يتعلق بعدد الأولين منسوباً إلي عدد العمال غير المهنيين . ذلك أن مبدأ الحرية النقابية يعني حق العمال – وأيا كان قطاع عملهم ودون ماتمييز فيما بينهم – فى تكوين منظماتهم النقابية بغض النظر عن معتقداتهم أو آرائهم السياسية أو توجهاتهم أوانتماءاتهم ، ودون إخلال بحق النقابة ذاتها فى أن تقرر بنفسها أهدافها ووسائل تحقيقها وطرق تمويلها ، وإعداد القواعد التى تنظم بها شئونها . ولايجوز – بوجه خاص – إرهاقها بقيود تعطل مباشرتها لتلك الحقوق ، أو تعلق تمتعها بالشخصية الاعتبارية عليه قبولها الحد منها ، ولاأن يكون تأسيسها رهناً بإذن من الجهة الإدارية ، ولاأن تتدخل هذه الجهة فى عملها بمايعوق إدارتها لشئونها ، ولاأن تقرر حلها أو وقف نشاطها عقابا لها ، ولاأن تحل نفسها محل المنظمة النقابية فىما تراه أكفل لتأمين مصالح أعضائها والنضال من أجلها . وحيث إن ماتقدم مؤداه ، أن تكوين التنظيم النقابي لابد أن يكون تصرفاً إرادياً حراً ، لاتتداخل فيه السلطة العامة ، بل يستقل عنها ليظل بعيداً عن سيطرتها. ومن ثم تتمحض الحرية النقابية عن قاعدة أولية فى التنظيم النقابي ، تمنحها بعض الدول قيمة دستورية فى ذاتها ، لتكفل بمقتضاها حق كل عامل فى الانضمام الى المنظمة النقابية التى يطمئن اليها، وفى انتقاء واحدة أو أكثر من بينها – عند تعددها – ليكون عضواً فيها ، وفى أن ينعزل عنها جميعاً فلا يلج أبوابها . وكذلك فى أن يعْدِل عن البقاء فيها منهياً عضويته بها . وهذه الحقوق التى تتفرع عن الحرية النقابية ، تعد من ركائزها ، ويتعين ضمانها لمواجهة كل إخلال بها ، وبوجه خاص لرد خطرين عنها لايتعادلان فى آثارهما ، ويتأتيان من مصدرين مختلفين . ذلك أن المنظمة النقابية ذاتها قد تباشرضغوطها فى مواجهة العمال غير المنضمين اليها لجذبهم لدائرة نشاطها توصلاً لإحكام قبضتها عليه تجمعاتهم ، وقد يتدخل رجال الصناعة والتجارة فى أوضاع الاستخدام فى منشآتهم ، أو بالتهديد بفصل عمالهم ، أو بمساءلتهم تأديبيا ، أو بإرجاء ترقياتهم ، لضمان انصرافهم عن التنظيم النقابى ، أو لحملهم عليه التخلى عن عضويتهم فيه . وحيث إن الحرية النقابية – محددا إطارها عليه النحو المتقدم – لاتعارض ديموقراطية العمل النقابية ، بل هى المدخل اليه ، ذلك أن الديموقراطية النقابية هى التى تطرح – بوسائلها وتوجهاتها – نطاقا للحماية يكفل للقوة العاملة مصالحها الرئيسية، ويبلور إرادتها وينفض عن تجمعاتها عوامل الجمود . وهى كذلك مفترض أولي لوجود حركة نقابية تستقل بذاتيتها ومناحى نشاطها . ولازمها أمران : أولهما أن يكون الفوز داخل النقابة بمناصبها المختلفة – عليه تباين مستوياتها وأيا كان موقعها – مرتبطا بالإرادة الحرة لأعضائها ، وبشرط أن يكون لكل عضو انضم اليها – الفرص ذاتها – التى يؤثر بها – متكافئا فى ذلك مع غيره – فى تشكيل سياستها العامة وبناء مختلف تنظيماتها وفاء بأهدافها وضماناً لنهوضها بالشئون التى تقوم عليهها . ثانيهما : أن الحرية النقابية لاتعتبر مطلباً لفئة بذاتها داخل النقابة الواحدة ، ولاهى من امتيازاتها . بل يتعين أن يكون العمل النقابى إسهاما جماعيا لايتمحض عن انتقاء حلول بذواتها تستقل الأقلية بتقديرها وتفرضها عنوة . ذلك أن تعدد الآراء داخل النقابة الواحدة وتفاعلها ، إثراء لحرية النقاش فيها ، لتعكس قرارتها ماتتصوره القاعدة الأعرض من الناخبين فيها مبلوراً لأفكارهم، ومحددا لمطالبهم ، إنفاذا لإرادتهم من خلال أصواتهم التى لايجوز تقييد فرص الإدلاء بها دون مقتض ، ولافرض الوصاية عليها . وحيث إن مانص عليه الدستور فى المادة ٦٥ من قيام النقابات واتحاداتها عليه أساس ديموقراطى ، يدل عليه أن حكمها جاء عاما مطلقا ، منصرفا الى كل تنظيم نقابيى – مهنيا كان أو عماليا – ممتدا الى تشكيلاتها جميعا – عليه تباين مستوياتها ودرجاتها – كاشفا عن أن العمل النقابى لايؤمن مصالح جانبية محدودة أهميتها ، بل يوفر للمنضمين اليه ، الحقائق الكاملة التى يحددون من خلالها أولوياتهم ، ويفاضلون عليه ضوئها بين من يتزاحمون من بينهم عليه الظفر بعضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية التى ينتمون اليها . وحيث إن ضمان الدستور – بنص المادة ٧٤ منه – لحرية التعبير عن الآراء ، والتمكين من عرضها ونشرها سواء بالقول أو بالتصوير أو بطباعتها أو بتدوينها وغير ذلك من وسائل التعبير ، قد تقرر بوصفها الحرية الأصل التى لايتم الحوار المفتوح إلا فى نطاقها . وبدونها تفقد حرية الاجتماع مغزاها ، ولاتكون لها من فائدة . وبها يكون الأفراد أحرارا لايتهيبون موقفا ، ولايترددون وجلا ، ولا ينتصفون لغير الحق طريقا. وحيث إن ماتوخاه الدستور من خلال ضمان حرية التعبير ، هو أن يكون التماس الآراء والأفكار وتلقيها عن الغير ونقلها اليه ، غير مقيد بالحدود الإقليمية عليه اختلافها ، ولامنحصر فى مصادرة بذواتها تعد من قنواتها ، بل قصد أن تترامي آفاتها ، وأن تتعدد مواردها وأدواتها ، وأن تنفتح مسالكها ، وتفىض منابعها [ Marketplace of ideas ] [ Free trade in ideas ] لايحول دون ذلك قيد يكون عاصفا بها ، مقتحما دروبها ، ذلك أن لحرية التعبير أهدافاً لاتريم عنها ، ولايتصور أن تسعى لسواها ، هى أن يظهر من خلالها ضوء الحقيقة جليا ، فلا يداخل الباطل بعض عناصرها ، ولايعتريها بهتان ينال من محتواها . ولايتصور أن يتم ذلك إلا من خلال اتصال الآراء وتفاعلها ومقابلتها ببعض ، وقوفاً عليه مايكون منها زائفا أو صائباً ، منطوياً عليه مخاطر واضحة ، أو محققا لمصلحة مبتغاة . ذلك أن الدستور لايرمى من وراء ضمان حرية التعبير ، أن تكون مدخلاً الى توافق عام ، بل تغيا بصونها أن يكون كافلا لتعدد الآراء Plurality of opinions وإرسائها عليه قاعدة من حيدة المعلومات neutrality of information ليكون ضوء الحقيقة مناراً لكل عمل ، ومحدداً لكل اتجاه . وحيث إن حرية التعبير التى تؤمنها المادة ٧٤ من الدستور ، أبلغ ماتكون أثراً فى مجال اتصالها بالشئون العامة ، وعرض أوضاعها تبياناً لنواحي التقصير فيها ، وتقويما لإعوجاجها ، وكان حق الفرد فى التعبير عن الآراء التى يريد إعلانها ، ليس معلقا عليه صحتها ، ولامرتبطا بتمشيها مع الاتجاه العام فى بيئة بذاتها ، ولا بالفائدة العملية التى يمكن أن تنتجها . وإنما أراد الدستور بضمان حرية التعبير أن تهىمن مفاهىمها عليه مظاهر الحياة فى أعماق منابتها ، بما يحول بين السلطة العامة وفرض وصايتها عليه العقل العام Public mind ، فلا تكون معاييرها مرجعاً لتقييم الآراء التى تتصل بتكوينه ، ولا عائقاً دون تدفقها . وحيث إن من المقرر كذلك إن حرية التعبير ، وتفاعل الآراء التى تتولد عنها ، لايجوز تقيدها بأغلال تعوق ممارستها ، سواء من ناحية فرض قيود مسبقة عليه نشرها ، أو من ناحية العقوبة اللاحقة التى تتوخي قمعها . بل يتعين أن ينقل المواطنون من خلالها – وعلانية – تلك الأفكار التى تجول فى عقولهم ، فلا يتهامسون بها نجيا ، بل يطرحونها عزماً ولو عارضتها السلطة العامة – إحداثا من جانبهم – وبالوسائل السلمية – لتغيير قد يكون مطلوبا . فالحقائق لايجوز إخفاؤها ، ومن غير المتصور أن يكون النفاذ اليها ممكنا فى غيبة حرية التعبير . كذلك فإن الذين يعتصمون بنص المادة ٧٤ من الدستور ، لايملكون مجرد الدفاع عن القضايا التى يؤمنون بها ، بل كذلك اختيار الرسائل التى يقدرون مناسبتها وفعاليتها سواء فى مجال عرضها أو نشرها ، ولو كان بوسعهم إحلال غيرها من البدائل لترويجها . ولعل أكثر مايهدد حرية التعبير، أن يكون الإيمان بها شكليا أو سلبيا . بل يتعين أن يكون الإصرار عليها قبولاً بتبعاتها ، وألا يفرض أحد عليه غيره صمتا ولو بقوة القانون Enforced silence . وحيث إنه متي كان ماتقدم ، تعين القول بأن حرية التعبير التى كفلها الدستور ، هى القاعدة فى كل تنظيم ديموقراطى ، لايقوم إلا بها . ولايعدو الإخلال بها أن يكون إنكاراً لحقيقة أن حرية التعبير لايجوز فصلها عن أدواتها ، وإن وسائل مباشرتها يجب أن ترتبط بغاياتها ، فلا يعطل مضمونها أحد ، ولايناقض الأعراض المقصودة من إرسائها . وحيث إن الحق فى التجمع ، بما يقوم عليهه من انضمام عدد من الأشخاص الى بعضهم لتبادل وجهات النظر فى شأن المسائل التى تعنيهم . من الحقوق التى كفلتها المادتان ٤٥ ، ٥٥ من الدستور ، وذلك سواء نظرنا اليه باعتباره حقاً مستقلاً عن غيره من الحقوق ، أم عليه تقدير أن حرية التعبير تشتمل عليه باعتباره كافلا لأهم قنواتها ، محققا من خلالها أهدافها . وحيث إن هذا الحق – وسواء كان حقاً اصيلا أم تابعا – أكثر مايكون اتصالا بحرية عرض الآراء وتداولها كلما أقام أشخاص يؤيدون موقفا أو اتجاها معينا ، تجمعا منظما ordered assemblage يحتويهم ، يوظفون فيه خبراتهم ، ويطرحون آمالهم ، ويعرضون فيه كذلك لمصاعبهم ، ويتناولون بالحوار ما يؤرقهم ، ليكون هذا التجمع نافذة يطلون منها عليه ما يعتمل فى نفوسهم ، وصورة حية لشكل من أشكال التفكير الجماعي collective thinking وكان تكوين بنيان كل تجمع وسواء كان الغرض منه سياسيا أو نقابيا أو مهنياً لايعدو أن يكون عملا اختياريا لايساق الداخلون فيه سوقاً ، ولايمنعون من الخروج منه قهراً . وهو فى محتواه لايتمحض عن مجرد الاجتماع بين أشخاص متباعدين ينعزلون عن بعضهم البعض . بل يرمى بالوسائل السلمية الى أن يكون إطارا يضمهم ، ويعبرون فيه عن مواقفهم وتوجهاتهم . ومن ثم كان هذا الحق متداخلا مع حرية التعبير ، ومكونا لأحد عناصر الحرية الشخصية التى لايجوز تقييدها بغير اتباع الوسائل الموضوعية والإجرائية التى يتطلبها الدستور أو يكفلها القانون ، واقعا عند البعض فى نطاق الحدود التى يفرضها صون خواص حياتهم وأعماق حرمتها بما يحول دون اقتحام أغوارها أو تعقبها لغير مصلحة جوهرية لها معينها ، لازما اقتضاءً ولو لم يرد بشأنه نص فى الدستور ، كافلا للحقوق التى أحصاها ضماناتها ، محققا فعالياتها ، سابقا عليه وجود الدساتير ذاتها ، مرتبطا بالمدنية فى مختلف مراحل تطورها ، كامنا فى النفس البشرية، تدعو اليه فطرتها . وهو فوق هذا من الحقوق التى لايجوز النزول عنها . بل إن حرية التعبير ذاتها تفقد قيمتها إذا جحد المشرع حق من يلوذون بها فى الاجتماع المنظم . وحجب بذلك تبادل الآراء فى دائرة أعرض ، بما يحول دون تفاعلها وتصحيح بعضها البعض ، ويعطل تدفق الحقائق التى تتصل باتخاذ القرار ، ويعوق انسياب روافد تشكيل الشخصية الإنسانية التى لايمكن تنميتها إلا فى شكل من أشكال الاجتماع . ذلك إن الانعزال عن الآخرين يؤول الى إستعلاء وجهة النظر الفردية وتسلطها ، ولو كان أفقها ضيقا Narrowness أو كان عقمها أو تحزبها One – Sidedness باديا . كذلك فإن هدم حرية الاجتماع ، إنما يقوض الأسس التى لايقوم بدونها نظام الحكم يكون مستنداً الى الإرادة الشعبية .. ولاتكون الديموقراطية فيه بديلاً مؤقتاً ، أو إجماعا زائفا ، أو تصالحا مرحليا لتهدئة الخواطر . بل شكلاً مثالياً لتنظيم العمل الحكومي وإرساء قواعده . ولازم ذلك امتناع تقييد حرية الاجتماع إلا وفق القانون ، وفى الحدود التى تتسامح فيها النظم الديموقراطية ، وترتضيها القيم التى تدعو اليها . وحيث إن من المقرر كذلك أن حق المرشحين فى الفوز بعضوية المجالس التى كفل الدستور أو المشرع صفتها التمثيلية ، لاينفصل عن حق الناخبين فى الإدلاء بأصواتهم لاختيار من يثقون فيه من بينهم . ذلك أن هذين الحقين مرتبطان ، ويتبادلان التأثير فيما بينهما. ولايجوز بالتالى أن تفرض عليه مباشرة أيهما تلك القيود التى لاتتصل بتكامل العملية الانتخابية وضمان مصداقيتها ّIntegrity and reliability of the electoral Process أو بما يكون كافلاً إنصافها ، وتدفق الحقائق الموضوعية المتعلقة بها ، بل يجب أن تتوافر لها بوجه عام أسس ضبطها ، بما يصون حيدتها ، ويحقق الفرص المتكافئة بين المتزاحمين فيها . ومن ثم تقع هذه القيود فى حمأة المخالفة الدستورية إذا كان مضمونها وهدفها مجرد حرمان فئة من عمال المنظمة النقابية – ودون أسس موضوعية – من فرص الفوز بعضوية مجلس إدارتها . ذلك أن آثرها هو إبعاد هؤلاء عن العملية الانتخابية بأكملها ، وحجبهم بالتالى عن الإسهام فيها . بما مؤداه احتكار غرمائهم لها وسيطرتهم عليها دون منازع ، وإنهاء حق المبعدين فى إدارة الحوار حول برامجهم وتوجهاتهم ، وهومايقلص من دائرة الاختيار التى يتيحها المشرع للناخبين ، وبوجه خاص ، كلما كان المبعدون أدني الى ثقتهم ، وأجدر بالدفاع عن حقوقهم . بل إن القيم العليا لحرية التعبير – بما تقوم عليه من تنوع الآراء وتدفقها وتزاحمها – ينافيها ألا يكون الحوار المتصل بها فاعلا ومفتوحا ، بل مقصوراً عليه فئة بذاتها من أعضاء المنظمة النقابية ، أو منحصراً فى مسائل بذواتها لايتعداها . كذلك فإن حق الناخبين فى الاجتماع مؤداه ، ألا تكون الحملة الانتخابية – التى تعتبر قاعدة لتجمعاتهم وإطارا يحددون من خلاله أولوياتهم – محدودة آفاقها ، بما تفضى إليه من تضاؤل فرصهم التى يفاضلون من خلالها بين عدد أكبر من المرشحين ، وانتقاء من يكون من بينهم شريكا معهم فى أهدافهم Like – minded Citizens قادرا عليه النضال من أجل تحقيقها . وحيث إن المهنيين الذين انضموا الى المنظمة النقابية العمالية لايتمكنون وفقا للنص المطعون فيه من الظفر بعضوية مجلس إدارتها ، إلا فى الحدود التى لاتزيد فيها نسبتهم الى مجموع عدد أعضاء هذا المجلس عن ٠٢% ، وهو مايعنى انغلاق طريقهم الى مجلس إدارة تلك المنظمة بعد أن خاضوا انتخاباتها وفازوا فيها لمجرد مجاوزتهم لتلك النسبة التى حددها النص المطعون فيه دون أسس موضوعية تظاهرها ، بما مؤداه إهدار إرادة القاعدة العمالية التى منحتهم ثقتها علي ضوء اقتناعها بموقفهم من قضاياها ، وحرمانها من أن تفاضل – من خلال البرامج التى طرحتها الحملة الانتخابيه – بين عدد أكبر من المرشحين يكونون أقدر عليه بلورة أفكارها ، والنضال من أجل بناء مواقفها ، وكان من المقرر أن اتساع قاعدة الاختيار فيما بين المرشحين ، ضمانة أساسية تكفل لهيئة الناخبين ظروفاً أفضل تمنح من خلالها ثقتها لعناصر من بينهم تكون أجدر بالدفاع عن مصالحها ، وكان النص المطعون فيه لا يطلق قاعدة الاختيار هذه ، بل يحد من دائرتها ويضيق من نطاقها ، مُؤَثِّراً بذلك في حق الاقتراع بما ينال من فعاليته ، فإن ذلك النص ينحل من الناحية الدستورية إلي فرض نوع من الوصاية علي القاعدة العمالية ، ويؤول إلي تفككها أو اضطرابها أو بعثرة تكتلاتها من خلال إلزامها بأن تمنح ثقتها لغير من وقع عليهم اختيارها ابتداءً ، وأن تكون لها موازين جديدة تقدر علي ضوئها من تٌصَعِّدهم – من دونهم – إلي مجلس إدارة المنظمة العمالية ، وقد يكونون أقل منهم شأنا سواء في صلابتهم أو قدرتهم علي ابتكار الحلول الملائمة لقضاياها . وهو ما ينال كذلك من حرية القاعدة العمالية في التعبير عن مواقفها من خلال تجمعاتها التي تعد إطاراً ومحوراً لكل تنظيم انتخابي يحدد مطالبها . وحيث إن القول بأن النص المطعون فيه ، يعكس تناسباً عددياً بين المهنيين المنضمين إلي المنظمة النقابية العمالية وغيرهم من العمال أعضائها ، مردود أولاً بانتفاء الدليل علي صحته ، ومردود ثانياً بأن اختيار من يمثلون أعضاء النقابة بمجلس إدارتها ليس مرتبطا بموقعهم من النقابة ذاتها، وما إذا كانوا هم الأكثر أو الأقل عدداً بين جموعها ، بل بقدرتهم علي تأمين مصالحها . ومردود ثالثاً بأن إبطال عضويتهم بمجلس إدارة المنظمة النقابية بعد الفوز بها ، لا يعدو أن يكون تحريفاً لارادة الناخبين ، مع حملهم علي إبدال من منحوه ثقتهم بغيره ، وليس ذلك إلا تشويها لحق الاقتراع وانحرافاً عن الأغراض التي يتوخاها . وحيث إنه لا مساغ كذلك للقول بأن النص المطعون عليه ، يكفل للحركة النقابية العمالية وحدتها ويضمن ولاء العمال لأهدافها ، ذلك أن المنظمة النقابية ذاتها ومن خلال برامجها وتوجهاتها وعلي ضوء نضالها من أجل الدفاع عن مصالحها ، هي التي توحد بين أعضائها ، فلا يتحولون عنها أو يفارقونها . كذلك فإن ولاءهم لها رهن بصون الحرية النقابية في مضمونها ووسائلها . ولنقابتهم أن تسائلهم تأديبياً إذا لم يلتزموا بميثاقها ، أو كان سلوكهم مشينا مناهضاً لها . وليس جائزاً بحال – من وجهة أخري – أن تعطل وحدة الحركة النقابية العمالية أو الولاء لأهدافها ، حقوقا كفلها الدستور للعمال المنضمين إليها . وحيث إن من المقرر أنه إذا كفل الدستور حقاً من الحقوق ، فإن القيود عليه لايجوزأن تنال من محتواه إلا بالقدر وفي الحدود التي ينص عليها الدستور ، وكان ضمان الدستوربنص المادة ٢٦ لحقي الانتخاب والترشيح اللذين كفلهما لكل مواطن وفقاً لأحكام القانون ، وإن تقيد بنصوص بعض مواده الأخري ، كالمادتين ٦٢ ، ٧٨ منه التي توفر أولهما لصغار الفلاحين وصغار الحرفيين ٨٠% علي الأقل من مقاعد مجلس إدارة الجمعية التعاونية الزراعية أو الجمعية التعاونية الصناعية ، وتنص ثانيتهما علي أن يكون نصف عدد أعضاء مجلس الشعب علي الأقل من العمال والفلاحين ، إلا أن هذه القيود مرجعها إلي النصوص الدستورية ذاتها ، ولا يجوز أن يقاس تشريعياً عليها وإلا كان القانون مخالفاً للدستور . وحيث إن الدساتير المصرية جميعاً بدءاً بدستور سنة ١٩٢٣ وانتهاء بالدستور القائم ، رددت جميعها مبدأ المساواة القانونية De Jure كافلة تطبيقه عليه جميع المواطنين باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعى ، وباعتباره الضمانة الرئيسية لصون الحقوق والحريات فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها ، وأضحى هذا المبدأ فى جوهره وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لايقتصر نطاق تطبيقها عليه الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور ، بل يمتد مجال إعمالها كذلك الى تلك التى كفلها المشرع للمواطنين فى حدود سلطته التقديرية ، وعليه ضوء مايرتئيه محققاً للمصلحة العامة٠ ولئن نص الدستور فى المادة ٤٠ منه ، عليه حظر التمييز بين المواطنين فى أحوال بعينها ، هى تلك التى يقوم التمييز فيها عليه أساس من الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة ، إلا أن إيراد الدستور لصور بذاتها يكون التمييز محظوراً فيها ، مرده أنها الأكثر شيوعا فى الحياة العملية ، ولايدل البتة عليه انحصاره فيها . إذ لو صح ذلك لكان التمييز بين المواطنين فيما عداها جائزاً دستورياً ، وهو مايناقض المساواة التى كفلها الدستور ، ويحول دون إرساء أسسها ، وبلوغ غايتها . وآية ذلك إن من صور التمييز التى أغفلتها المادة ٤٠ من الدستور مالايقل عن غيرها خطراً سواء من ناحية محتواها أو من جهة الآثار التى ترتبها ، كالتمييز بين المواطنين فى نطاق الحقوق التى يتمتعون بها ، أو الحريات التى يمارسونها ، لاعتبار مرده الى مولدهم ، أو مركزهم الاجتماعي ، أو انتمائهم الطبقي ، أو ميولهم الحزبية ، أو نزاعاتهم العرقية ، أو عصبيتهم القبلية ، أو الى موقفهم من السلطة العامة ، أو إعراضهم عن تنظيماتها ، أو تبنيهم لأعمال بذاتها ، وغير ذلك من أشكال التمييز التى لاتظاهرها أسس موضوعية تقيمها، وكان من المقرر أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها ، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التى كفلها الدستور أو القانون ، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها عليه قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بها ، وبوجه خاص عليه صعيد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغير ذلك من مظاهر الحياة العامة . متى كان ذلك وكان النص المطعون عليه قد استبعد المهنيين – الذين تزيد نسبتهم فى مجلس إدارة المنظمة النقابية عن ٢٠% من مجموع مقاعده – من الظفر بعضوية هذا المجلس رغم تماثلهم مع عمال النقابة من غير المهنيين فى مراكزهم القانونية لانضوائهم جميعا تحت نقابة واحدة تتكافأ حقوقهم وواجباتهم فيها ، ودون أن يستند التمييز بين هاتين الفئتين الى أسس موضوعية يقتضيها التمثيل فى مجلس إدارة تلك المنظمة ، فإن هذا التمييز يكون تحكميا ، ومنهيا عنه بنص المادة ٤٠ من الدستور . وحيث إنه متى كان ماتقدم ، وكان النص المطعون عليه يخل بالحقوق التى كفلها الدستور فى مجال تكوين التنظيم النقابى عليه أساس ديمقراطى ، وكذلك بحرية التعبير والاجتماع ، وبحقى الترشيح والاقتراع وبمبدأ المساواة أمام القانون ، وهى الحريات والحقوق المنصوص عليها فى المواد ٤٠ ، ٤٧ ، ٥٥ ، ٥٦ ، ٦٢ من الدستور ، فإنه يكون قد وقع فى حمأة المخالفة الدستورية ، ويتعين الحكم ببطلانه . وحيث إن ماورد بعجز الفقرة الأولي من المادة ٨٣ المشار إليها من أنه [وذلك مالم تكن أغلبية المنظمة النقابية من المنضمين الى نقابات مهنية] ، يرتبط ارتباطا لايقبل التجزئة بنطاق الطعن الماثل باعتباره استثناء من قاعدة الحظر التى فرضها النص المطعون عليه ، فإن هذا الاستثناء يسقط تبعاً للحكم ببطلان ذلك النص . فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأولي من المادة ٣٨ من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم ٣٥ لسنة ١٩٧٦ فيما تضمنته من عدم جواز الجمع بين عضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية والعضوية العاملة فى نقابة مهنية بما يزيد عليه ٢٠ % من مجموع عدد أعضاء هذا المجلس ، وبسقوط باقي نص هذه الفقرة ، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة