حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٦٨ لسنة ١٣ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٦٨ لسنة ١٣ دستورية
– – – ١ – – –
البين من نص المادة ٢٩ من قانون المحكمة الدستورية العليا أن المشرع رسم طريقا لرفع الدعوى الدستورية التى أتاح للخصوم مباشرتها و ربط بينه و بين الميعاد المحدد لرفعها ، فدل بذلك على أنه اعتبر هذين الأمرين من مقومات الدعوى الدستورية، فلا ترفع إلا بعد إبداء دفع بعدم الدستورية تقدر محكمة الموضوع جديته، لا تقبل إلا إذا رفعت خلال الأجل الذى ناط المشرع بمحكمة الموضوع تحديده بحيث لا يجاوز ثلاثة أشهر، و هذه الأوضاع الإجرائية – سواء ما اتصل منها بطريقة رفع الدعوى الدستورية أو بميعاد رفعها – تتعلق بالنظام العام باعتبارها شكلا جوهريا فى التقاضى تغيا به المشرع مصلحة عامة ، حتى ينتظم التداعى فى المسائل الدستورية بالإجراءات التى رسمها ، و فى الموعد الذى حدده.
– – – ٢ – – –
متى كانت محمكة الموضوع لم تصرح للمدعى برفع الدعوى الدستورية فى شأن النصوص التشريعية التى طعن عليها بعدم الدستورية فى مرحلة التحضير أمام هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا، فإن دعواه فى شأنها تكون منطوية على طعن مباشر فيها . متى كان ذلك و كانت ولاية هذه المحكمة فى الدعاوى الدستورية لا تقوم إلا باتصالها بها وفقا للأوضاع التى رسمها قانونها، و ليس من بينها طريق الدعوى الأصلية، فإن ما أثاره المدعى فى شأن هذه النصوص لا يعدو أن يكون نزاعا معها بقصد إهدار آثارها ارتكن فيه إلى غير الوسائل التى عينها قانون هذه المحكمة لرفع الدعوى الدستورية بالمخالفة لنص المادة ٢٩ من قانونها، الأمر الذى يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة إليها.
– – – ٣ – – –
إن قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٩ قد نص فى المادة ٣٠ منه على أنه يجب أن يتضمن القرار الصادر بالإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا أو صحيفة الدعوى المرفوعة إليها وفقاً لحكم المادة السابقة بيان النص التشريعى المطعون بعدم دستوريته و النص الدستورى المدعى بمخالفته و أوجه المخالفة، و كان ما تغياه المشرع بنص المادة المشار إليها – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – هو أن يتضمن قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى البيانات الجوهرية التى تكشف بذاتها عن ماهية المسألة الدستورية التى يعرض على هذه المحكمة أمر الفصل فيها و كذلك نطاقها، بما ينفى التجهيل بها، و كان ما توخاه المشرع على النحو المتقدم يعتبر متحققا كلما تضمن قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى ما يعين على تحديد المسألة الدستورية سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر و من ثم يكفى أن تكون المسألة الدستورية التى يراد الفصل فيها قابلة للتعيين ، بأن تكون الوقائع التى تضمنها قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى – فى ترابطها المنطقى – مفضية إليها جلية فى دلالة الإفصاح عنها. إذا كان ذلك ، و كان ما قدرته محكمة الموضوع من إحالة نص المادة ٢٠ من القانون رقم ٥٦ لسنة ١٩٥٤فى شأن الضريبة على العقارات المبنية إلى المحكمة الدستورية العليا – يدل على أن وجه المخالفة الدستورية التى ارتأتها محكمة الموضوع فى شأن النص التشريعى المحال منها ، إنما يتمثل فى النهائية التى خلعها المشرع على قرارات مجلس المراجعة ، باعتبار أن هذه النهائية هى فى تقديرها نوع من الحصانة المانعة من الطعن أسبغها المشرع على قرارات هذا المجلس ، و من ثم يكون مرد الأمر فى المخالفة المدعى بها إلى ما تصورته محكمة الموضوع من تعارض بين النص التشريعى المحال منها إلى المحكمة الدستورية العليا من ناحية ، و بين المادة ٦٨ من الدستور التى تنص على أن ” التقاضى حق مصون و مكفول للناس كافة ، و لكل مواطن حق الإلتجاء إلى قاضيه الطبيعى، و تكفل الدولة تقريب جهات القضاء بين المتقاضين و سرعة الفصل فى القضايا ، و يحظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء” . متى كان ذلك ، فإن الدفع بعدم قبول الدعوى المبدى من الحكومة فى شأن النص التشريعى المحال من محكمة الموضوع، يكون على غير أساس متعين الرفض.
– – – ٤ – – –
إن التمييز بين الأعمال القضائية و بين غيرها من الأعمال التى قد تختلط بها إنما يقوم على مجموعه من العناصر لا تتحدد بها ضوابط هذا التمييز على وجه قطعى ، ولكنها تعين على إبراز الخصائص الرئيسية للعمل القضائى، إذ يتعين دائما لإضفاء الصفة القضائية على أية جهة عهد إليها المشرع بالفصل فى نزاع معين أن يكون تشكيلها و استقلالها كاشفين عن حيدتها عند الفصل فى النزاع، و مؤديين إلى غيريتها فى مواجهة أطرافه، و أن يثير النزاع المطروح عليها إدعاء قانونيا يبلور الحق فى الدعوى كرابطة قانونية تنعقد الخصومة القضائية من خلالها، و بوصفها وسيلة عينها القانون ليوفر بها الحماية للحق المدعى به، و بمراعاة أن يكون الفصل فيها فى إطار حد أدنى من الضمانات القضائية التى لا يجوز النزول عنها ، و التى تقوم فى جوهرها على إتاحة الفرص المتكافئة لتحقيق دفاع أطرافها و تمحيص ادعاءاتهم، و ذلك كله وفق قاعدة قانونية نص المشرع عليها سلفا، محددا على ضوئها حقوق كل من المتنازعين فى تجرد كامل ، ليكون القرار الصادر فى النزاع مؤكدا للحقيقة القانونية، لتفرض هذه الحقيقة نفسها – و بافتراض تطابقها مع الحقيقة الواقعة – على كل خصم كان طرفا فى النزاع.
– – – ٥ – – –
إذ يفصل مجلس المراجعة فى التظلمات المقدمة إليه من قرارات لجان تقدير القيمة الإيجارية المتخذة وعاء للضريبة السنوية التى فرضها القانون رقم ٥٦ لسنة ١٩٥٤ على العقارات المبنية الخاضعة لأحكامه ، فإنه لا يعتبر جهة قضاء و لا تدخل قراراته فى عداد الأعمال القضائية و ليس لها من صلة . ذلك أن مجلس المراجعة لا يفصل فى خصومة لبيان حكم القانون فيها فى اطار من الموضوعية و الحيدة ، و هو ليس ملزما باتباع قواعد إجرائية تتوافر من خلالها ضمانات التقاضى الرئيسية و أبرزها ضمان إعلان كل ذى مصلحة للمثول أمامه لسماع أقواله و تحقيقا لأوجه دفاعه و ما يقترن بها من الأدلة الواقعية أو القانونية المؤيدة لها، و كانت قراراته فوق هذا لا تشتمل على أسبابها الكاشفة عن احاطته بعناصر المنازعة المعروضة عليه عن بصر و بصيرة ، و لا تدل على أنه ارتكن فى إصدارها إلى عيون الأوراق، و أنه كان لها مأخذها من حكم القانون، و كان البين كذلك أن مجلس المراجعة لا تدخل فى تكوينة أية عناصر قضائية، و إنما استبعدها المشرع كلية فى مجال تأليفه ، و ذلك بأن جعل ثلاثة من أعضائه – من بينهم رئيس المجلس – من العاملين المدنيين التابعين للجهة الإدارية تبعية مطلقة . و لئن ضم إليهم المشرع ثلاثة من ملاك المبانى بالمدينة أو البلد الذى ينظر المجلس فى التظلمات المقدمة من القاطنين به، إلا أن هؤلاء و أولئك مجردون من الخبرة القضائية ، و يفتقرون إلى ضمانة الإستقلال التى تعصم أعمالهم من محاولة التدخل أو التأثير فيها . متى كان ما تقدم ، و كان مجلس المراجعة لا يتقيد فى نظر الطلبات التى تعرض عليه فى شأن قرارات لجان التقدير بأية ضمانة قضائية رئيسية ، و لا بقاعدة قانونية يتحدد على ضوئها حقوق كل معارض فى تقدير القيمة الإيجارية التى تفرض الضريبة العقارية على أساسها، فإن هذا المجلس لا يعتبر جهة قضاء فى تطبيق أحكام القانون رقم ٥٦ لسنة ١٩٥٤ فى شأن الضريبة على العقارات المبنية، بل هو فى حقيقة تكييفه مجرد هيئة إدارية ذات اختصاص قضائى.
– – – ٦ – – –
إذا كان مجلس المراجعة مجرد هيئة إدارية ذات اختصاص قضائى، فإن إلغاء قراراتها يدخل يدخل فى ولاية محكمة القضاء الإدارى، و ذلك إعمالاً للبند” ثانيا” من المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم ٤٧ لسنة ١٩٧٢ التى تنص على اختصاص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل فى الطعون التى ترفع عن القرارات النهائية الصادرة من جهات إدارية لها إختصاص قضائى فيما عدا القرارات الصادرة من هيئات التوفيق و التحكيم فى منازعات العمل و ذلك متى كان مرجع الطعن فيها عدم الاختصاص أو عيبا فى الشكل او مخالفة القوانين أو اللوائح أو الخطأ فى تطبيقها أو تأويلها.
– – – ٧ – – –
لئن نص القانون رقم ٥٦ لسنة ١٩٥٤ المشار إليه فى مادته العشرين على نهائية القرارات الصادرة عن مجلس المراجعة ، إلا أن هذه النهائية لا تعتبر مرادفا لامتناع الطعن عليها، ذلك أن نهائية القرارات الإدارية تعتبر شرطا لجواز طلب إلغائها أو التعويض عنها أمام محاكم مجلس الدولة، و هو ما ردده قانون مجلس الدولة بصريح الأحكام التى تضمنتها البنود “ثالثا” و “رابعا” و “خامسا” و “سادسا” و”ثامنا” و “تاسعا” و “عاشرا” من مادته العاشرة ، و أكدها البند الرابع عشر منها حيث دل بعبارته على أن القرارات التى يجوز الطعن بطلب إلغائها هى القرارات الإدارية النهائية كلما كان الطعن عليها عائدا إلى عدم الإختصاص بإصدارها أم كان مرده عيبا فى الشكل أو مخالفة القوانين او اللوائح أو الخطأ فى تطبيقها أو تأويلها أو إساءة استعمال السلطة . و لا جرم فى أن النهاية التى يعنيها قانون مجلس الدولة و التى تطلبها كشرط لجواز الطعن فى القرارات الصادرة من جهة الإدارة، غايتها ضمان ألا يكون قرار الجهة الإدارية خاضعا – فى مجال إقراره – لتصديق جهة أعلى منها أو لتعقيبها. و لازم ذلك أن يكون قرار الجهة الإدارية مستكملاً عند صدوره عنها لكل المراحل التى يتكامل بها وجوده قانونا، فلا تبقى حلقة منها بيد جهة أخرى ، بما مؤداه أن ما عناه المشرع بالنهائية التى خلعها على قرارات مجلس المراجعة هى أن تكون هذه القرارات محققة لآثارها القانونية فورا و مباشرة بمجرد صدورها بما يفيد استنفادها عندئذ لمراحل تكوينها، و ليس إسباغ حصانة عليها تحول بذاتها دون الطعن فيها إلغاء و تعويضا.
– – – ٨ – – –
من المقرر – فى قضاء هذه المحكمة – أن عدم جواز الطعن فى قرار أو عمل معين ، لا يكون إلا بنص صريح يقرر هذه الحصانة ويفرضها متوخيا من خلالها عرقلة حق الفرد فى النفاذ إلى القضاء للحصول على الترضة القضائية التى يطلبها لرد العدوان على الحقوق التى يدعيها. و إذ كان النص التشريعى المطعون عليه غير مقترن بهذا الحظر، بل جاء مجردا منه ، فإن النعى عليه بمخالفة المادة ٦٨ من الدستور يكون على غير أساس حريا بالرفض.
– – – المحكمة – – –
بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل في أن السيد / ………………. كان قد أقام الدعوى رقم ٤٩ لسنة ١٩٨٩ مدني شبرا الخيمة الجزئية ضد السيد وزير المالية وآخرين طالباً ببراءة ذمته من مبلغ ٤٩٨.٨٧٠ جنيه وهي قيمة الضريبة التي فرضتها مأمورية الضرائب العقارية بشبرا الخيمة على عدد من العقارات التي يملكها. وأثناء نظر هذه الدعوى، قدم المدعى مذكرة دفع فيها بعدم دستورية المواد ١٤، ١٥، ٢٠، ٢٥، ٢٦ من القانون رقم ٥٦ لسنة ١٩٥٤ في شأن الضريبة على العقارات المبينة، وكذلك بعدم دستورية نصوص تشريعية أخرى من بينها النص الذي اشترط توقيع محام على عريضة الدعوى، ونصوص قوانين التمغة، وإجراءات المحكمة في تحصيل أتعاب المحاماه قبل الانتهاء من درجات التقاضي، وقانون تحصيل ضريبة من المنبع عند رفع الدعوى والنصوص المتعلقة بفرض الرسوم القضائية واقتضاء أمانة الخبير في بداية الدعوى. وبجلسة ٢٤ أكتوبر ١٩٩١ قررت محكمة الموضوع وقف السير في الدعوى رقم ٤٩ لسنة ١٩٨٩ المشار إليها، والإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص المادة ٢٠ من القانون رقم ٥٦ لسنة ١٩٥٤ في شأن الضريبة على العقارات المبنية.
وحيث إن المدعى أثار أثناء تحضير الدعوى الدستورية – في مذكرة قدمها إلى هيئة المفوضين – موضوع النصوص التشريعية التي كان قد دفع بعدم دستوريتها أمام محكمة الموضوع، ناعياً عليها أمام هيئة المفوضين مخالفتها للدستور طالباً الفصل في دستوريتها.
وحيث إن البين من نص المادة ٢٩ من قانون هذه المحكمة أن المشرع رسم طريقاً لرفع الدعوى الدستورية التي أتاح للخصوم مباشرتها وربط بينه وبين الميعاد المحدد لرفعها، فدل بذلك على أنه اعتبر هذين الأمرين من مقومات الدعوى الدستورية، فلا ترفع إلا بعد إبداء دفع بعدم الدستورية تقدر محكمة الموضوع جديته، ولا تقبل إلا إذا رفعت خلال الأجل الذي ناط المشرع بمحكمة الموضوع تحديده بحيث لا يجاوز ثلاثة أشهر. وهذه الأوضاع الإجرائية – سواء ما اتصل منها بطريقة رفع الدعوى الدستورية أو بميعاد رفعها، تتعلق بالنظام العام باعتبارها شكلاً جوهرياً في التقاضي تغيا به المشرع مصلحة عامة حتى ينتظم التداعي في المسائل الدستورية بالإجراءات التي رسمها وفي الموعد الذي حدده، وإلا كانت الدعوى الدستورية غير مقبولة، وإذ كانت محكمة الموضوع لم تصرح للمدعى برفع الدعوى الدستورية في شأن النصوص التشريعية التي طعن عليها بعدم الدستورية في مرحلة التحضير أمام هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا، فإن دعواه في شأنها تكون منطوية على طعن مباشر فيها. متى كان ذلك، وكانت ولاية هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية لا تقوم إلا باتصالها بها وفقاً للأوضاع التي رسمها قانونها وليس من بينها طريق الدعوى الأصلية، فإن ما أثاره المدعى في شأن هذه النصوص لا يعدو أن يكون نزاعاً معها بقصد إهدار آثارها ارتكن فيه إلى غير الوسائل التي عينها قانون هذه المحكمة لرفع الدعوى الدستورية بالمخالفة لنص المادة ٢٩ من قانونها، الأمر الذي يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة إليها.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول قرار الإحالة الصادر من محكمة الموضوع – والذي به رفعت الدعوى الماثلة – لإغفاله تعيين نص الدستور المدعى بمخالفته، وخروجه بالتالي على نص المادة ٣٠ من قانون هذه المحكمة.
وحيث إن هذا الدفع مردود، ذلك أن قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٩ قد نص في المادة ٣٠ منه على أنه يجب أن يتضمن القرار الصادر بالإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا أو صحيفة الدعوى المرفوعة إليها وفقاً لحكم المادة السابقة بيان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته والنص الدستوري المدعى بمخالفته وأوجه المخالفة، وكان ما تغياه المشرع بنص المادة المشار إليها هو أن يتضمن قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى البيانات الجوهرية التي تكشف بذاتها عن ماهية المسألة الدستورية التي يعرض على المحكمة الدستورية العليا أمر الفصل فيها وكذلك نطاقها، بما ينفي التجهيل بها، كي يحيط كل ذي شأن – ومن بينهم الحكومة التي يتعين إعلانها بقرار الإحالة أو بصحيفة الدعوى إعمالاً لنص المادة ٣٥ من قانونها – بجوانبها المختلفة، وليتاح لهم جميعاً – على ضوء تعريفهم بأبعاد المسألة الدستورية المطروحة عليها – إبداء ملاحظاتهم وردودهم وتعقيباتهم في المواعيد التي حددتها المادة ٣٧ من القانون ذاته، بحيث تتولى هيئة المفوضين – بعد انقضاء هذه المواعيد – تحضير الموضوع المعروض عليها وإعداد تقرير يشتمل على زواياه المختلفة محدداً بوجه خاص المسائل الدستورية والقانونية المتصلة بها ورأي الهيئة في شأنها وفقاً لما تقضي به المادة ٤٠ من ذلك القانون، وكان ما توخاه المشرع على النحو المتقدم يعتبر متحققاً كلما تضمن قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى ما يعين على تحديد المسألة الدستورية سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر، ومن ثم يكفي أن تكون المسألة الدستورية التي يراد الفصل فيها قابلة للتعيين، بأن تكون الوقائع التي تضمنها قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى – في ترابطها المنطقي – مفضية إليها جلية في دلالة الإفصاح عنها. إذ كان ذلك، وكان ما قدرته محكمة الموضوع من إحالة نص المادة ٢٠ من القانون رقم ٥٦ لسنة ١٩٥٤ في شأن الضريبة على العقارات المبنية إلى المحكمة الدستورية العليا، يدل على أن وجه المخالفة الدستورية التي ارتأتها محكمة الموضوع في شأن النص التشريعي المحال منها، إنما يتمثل في النهائية التي خلعها المشرع على قرارات مجلس المراجعة، باعتبار أن هذه النهائية هي في تقديرها نوع من الحصانة المانعة من الطعن أسبغها المشرع على قرارات هذا المجلس. ومن ثم يكون مرد الأمر في المخالفة المدعى بها إلى ما تصورته محكمة الموضوع من تعارض بين النص التشريعي المحال منها إلى المحكمة الدستورية العليا من ناحية وبين المادة ٦٨ من الدستور التي تنص على أن التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء بين المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا، ويحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء”. متى كان ذلك، فإن الدفع بعدم قبول الدعوى المبدي من الحكومة في شأن النص التشريعي المحال من محكمة الموضوع، يكون على غير أساس متعين الرفض.
وحيث إن البين من القانون رقم ٥٦ لسنة ١٩٥٤ في شأن الضريبة على العقارات المبنية، أنه ينص في مادته الأولى على أن تفرض ضريبة سنوية على العقارات المبنية أيا كانت مادة بنائها وأيا كان الغرض الذي تستخدم فيه، دائمة كانت أم غير دائمة، مقامة على الأرض أو تحتها أو على الماء، مشغولة بعوض أو بغير عوض. وتنص المادة ٩ من هذا القانون على أن تفرض الضريبة على أساس القيمة الإيجارية السنوية للعقارات التي تقدرها لجان التقدير المنصوص عليها في المادة ١٣ من ذلك القانون. ويراعى في تقدير القيمة الإيجارية للعقار جميع العوامل التي تؤدي إلى تحديدها وعلى وجه الخصوص الأجرة المتفق عليها إذا كان العقد خالياً من شبهة الصورية أو المجاملة. وعملاً بالمادة ١٣ يتولى تقدير القيمة الإيجارية في كل مدينة أو محافظة لجان مكونة من أربعة أعضاء اثنان منهم من موظفي الحكومة أو من موظفي المجلس البلدي متى كان لهذا المجلس حق ربط وتحصيل الضريبة. وتكون الرياسة لأحدهما واثنان من بين مالكي العقارات المبنية بالمدينة أو القسم أو البندر التي يتم فيها التقدير يعينهما سنوياً وزير المالية والاقتصاد أو وزير الشئون البلدية والقروية كل منهما فيما يخصه أو من ينيبه كل منهما عنه في ذلك. وطبقاً لنص المادة ١٤ تكون الضريبة واجبة الأداء بمجرد نشر التقدير الخاص بها في الجريدة الرسمية، كما يخطر الممول بمقدار الضريبة المربوطة عليه. وتنص المادة ١٥ على أن للمولين والحكومة أن يتظلموا أمام مجلس المراجعة المنصوص عليه في المادة التالية من قرارات لجان التقدير … فإذا كان التظلم مقدماً من الممول، تعين أن يكون مقروناً بتأمين مقداره ٥% من الضريبة المقدم في شأنها المعارضة .. ولا يرد التأمين في حالة عدم خفض مجلس المراجعة للقيمة الإيجارية … وإلى أن يصدر مجلس المراجعة قراره في التظلم، تؤدى الضريبة المقررة قبل التعديل في المواعيد المحددة لها. أما عن مجلس المراجعة ذاته، فإن المادة ١٦ من القانون تنص على أن يشكل في كل مديرية أو محافظة، وأن يكون مؤلفاً من ثلاثة من موظفي الحكومة أو من موظفي المجلس البلدي متى كان لهذا المجلس حق ربط وتحصيل الضريبة، يعينهم وزير المالية والاقتصاد أو وزير الشئون البلدية والقروية – كل منهما فيما يخصه – أو من ينيبه كل منهما عنه في ذلك، ومن ثلاثة من ملاك المباني بالمدينة أو البلد الذي ينظر المجلس في التظلمات الخاصة به، يعينهم وزير المالية والاقتصاد أو وزير الشئون البلدية والقروية كل منهما فيما يخصه، أو من ينيبه كل منهما عنه في ذلك، لمدة سنتين وتكون الرئاسة لعضو من الموظفين.. وتنص المادة ١٨ على أن صحة انعقاد مجلس المراجعة شرطها حضور أربعة من أعضائه. وتصدر قراراته بالأغلبية المطلقة. وعند التساوي يرجح الرأي الذي يؤيده الرئيس. أما المادة ٢٠ المطعون عليها، فنصها صريح في نهائية القرارات الصادرة عن مجلس المراجعة.
وحيث إن مؤدي التعارض المدعى به بين النص التشريعي المطعون عليه، ونص المادة ٦٨ من الدستور التي تكفل للناس كافة حق التقاضي وتصون لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي وتحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، أن نهائية القرارات الصادرة من مجلس المراجعة تنحل إلى نوع من الحصانة خلعها المشرع على هذه القرارات بما يحول دون الطعن عليها إلغاء وتعويضاً.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن مجلس المراجعة إذ يفصل في التظلمات المقدمة إليه من قرارات لجان تقدير القيمة الإيجارية المتخذة وعاء للضريبة السنوية التي فرضها القانون رقم ٥٦ لسنة ١٩٥٤ على العقارات المبنية الخاضعة لأحكامه، فإنه لا يعتبر جهة قضاء ولا تدخل قراراته في عداد الأعمال القضائية وليس لها بها من صلة، ذلك أن التمييز بين الأعمال القضائية وبين غيرها من الأعمال التي قد تختلط بها إنما يقوم على مجموعة من العناصر لا تتحدد بها ضوابط هذا التمييز على وجه قطعي، ولكنها تعين على إبراز الخصائص الرئيسية للعمل القضائي، إذ يتعين دائماً لإضفاء الصفة القضائية على أية جهة عهد إليها المشرع بالفصل في نزاع معين أن يكون تشكيلها واستقلالها كاشفين عن حيدتها عند الفصل في النزاع ومؤديين إلى غيريتها في مواجهة أطرافه، وأن يثير النزاع المطروح عليها ادعاء قانونياً يبلور الحق في الدعوى كرابطة قانونية تنعقد الخصومة القضائية من خلالها وبوصفها وسيلة عينها القانون ليوفر بها الحماية للحق المدعى به، وبمراعاة أن يكون الفصل فيها في إطار حد أدنى من الضمانات القضائية التي لا يجوز النزول عنها، والتي تقوم في جوهرها على إتاحة الفرص المتكافئة لتحقيق دفاع أطرافها، وتمحيص ادعاءاتهم، وذلك كله وفق قاعدة قانونية نص المشرع عليها سلفاً، محدداً على ضوئها حقوق كل من المتنازعين في تجرد كامل ليكون القرار الصادر في النزاع مؤكداً للحقيقة القانونية، مبلوراً لمضمونها في مجال الحقوق المدعى بها، لتفرض هذه الحقيقة نفسها – وبافتراض تطابقها مع الحقيقة الواقعة – على كل خصم كان طرفاً في النزاع. متى كان ذلك، وكان مجلس المراجعة لا يفصل في خصومه لبيان حكم القانون فيها في إطار من الموضوعية والحيدة، وهو ليس ملزماً بإتباع قواعد إجرائية تتوافر من خلالها ضمانات التقاضي الرئيسية وأبرزها ضمان إعلان كل ذي مصلحة للمثول أمامه لسماع أقواله وتحقيقاً لأوجه دفاعه وما يقترن بها من الأدلة الواقعية أو القانونية المؤيدة لها، وكانت قراراته فوق هذا لا تشتمل على أسبابها الكاشفة عن إحاطته بعناصر المنازعة المعروضة عليه عن بصر وبصيرة، ولا تدل على أنه أرتكن في إصدارها إلى عيون الأوراق وأنه كان لها مأخذها من حكم القانون، وكان البين كذلك أن مجلس المراجعة لا تدخل في تكوينه أية عناصر قضائية، وإنما استبعدها المشرع كلية في مجال تأليفه وذلك بأن جعل ثلاثة من أعضائه بما فيهم رئيس المجلس من العاملين المدنيين التابعين للجهة الإدارية تبعية مطلقة، ولئن ضم إليهم المشرع ثلاثة من ملاك المباني بالمدينة أو البلد الذي ينظر المجلس في التظلمات المقدمة من القاطنين به، إلا أن هؤلاء وأولئك مجردون من الخبرة القضائية ويفتقرون إلى ضمانة الاستقلال التي تعصم أعمالهم من محاولة التدخل أو التأثير فيها. متى كان ما تقدم، وكان مجلس المراجعة لا يفصل في خصومة فصلاً قضائياً، ولا يتقيد في نظر الطلبات التي تعرض عليه في شأن قرارات لجان التقدير بأية ضمانة قضائية، ولا بقاعدة قانونية يتحدد على ضوئها حقوق كل معارض في تقدير القيمة الإيجارية التي تفرض الضريبة العقارية على أساسها، فإن هذا المجلس لا يعتبر جهة قضاء في تطبيق أحكام القانون رقم ٤٦ لسنة ١٩٥٤ في شأن الضريبة على العقارات المبنية، بل هو في حقيقة تكييفه مجرد هيئة إدارية ذات اختصاص قضائي ويدخل إلغاء قراراتها في ولاية محكمة القضاء الإداري إعمالاً للبند (ثانياً) من المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم ٤٧ لسنة ١٩٧٢ التي تنص على اختصاص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل في الطعون التي ترفع عن القرارات النهائية الصادرة من جهات إدارية لها اختصاص قضائي فيما عدا القرارات الصادرة من هيئات التوفيق والتحكيم في منازعات العمل، وذلك متى كان مرجع الطعن فيها عدم الاختصاص أو عيباً في الشكل أو مخالفة القوانين أو اللوائح أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها. ولئن نص القانون رقم ٥٦ لسنة ١٩٥٤ المشار إليه في مادته العشرين على نهائية القرارات الصادرة عن مجلس المراجعة، إلا أن هذه النهائية لا تعتبر مرادفاً لامتناع الطعن عليها، ذلك أن نهائية القرارات الإدارية تعتبر شرطاً لجواز طلب إلغائها أو التعويض عنها أمام محاكم مجلس الدولة، وهو ما ردده قانون مجلس الدولة بصريح الأحكام التي تضمنتها البنود (ثالثاً) و(رابعاً) و(خامساً) و(سادساً) و(ثامناً) و(تاسعاً) و(عاشراً) من مادته العاشرة وأكدها البند الرابع عشر منها حيث دل بعبارته على أن القرارات التي يجوز الطعن بطلب إلغائها هي القرارات الإدارية النهائية كلما كان الطعن عليها عائداً إلى عدم الاختصاص بإصدارها أم كان مرده عيباً في الشكل أو مخالفة القوانين أو اللوائح أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها أو إساءة استعمال السلطة. ولا جرم في أن النهائية التي يعنيها قانون مجلس الدولة والتي تطلبها كشرط لجواز الطعن في القرارات الصادرة من جهة الإدارة، غايتها ضمان ألا يكون قرار الجهة الإدارية خاضعاً – في مجال إقراراه – لتصديق جهة أعلى منها أو لتعقيبها. ولازم ذلك أن يكون قرار الجهة الإدارية مستكملاً – عند صدوره عنها – لكل المراحل التي يتكامل بها وجوده قانوناً، فلا تبقى حلقة منها بيد جهة أخرى.
بما مؤداه أن ما عناه المشرع بالنهائية التي خلعها على قرارات مجلس المراجعة هي أن تكون هذه القرارات محققة لآثارها القانونية فوراً ومباشرة بمجرد صدورها بما يفيد استنفادها عندئذ لمراحل تكوينها، وليس إسباغ حصانة عليها تحول بذاتها دون الطعن فيها إلغاء وتعويضاً. إذ كان ما تقدم وكان من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن عدم جواز الطعن في قرار أو عمل معين لا يكون إلا بنص صريح يقرر هذه الحصانة ويفرضها متوخياً من خلالها عرقلة حق الفرد في النفاذ إلى القضاء للحصول على الترضية القضائية التي يطلبها لرد العدوان على الحقوق التي يدعيها، وكان النص التشريعي المطعون عليه غير مقترن بهذا الحظر، بل جاء مجرداً منه، فإن النعي عليه بمخالفة المادة ٦٨ من الدستور يكون على غير أساس حرياً بالرفض.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يتضمن مخالفة لأحكام الدستور من أي وجه آخر.