حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٥ لسنة ١٥ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٥ لسنة ١٥ دستورية
– – – ١ – – –
البين من القانون رقم ٥٣ لسنة ١٩٦٦ بإصدار قانون الزراعة، أنه نظم الثروة الزراعية ومكافحة آفاتها، ثم عرج للثروة الحيوانية لضمان تنميتها وحمايتها، وتناول فى الباب الثانى من الكتاب الثانى الصحة الحيوانية، وعرض فى الفصل الأول منه لمكافحة أمراض الحيوان، وفى الفصل الثانى للحجر البيطرى، وفى الفصل الثالث لذبح الحيوانات وسلخها وحفظ جلودها، وصدره بالمادة ١٣٦ التى تنص على أنه : ” لا يجوز فى المدن والقرى التى يوجد بها أماكن مخصصه رسميا للذبح أو مجازر عامة، ذبح أو سلخ الحيوانات المخصصة لحومها للاستهلاك العام خارج تلك الأماكن أو المجازر المعدة لذلك وتحديد هذه الأماكن بقرار من وزير الزراعة ” ثم أتبعها بالمادة ١٣٧ التى تخول وزير الزراعة أن يصدر القرارات المنفذة لأحكام هذا الفصل، ويوجه خاص :
“أ” ما تعلق منها بتحديد شرط ذبح الحيوانات ونقل لحومها ومخلفاتها، وعرضها للبيع، والرسوم التي تفرض على الزبح .
– – – ٢ – – –
إعمالا للتفويض التشريعي الذي تضمنه البند “أ” من المادة ١٣٧ من قانون الزراعية، أصدر وزير الزراعة والأمن الغذائي، والقرار رقم ٥١٧ لسنه ١٩٨٦ وبعد أن نص هذا القرار فى المادة ٢٣، على أن تضبط لحوم الحيوانات التي تذبح بالمخالفة لأحكام المواد ١٠٩، ١٣٦، ١٣٧ “أ” من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم ٥٣ لسنه ١٩٦٦، ويتم إعدامها إذا كانت غير صالحة للاستهلاك الآدمي، قضى فى الفقرة الثانية من المادة ٢٥، بأن تعتبر أجزاء الذبائح غير المختومة بخاتم المجزر الرسمي، والمعروضة للبيع، غير صالحة للاستهلاك الآدمي، ويتعين إعدامها .
– – – ٣ – – –
المصلحة الشخصية المباشرة _ وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية _ مناطها ارتباطها بالمصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازما للفصل فى الطلبات المرتبطة بها، والمطروحة المرتبطة بها، والمطروحة أمام محكمة الموضوع، متى كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن التهمة الثابتة التي نسبتها النيابة العامة إلى المتهم، تركيز فى أساسها على الفقرة الثانية من المادة ٢٥ من قرار وزير الزراعة والمن الغذائي رقم ٥١٧ لسنه ١٩٨٦ آنف البيان، وذلك فيما تقوم عليه من افتراض عدم صلاحية أجزاء الذبائح التي ضبط المدعى يعرضها للبيع، دون ختمها بخاتم المجزر الرسمي، للاستهلاك الآدمي ن فأن هذه الفقرة وحدها هي التي ينحصر فيها نطاق الطعن.
– – – ٤ – – –
إذ كانت مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها، من أولى المهام التى تقوم عليها الدولة تنفيذا لخدماتها الصحية التي الزمها الدستور بالوفاء بها وفقا لنص المادتين ١٦و ١٧، ويندرج تحت ذلك ضمان خلوها من الأمراض، والتحقق من توافر مواصفاتها الصحية التي تنفى عنها تلوثها أو فسادها ن وكذلك مراقبة المشتغلين بها سواء فى وسائل تصنيعها، أو عرضها وطرحها للبيع فقد فصل القانون رقم ١٠ لسنه ١٩٦٦ بشان مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها _ فى مادتيه الثانية والثالثة _ الأحوال التي تعتبر فيها الأغذية وتنظيم تداولها _ فى مادتيه الثانية والثالثة _ الأحوال التي تعتبر فيها الأغذية غير صالحة للاستهلاك الآدمي، سواء لإضرارها بالصحة أو فسادها أو تلفها ذلك أن الاستقراء أحكام هذا القانون، يدل على أن الأغذية لا تعتبر صالحة للاستهلاك الآدمي ألا فى الأحوال بذاتها حددها هذا القانون حصرا، وتناولها تفصيلا بالبيان ن فلا تكون الأغذية ضارة بالصحة، أو فاسدة، أو تالفة، إلا وفق عناصر موضوعية تقوم بهذه الأغذية ن أو تتصل بها، ويكون ثبوتها مانعا من تداولها، وقاطعا بانتفاء صلاحيتها لاستهلاكها آدميا .
– – – ٥ – – –
إذ كان المتهم ، قد قدم إلى المحاكمة الجنائية بوصف أنه عرض للبيع شيئا من أغذية الإنسان ” لحوم ” فاسدا مع عمله بذلك، وكان المحضر الذي حرره مأمور الضبط القضائى عن الواقعة محل الاتهام، يتضمن عرضة للبيع لحما ذبح خارج المجازر العامة، واعتبر لذلك غير صالح آدميا للتناول عملا بالفقرة الثانية من المادة ٢٥ من قرار وزير الزراعة رقم ٥١٧ لسنه ١٩٨٦ التي تنص على أن تعتبر أجزاء الذبائح غير المختومة بالخاتم الرسمة، والمعروضة للبيع، غير صالحة لاستهلاكها آدميا ، فغن حكم هذه الفقرة يكون منسحبا إلى أمرين، أولهما : أن اللحوم المعروضة للبيع تعتبر فاسدة لمجرد عدم ختمها بالخاتم الرسمي لأحد المجازر العامة ثانيهما ان عارضها يعلم بفسادها، بما مؤداه أن القرية القانونية التي تضمنها النص المطعون فيه، ولا تقوم على مجرد افتراض القصد الجنائي، بل تجاوز ذلك إلى افتراض مادية الأفعال التي تتكون الجريمة منها .
– – – ٦ – – –
إن الدستور هو القانون الأساسى الأعلى الذي يرسى القواعد والأصول التي تقوم عليها نظام الحكم، ويقرر الحريات والحقوق العامة، ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها، ويحدد لكل من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وظائفها وصلاحياتها، ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها، بما يحول دون تدخل أي منها فى أعمال السلطة الأخرى، أو مزاحمتها فى ممارستها اختصاصاتها التي ناطها الدستور بها .
– – – ٧ – – –
إذ اختصت السلطة التشريعية بسن القوانين وفقا للمادة ٨٦ مكن الدستور التي تقضى بان ” يتولى مجلس الشعب سلطة التشريع، ويقر السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، كما يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وذلك كله على الوجه المبين فى الدستور “، وكانت المادة ٦٦ من الدستور تنص على أنه ” لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ” وهو ما لا يعدو ان يكون توكيدا لما جرى عليه العمل من قيام المشرع بإسناد الاختصاص إلى السلطة التنفيذية بإصدار قرارات لائحية تحدد بها بعض جوانب التجريم والعقاب، وذلك فى الحدود التي يبينها القانون، ولاعتبارات يقتضيها الصالح العام وإذ تباشر السلطة التنفيذية هذا الاختصاص، فإن ملها لا يعتبر من قبيل اللوائح التفويضية المنصوص عليها فى المادة ١٠٨ من الدستور، ولا يندرج كذلك تحت اللوائح التنفيذية التي نظمتها المادة ١٤٤، وإنما يقوم هذا الاختصاص استنادا لنص المادة ٦٦ من الدستور، التي تعهد للسلطة التنفيذية بتحديد بعض جوانب التجريم والعقاب .
– – – ٨ – – –
إن الدستور _ فى اتجاهه إلى ترسم النظم المعاصرة، ومتابعة خطاها، والتقييد بمناهجها التقدمية _ نص فى المادة ٦٦، على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ن ولا عقاب إلا على الفعال اللاحقة لصدور القانون الذي ينص عليها، وكان الدستور قد دل بهذه المادة على أن لكل جريمة ركنا ماديا لا قوام لها بغيره، يتمثل أساسا فى فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي، مفصحا بذلك عن ان ما يركن إليه القانون الجنائي ابتداء _ فى واجره ونوهيه _ هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه، إيجابيا كان هذا الفعل أو سلبيا، ذلك أن العلائق التي ينظمها هذا القانون فى مجال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه، محورها الفعال ذاتها، فى علاماتها الخارجية، ومظاهرها الواقعية، وخصائصها المادية، إذ هي مناط التأثيم وعلته، وهى التي يتصور إثباتها ونفيها، وهى التي يتم التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها البعض ن وهى التي تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها، وتقدير العقوبة المناسبة لها بل إنه فى مجال تقدير توافر القصد الجنائي، فإن محكمة الموضوع لا تعزل نفسها عن الواقعة محل الاتهام التي قام الدليل عليها قاطعا واضحا، ولكنها تجيل بصرها فيها، منقبة من خلال عناصرها عما قصد إليه الجاني حقيقة من وراء ارتكابها ومن ثم تعكس هذه العناصر تعبيرا خارجيا وماديا عن إرادة واعية ولا يتصور بالتالي وفقا لأحكام الدستور، أن توجد جريمة فى غيبة ركنها المادى، ولا أن يقوم الدليل على توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم، والنتائج التي أحدثها، بعيدا عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه ولازم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية _ وليس النوايا التي يضمرها الإنسان فى أعماق ذاته _ تعتبر واقعة فى منطقة التجريم، كلما كانت تعكس سلوكا خارجيا مؤاخذا علية قانونا فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها، وتم التعبير عنها خارجيا فى صورة مادية لا تخطئها العين ، فليس ثمة جريمة .
– – – ٩ – – –
تحوط الدستور فى مادته السابعة والستين، للحق فى المحاكمة المنصفة بما تنص عليه من أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه وهو حق نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فى مادتيه العاشرة والحادية عشرة، التي تقرر أولاهما أن لكل شخص حقا مكتملا ومتكافئا مع غيره فى محاكمة علنية، ومنصفة، تقوم عليها محكمة مستقلة محايدة، تتولى الفصل فى حقوقه والتزاماته المدنية، أو فى التهمة الجنائية الموجهة إليه وتردد ثانيتهما فى فقرتها الأولى _ حق كل شخص وجهت إليه تهمة جنائية، فى أن تفترض براءته إلى أن تثبت إدانته فى محاكمة علنية، توفر له فيها الضمانات الضرورية لدفاعه وهذه الفقرة هي التي تستمد منها المادة ٦٧ من الدستور أصلها، وهى تردد قاعدة استقر العمل على تطبيقها فى الدول الديموقراطية، وتقع فى إطارها مجموعة من الضمانات الأساسية تكفل بتكاملها مفهوما للعدالة يتفق بوجه عام مع المقاييس المعاصرة المعمول بها فى الدول المتحضرة وهى بذلك تتصل بتشكيل المحكمة، وقواعد تنظيمها، وطبيعة القواعد الإجرائية المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها من الناحية العملية كما أنها تعتبر فى نطاق الاتهام الجنائي وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التي قضى الدستور فى المادة ٤١، بأنها من الحقوق الطبيعية التي لا يجوز الإخلال بها، أو تقييدها لأحكامه ولا يجوز بالتالي تفسير هذه القاعدة تفسيرا ضيقا، إذ هي ضمان مبدئي الرد العدوان عن حقوق المواطن وحرياته الأساسية، وهى التي تكفل تمتعه بها فى إطار من الفرص المتكافئة،ولأن نطاقها وغن كان لا يقتصر على الاتهام الجنائي، إنما يمتد إلى كل دعوى ولو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدينة، إلا أن المحاكمة المنصفة تعتبر أكثر لزوما فى الدعوى الجنائية، وذلك أيا كانت طبيعة الجريمة، وبغض النظر عن درجة خطورتها .
– – – ١٠ – – –
إن إدانة المتهم بالجريمة، إنما تعرضه لأخطر القيود على حريته الشخصية، وأكثرها تهديدا لحقه فى الحياة، وهى مخاطر لا سبيل إلى توقيها إلا على ضوء ضمانات فعلية توازن بين حق الفرد فى الحرية من ناحية، وحق الجماعة فى الدفاع عن مصالحها الأساسية من ناحية أخرى ويتحقق ذلك كلما كان الاتهام الجنائي معرفا بالتهمة، مبينا طبيعتها، مفصلا أدلتها، وكافة العناصر المرتبطة بها،وبمراعاة ان يكون الفصل فى هذا الاتهام عن طريق محكمة مستقلة ومحايدة ينشئها القانون، وأن تجرى المحاكمة علانية، وخلال مدة معقولة، وأن تستند المحكمة فى قرارها بالإدانة _ إذا خلصت إليها _ إلى موضوعية التحقيق الذى تجريه، وإلى عرض متجرد للحقائق، وإلى تقدير المحاكمة المنصفة بدونها ومن ثم كفلها الدستور فى المادة ٦٧، وقرنها بضمانتين تعتبران من مقوماتها، وتندرجان تحت مفهومها، هما افتراض البراءة من ناحية، وحق الدفاع لدحض الاتهام الجنائي من ناحية أخر وهو حق عززته المادة ٦٩ من الدستور بنصها على أن حق الدفاع بالأصالة أو بالوكالة مكفول .
– – – ١١ – – –
يكفل الدستور للحقوق التي نص عليها فى صلبة الحماية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية، وكان استيثاق المحكمة من مراعاة القواعد المنصفة آنفة البيان _ عند فصلها فى الاتهام الجنائي _ تحقيقا لمفاهيم العدالة حتى فى أكثر الجرائم خطورة، لا يعدو أن يكون ضمانه أولية لعدم المساس بالحرية الشخصية _ التي كفلها الدستور لكل مواطن _ بغير الوسائل القانونية التي يترخص أحد التقيد بها، والنزول عليها وكان افتراض براءة المتهم يمثل أصلا ثابتا يتعلق بالمتهمة الجنائية من ناحية إثباتها، وليس بنوع العقوبة المقررة لها، ويتحسب إلى الدعوى الجنائية في جميع مراحلها ،فقد غدا من الحتم أن يرتب الدستور علي افتراض البراءة، عدم جواز نقضها بغير الأدلة الجازمة التي تخلص غليها محكمة الموضوع، وتتكون من جماعها عقيدتها .
ولازم ذلك أن تطرح هذه الأدلة عليها، وان تقول هي وحدها كلمتها فيها وألا تفرض عليها أى جهة أخرى مفهوما محددا لدليل بعينه، وان يكون مرد المر دائما إلى ما استخلصته هي من وقائع الدعوى، وحصلته من أوراقها، غير مقيدة بوجهة نظر النيابة العامة أو الدفاع بشأنها .
– – – ١٢ – – –
تتمثل ضوابط المحاكمة المنصفة فى مجموعة من القواعد المبدئية التي تعكس مضامينها نظام متكامل الملامح ن يتوخى بالأسس التي يقوم عليها صون كرامة الإنسان وحماية حقوقه الأساسية، ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها وذلك انطلاقا من إيمان المم المتحضرة بحرمة الحياة الخاصة، وبوطأة القيود التي تنال من الحرية الشخصية، ولضمان أن تتقيد الدولة عن مباشرتها لسلطاتها لا فى مجال فرض العقوبة صونا للنظام الاجتماعي بالأغراض النهائية لقوانين العقابية، التي ينافيها أن تكون إدانة المتهم هدفا مقصودا لذاته، أو أن تكون القواعد التي تتم محاكمته على ضوئها، مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة ويجب بالتالي أن تلتزم هذه القواعد مجموعه من القيم التي تكفل لحقوق المتهم الحد المدني من الحماية التي لا يجوز النزول عنها، أو، الانتقاص منها وهذه القواعد _ وإن كانت إجرائية فى الأصل _ إلا ان تطبيقها فى مجال الدعوى الجنائية _ وعلى امتداد مراحلها _ يؤثر بالضرورة على محصلتها النهائية النهائية، ويندرج تحتها أصل البراءة كقاعدة أولية تفرضها الفطرة، وتوجبها حقائق الأشياء، وهى بعد قاعدة حرص الدستور على إبرازها فى المادة ٦٧، مؤكدا بمضمونها ما قررته المادة ١١من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ما سلف بيانه، والمادة السادسة من الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان .
– – – ١٣ – – –
إن أصل البراءة يمتد إلى كل فرد سواء أكان مشتبها فيه، أو متهما، باعتباره قاعدة أساسية فى النظام الاتهامى أقرتها الشرائع جميعها، لا لتكفل بموجبها حماية المذنبين، وإنما لتدرأ بمقتضاها العقوبة عن الفرد، إذا كانت التهمة الموجهة إلية قد أحاطتها الشبهات بما يحول دون التيقن من مقارفة المتهم للواقعة محل الاتهام ذلك أن الاتهام الجنائي فى ذاته لا يزحزح أصل البراءة الذى يلازم الفرد دوما ولا يزايله، سواء فى مرحلة ما قبل المحاكمة، أو أثنائها وعلى امتداد حلقاتها، وأيا كان الزمن الذى تستغرقه إجراءاتها ولا سبيل بالتالي لدحض أصل البراءة بغير أدلة التي تبلغ قوتها الإقناعية مبلغ الجزم واليقين، بما لا يدع مجالا معقولا لشبهة انتفاء التهمة، وبشرط ان تكون دلالتها قد استقرت حقيقتها بحكم قضائى استنفذ طرق الطعن فيه، وصار باتا .
– – – ١٤ – – –
إن افتراض البراءة لا يتمحض عن قرينة قانونية، ولا هو من صورها، ذلك أن القرينة تقوم على تحويل للإثبات من محله الأصلي ممثلا فى الواقعة مصدر الحق المدعى به، إلى واقعة أخرى قريبة منها متصلة بها وهذه الواقعة البلدية، هي التي تعتبر إثباتها للواقعة الولى بحكم القانون وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى البراءة التي افترضها الدستور فليس ثمة واقعة أحلها الدستور محل واقعة أخرى أقامها بديلا عنها Innocence is more properly called an assumption as opposed to a presumption . It does not rest on any other proved facts, it is assumed وغنما يؤسس افتراض البراءة على الفطرة التي جبل الإنسان عليها، فقد ولد حرا مبرئا من الخطيئة أو المعصية ويفترض على امتداد مراحل حياته، ان أصل البراءة لازال كامنا فيه، مصاحبا له فيما يأتيه من أفعال، إلى أن تقتض محكمة الموضوع هذا الافتراض، بقضاء جازم يصدر على ضوء الأدلة التي تقدمها النيابة العامة مثبته بها الجريمة التي نسبتها إليه فى كل ركن من أركانها، وبالنسبة إلى كل واقعة ضرورية لقيامها، بما فى ذلك واقعة ضرورية لقيامها
بما فى ذلك القصد الجنائي بنوعية إذا كان متطلبا فيها وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة، إذ هو من الركائز التي يستند إليها مفهوم المحاكمة المنصفة التي كفلها الدستور، ويعكس قاعدة مبدئية تعتبر فى ذاتها مستعصية على الجدل، واضحة وضوح الحقيقة ذاتها، تقتضيها الشرعية الإجرائية، ويعتبر إنفاذها مفترضا أوليا لإرادة العدالة الجنائية، ويتطلبها الدستور لصون الحرية الشخصية فى مجالاتها الحيوية، وليوفر من خلالها لكل فرد، الأمن فى مواجهة التحكم والتسلط والتحامل، بما يحول دون اعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل، وبما يرد المشرع عن افتراض ثبوتها بقرينة قانونية بنشؤها .
– – – ١٥ – – –
إن افتراض البراءة لا يتمحض عن قرينة قانونية، ولا هو من صورها، ذلك أن القرينة تقوم على تحويل للإثبات من محله الأصلي ممثلا فى الواقعة مصدر الحق المدعى به، إلى واقعة أخرى قريبة منها متصلة بها وهذه الواقعة البلدية، هي التي تعتبر إثباتها للواقعة الولى بحكم القانون وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى البراءة التي افترضها الدستور فليس ثمة واقعة أحلها الدستور محل واقعة أخرى أقامها بديلا عنها Innocence is more properly called an assumption as opposed to a presumption . It does not rest on any other proved facts, it is assumed وغنما يؤسس افتراض البراءة على الفطرة التي جبل الإنسان عليها، فقد ولد حرا مبرئا من الخطيئة أو المعصية ويفترض على امتداد مراحل حياته، ان أصل البراءة لازال كامنا فيه، مصاحبا له فيما يأتيه من أفعال، إلى أن تقتض محكمة الموضوع هذا الافتراض، بقضاء جازم يصدر على ضوء الأدلة التي تقدمها النيابة العامة مثبته بها الجريمة التي نسبتها إليه فى كل ركن من أركانها، وبالنسبة إلى كل واقعة ضرورية لقيامها، بما فى ذلك واقعة ضرورية لقيامها
بما فى ذلك القصد الجنائي بنوعية إذا كان متطلبا فيها وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة، إذ هو من الركائز التي يستند إليها مفهوم المحاكمة المنصفة التي كفلها الدستور، ويعكس قاعدة مبدئية تعتبر فى ذاتها مستعصية على الجدل، واضحة وضوح الحقيقة ذاتها، تقتضيها الشرعية الإجرائية، ويعتبر إنفاذها مفترضا أوليا لإرادة العدالة الجنائية، ويتطلبها الدستور لصون الحرية الشخصية فى مجالاتها الحيوية، وليوفر من خلالها لكل فرد، الأمن فى مواجهة التحكم والتسلط والتحامل، بما يحول دون اعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل، وبما يرد المشرع عن افتراض ثبوتها بقرينة قانونية بنشؤها .
– – – ١٦ – – –
إن الدستور _ إعلاء من جهة لدور الملكية الخاصة، وتوكيدا لإسهامها فى صون المن الاجتماعي _ كفل حمايتها _ فى المادتين ٣٢و٣٤ _ لكل فرد وطنيا كان أم أجنبيا _ ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود التي يقتضيها تنظيمها، باعتبارها عائده _ فى الأعم من الأحوال _ إلى جهد صاحبها، بذل من اجلها الوقت والعرق والمال، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها، وأحاطها بما قدره ضروريا لصونها، مبعدا بها الطريق إلى التقدم ن كافلا للتنمية أهم أدواتها، محققا من خلالها إرادة الإقدام، هاجعا إليها لتوفر ظروفا أفضل لحرية الاختيار والتقرير، مطمئنا فى كنفها إلى يوما وغده، مهيمنا عليها ليختص دون غيره بثمارها ومنتجاتها، فلا يرده عنها معتد، ولا يناجز سلطة فى شانها خصي ليس بيده سند ناقل لها، وليعتصم بها من دون الآخرين، وليلتمس من الدستور وسائل حمايتها التي تعينها على أداء دورها، وتقيها تعرض الغيار لها سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها ولم يعد جائزا بالتالي أن ينال المشرع من عناصرها، ولا ان يغير من طبيعتها، أو يجردها من لوازمها، ولا أن يفصلها عن أجزائها، أو يدمر أصلها ن أو يقيد من مباشرة الحقوق التي تتفرع عنها فى غير ضرورة تقتضيها الاجتماعية ودون ذلك تفقد الملكية ضماناتها الجوهرية، ويكون العدوان عليها غصبا، وافتئاتا على كيانها أدخل إلى مصادرتها وبقدر اتساع قاعدة الملكية تتعدد روافدها، وتنوع استخداماتها، لتشكل نهرا يتدفق بمصادر الثروة القومية التي لا يجوز إهدارها، أو التفريط فيها أو بعثرتها تبديدا لقيمتها، ولا تنظيمها بما يخل بالتوازن بين نطاق حقوق الملكية المقررة عليها وضرورة تقييدها نأيا عن الانتهاز، أو الإضرار بحقوق الآخرين وذلك إن الملكية _ فى إطار النظم الوضعية التي تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة – لم تعد حقا مطلقا، ولا هي عصية على التنظيم التشريعي لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التي تتطلبها وظيفتها الاجتماعية وهى وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ ن ولا يفرض نفسها تحكما، بل تمليها طبيعة الموال محل الملكية، والأغراض التي ينبغي رصدها عليها، محددة على ضوء وأقع اجتماعي معين بيئة بذاتها لها لا توجهاتها ومقوماتها، وبمراعاة أن القيود التي يفرضها الدستور على حق الملكية للحد من إطلاقها، لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير الفرد والجماعة .
– – – ١٧ – – –
الجريمة محل الاتهام من الجرائم العمدية، التي يتعين أن يكون الدليل على توافر عناصرها جميعها يقينيا لا ظنيا، أو افتراضيا، وكان الاختصاص المقرر دستوريا للسلطة التشريعية فى مجال إنشاء الجرائم، وتقدير عقوباتها، لا يخولها التدخل بالقرائن التي تنشئها لغل يد محكم الموضوع عن القيام بمهمتها الأصلية فى مجال التحقيق من قيام أركان الجريمة التي عينها المشرع إعمالا لمبدأ الفصل بين السلطة التشريعية والتنفيذية، وكان الأصل فى القرائن القانونية _ قاطعة كانت ام غير قاطعة _ هو أنها عمل المشرع، إذا يحدد مضمونها على ضوء ما يكون فى تقديره معبرا عما يقع غالبا فى الحياة العملية I, idee probability, وكانت القرينة التي أنشأها النص المطعون فيه _ حتى بافتراض جواز الاحتجاج بالقرائن القانونية فى المجال الجنائي _ لا تعتبر كذلك ذلك أن الأصل فى الذبائح هو خلوها من أمراضها أو مما يخرجها بوجه عام عن طبيعتها والمر العارض هو انتفاء سلامتها وتعييبها ولا يكون ذلك إلا بالوسائل العملية وحدها يباشرها أهل الخبرة المتخصصون وما ذلك إلا حملا على قاعدة أصولية ثابتة مفادها أن الأصل فى الصفات العارضة العدم وقد نقض المشرع بالقرينة التي أحداثها ما يفترض أصلا فى الذبائح، وهو صلاحية استهلاكية آدميا وكان يجب على النيابة العامة – وهى تدعى خلاف الأصل _ ان تقيم الدليل على ادعائها، إلا أن النص المطعون فيه أعفاها من التزامها هذا، وأحلها كذلك من التدليل على توافر القصد الجنائي فى الجريمة محل الاتهام، منحيا بذلك محكمة الموضوع عن تحقيق أركانها، وهو ما يعد انتحالا تشريا لاختصاص مخول للسلطة القضائية، وإهدارا لافتراض البراءة من المتهمة التي نسبتها النيابة العامة إلى المتهم، فى كل وقائعها وعناصرها وإخلالا بالحرية الشخصية التي اعتبرها الدستور حقا طبيعيا لكل إنسان .
– – – ١٨ – – –
الجريمة محل الاتهام من الجرائم العمدية، التي يتعين أن يكون الدليل على توافر عناصرها جميعها يقينيا لا ظنيا، أو افتراضيا، وكان الاختصاص المقرر دستوريا للسلطة التشريعية فى مجال إنشاء الجرائم، وتقدير عقوباتها، لا يخولها التدخل بالقرائن التي تنشئها لغل يد محكم الموضوع عن القيام بمهمتها الأصلية فى مجال التحقيق من قيام أركان الجريمة التي عينها المشرع إعمالا لمبدأ الفصل بين السلطة التشريعية والتنفيذية، وكان الأصل فى القرائن القانونية _ قاطعة كانت ام غير قاطعة _ هو أنها عمل المشرع، إذا يحدد مضمونها على ضوء ما يكون فى تقديره معبرا عما يقع غالبا فى الحياة العملية I, idee probability, وكانت القرينة التي أنشأها النص المطعون فيه _ حتى بافتراض جواز الاحتجاج بالقرائن القانونية فى المجال الجنائي _ لا تعتبر كذلك ذلك أن الأصل فى الذبائح هو خلوها من أمراضها أو مما يخرجها بوجه عام عن طبيعتها والمر العارض هو انتفاء سلامتها وتعييبها ولا يكون ذلك إلا بالوسائل العملية وحدها يباشرها أهل الخبرة المتخصصون وما ذلك إلا حملا على قاعدة أصولية ثابتة مفادها أن الأصل فى الصفات العارضة العدم وقد نقض المشرع بالقرينة التي أحداثها ما يفترض أصلا فى الذبائح، وهو صلاحية استهلاكية آدميا وكان يجب على النيابة العامة – وهى تدعى خلاف الأصل _ ان تقيم الدليل على ادعائها، إلا أن النص المطعون فيه أعفاها من التزامها هذا، وأحلها كذلك من التدليل على توافر القصد الجنائي فى الجريمة محل الاتهام، منحيا بذلك محكمة الموضوع عن تحقيق أركانها، وهو ما يعد انتحالا تشريا لاختصاص مخول للسلطة القضائية، وإهدارا لافتراض البراءة من المتهمة التي نسبتها النيابة العامة إلى المتهم، فى كل وقائعها وعناصرها وإخلالا بالحرية الشخصية التي اعتبرها الدستور حقا طبيعيا لكل إنسان .
– – – ١٩ – – –
من المقرر كذلك أن افتراض البراءة يقترن دائما من الناحية الدستورية _ ولضمان فعاليته – بوسائل إجرائية إلزامية، تعتبر من زاوية دستورية وثيقة الصلة بالحق فى الدفاع، من بينها حق المتهم فى مواجهة الأدلة التي طرحتها النيابة العامة إثباتا للجريمة، وكذلك الحق فى نفيها بأدلة النفى التي يقدمها، وكان النص المطعون فيه قد أدخل بهذه الوسائل الإجرائية، وذلك بأن جعل المتهم مواجها بواقعة أثبتتها القرينة فى حقه دون دليل يظاهرها، ومكلفا بنفيها خلافا للأصل فى الأشياء، وبما يناقض افتراض البراءة ويجرده عملا، ويخل بضمانه الدفاع آلتي لا يجوز فى غيابها تحقيق الواقعة محل الاتهام الجنائي، أو إدانة المتهم عنها، وكان النص المطعون فيه، فوق هذا، قد حتم إعدام الذبائح التي اعتبرها ” حكما ” فاسدة أو تالفة أو مضرة بالصحة، وهو ما يعد عدوانا منه على حق الملكية الخاصة التي كفل الدستور صونها.
بعد الاطلاع علي الأوراق ، والمداولة٠ حيث إن الوقائع – علي ما يبين من صحيفة الدعوي وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعي كان قد ضبط بتاريخ ١٣ يونيو سنة ١٩٩١ بدائرة قسم ثان طنطا ، يعرض لحم بقر ذبح خارج المجازر العامة ، واعتبر لذلك غير صالح للاستهلاك الأدمي وفقا للمادة ٢٥ من القرار الوزاري رقم ٥١٧ لسنة ١٩٨٦ بشأن ذبح الحيوانات وتجارة اللحوم ٠ فأحالته النيابة العامة إلي المحاكمة الجنائية ، طالبة عقابه لارتكابه جريمتين ” أولاهما ” ذبحه حيوانات مخصص لحومها للاستهلاك الآدمي خارج المجازر العامة المخصصه للذبح ، وثانيتهما عرضه للبيع شيئا من أغذية الإنسان ( لحوم ) فاسدا مع علمه بذلك ” ، فقضي غيابيا بمعاقبته – عما نسب إليه – بالحبس سته أشهر والنشر في صحيفتين يوميتين علي نفقته والمصادره ، فطعن في هذا الحكم بطريق المعارضة التي قضي بقبولها شكلا وفي الموضوع برفضها وتأييد الحكم المعارض فيه ٠وقد استأنف هذا الحكم ، وقضي غيابيا بسقوط الحق في الاستئناف ، فعارض في هذا الحكم الأخير، ودفع بعدم دستورية نص المادة ٢٥ من القرار الوزاري المشارإليه ٠ وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه ، وصرحت له بالطعن بعدم الدستورية ، فقد أقام الدعوي الماثلة٠ وحيث إن المادة ٢٥ من قرار نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة والأمن الغذائي رقم ٥١٧ لسنة ١٩٨٦ بشأن ذبح الحيوانات وتجارة اللحوم ، تنص علي أنه : فقرة أولي << يحظر أن تعرض أو تباع لحوم أو أجزاء أو أعضاء أوأحشاء أو دهون الحيوانات المريضة أوالتالفة غيرالصالحة للاستهلاك الآدمي >>٠ فقرة ثانية <<وتعتبر أجزاء الذبائح ، الغيرمختومة بخاتم المجزر الرسمي، والمعروضة للبيع ، غيرصالحة للاستهلاك الآدمي ، ويتعين إعدامها >>. وحيث إن المدعي ينعي علي الفقرة الثانية من المادة ٢٥ المطعون عليها ، افتراضها عدم صلاحية أجزاء الذبائح المعروضة للبيع – وغير المختومة بخاتم المجزر الرسمي – للاستهلاك الآدمي ، وكذلك افتراض علم عارضها للبيع بفسادها وبذلك يكون هذا النص قد مس الحرية الشخصية ، وإهدر افتراض البراءه ، وأخل بحق الدفاع ، وجاوز حدود ولاية المشرع ، ونقض استقلال السلطة القضائية ومبدأ الفصل بين السلطات ، مما يصم هذا النص بمخالفته أحكام المواد ٤١ و ٦٧و ٦٩و ٨٦ و ١٦٥ من الدستور٠ وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوي الدستورية – مناطها ارتباطها بالمصلحة القائمة في الدعوي الموضوعية ، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها ، والمطروحة أمام محكمة الموضوع ٠ متي كان ذلك ، وكان الثابت من الأوراق أن التهمة الثانية التي نسبتها النيابة العامة إلي المتهم ، ترتكز في أساسها علي الفقرة الثانية من المادة ٢٥ من قرار وزير الزراعة والأمن الغذائي رقم ٥١٧ لسنة ١٩٨٦ آنف البيان ، وذلك فيما تقوم عليه من افتراض عدم صلاحية أجزاء الذبائح التي ضبط المدعي يعرضها للبيع دون ختمها بخاتم المجزر الرسمي ، للاستهلاك الآدمي ، فإن هذه الفقرة وحدها هي التي ينحصر فيها نطاق الطعن٠ وحيث إن مراقبة الاغذية وتنظيم تداولها من أولي المهام التي تقوم عليها الدولة تنفيذا لخدماتها الصحية التي ألزمها الدستور بالوفاء بها وفقا لنص المادتين ١٦و١٧ ويندرج تحت ذلك ضمان خلوها من الأمراض ، والتحقق من توافرمواصفاتها الصحية التي تنفي عنها تلوثها أو فسادها ، وكذلك مراقبة المشتغلين بها سواء في وسائل تصنيعها ، أو نقلها أو عرضها وطرحها للبيع ٠ ومن ثم فصل القانون رقم ١٠ لسنة ١٩٦٦ بشأن مراقبة الاغذية وتنظيم تداولها – في مادتيه الثانية والثالثة – الأحوال التي تعتبر فيها الأغذية غير صالحه للاستهلاك الآدمي ، سواء لإضرارها بالصحة أو فسادها أو تلفها. وعملا بالمادة ٤ من هذا القانون ، تعتبر الأغذية ضارة بالصحة في الأحوال الآتية:
(١) إذا كانت ملوثه بميكروبات أو طفيليات من شأنها إحداث المرض بالانسان .
(٢) إذا كانت تحتوي علي مواد سامة تحدث ضررا لصحة الانسان إلا في الحدود المقرره بالمادة ١١.
(٣) إ ذا تداولها شخص ، مريض بأحد الأمراض المعدية التي تنتقل عدواها إلي الإنسان عن طريق الغذاء او الشراب أو حامل لميكروباتها ، وكانت هذه الاغذية معرضة للتلوث .
(٤) إذا كانت ناتجة من حيوان مريض بأحد الأمراض التي تنتقل إلي الإنسان أو من حيوان نافق .
(٥) إذا امتزجت بالأتربة أو بالشوائب بنسبة تزيد علي النسب المقررة ، أوكان يستحيل تنقيتها منها.
(٦) إذا احتوت علي مواد ملوثه أو مواد حافظة أو أية مواد أخري محظور استعمالها .
(٧) إذا كانت عبواتها أو لفائفها ، تحتوي علي مواد ضارة بالصحة. وتنص المادة ٥ من هذا القانون علي أن تعتبر الأغذية فاسدة أو تالفة إذا تغير تركيبها أو خواصها الطبيعية من حيث طعمها أو رائحتها أو مظهرها نتيجه تحليلها كيماويا أو ميكروبيا . وكذلك إذا انتهي التاريخ المحدد لاستعمالها ، أو احتوت علي يرقات أو ديدان أو حشرات أو فضلات أو مخلفات حيوانية٠ وحيث إن البين كذلك من القانون رقم ٥٣ لسنة ١٩٦٦بإصدار قانون الزراعة، أنه نظم الثروة الزراعية ومكافحة آفاتها، ثم عرج للثروة الحيوانية لضمان تنميتها وحمايتها ، وتناول في الباب الثاني من الكتاب الثاني الصحه الحيوانية ، وعرض في الفصل الأول منه لمكافحه أمراض الحيوان ، وفي الفصل الثاني للحجر البيطري ، وفي الفصل الثالث لذبح الحيوانات وسلخها وحفظ جلودها ، وصَدَّره بالماده ١٣٦ التي تنص علي أنه: <<لايجوز في المدن والقري التي يوجد بها أماكن مخصصة رسميا للذبح أو مجازر عامة ، ذبح أو سلخ الحيوانات المخصصة لحومها للاستهلاك العام خارج تلك الاماكن أو المجازر المعدة لذلك . وتحدد هذه الأماكن بقرار من وزير الزراعة >> ثم أتبعها بالمادة ١٣٧ التي تخول وزير الزراعة أن يصدر القرارات المنفذة لأحكام هذا الفصل ، وبوجه خاص : (أ) ما تعلق منها بتحديد شرط ذبح الحيوانات ونقل لحومها ومخلفاتها وعرضها للبيع والرسوم التي تفرض علي الذبح٠ وتنص المادة ١٣٩ من هذا القانون علي أن لمأمور الضبط القضائي ضبط لحوم الحيوانات التي تذبح بالمخالفة للمادة ١٣٦ أو البند (أ) من المادة ١٣٧ ٠٠٠ فاذا تبين عدم صلاحيتها للاستهلاك ، وجب إعدامها٠ وحيث إنه بناء علي التفويض التشريعي الذي تضمنه البند (أ) من المادة ١٣٧ من قانون الزراعة ، صدر قرار وزير الزراعة والأمن الغذائي رقم ٥١٧ لسنة ١٩٨٦ المشار إليه٠ وبعد أن نص هذا القرار في المادة ٢٣ منه علي أن تضبط لحوم الحيوانات التي تذبح بالمخالفة لاحكام المواد ١٠٩ و ١٣٦ و١٣٧ ( أ) من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم ٥٣ لسنة ١٩٦٦ ويتم إعدامها إذا كانت غير صالحة للإستهلاك الآدمي فاذا كانت صالحة وجب بيعها علي أن يودع ثمن بيعها في أقرب خزينة لحساب الهيئة العامة للخدمة البيطريه ولا يرد لصاحبها الا بعد ثبوت براءته من التهمه الموجهة إليه ، قضي في الفقرة الثانية من المادة ٢٥ بأن تعتبر أجزاء الذبائح غير المختومة بخاتم المجزرالرسمي، والمعروضة للبيع ، غير صالحة للاستهلاك الآدمي ، ويتعين إعدامها٠ وحيث إن البين من أحكام القانون رقم ١٠ لسنة ١٩٦٦ بشأن مراقبة الاغذية وتنظيم تداولها ، أن الاغذية لا تعتبر صالحة للاستهلاك الآدمي إلا في أحوال بذاتها حددها هذا القانون حصرا ، وتناولها تفصيلا بالبيان ، فلا تكون الأغذية ضارة بالصحة أوفاسدة أو تالفة إلاوفق عناصر موضوعية تقوم بهذه الأغذية ، أو تتصل بها ، ويكون ثبوتها مانعا من تداولها، وقاطعا بانتفاء صلاحيتها لاستهلاكها آدميا . إذ كان ذلك ، وكان المتهم قد قدم إلي المحاكمة الجنائية لعرضه للبيع شيئا من أغذيه الإنسان ( لحوم ) فاسدا مع علمه بذلك ، وكان المحضرالذي حرره مأمورو الضبط القضائي عن الواقعة محل الاتهام ، يتضمن عرضه للبيع لحما ذبح خارج المجازر العامة ، واعتبر لذلك غير صالح آدميا للتناول عملا بالفقرة الثانية من المادة ٢٥ من قرار وزير الزراعة رقم ٥١٧ لسنة ١٩٨٦ التي تنص علي أن تعتبر أجزاء الذبائح غير المختومة بالخاتم الرسمي ، والمعروضة للبيع ، غير صالحة لاستهلاكها آدميا ، فإن حكم هذه الفقرة يكون منسحبا إلي أمرين ، أولهما أن اللحوم المعروضة للبيع تعتبر فاسدة لمجرد عدم ختمها بالخاتم الرسمي لأحد المجازر العامة . ثانيهما أن عارضها يعلم بفسادها، بما مؤداه أن القرينة القانونية التي تضمنها النص المطعون فيه لا تقوم علي مجرد افتراض القصد الجنائي ، بل تجاوز ذلك إلي افتراض مادية الأفعال التي تتكون الجريمة منها. وحيث إن الدستور هو القانون الأساسي الأعلي الذي يرسي القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ، ويقرر الحريات والحقوق العامة ، ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها ، ويحدد لكل من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وظائفها وصلاحيتها،ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها بما يحول دون تدخل أي منها في أعمال السلطة الأخري ، أو مزاحمتها في ممارسة اختصاصاتها التي ناطها الدستور بها. وحيث إن الدستور اختص السلطة التشريعية بسن القوانين وفقا لأحكامه ، فنص في المادة ٨٦ علي أن << يتولي مجلس الشعب سلطة التشريع ، ويقر السياسة العامة للدولة ، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، والموازنة العامة للدولة ، كما يمارس الرقابة علي أعمال السلطة التنفيذية ، وذلك كله علي الوجه المبين في الدستور>> ونصت المادة ٦٦ من الدستور علي انه ” لا جريمة ولا عقوبة الا بناء علي قانون ” وهو ما لا يعدو أن يكون توكيدا لما جري عليه العمل من قيام المشرع بإسناد الاختصاص إلي السلطة التنفيذية بإصدار قرارات لائحية تحدد بها بعض جوانب التجريم والعقاب ،وذلك في الحدود التي يبينها القانون ولاعتبارات يقتضيها الصالح العام. وإذ يعهد المشرع إلي السلطة التنفيذية بهذا الاختصاص ، فإن عملها لا يعتبر من قبيل اللوائح التفويضية المنصوص عليها في المادة ١٠٨ من الدستور ، ولا يندرج كذلك تحت اللوائح التنفيذية التي نظمتها المادة ١٤٤ منه ، وإنما يقوم هذا الاختصاص علي تفويض بالتشريع استنادا لنص المادة ٦٦ من الدستورلتحديد بعض جوانب التجريم والعقاب . ومن جهة أخري فقد عهد الدستور إلي السلطة القضائىة بالفصل في المنازعات والخصومات علي النحو المبين في الدستور، فنص في المادة ١٦٥ علي أن <<السلطة القضائية مستقلة ، وتتولاها المحاكم علي اختلاف أنواعها ودرجاتها ، وتصدر أحكامها وفق القانون >>. وحيث إن الدستور – في اتجاهه إلي ترسم النظم المعاصرة ، ومتابعة خطاها ، والتقيد بمناهجها التقدمية – نص في المادة ٦٦منه علي أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي قانون، ولا عقاب إلا علي الأفعال اللاحقة لصدور القانون الذي ينص عليها، وكان الدستور قد دل بهذه المادة علي أن لكل جريمة ركنا ماديا لاقوام لها بغيره يتمثل أساسا في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي ، مفصحا بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائي ابتداء – في زواجره ونواهيه – هو مادية الفعل المؤاخذ علي ارتكابه ، إيجابيا كان هذا الفعل أم سلبيا ، ذلك أن العلائق التي ينظمها هذا القانون في مجال تطبيقه علي المخاطبين بأحكامه ، محورها الأفعال ذاتها ، في علاماتها الخارجيه ، ومظاهرها الواقعية ، وخصائصها المادية ، إذ هي مناط التأثيم وعلته ، وهي التي يتصور إثباتها ونفيها ، وهي التي يتم التمييز علي ضوئها بين الجرائم بعضها البعض ، وهي التي تديرها محكمة الموضوع علي حكم العقل لتقييمها، وتقدير العقوبة المناسبة لها . بل إنه في مجال تقدير توافر القصد الجنائي ، فإن محكمة الموضوع لا تعزل نفسها عن الواقعة محل الاتهام التي قام الدليل عليها قاطعا واضحا ، ولكنها تجيل بصرها فيها ، منقبة من خلال عناصرها عما قصد إليه الجاني حقيقة من وراء إرتكابها .ومن ثم تعكس هذه العناصر تعبيرا خارجيا وماديا عن إرادة واعية . ولا يتصور بالتالي وفقا لأحكام الدستور أن توجد جريمة في غيبة ركنها المادي ، ولا إقامة الدليل علي توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم ، والنتائج التي أحدثها بعيدا عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه .ولازم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية – وليس النوايا التي يضمرها الإنسان في أعماق ذاته – تعتبر واقعة في منطقة التجريم كلما كانت تعكس سلوكا خارجيا مؤاخذا عليه قانونا . فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها ، وتم التعبير عنها خارجيا في صورة مادية لا تخطئها العين ، فليس ثمة جريمة . وحيث إن اختصاص السلطة التشريعية بإقرار القواعد القانونية ابتداء ، أو تفويض السلطة التنفيذية في إصدارها في الحدود التي بينها الدستور ، لا يخول أيتهما التدخل في أعمال أسندها الدستور إلي السلطة القضائية وقصرها عليها ، وإلا كان هذا افتئاتا علي ولايتها، وإخلالا بمبدأ الفصل بين السلطات. وحيث إن الدستور كفل في مادته السابعة والستين الحق في المحاكمة المنصفة بما تنص عليه من أن المتهم بريء حتي تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه. وهو حق نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادتيه العاشرة والحادية عشرة التي تقرر أولاهما أن لكل شخص حقا مكتملا ومتكافئا مع غيره في محاكمة علنية ، ومنصفة ، تقوم عليها محكمة مستقلة محايدة ، تتولي الفصل في حقوقه والتزاماته المدنية ، أو في التهمة الجنائية الموجهة إليه. وتردد ثانيتهما في فقرتها الأولي حق كل شخص وجهت إليه تهمة جنائية ، في أن تفترض براءته إلي أن تثبت إدانته في محاكمة علنية توفر له فيها الضمانات الضرورية لدفاعه . وهذه الفقرة هي التي تستمد منها المادة ٦٧ من الدستور أصلها ، وهي تردد قاعدة استقر العمل علي تطبيقها في الدول الديموقراطية ، وتقع في إطارها مجموعة من الضمانات الاساسية تكفل بتكاملها مفهوما للعدالة يتفق بوجه عام مع المقاييس المعاصرةالمعمول بها في الدول المتحضرة .وهي بذلك تتصل بتشكيل المحكمة وقواعد تنظيمها وطبيعة القواعد الإجرائية المعمول بها أمامها وكيفية تطبيقها من الناحية العملية. كما إنها تعتبر في نطاق الإتهام الجنائي وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التي قضي الدستور في المادة ٤١ بأنها من الحقوق الطبيعية التي لا يجوز الإخلال بها أو تقييدها بالمخالفة لأحكامه. ولا يجوز بالتالي تفسير هذه القاعدة تفسيرا ضيقا ، إذ هي ضمان مبدئي لرد العدوان عن حقوق المواطن وحرياته الأساسية، وهي التي تكفل تمتعه بها في إطار من الفرص المتكافئة ، ولأن نطاقها وإن كان لا يقتصر علي الاتهام الجنائي ، وإنما يمتد إلي كل دعوي ولو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية ، إلا أن المحاكمة المنصفة تعتبر أكثر لزوما في الدعوي الجنائية ، وذلك أيا كانت طبيعة الجريمة ، وبغض النظر عن درجة خطورتها . وعلة ذلك أن إدانة المتهم بالجريمة إنما تعرضه لأخطر القيود علي حريته الشخصية وأكثرها تهديدا لحقه في الحياة ، وهي مخاطر لا سبيل إلي توقيها إلا علي ضوءضمانات فعلية توازن بين حق الفرد في الحرية من ناحية ، وحق الجماعة في الدفاع عن مصالحها الاساسية من ناحية أخري . ويتحقق ذلك كلما كان الإتهام الجنائى معرفا بالتهمة ، مبينا طبيعتها ، مفصلا أدلتها وكافة العناصر المرتبطة بها ، وبمراعاة أن يكون الفصل في هذا الاتهام عن طريق محكمة مستقلة ومحايدة ينشئها القانون ، وأن تجري المحاكمة علانية ، وخلال مدة معقولة ، وأن تستند المحكمة في قرارها بالإدانة – إذا خلصت إليها – إلي موضوعية التحقيق الذي تجريه ، وإلي عرض متجرد للحقائق ، وإلي تقدير سائغ للمصالح المتنازعة . وتلك جميعها من الضمانات الجوهرية التي لا تقوم المحاكمة المنصفة بدونها .ومن ثم كفلها الدستور في المادة ٦٧ ، وقرنها بضمانتين تعتبران من مقوماتها ، وتندرجان تحت مفهومها ، هما افتراض البراءة من ناحية ، وحق الدفاع لدحض الاتهام الجنائي من ناحية أخري .وهو حق عززته المادة٦٩من الدستور بنصها علي أن حق الدفاع بالأصالة أو بالوكالة مكفول٠ وحيث إن الدستور يكفل للحقوق التي نص عليها في صلبه الحماية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية ، وكان استيثاق المحكمة من مراعاة القواعد المنصفة آنفة البيان عند فصلها في الاتهام الجنائي، تحقيقا لمفاهيم العدالة حتي في اكثر الجرائم خطورة ، لا يعدو أن يكون ضمانة أولية لعدم المساس بالحرية الشخصية – التي كفلها الدستور لكل مواطن – بغير الوسائل القانونية التي لا يترخص أحد في التقيد بها ، والنزول عليها . وكان افتراض براءة المتهم يمثل أصلا ثابتا يتعلق بالتهمة الجنائية من ناحية إثباتها ، وليس بنوع العقوبة المقررة لها ، وينسحب إلي الدعوي الجنائية في جميع مراحلها، وعلي امتداد إجراءاتها ، فقد غدا من الحتم أن يرتب الدستور علي افتراض البراءة عدم جواز نقضها بغير الأدلة الجازمة التي تخلص إليها المحكمة ،وتتكون من جماعها عقيدتها. ولازم ذلك أن تطرح هذه الأدلة عليها ، وأن تقول هي وحدها كلمتها فيها ، وألا تفرض عليها أي جهة أخري مفهوما محددا لدليل بعينه ، وأن يكون مرد الأمر دائما إلي ما استخلصته هي من وقائع الدعوي ، وحصلته من أوراقها ، غير مقيدة بوجهة نظر النيابة العامة أو الدفاع بشأنها. وحيث إنه علي ضوء ما تقدم ، تتمثل ضوابط المحاكمة المنصفة في مجموعة من القواعد المبدئية التي تعكس مضامينها نظاما متكامل الملامح ،يتوخي بالإسس التي يقوم عليها ، صون كرامة الإنسان وحماية حقوقه الأساسية ،ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها.وذلك إنطلاقا من إيمان الآمم المتحضرة بحرمة الحياة الخاصة ، وبوطأة القيود التي تنال من الحرية الشخصية .ولضمان أن تتقيد الدولة عند مباشرتها لسلطاتها في مجال فرض العقوبة صونا للنظام الاجتماعي ، بالاغراض النهائية للقوانين العقابية التي ينافيها أن تكون إدانة المتهم هدفا مقصودا لذاته ، أو أن تكون القواعد التي تتم محاكمته علي ضوئها ، مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة .بل يتعين أن تلتزم هذه القواعد مجموعة من القيم التي تكفل لحقوق المتهم الحد الأدني من الحماية التي لا يجوز النزول عنها او الانتقاص منها . وهذه القواعد – وإن كانت إجرائية في الأصل – إلا أن تطبيقها في مجال الدعوي الجنائية – وعلي امتداد مراحلها – يؤثر بالضرورة علي محصلتها النهائية ، ويندرج تحتها أصل البراءة كقاعدة أولية تفرضها الفطرة، وتوجبها حقائق الأشياء ، وهي بعد قاعدة حرص الدستور علي إبرازها في المادة ٦٧ مؤكدا بمضمونها ما قررته المادة ١١من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان علي ما سلف بيانه ، والمادة السادسة من الاتفاقية الاوربية لحماية حقوق الإنسان. وحيث إن أصل البراءة يمتد الي كل فرد سواء أكان مشتبها فيه ، أو متهما، باعتباره قاعدة أساسية في النظام الاتهامي أقرتها الشرائع جميعها – لا لتكفل بموجبها حماية المذنبين – وإنما لتدرأ بمقتضاها العقوبة عن الفرد إذا كانت التهمة الموجهة إليه قد أحاطتها الشبهات بما يحول دون التيقن من مقارفة المتهم للواقعة محل الاتهام ، ذلك أن الاتهام الجنائي في ذاته لا يزحزح أصل البراءة الذي يلازم الفرد دوما ولا يزايله ، سواء في مرحلة ما قبل المحاكمة ، أو أثنائها وعلي امتداد حلقاتها ، وأيا كان الزمن الذي تستغرقه إجراءاتها . ولا سبيل بالتالي لدحض أصل البراءة بغير الأدلة التي تبلغ قوتها الاقناعية مبلغ الجزم واليقين ،بما لا يدع مجالا معقولا لشبهة انتفاء التهمة ، وبشرط أن تكون دلالتها قد استقرت حقيقتها بحكم قضائي استنفد طرق الطعن فيه ، وصار باتا٠ وحيث إن افتراض البراءة لا يتمحض عن قرينة قانونية ، ولا هو من صورها ، ذلك أن القرينة القانونية تقوم علي تحويل للإثبات من محله الأصلي ممثلا في الواقعة مصدر الحق المدعي به ، إلي واقعة أخري قريبة منها متصلة بها٠ وهذه الواقعة البديلة هي التي يعتبر إثباتها إثباتا للواقعة الأولي بحكم القانون . وليس الأمر كذلك بالنسبة إلي البراءة التي افترضها الدستور٠ فليس ثمة واقعة أحلها الدستور محل واقعة أخري وأقامها بديلا عنها innocence is more properly called an assumption as opposed to a presumption it does not rest on any other proved facts , it is assumed وإنما يؤسس افتراض البراءة علي الفطرة التي جبل الإنسان عليها ، فقد ولد حرا مبرءا من الخطيئة أو المعصية . ويفترض علي امتداد مراحل حياته أن أصل البراءة لازال كامنا فيه ، مصاحبا له فيما يأتيه من أفعال ، إلي أن تنقض محكمة الموضوع بقضاء جازم لا رجعة فيه هذا الافتراض ، علي ضوء الأدلة التي تقدمها النيابة العامة مثبتة بها الجريمة التي نسبتها إليه في كل ركن من أركانها ، وبالنسبة إلي كل واقعة ضرورية لقيامها ، بما في ذلك القصد الجنائي بنوعيه إذا كان متطلبا فيها . وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة ،إذ هو من الركائز التي يستند إليها مفهوم المحاكمة المنصفة التي كفلها الدستور، ويعكس قاعدة مبدئية تعتبر في ذاتها مستعصية علي الجدل ، واضحة وضوح الحقيقة ذاتها ، تقتضيها الشرعية الإجرائية ، ويعتبر إنفاذها مفترضا أوليا لإدارة العدالة الجنائية ويتطلبها الدستور لصون الحرية الشخصية في مجالاتها الحيوية ،وليوفر من خلالها لكل فرد الأمن في مواجهة التحكم والتسلط والتحامل ، بما يحول دون اعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل ، وبما يرد المشرع عن افتراض ثبوتها بقرينة قانونية ينشؤها . حيث إن الدستور – إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة التي كفل حمايتها في المادتين ٣٢ و٣٤ – وتوكيدا لإسهامها في صون الأمن الاجتماعي – كفل حمايتها لكل فرد – وطنيا كان ام اجنبيا – ولم يجز المساس بها إلا علي سبيل الاستثناء ، وفي الحدود التي يقتضيها تنظيمها ، باعتبارها عائدة – في الأعم من الأحوال – إلي جهد صاحبها ، بذل من أجلها الوقت والعرق والمال ، وحرص بالعمل المتواصل علي إنمائها ، وأحاطها بما قدره ضروريا لصونها ، معبدا بها الطريق الي التقدم ، كافلا للتنمية أهم أدواتها ، محققا من خلالها إرادة الإقدام ،هاجعا إليها لتوفر ظروفا أفضل لحرية الاختيار والتقرير، مطمئنا في كنفها إلي يومه وغده ،مهيمنا عليها ليختص دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها ، فلا يرده عنها معتد ، ولا يناجز سلطته في شأنها خصيم ليس بيده سند ناقل لها ، وليعتصم بها من دون الآخرين ، وليلتمس من الدستور وسائل حمايتها التي تعينها علي اداء دورها ، وتقيها تعرض الأغيار لها سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها . ولم يعد جائزا بالتالي أن ينال المشرع من عناصرها ، ولا أن يغير من طبيعتها ،أو يجردها من لوازمها ، ولا أن يفصلها عن أجزائها أو يدمر أصلها ، أو يقيد من مباشرة الحقوق التي تتفرع عنها في غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية. ودون ذلك تفقد الملكية ضماناتها الجوهرية ، ويكون العدوان عليها غصبا ، وافتئاتا علي كيانها أدخل الي مصادرتها٠ وبقدر اتساع قاعدة الملكية تتعدد روافدها ، وتتنوع استخداماتها ، لتشكل نهرا يتدفق بمصادر الثروة القومية التي لا يجوز إهدارها، أو التفريط فيها أو بعثرتها تبديدا لقيمتها، ولا تنظيمها بما يخل بالتوازن بين نطاق حقوق الملكية المقررة عليها ، وضرورة تقييدها نأيا بها عن الانتهاز ، أو الإضرار بحقوق الآخرين . ذلك إن الملكية – في إطار النظم الوضعية التي تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة – لم تعد حقا مطلقا ، ولا هي عصية علي التنظيم التشريعي . وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها٠ ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التي تتطلبها وظيفتها الاجتماعية . وهي وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ ، ولا تفرض نفسها تحكما ، بل تمليها طبيعة الأموال محل الملكية ، والأغراض التي ينبغي رصدها عليها ، محددة علي ضوء واقع اجتماعي معين في بيئة بذاتها لها توجهاتها ومقوماتها ، وبمراعاة أن القيود التي يفرضها الدستور علي حق الملكية للحد من إطلاقها ، لا تعتبر مقصودة لذاتها ، بل غايتها خير الفرد والجماعة٠ وحيث إن الفقرة الثانية من المادة ٢٥ من القرار الوزاري رقم ٥١٧ لسنة ١٩٨٦ – بنصها علي أن تعتبر أجزاء الذبائح غير المختومة بخاتم المجزر الرسمي ، والمعروضة للبيع، غير صالحة للاستهلاك الآدمي، ويتعين إعدامها ، قد قطعت بأن اللحوم التي يتم عرضها علي هذا النحو ، يفترض فيها – ولمجرد عدم ختمها بذلك الخاتم – إضرارها بالصحة ، أوفسادها ، أو تلفها ، وذلك بالمخالفة لنص فقرتها الأولي التي لا تجيز عرض اللحوم أو بيعها إذا كانت لا تصلح ” في ذاتها” لاستهلاكها آدميا ، ولنص المادة ٢٣ من هذا القرار التي لا تجيز إعدام لحوم الحيوانات التي تذبح بالمخالفه لاحكام المواد ١٠٩ و١٣٦ و١٣٧ ( أ ) من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم ٥٣ لسنة ١٩٦٦ الإ إذا كانت غير صالحة للاستهلاك الآدمي ، فإن كانت صالحة لذلك ، وجب بيعها ورد ثمنها إلي صاحبها إذا حكم نهائيا ببراءته ، وكذلك لنص المادة ١٣٦ من هذا القانون التي يبين منها ان المجازر الرسمية لا توجد في كل مدن مصر وقراها ، بل في عدد منها . وحيث إن الفقرة الثانية المطعون عليها ،تناقض كذلك ما قرره القانون رقم ١٠ لسنة ١٩٦١ بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها، من قواعد قانونية حدد بها حصرا الأحوال التي تعتبر فيها الأغذية ضارة بالصحة أو تالفة أو فاسدة ، إذ يبين منها أن اللحوم لا تعتبر كذلك إلا لعوار كامن فيها ،أو اتصل بها ، بما يئول إلي تلوثها أو يغير من تركيبها أو قوامها أو يخرجها بوجه عام من طبيعتها ، لتتمحض إضرارا بمن يتناولها، بما مؤداه أن هذا العواريلحق الأغذية ذاتها، و لا يقوم مستقلا عن كوامن إصابتها ، بل يعتبر متصلا بها اتصال قرار، ليكون ثبوتها أو انتفاؤها دليل عدم صلاحيتها آدميا لاستهلاكها، أو مدار برئها من أمراضها. وحيث إنه متي كان ذلك ، وكانت التهمة الثانية التي نسبتها النيابة العامة إلي المتهم ، تقوم علي عرضه للبيع شيئا فاسدا من أغذية الإنسان مع علمه بذلك ، وكان الافتراض المقرر بالفقرة الثانية المطعون عليها ، مبناه قرينه قانونية أحل بها المشرع واقعة عدم ختم الذبائح المعروضه للبيع بالخاتم الرسمي ، محل مادية الأفعال محل الإتهام وإرادة ارتكابها مع العلم بالوقائع التي تعطيها دلالتها الإجرامية ، ليكون ثبوت الواقعة البديله دالا علي وقوع الجريمة في ماديتها ، واقترانها بالقصد الجنائي ، فان النص المطعون فيه يكون معفيا للنيابة العامة من التزامها الأصيل بالتدليل علي قيام كل ركن يتصل ببيان الجريمة ، ويكون من عناصرها . وحيث إنه فضلا عما تقدم ، فان الجريمة محل الاتهام من الجرائم العمدية ،التي يتعين أن يكون الدليل علي توافر عناصرها جميعها يقينيا لا ظنيا أو افتراضيا ، وكان الاختصاص المقرر دستوريا للسلطة التشريعية في مجال إنشاء الجرائم وتقدير عقوباتها ، لا يخولهاالتدخل بالقرائن التي تنشئها لغل يد محكمة الموضوع عن القيام بمهمتها الأصيلة في مجال التحقق من قيام أركان الجريمة التي عينها المشرع إعمالا لمبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، وكان الأصل في القرائن القانونية – قاطعة كانت أم غير قاطعة – هو أنها من عمل المشرع ، إذ يحدد مضمونها علي ضوء ما يكون في تقديره معبرا عما يقع غالبا في الحياة العملية I`idee de probabilite وكانت القرينه القانونية التي أنشأها النص المطعون فيه – حتي بافتراض جواز الاحتجاج بالقرائن القانونية في المجال الجنائي – لا تعتبر كذلك ، ذلك أن الأصل في الذبائح هو خلوا من أمراضها أو مما يخرجها بوجه عام عن طبيعتها .والأمر العارض هو انتفاء سلامتها وتعييبها ولا يكون ذلك إلا بالوسائل العلميه وحدها يباشرها أهل الخبرة والمتخصصون .وما ذلك إلا حملا علي قاعدة أصوليه ثابتة مفادها أن الأصل في الصفات العارضة العدم . وقد نقض المشرع بالقرينة التي أحدثها ما يفترض أصلا في الذبائح ، وهو صلاحية استهلاكها آدميا . وكان يجب علي النيابة العامة – وهي تدعي خلاف الأصل – أن تقيم الدليل علي ادعائها ، إلا أن النص المطعون فيه أعفاها من التزامها هذا ، وأحلها كذلك من التدليل علي توافر القصد الجنائي في الجريمة محل الاتهام ، منحيابذلك محكمة الموضوع عن تحقيق أركانها ، وهو ما يعد انتحالا تشريعا لاختصاص مخول للسلطة القضائية ، وإهدارا لافتراض البراءه من التهمة التي نسبتها النيابة العامة إلي المتهم في كل وقائعها وعناصرها . وإخلالا بالحرية الشخصية التي اعتبرها الدستور حقا طبيعيا لكل إنسان . وحيث إن من المقرر كذلك أن افتراض البراءه يقترن دائما من الناحيه الدستورية – ولضمان فعاليته – بوسائل إجرائية إلزامية ، تعتبر من زاويه دستورية وثيقة الصلة بالحق في الدفاع ، من بينها حق المتهم في مواجهة الأدلة التي قدمتها النيابة العامة إثباتا للجريمة ، وكذلك الحق في نفيها بأدلة النفي التي يقدمها ، وكان النص المطعون فيه قد أخل بهذه الوسائل الإجرائية ، وذلك بان جعل المتهم مواجها بواقعة أثبتتها القرينة في حقه دون دليل يظاهرها ، ومكلفا بنفيها خلافا للأصل في الأشياء ، وبما يناقض افتراض البراءه ويجرده من محتواه عملا ، ويخل بضمانه الدفاع التي لا يجوز في غيابها تحقيق الواقعة محل الاتهام الجنائي ، أو إدانة المتهم عنها ، وكان النص المطعون فيه فوق هذا قد حتم إعدام الذبائح التي اعتبرها <<ُُ ٌٌٌٌٌُُُُُُُُُُُُُُُُُُحُكْماً ًًً >> فاسدة أو تالفة أو مضرة بالصحة ، وهو ما يعد عدوانا منه علي حق الملكية الخاصة التي كفل الدستور صونها ، فإن هذا النص يكون مخالفا لاحكام المواد٣٢ و٣٤ و٤١ و٦٦ و٦٧ و٦٩ و١٦٥من الدستور . فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة ٢٥ من قرار نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة والأمن الغذائي رقم ٥١٧ لسنة ١٩٨٦ بشأن ذبح الحيوانات وتجارة اللحوم ، وألزمت الحكومة المصروفات ، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماه .