حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣٥ لسنة ١٨ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣٥ لسنة ١٨ دستورية
تاريخ النشر : ١٨ – ٠٣ – ١٩٩٩

منطوق الحكم : رفض دستورية

مضمون الحكم : بشأن رفض دعوى طلب الحكم بعدم دستورية قرار مجلس الوزراء الصادر بجلسة ١٩٦٤ / ١٢ / ٢١ بتفسير حكم المادة ٨٩ من قانون التأمينات الاجتماعية الصادر بالقانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٦٤

الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت ٦ مارس سنة ١٩٩٩ الموافق ١٨ ذو القعدة سنة ١٤١٩هـ .
برئاسة السيد المستشار / محمد ولى الدين جلال رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: – فاروق عبد الرحيم غنيم و حمدى محمد على وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيرى .
وحضور السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ٣٥ لسنة ١٨ قضائية دستورية
المقامة من

١ – السيد / إبراهيم محمد على عمار
٢ – السيد / عبد المنعم محمد عبد المنعم السبع
ضد
١ – السيد / رئيس الجمهورية
٢ – السيد / رئيس مجلس الوزراء
٣ – السيدة / وزير التأمينات الاجتماعية
٤ – السيد / رئيس مجلس إدارة البنك العقارى المصرى
الإجراءات

بتاريخ الثامن عشر من إبريل سنة ١٩٩٦، أودع المدعيان صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالبين الحكم بعدم دستورية قرار مجلس الوزراء الصادر بجلسته المنعقدة فى ٢١ / ١٢ / ١٩٦٤ فى شأن تفسير حكم المادة (٨٩) من قانون التأمينات الاجتماعية الصادر بالقرار بقانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٦٤ بسريان أحكامها فقط على العاملين الموجودين بالخدمة فى ٢٢ / ٣ / ١٩٦٤، تاريخ صدور قانون التأمينات الاجتماعية المشار إليه، وكذلك ما تضمنته الفقرة الثانية من المادة (١٦٢) من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم ٧٩ لسنة ١٩٧٥ من قصر مكافأة نهاية الخدمة على العاملين الموجودين بالخدمة حتى ٢٢ / ٣ / ١٩٦٤.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فى ختامها الحكم، أصلياً: بعدم قبول الدعوى ، واحتياطيا: برفضها.
وقدم البنك العقارى المصرى مذكرة طلب فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعيين كانا قد أقاما الدعوى رقم ٣٧٦ لسنة ١٩٩٤ عمال محكمة جنوب القاهرة الإبتدائية ضد المدعى عليه الرابع، بطلب الحكم بأحقيتهما فى الاستفادة من نظام مكافأة ترك الخدمة ، وتطبيقه عليهما، وفى صرف قيمة المكافأة المذكورة بواقع شهرين ونصف شهر من آخر مرتب عن كل سنة من سنوات الخدمة ، وذلك عند ترك أى منهما للخدمة لأى سبب من الأسباب طبقاً للقواعد المقررة للعاملين ببنك الائتمان العقارى . وأوضح المدعيان شرحاً للدعوى أنهما قد إلتحقا بخدمة البنك المذكور، الأول بتاريخ ١ / ٢ / ١٩٦٧ والثانى بتاريخ ١٠ / ٨ / ١٩٧٠، ثم أدمج هذا البنك فى البنك العقارى المصرى بمقتضى قرار رئيس الجمهورية رقم ٢٤٢٢ لسنة ١٩٧١، وبعد الاندماج ظل البنك الأخير يطبق اللوائح المنظمة لمكافأة ترك الخدمة (الميزة الأفضل) للعاملين ببنك الائتمان العقارى ، إلا أنه قصر تطبيقها على من إلتحقوا به قبل ٢٢ مارس ١٩٦٤ دون المعينين بعد ذلك، على الرغم من أن تمويل هذه المكافأة يتم سنوياً من الأرباح التى يساهم فى تحقيقها جميع العاملين بالبنك سواء من عين منهم قبل التاريخ المشار إليه أو بعده مما يتنافى مع حرمانهما منها ويقتضى تعميم نظامها ليسعهم جميعاً. وبجلسة ٣١ / ١ / ١٩٩٦ قدم المدعيان مذكرة دفعا فيها بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة (١٦٢) من قانون التأمين الاجتماعى رقم ٧٩ لسنة ١٩٧٥، وذلك فيما نصت عليه من عبارة ( وذلك للعاملين الذين كانوا موجودين بالخدمة حتى ٢٢ مارس سنة ١٩٦٤) وكذلك قرار مجلس الوزراء الصادر بجلسته المنعقدة بتاريخ ٢١ / ١٢ / ١٩٦٤ فى شأن تفسير حكم المادة (٨٩) من قانون التأمينات الاجتماعية الصادر بالقرار بقانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٦٤ بسريان أحكامها فقط على العاملين الموجودين بالخدمة فى ٢٢ / ٣ / ١٩٦٤. وبعد تقدير محكمة الموضوع لجدية هذا الدفع، صرحت للمدعيين برفع الدعوى الدستورية ، فأقاماها.
وحيث إن قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم ٧٩ لسنة ١٩٧٥ قد أفرد الباب الثانى عشر منه للأحكام الانتقالية والوقتية وأدرج تحتها نص المادة (١٦٢) مشتملاً على أربع فقرات تجرى نصوصها على النحو الآتى :
الفقرة الأولى : –
المعاشات والتعويضات المقررة وفقاً لأحكام الباب الثالث من هذا القانون للمؤمن عليهم الذين كانوا خاضعين لأحكام قوانين العمل لا تقابل من إلتزامات صاحب العمل فى تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة إلا ما يعادل مكافأة نهاية الخدمة القانونية محسوبة وفقاً لأحكام قانون العمل.
الفقرة الثانية : –
ويلتزم أصحاب الأعمال الذين كانوا يرتبطون حتى آخر يوليه سنة ١٩٦١ بأنظمة معاشات أو مكافآت أو ادخار أفضل بأداء قيمة الزيادة بين ما كانوا يتحملونه فى تلك الأنظمة ومكافآت نهاية الخدمة القانونية محسوبة وفقاً لحكم الفقرة السابقة وذلك بالنسبة للعاملين الذين كانوا موجودين بالخدمة حتى ٢٢ مارس سنة ١٩٦٤، وتحسب هذه الزيادة عن كامل مدة خدمة العامل سواء فى ذلك مدة الخدمة السابقة أو اللاحقة للاشتراك فى هذا التأمين، وتصرف هذه الزيادة للمؤمن عليه وفى حالة وفاته تصرف بأكملها وفقاً للبند (١٠) من المادة (٢٧).
الفقرة الثالثة : –
ويجوز لأصحاب الأعمال طبقاً للقواعد والأوضاع التى يحددها وزير القوى العاملة بقرار منه استخدام أرصدة المبالغ التى يحتفظون بها لمواجهة التزاماتهم المنصوص عليها بالفقرة الثانية لمنح قروض للمؤمن عليهم أصحاب الحق فى الزيادة المشار إليها لإنشاء مساكن لهم فى حدود مستحقاتهم فى هذه الأرصدة ….
الفقرة الرابعة : –
واستثناء مما تقدم تلتزم الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية بصرف الزيادة المنصوص عليها بالفقرة الثانية بالنسبة لمن انتهت خدمتهم قبل تاريخ العمل بهذا القانون من المؤمن عليهم الذين كانوا خاضعين لأحكام القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٦٤ المشار إليه بالمادة الثانية من قانون الإصدار…….
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى الماثلة ، تأسيساً على أن المدعيين غير مخاطبين بالنصوص الطعينة ولم يحن بعد أو ان تطبيقها بالنسبة لهما باعتباره ما ما زالا بالخدمة ولم يلحقهما بالتالى ضرر مباشر راجع إليها.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها – على ماجرى به قضاء هذه المحكمة – ارتباطها بالمصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، متى كان ذلك وكان النزاع الموضوعى يدور حول أحقية المدعيين فى الإفادة من نظام مكافأة ترك الخدمة (الميزة الأفضل) المقررة للعاملين ببنك الائتمان العقارى ، الذى عين به أولهما فى أول فبراير سنة ١٩٦٧ وثانيهما فى ١٠ / ٨ / ١٩٧٠، وكانت الفقرة الثانية من المادة (١٦٢) من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم ٧٩ لسنة ١٩٧٥ باشتراطها الوجود فى الخدمة حتى ٢٢ مارس سنة ١٩٦٤ للإفادة من النظام المشار إليه، هى التى تحول بذاتها بين المدعيين وإجابتهما لمطلبهما فى النزاع الموضوعى ، بغض النظر عن بلوغهما سن الإحالة إلى التقاعد من عدمه، فإن مصلحتهما الشخصية المباشرة فى اختصام ما اشترطته الفقرة الثانية من المادة (١٦٢) من قانون التأمين الاجتماعى على النحو السالف بيانه تكون متوافرة ، ولا كذلك الحال بالنسبة لقرار مجلس الوزراء الصادر فى ٢١ / ١٢ / ١٩٦٤ تفسيراً للمادة (٨٩) من قانون التأمينات الاجتماعية الصادر بالقرار بقانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٦٤، والذى لم يعد ثمة محل لإعماله فى شأن المدعيين اعتباراً من تاريخ العمل بقانون التأمين الاجتماعى المشار إليه، ومن ثم فلا صلة له بالطلبات المطروحة فى دعوى الموضوع، مما يتعين معه – والحالة هذه – عدم قبول الدعوى فى شقها الخاص باختصام القرار المشار إليه.
وحيث إن المدعيين ينعيان على الفقرة الثانية من المادة (١٦٢) من قانون التأمين الاجتماعى المشار إليه – محدداً نطاقاً على ماتقدم – مخالفتها لأحكام الدستور، قولاً بأن اشتراطها الوجود بالخدمة حتى ٢٢ مارس سنة ١٩٦٤ للإفادة من حكم هذه الفقرة ، يتمحض شرطاً جائراً يجافى العدالة التى تتغياها الشريعة الإسلامية فى مبادئها، ويخل بتكافؤ الفرص بين أفراده، كما يتعارض مع دور الدولة فى كفالة خدمات التأمين الاجتماعى والصحى ومعاشات العجز للمواطنين جميعاً، وينافى مساواتهم أمام القانون، وينطوى أيضاً على ارتداد بالقانون لينعطف على الماضى بالمخالفة للمواد (٢، ٨، ١٧، ٤٠، ١٨٧) من الدستور.
وحيث إن البين من النص الطعين أن المشرع قد ربط بين العاملين الموجودين بالخدمة حتى ٢٢ مارس سنة ١٩٦٤ وقواعد معاملتهم تأمينياً قبل حلول هذا التاريخ، فألزم أصحاب الأعمال الذين كانوا يرتبطون حتى آخر يوليه سنة ١٩٦١ بأنظمة معاشات أو مكافآت أو ادخار أفضل بأداء قيمة الزيادة بين ما كانوا يتحملونه فى تلك الأنظمة ومكافآت نهاية الخدمة القانونية للعاملين الذين كانوا موجودين بالخدمة حتى ٢٢ مارس سنة ١٩٦٤ وتحسب هذه الزيادة عن كامل مدة خدمة العامل سواء فى ذلك مدة الخدمة السابقة أو اللا حقة للاشتراك فى هذا التأمين.
وحيث إن التطور التشريعى لأوضاع هؤلاء العاملين يدل على أن المشرع قد عنى – فى قوانين العمل المتعاقبة قبل صدور قانون العمل الأخير رقم ١٣٧ لسنة ١٩٨١ – بتقرير نظام لمكافأة نهاية الخدمة القانونية لإعانة العامل بعد ترك الخدمة على مواجهة أعباء الحياة ونوازلها. وأجاز لصاحب العمل أن ينشئ نظاماً خاصاً فى منشأته يخول العامل الحق فى اقتضاء مكافأة عند انتهاء خدمته تزيد على مكافأة نهاية الخدمة القانونية ، مما أسبغ على هذا النظام الم تضمن تلك الزيادة وصفه بالنظام الأفضل ولم يكن ذلك إلا نظاماً اختيارياً يرتضيه صاحب العمل ويرتبط به مع العامل بمقتضى عقد العمل المبرم بينهما. ثم صدر القانون رقم ٤١٩ لسنة ١٩٥٥ بإنشاء صندوق للتأمين وآخر للادخار للعمال الخاضعين لأحكام المرسوم بقانون رقم ٣١٧ لسنة ١٩٥٢ بشأن عقد العمل الفردى ، ثم القرار بقانون رقم ٢٠٢ لسنة ١٩٥٨ منظماً التأمين التعويضى عن إصابات العمل، ثم بدأت مرحلة جديدة من مراحل تطوير النظم التأمينية بصدور قانون التأمينات الاجتماعية بالقرار بقانون رقم ٩٢ لسنة ١٩٥٩ – المعدل بالقرار بقانون رقم ١٤٣ لسنة ١٩٦١ – ونظراً لما تضمنه ذلك القانون من مبادئ ومزايا جديدة فقد ارتأى المشرع تطبيقه تدريجياً، وبانتهاء فترة التدرج فى آخر يوليه سنة ١٩٦١ سرى على جميع أنحاء الجمهورية اعتباراً من الأول من أغسطس سنة ١٩٦١، وبات مقرراً فى ظل هذا القانون – وكأصل عام – خضوع جميع الأنظمة الخاصة سواء كانت فى شكل صناديق إدخار أو مكافآت أو معاشات أو غيرها لأحكام ذلك القانون. وخروجاً على هذا الأصل فقد خَيرّ المشرع – وعملاً بالمادة (٧٨) من هذا القانون – أصحاب الأعمال المرتبطين مع عما لهم بنظم تأمينية أفضل بين الخضوع الكامل لنظامه التأمينى ، أو ال إبقاء على نظمهم الخاصة ، كما أدخل المشرع ولأول مرة نظام تأمين الشيخوخة اعتباراً من الأول من يناير سنة ١٩٦٢ وأحله محل نظام مكافأة نهاية الخدمة القانونية ، فأصبح تأمين الشيخوخة هو المعمول به عند الإحالة إلى المعاش مع الاحتفاظ للعمال بحقوقهم المكتسبة فيما يزيد قيمته على المكافأة القانونية وهو ما عبرت عنه المادة (٧٠) من القانون المشار إليه بنصها على أن المعاشات والتعويضات المقررة وفقاً لأحكام الفصل السابق لا تقابل من إلتزامات صاحب العمل فى تأمين الشيخوخة إلا ما يعادل مكافأة نهاية الخدمة القانونية … ويلتزم صاحب العمل المرتبط مع عماله بنظام مكافآت أو ادخار أفضل بدفع الزيادة كاملة إلى المؤمن عليه أو المستحقين عنه مباشرة …. ثم صدر قانون التأمينات الاجتماعية بالقرار بقانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٦٤ متبنياً هذا الاتجاه إدراكاً من المشرع بأن الحقوق التى نشأت واستقرت ديناً فى ذمة أصحاب الأعمال لصالح العمال المرتبطين معهم على أنظمة أفضل قبل تقرير نظام المعاشات ينبغى أن تؤدى إلى أربابها، فقضت المادة (٨٩) من ذلك القانون بأن المعاشات والتعويضات المقررة وفقاً لأحكام هذا الباب لا تقابل من إلتزامات صاحب العمل فى تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة إلا ما يعادل مكافأة نهاية الخدمة القانونية محسوبة على أساس المادة (٧٣) من قانون العمل ويلتزم أصحاب الأعمال الذين كانوا يرتبطون حتى آخر يوليه سنة ١٩٦١ بأنظمة معاشات أو مكافآت أو ادخار أفضل بقيمة الزيادة بين ما كانوا يتحملونه فى تلك الأنظمة ومكافأة نهاية الخدمة القانونية محسوبة على الأساس المشار إليه، وتحسب هذه الزيادة عن كامل مدة خدمة العامل سواء فى ذلك مدد الخدمة السابقة أو اللاحقة للاشتراك فى الهيئة ، وتؤدى عند انتهاء خدمة العامل إلى الهيئة كاملة دون إجراء أى تخفيض. وتصرف للمؤمن عليه أو المستحقين عنه المشار إليهم فى المادة (٨٢) من قانون العمل هذه المبالغ نقداً عند استحقاق صرف المعاش أو التعويض. وعند ما صدر قانون التأمين الاجتماعى بالقانون رقم ٧٩ لسنة ١٩٧٥ أعاد المشرع النص على استمرار استصحاب العاملين الذين كانوا موجودين بالخدمة حتى ٢٢ مارس ١٩٦٤ لأنظمتهم التأمينية فيما تضمنته من ميزة أفضل وذلك وفقاً لأحكام الفقرة الثانية من المادة (١٦٢) منه على الوجه سالف الذكر.
وحيث إن البين مما تقدم أن النص الطعين لم يستحدث حقوقاً خلت منها التشريعات التى صدرت قبله، وكان من المفترض أن الحقوق التى تضمنها لايجوز فصلها عن موجباتها، وينبغى أن يكون استحقاقها مرتبطاً بأوضاعها – التى انصرم زمن تطبيقها – فلا يزاحم آخرون أصحابها فى شئ منها، وهو ما يؤكده وروده فى الباب المخصص للأحكام الانتقالية والوقتية فلا تكون لأحكامه صفة الدوام بعد استنفاد أغراضه، بما مؤداه: عدم انطباقه على العاملين الخارجين عن دائرة المخاطبين بأحكامه التى لا تشمل العاملين المعينين بعد ٢٢ مارس سنة ١٩٦٤.
وحيث إن ما ينعاه المدعيان من مخالفة النص المطعون فيه لمبدأ تكافؤ الفرص مردود بأن الفرص التى يستنهضها هذا المبدأ، هى تلك التى تتعهد الدولة بتقديمها، ويفترض ذلك بالضرورة أن تكون هذه الفرص محدودة عدداً، وأن من يطلبونها يتزاحمون فيما بينهم للنفاذ إليها، وأن ترتيبهم على ضوء أجدرهم بالحصول عليها. يقتضى تقرير شروطها الموضوعية وفق ضوابط يمليها التبصر والاعتدال، وكانت القواعد التى قررها المشرع بالنص الطعين لا تتصل بفرص قائمة يجرى التزاحم عليها، فإن قالة الإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص، لايكون لها من سند.
وحيث إن الأصل فى السلطة التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية ، مالم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها، وتعتبر تخوماً لها لا يجوز تخطيها، تقديراً بأن الدستور لا يكفل للحقوق ضماناتها إلا بقصد توكيد فعاليتها بما يحول بين المشرع وإهدار الحقوق التى كفلها الدستور أو تهميشها عدواناً على مجالاتها الحيوية التى يرتبط وجودها بها، فلا تتنفس إلا من خلالها، ولم يتجاوز المشرع بالنص الطعين حدود سلطته التقديرية فى تنظيم الحقوق بل كفلها لأصحاب الحق فيها دون إخلال بالمادة السابعة عشرة من الدستور التى ناطت بالدولة أن تكفل لمواطنيها خدماتهم التأمينية – الاجتماعية والصحية – بما فى ذلك تقرير معاش لمواجهة بطالتهم أو عجزهم عن العمل أو شيخوختهم فى الحدود التى يبينها القانون.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مبدأ المساواة أمام القانون – وبقدر تعلقه بالحدود التى تباشر فيها هذه المحكمة ولايتها – مؤداه: أنه لا يجوز لأى من السلطتين التشريعية أو التنفيذية أن تباشر اختصاصاتها التشريعية التى ناطها الدستور بها بما يخل بالحماية المتكافئة التى كفلها للحقوق جميعها، سواء فى ذلك تلك التى نص عليها أو التى حددها القانون، وبمراعاة أن الحماية المتكافئة أمام القانون التى اعتد الدستور بها، لا تتناول القانون من مفهوم مجرد، وإنما بالنظر إلى أن القانون تعبير عن سياسة محددة أنشأتها أوضاع لها مشكلاتها، وأنه تغيا بالنصوص التى تضمنها تحقيق أغراض بذواتها من خلال الوسائل التى حددها. وكلما كان القانون مغايراً بين أوضاع أو مراكز أو أشخاص لا تتحد واقعاً فيما بينها وكان تقديره فى ذلك قائماً على أسس موضوعية ، مستلهماً أهدافاً لا نزاع فى مشروعيتها، وكافلاً وحدة القاعدة القانونية فى شأن أشخاص تتماثل ظروفهم بما لا يجاوز متطلباتها، كان القانون واقعاً فى إطار السلطة التقديرية التى يملكها المشرع ولو تضمن تمييزا مبرراً لا ينال من مشروعيته الدستورية أن تكون المساواة التى توخاها وسعى إليها، بعيدة حسابياً عن الكمال.
وحيث إن ما ينعاه المدعيان على النص الطعين من انطوائه على رجعية مخلة بالمادة (١٨٧) من الدستور مردود بأن الأصل فى القانون هو أن يسرى بأثر مباشر على ما يقع بعد نفاذه، فإذا سرى على وقائع تم تكوينها أو على مراكز قانونية اكتملت عناصرها قبل العمل بأحكامه، فإن هذا القانون يكون متضمناً أثراً رجعياً لا يجوز تقريره إلا فى المواد غير الجنائية ، وبعد استيفاء الأغلبية الخاصة التى اشترطتها المادة (١٨٧) من الدستور كضمانة أساسية للحد من الرجعية وتوكيداً لخطورتها فى الأعم الأغلب من الأحوال إزاء ما تهدره من حقوق، وتخل به من استقرار. ولا كذلك النص الطعين إذ لم يقض بنفاذ حكمه بأثر ينعطف على الماضى ، وإنما توخى أن يكون إلتزام أصحاب الأعمال بأداء قيمة الميزة الأفضل قاصراً على طائفة معينة من العاملين هم الذين كانوا موجودين بالخدمة حتى تاريخ محدد هو ٢٢ مارس ١٩٦٤، توكيداً منه لحقوق أفراد هذه الطائفة التى نشأت واستقرت ديناً فى ذمة أصحاب الأعمال فى التاريخ المشار إليه.
فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعيين المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

زر الذهاب إلى الأعلى