حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣٢ لسنة ١٦ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٣٢ لسنة ١٦ دستورية
تاريخ النشر : ٢١ – ١٢ – ١٩٩٥

منطوق الحكم : رفض دستورية

مضمون الحكم : بشأن رفض دعوى طلب الحكم بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة السادسة من القانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٨٢ في شأن إنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة.

الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة فى يوم السبت ٢ ديسمبر سنة ١٩٩٥ الموافق ٩ رجب سنة ١٤١٦ هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور / عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين: فاروق عبد الرحيم غنيم وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله اعضاء
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / أحمد عطيه أحمد المنسى أمين السر
أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ٣٢ لسنة ١٦ قضائية دستورية
المقامة من

السيد / حافظ صلاح الدين عوده السيد / هوده صلاح الدين عوده
ضد
١ – السيد / رئيس الجمهورية
٢ – السيد / رئيس مجلس الوزراء
٣ – السيد / وزير العدل
٤ – السيد / وزير الأوقاف بصفته الرئيس الأعلى لهيئة الأوقاف المصرية
٥ – السيد / رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية
٦ – السيد / مدير عام منطقة أوقاف القاهرة •
الإجراءات

بتاريخ ٢٩ سبتمبر سنة ١٩٩٤، أودع المدعيان قلم كتاب المحكمة صحيفة هذه الدعوى طالبين الحكم بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة السادسة من القانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٨٢ فى شأن إنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها، طلبت فيها، أصلياً: الحكم بعدم قبول الدعوى ، واحتياطياً: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن اللجنة القضائية للأحكار بمنطقة أوقاف القاهرة ، كانت قد أصدرت بتاريخ ٣٠ مايو ١٩٩١ قرارها الخاص بالعقارين المحكرين، وهما ١ عطفة ناشد و١٠٧ شارع الجمهورية – قسم الأزبكية – محافظة القاهرة ، بتقدير سعر المتر فيهما بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه. وإذ لم يرتض المدعيان هذا القرار، فقد طعنا عليه أمام محكمة شمال القاهرة الإبتدائية بالدعوى رقم ١١١٣٩ مدنى كلى شمال القاهرة ، طالبين تعديله بتقدير سعر المتر على أساس سعر المثل السائد وقت التقدير. وإذ قضت المحكمة الإبتدائية بجلسة ٢٩ / ٣ / ١٩٩٤ بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بتعديل القرار المطعون فيه بتقدير سعر المتر فى عقارى النزاع بمبلغ ألف وخمسمائة جنية ، فقد طعنا على حكمها بالاستئناف رقم ٩٦٢٤ لسنة ١١١ قضائية . وأثناء نظره أمام محكمة استئناف القاهرة ، دفع الحاضر عن المستأنفين بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة السادسة من القانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٨٢ فى شأن إنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة ، والتى تنص على أن ويكون الحكم الصادر فى الطعن من المحكمة الإبتدائية نهائياً غير قابل للطعن بأى وجه من أوجه الطعن. وإذ قدرت المحكمة الاستئنافية جدية هذا الدفع، فقد قضت بجلسة ٣٠ / ٨ / ١٩٩٤ – وقبل الفصل فى شكل الاستئناف وموضوعه – بتكليف المستأنفين برفع الدعوى الدستورية ، وأجلت نظر الدعوى إلى جلسة ٣٠ / ١١ / ١٩٩٤ لتقديم ما يدل على إقامتها، فأقاما الدعوى الماثلة .
وحيث إن هيئة قضايا الدولة ، دفعت الدعوى الماثلة بعدم قبولها تأسيساً على أنها لم تتصل ب
المحكمة الدستورية العليا
وفقاً للأوضاع المنصوص عليها فى قانونها، وكان سندها فى ذلك أن الطعن المقدم من المدعيين إلى المحكمة الاستئنافية ، كان منصرفاً إلى قرار صدر عن اللجنة القضائية المنصوص عليها فى المادة (٥) من القانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٨٢ فى شأن إنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفه؛ وإذ كان هذا القرار – وعملاً بالفقرة الأولى من المادة (٦) من هذا القانون – مما لايجوز الطعن فيه إلا أمام المحكمة الإبتدائية الكائن بدائرتها العقار محل النزاع خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره، وكانت فقرتها الثانية تنص على أن الحكم الصادر من المحكمة الإبتدائية فى الطعون المقدمة إليها عن قرار اللجنة القضائية ، يكون نهائياً ولا يجوز الطعن فيه، وكان المدعيان قد دفعا أمام المحكمة الاستئنافية ، بعدم دستورية هذه الفقرة لتجريح قضاء المحكمة الإبتدائية فى شأن قرار صدر عن اللجنة القضائية – وهو غير قابل للطعن – فإن قضاء المحكمة الاستئنافية بجدية هذا الدفع، ثم تصريحها للمدعيين برفع دعواهما الدستورية ، يكون صادراً عن محكمة لا ولاية لها، ومنعدماً.
وحيث إن هذا الدفع مردود أولاً: بأن المدعيين، إذ أثارا أمام المحكمة الاستئنافية الدفع بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة (٦) من القانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٨٢ فى شأن إنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة ، فذلك لأن هذه الفقرة ذاتها هى التى تحول بنصها دون مباشرة المحكمة الاستئنافية لسلطتها فى مجال مراقبة قضاء المحكمة الإبتدائية الأدنى درجة منها؛ ومردود ثانياً: بأن المحكمة الاستئنافية لا يمكنها الفصل فيما إذا كان الطعن المعروض عليها مقبولاً شكلاً، إلا على ضوء قضاء
المحكمة الدستورية العليا
فى شأن اتساق حكم الفقرة الثانية من المادة (٦) من القانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٨٢ المشار إليه، مع الدستور أو خروجها على قواعده، وكان عليها بالتالى أن تستنهض ولاية
المحكمة الدستورية العليا
من خلال تقديرها جدية الدفع بعدم دستورية هذه الفقرة ، ثم تصريحها للمدعيين برفع دعواهما الدستورية بصددها؛ ومردود ثالثاً: بأن الشرعية الدستورية التى تقوم
المحكمة الدستورية العليا
بمراقبة التقيد بها، غايتها ضمان أن تكون النصوص القانونية مطابقة لأحكام الدستور، وتتبوأ هذه الشرعية من البنيان القانونى فى الدولة ذراه. وهى كذلك فرع من خضوعها للقانون، بما مؤداه: امتناع قيام محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائى بتطبيق نص قانونى يكون لازماً للفصل فى ولايتها، أو فى موضوع النزاع المعروض عليها، إذا بدا لها من وجهة مبدئية مصادماً للدستور، ذلك أن قيام هذه الشبهة لديها، يلزمها أن تستوثق من صحتها، من خلال عرضها على
المحكمة الدستورية العليا
التى عقد لها الدستور دون غيرها ولاية الفصل فى المسائل الدستورية
وحيث إن المقرر – وعلى ضوء ماجرى عليه قضاء
المحكمة الدستورية العليا
– أن نطاق الدعوى الدستورية التى أتاح المشرع للخصوم مباشرتها، إنما يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذى أثير أمام محكمة الموضوع، وفى الحدود التى تقدر فيها جديته، وكانت المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الدستورية ، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية ، لازماً للفصل فى الطلبات المرتبطة بها، والمطروحة أمام محكمة الموضوع، فإذا لم يكن له بها من صلة ، كانت الدعوى الدستورية غير مقبولة . متى كان ماتقدم، وكان الدفع بعدم الدستورية المثار أمام محكمة الموضوع، ينصب على الفقرة الثانية من المادة (٦) من القانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٨٢ فى شأن إنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة ، وكان الفصل فى هذا الدفع، يرتبط بالفصل فى قبول الاستئناف شكلاً، فإن نطاق الدعوى الماثلة ينحصر فى الفقرة التى تعلق بها الدفع بعدم الدستورية ، ولا يمتد لسواها.
وحيث إن الفقرة الثانية من المادة (٦) من القانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٨٢ فى شأن إنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة – وهى الفقرة المطعون عليها – تنص على ما يأتى .
ويكون الحكم الصادر فى الطعن من المحكمة الإبتدائية ، نهائياً غير قابل للطعن بأى وجه من أوجه الطعن.
وحيث إن المدعيين ينعيان على الفقرة الثانية المشار إليها، إخلالها بمبدأ المساواة أمام القانون، ويذهبان فى بيان ذلك، إلى أن القانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٨٢ فى شأن إنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة ، قد خول الاختصاص بإنهاء هذه الأحكار إلى لجنة يغلب على تشكيلها العنصر الإدارى ، ولا تتقيد بقواعد قانون المرافعات، ولا تكفل ضمانات التقاضى ، ولم يجز المشرع الطعن فى قراراتها إلا أمام المحكمة الإبتدائية التى يقع العقار محل النزاع فى دائرتها، على أن يكون الطعن فى أحكامها ممتنعاً؛ وذلك على خلاف أحكام القرار بقانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٦٠ التى حدد بها كيفية إجراء القسمة فى الأعيان التى اعتبر وقفها منتهياً، إذ استعاض هذا القرار بقانون، عن القواعد الإجرائية المعقدة التى كانت تحول دون قسمة هذه الأعيان وتوزيعها بين مستحقيها، بلجنتين تختص إحداهما بفحص طلبات القسمة وإجرائها، وكذلك ببيع الأعيان التى تتعذر قسمتها، وتتولى أخراها الفصل فى الاعتراضات على الأحكام التى تصدرها اللجنة الأولى ، سواء كان الاعتراض مبناه المنازعة فى الا ستحقاق، أو تقويم الأعيان أو غير ذلك، على أن يطعن أمام المحكمة الاستئنافية فى القرارات الصادرة عن لجان القسمة ، بما مؤداه: أن المشرع مايز بين فئتين: إحداهما تلك التى تناولها القرار بقانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٦٠ آنف البيان، كافلاً لها ضمانة تعدد درجات التقاضى . وثانيتهما تلك التى تعلق بها القانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٨٢ بإنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة ، التى قصر حقها فى التقاضى على درجة واحدة . مخالفاً بذلك مبدأ المساواة أمام القانون. وفضلا عما تقدم، فقد أهدر النص المطعون فيه، حكم المادتين (٨، ٦٨) من الدستور، التى تكفل أولاهما تكافؤ الفرص لجميع المواطنين، وثانيتهما حق كل مواطن فى الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى ، مع حظر النص فى القوانين على تحصين الأعمال والقرارات الإدارية من رقابة القضاء.
وحيث إن المدعيين ينعيان على الفقرة الثانية من المادة (٦) – المطعون عليها – مخالفتها مبدأ المساواة أمام القانون. حيث إن البين من قضاء
المحكمة الدستورية العليا
فى الدعوى رقم ١٠٢ لسنة ١٢ قضائية دستورية أن الأعيان التى كان مصرفها على غير جهات البر، والتى اعتبر وقفها منتهياً بصدور المرسوم بقانون رقم ١٨٠ لسنة ١٩٥٢، كان ينبغى توزيعها على المستحقين، كل بقدر نصيبه، باعتبار أنهم أصبحوا مالكين لهذه الأنصبة ، إلا أن معظم هذه الأعيان لم تصل إلى مستحقيها بسب شيوع أنصبتهم، وما يقيمه بعض الحراس، بل وبعض المستحقين، من العوائق التى تحول دون إجراء القسمة . ثم صدر القانون رقم ١٨ لسنة ١٩٥٨ بقسمة الأعيان التى اعتبر وقفها منتهياً، مستهدفاً تقرير قواعد ميسرة تكفل ايصال الحقوق إلى المستحقين، إلا أن تطبيقه أسفر عن تعقد إجراءاته وبطئها، بالنظر إلى تعدد اللجان التى نظمها، وتشابك إجراءاتها. وتفادياً لذلك صدر القرار بقانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٦٠ محدداً كيفية إجراء القسمة فى الأعيان التى اعتبر وقفها منتهياً، فاستعاض عن القواعد الإجرائية المعقدة بلجنتين، تختص إحداهما بفحص طلبات القسمة وتحقيق جديتها وإجرائها، وكذلك ببيع الأعيان التى تتعذر قسمتها، وتختص أخراها بالفصل فى الاعتراضات على الأحكام التى تصدرها اللجنة الأولى ، سواء كان الاعتراض مبناه المنازعة فى الا ستحقاق أو تقويم الأعيان أو غير ذلك.
وقد قيد المشرع هاتين اللجنتين، بقواعد قانونية ألزمهما باتباعها، بعضها من طبيعة إجرائية ، هى تلك المنصوص عليها فى قانون المرافعات المدنية والتجارية ، ومنها ما هو من طبيعة موضوعية تمثلها الأحكام التى تضمنها القانون المدنى فى شأن القسمة ، وكذلك ما نص عليه القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٤٦ من أحكام متعلقة بالوقف. وتفصل هذه اللجان – التى يغلب العنصر القضائى على تشكيلها – فيما يعرض عليها مما يدخل فى اختصاصها، بعد إعلان أصحاب الشأن ببدء إجراءاتها،وبما يكفل حقوق المتقاسمين والأغيار على السواء، وفى إطار من الضمانات الرئيسية للتقاضى التى تتهيأ معها لكل من كان طرفاً فى إجراءات القسمة ، الفرص الكاملة لإبداء أقواله، ومواجهة خصمه وتحقيق دفاعه. بما مؤداه: أن المشرع أقام هيئتين ذواتى اختصاص قضائى ، تعلو إحداهما أدناهما، وتتقيد كلتاهما بقواعد إجرائية وموضوعية لا تريم عنها، وتتوافر فى تشكيلها الحيدة التى تكفل غيريتها فى مواجهة المتنازعين.
وقد اقترن هذا التنظيم القائم على تعدد مراحل التقاضى فى الموضوع الواحد، بضمان حق الطعن أمام محكمة الاستئناف فى القرارات الصادرة عن لجان القسمة ، كلما كان الطعن عليها مبناه مخالفتها القانون أو خطؤها فى تطبيقه أو تأويله، أو إذا وقع بطلان فى قراراتها أو بطلان فى إجراءاتها أثر فيها.
ومن ثم يكون المشرع قد حصر اختصاص محكمة الاستئناف فى مسائل القانون، وعهد إليها – من خلال مراقبتها لصحة تطبيقه – بدور مماثل لدور محكمة النقض، التى لايجوز الطعن فى أحكامها أمام أية جهة .
وحيث إن المشرع كان قد أصدر عدة قوانين فى شأن إنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة ، متوخياً تصفية آثارها، بالنظر إلى خطورة ووطأة القيود التى تفرضها على الأعيان موضوعها – لتعود إلى من يملكون رقبتها – عناصر الملكية التى مزقتها هذه الأحكار، والتى تتمثل فى استحواذ المحتكرين على تلك الأعيان، وتسلطهم على مختلف أوجه الانتفاع بها، وإنفرادهم بثمارها لآماد تمتد زمناً بعيداً، تظل خلالها عملاً وقانوناً فى أيديهم مع توارثها، غير مقيدين فى ذلك كله إلا بأداء أجر مثلها، وبشرط أن تكون الأعمال التى يجرونها فيها – سواء بالبناء أو الغراس – من شأنها تحسينها، وتغيير أوضاعها، بتعميرها وإصلاحها.
وليس أدل على ثقل القيود التى تفرضها الأحكار على الملكية ، من أن التقنين المدنى اعتبرها حقاً عينياً أصلياً، بل إن البعض وصفها بأنها ملكية فوق الملكية الأصلية تتداخل معها وتعطلها.
ولئن جاز القول بأن الأحكار مأخوذة أحكامها أصلاً من الشريعة الغراء التى شرعتها لتعمير أعيان تم وقفها، وليس بيد ناظرها أموال تغلها، وتكفيها لإصلاحها بعد تخربها وتَعَطُّل الانتفاع بها، وبشرط ألا يكون استبدالها ممكناً،وألا يوجد من يكون راغباً فى استئجارها بأجره يعجلها عن مدة مستقبلة ، للإنفاق على ما يعمرها، إلا أن تطور الأوضاع الاقتصادية ، أسفر عن إمكان تعمير هذه الأعيان، ويُسِْر استبدالها، خلال مدة أقصر من تلك التى كانت الأحكار تمتد إليها قبل صدور التقنين المدنى الجديد، مما حمل هذا التقنين على أن يقرر فى شأن الأحكار، قواعد قانونية تقلص من دورها حداً من انتشارها، فلم يجز أن يكون الحكر بأقل من أجرة المثل، ولا دائمياً، بل حده بمدة لا تزيد على ستين سنة ، ولضرورة أو مصلحة ، وبإذن من المحكمة الإبتدائية التى تقع فى دائرتها الأعيان كلها أو أكثرها قيمة . وشرط ألا ينعقد عقد الحكر، إلا إذا كان موثقاً بصورة رسمية ، وجعل شهره من خلال التسجيل لازماً سواء فيما بين المتعاقدين أو فى مواجهة الأغيار. وحظر هذا التقنين كذلك – واعتباراً من تاريخ العمل به – تقرير أحكار على أعيان غير موقوفه، مضيقاً بذلك من دائرتها. وحتم فوق هذا، إنهاء حق الحكر، قبل حلول الأجل، إذا لم تعد الأرض المحتكرة وقفاً.
وإمعاناً فى التضييق من حق الحكر قدر الأمكان، نص التقنين المدنى ، على أن لمالك الرقبة فى الحكر، حق الأخذ بالشفعة إذا بيع حق الحكر، ويثبت حق الأخذ بها كذلك، لكل مستحكر عند بيع الرقبة ، توصلاً لإنهاء حق الحكر عن طريق اتحاد الذمة .
وحيث إن من المقرر، أن القواعد القانونية التى صاغها التقنين المدنى فى شأن الأحكار، لم تكن إلا تعبيراً عن السياسة التشريعية التى اختطها للحد منها، أو إنهاء وجودها، وهو اتجاه عززه المشرع بقوانين متعاقبة ، بدأها بالمرسوم بقانون رقم ١٨٠ لسنة ١٩٥٢ بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات، ناصاً فى مادته الأولى ،على أن يعتبر منتهياً كل وقف لايكون مصرفه فى الحال خالصاً لجهة من جهات البر، ومُنِْهياً فى مادته السابعة ، ما يكون من الأحكار مرتباً على أرض انتهى وقفهاً وفقاً لأحكام هذا القانون، وهو ما آل إلى حصر معظم الأحكار فيما يكون منها مقرراً على أرض تعد وقفاً خيرياً. بيد أن بقاء الأحكار حتى فى هذا النطاق – وما تفرضه على أعيانها من قيود خطيرة – حال دون استغلالها فيما يعود بالفائدة على أشكال وصور الخير التى يمكن أن ترصد عليها.
ومن ثم عنى المشرع بإصدار قوانين متعاقبة تتوخى تصفيتها خلال أجل معين، ولكن الإخفاق حالفها بالنظر إلى تعدد اللجان التى تتولى عملية إنهاء الأحكار لجنة التثمين، ثم لجنة الأحكار، ثم اللجنة العليا للأحكار مما حمل المشرع على دمجها جميعاً فى لجنة واحدة هى اللجنة القضائية المنصوص عليها فى المادة (٥) من القانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٨٢ آنف البيان، والتى اختصها بالفصل فى جميع المنازعات الناشئة عن هذا القانون، مع جواز الطعن فى قراراتها أمام المحكمة الإبتدائية التى يقع فى دائرتها العقار محل النزاع. وهو ما يؤكد حقيقة أن الأحكار بطبيعتها تتمحض عبئاً ثقيلاً على الملكية ، وأن المشرع حرص على التخلص منها من خلال تنظيم خاص، وعلى ضوء قواعد ميسرة ارتآها كافية للفصل فى الحقوق المتعلقة بها، وتسويتها بصفة نهائية .
وحيث إن المشرع – فى مجال إنفاذ حق التقاضى – غير مقيد بأشكال إجرائية محددة تمتد إلى المنازعات جميعها حتى مع اختلاف موضوعها، ذلك أن التنظيم الإجرائى للخصومة القضائية ، لا يمكن أن يعكس أن ماطاً جامدة موحدة لإطار الفصل فيها، وإلا كان ذلك إغراقاً فى الشكلية ولو كان عقمها بادياً، وانحيازاً لتحجر قوالبها وتزمتها ولو كان مصادماً لحقائق الاشياء، نافياً ما بين أوضاعها من تغاير. وهو ما يأباه التنظيم الإجرائى للخصومة القضائية ، إذ يتعين دوماً أن يفاضل المشرع بين صور هذا التنظيم، ليختار منها ما يكون مناسباً لخصائص المنازعات التى يتعلق بها، ومتطلباتها إجرائياً، لتتعدد بالتالى الأشكال التى يقتضيها إنفاذ حق التقاضى ، وبما لا إخلال فيه بأبعاده التى كفلها الدستور، وعلى الأخص من زاوية ضماناته الرئيسية التى تمثل إطاراً حيوياً لصون الحقوق على اختلافها، يرد العدوان عنها، على ضوء قواعد قانونية يكون إنصافها حائلاً دون تحيفها على أحد.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان القانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٨٢ المشار إليه، قد توخى إنهاء أحكار الأعيان الموقوفة ، فنص فى مادته الأولى على أن يعتبر حق الحكر منتهياً دون تعويض فى الأعيان الموقوفة الخالية من البناء والغراس عند العمل بهذا القانون، وحدد فى مادته الثانية وما بعدها، كيفية إنهاء الأحكار على أعيان موقوفة يشغلها بناء أو غراس، وقواعد الفصل فى المنازعات الناشئة عن ذلك؛ وكان البين من استقراء الأحكام التى تضمنها هذا القانون، ومقارنتها بتلك التى نص عليها قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٦٠، أن هذين التشريعين يختلفان موضوعاً، ذلك أنه بينما صدر أولهما لإنهاء الأحكار على أعيان لا زال وقفها قائماً، فإن ثانيهما يتناول أعياناً صار وقفها منتهياً، محدداً قواعد قسمتها لتوزيعها على المستحقين فيها. متى كان ماتقدم، وكان مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، لا يعنى معاملتهم جميعاً وفق قواعد موحدة يتكافأون فيها، بل يكون التماثل فى المراكز القانونية التى تنتظم بعض فئاتهم، وتساويهم بالتالى فى العناصر التى تكونها، مناطاً لوحدة القاعدة القانونية التى ينبغى تطبيقها فى حقهم، وكانت الحقوق التى نظم المشرع الفصل فيها بالقرار بقانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٦٠ – وعلى ماتقدم – تغاير فى مضمونها وغاياتها، تلك التى تعلق بها القانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٨٢ المشار إليهما، فإن المخاطبين بكل من هذين التشريعين، لا يقفون فيما بينهم على قدم من المساواة أمام القانون، ويكون ادعاء الإخلال بهذا المبدأ – وقد غاير المشرع بين موضوعين فى نطاق التنظيم الإجرائى لحق التقاضى فى كل منهما – منتفياً.
وحيث إن المدعيين، ينعيان كذلك على الفقرة الثانية من المادة (٦) من القانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٨٢ فى شأن إنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة ، إسباغها الحصانة على الأحكام الصادرة عن المحكمة الإبتدائية التى يقع العقار فى دائرتها. فصلاً فى الطعون المقدمة إليها فى قرارات اللجنة القضائية .
وحيث إن هذا النعى مردود، بما استقر عليه قضاء
المحكمة الدستورية العليا
من أن قصر حق التقاضى فى المسائل التى فصل فيها الحكم على درجة واحدة ، هو مما يستقل المشرع بتقديره، بمراعاة أمرين: أولهما أن يكون هذا القصر قائماً على أسس موضوعية تمليها طبيعة المنازعة ، وخصائص الحقوق المثارة فيها. ثانيهما: أن تكون الدرجة الواحدة محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائى من حيث تشكيلها وضماناتها والقواعد المعمول بها أمامها، وأن يكون المشرع قد عهد إليها بالفصل فى عناصر النزاع جميعها – الواقعية منها والقانونية – فلا تراجعها فيما تخلص إليه من ذلك، جهة أخرى . وعلى نقيض ما تقدم، أن يقيم المشرع، محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائى للفصل فى مسائل القانون المرتبطة بنزاع معين، تعقيباً من جهتها على قرار أصدرته جهة إدارية عند فصلها فيه، إذ يعتبر ذلك إنكاراً لحق التقاضى المكفول بنص المادة الثامنة والستين من الدستور، باعتبار أن الفصل فى عناصر النزاع الواقعية ، عائد إلى جهة إدارية لا تتوافر أمامها – وبالضرورة – مقومات التقاضى وضماناته الرئيسية ؛ متى كان ذلك، وكان المشرع قد أنشأ بالمادة (٥) من القانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٨٢ بإنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة ، لجنة قضائية فى كل منطقة يرأسها رئيس محكمة ويمثل أعضاءها موظفون عن الجهات الإدارية التى عينتها فقرتها الأولى ، واختصها بالفصل فى كافة المنازعات الناشئة عن تطبيق هذا القانون، مخولاً إياها فى سبيل أداء مهمتها فحص الأوراق وتحقيقها، وأن تستعين فى عملها بمن تراه من العاملين الفنيين والإداريين وغيرهم من أهل الخبرة ؛ وكان لايجوز لها – وعملاً باللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادر بها القرار رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣ – أن تباشر ولايتها هذه، إلا بعد إخطار ذوى الشأن بموعد انعقادها، ومكانه، ووقته، وذلك بموجب خطاب مسجل، وقبل الجلسة المحددة بخمسة عشر يوماً على الأقل، على أن يكون لهؤلاء حق الحضور أمامها بأنفسهم، وأن ينيبوا عنهم فى الحضور من يختارونه من المحامين؛ وكان لايجوز كذلك أن يكون انعقادها صحيحاً، إلا بحضور رئيسها وثلاثة من أعضائها على الأقل، مع جواز الطعن فى قراراتها أمام المحكمة الإبتدائية الكائن فى دائرتها العقار خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدورها؛ وكان المشرع من خلال هذا التنظيم – وحتى لو صح القول بانتفاء الصفة القضائية عن أعمال اللجان القضائية التى أنشأها – قد عهد إلى المحكمة الإبتدائية المنصوص عليها فى الفقرة الأولى من المادة (٦) من القانون، بالفصل فى الطعون التى تقدم إليها عن قرارات هذه اللجان؛ وكان تشكيلها واستقلالها كاشفين عن حيدتها عن الفصل فى هذه الطعون، ومؤديين إلى غيريتها فى مواجهة أطرافها؛ وكان نظرها لتلك الطعون يبلور الحق فى الدعوى كرابطة قانونية تنعقد الخصومة القضائية من خلالها، بوصفها الوسيلة التى عينها المشرع لاقتضاء الحقوق المدعى بها، وعلى ضوء قواعد قانونية لا يخل تطبيقها بضمانات التقاضى ، ولا بالأسس الموضوعية التى يقتضيها الفصل فيها، فإن الأحكام التى تصدرها المحكمة الإبتدائية فيما يعرض عليها من تلك الطعون، تؤكد الحقيقة القانونية التى تفرض نفسها على كل من ألزمه المشرع بها، بافتراض تطابقها مع الحقيقة الواقعة . ولا إخلال فى ذلك بحق التقاضى ، بل هو إرساء لمضمونه، بما يكفل الأغراض التى توخاها.
ولا ينال من ذلك، ما قرره المدعى من أن الفقرة الثانية من المادة (٦) من القانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٨٢ – المطعون عليها – تناقض نص الفقرة الثانية من المادة (٦٨) من الدستور التى حظر بموجبها إسباغ الحصانة من رقابة القضاء، على الأعمال والقرارات الإدارية ، ذلك إن من المقرر فى قضاء
المحكمة الدستورية العليا
، أن ماتعنيه هذه الفقرة ، هو ألا تكون النصوص التشريعية حائلاً بين الأفراد والدفاع عن حقوقهم أو حرياتهم بمنعهم من اقتضائها من خلال الخصومه القضائية ، لرد العدوان عنها. ولا كذلك قصر التقاضى على درجة واحدة فى المسائل التى فصل الحكم فيها.
وحيث إن ما ينعاه المدعيان من إخلال النص المطعون فيه بمبدأ تكافؤ الفرص المكفول بنص المادة الثامنة من الدستور، مردود بأن مضمون هذا المبدأ يتصل بالفرص التى تتعهد الدولة بتقديمها، وأن إعماله يقع عند تزاحمهم عليها، وأن الحماية الدستورية لتلك الفرص غايتها تقرير أولوية فى مجال الانتفاع بها لبعض المتزاحمين على بعض، وهى أولوية تتحدد وفقاً لأسس موضوعية ، يقتضيها الصالح العام، ولازمها أن يعامل المتزاحمون عليها الذين تتماثل – فى إطار هذه الأسس الموضوعية وعلى ضوئها – مراكزهم القانونية ، معاملة موحدة ، وكان النص المطعون فيه لا يتعلق بفرص قائمة يجرى التزاحم عليها، فإن إعمال مبدأ تكافؤ الفرص – فى مجال تطبيق هذا النص – يكون منتفياً.
متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه لا يتعارض مع أحكام الدستور من أوجه أخرى .
فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعيين المصروفات، ومبلغ مائه جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

زر الذهاب إلى الأعلى