حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٦ لسنة ٢ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٦ لسنة ٢ دستورية
– – – ١ – – –
إن إلزام الدستور المشرع بإتخاذ مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع بعد تعديل المادة الثانية من الدستور بتاريخ ٢٢ مايو سنة ١٩٨٠ لا ينصرف سوى إلى التشريعات التى تصدر بعد التاريخ الذى فرض فيه هذا الإلزام، بحيث إذا إنطوى أى منها على ما يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية يكون قد وقع فى حومة المخالفة الدستورية، أما التشريعات السابقة على ذلك التاريخ، فلا يتأتى إنفاذ حكم الإلزام بالنسبة لها لصدورها فعلا من قبل، أى فى وقت لم يكن القيد المتضمن هذا الإلزام قائماً واجب الإعمال.
– – – ٢ – – –
لما كانت المادة “٣٦” مكرراً “ز” من المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ بشأن الإصلاح الزراعى لم يلحقها أى تعديل بعد تاريخ تعديل المادة الثانية من الدستور فى ٢٢ مايو سنة ١٩٨٠ ، فإن النعى عليها و حالتها هذه بمخالفة حكم هذه المادة ، و أياً كان وجه الرأى فى تعارضها مع مبادئ الشريعة الإسلامية ، فى غير محله .
– – – ٣ – – –
فرض رسم على ما يودع خزائن المحاكم تقرر بمقتضى القانون رقم ٩٠ لسنة ١٩٤٤ و لا يتعارض مع المادة “١١٩” من الدستور .
– – – ٤ – – –
حكم المادة “٣٦” مكرر “ز” من قانون الإصلاح الزراعى تضمن قواعد لا تستهدف سوى مجرد التيسير على المستأجر فى الوفاء بالأجرة عند إمتناع المؤجر عن قبولها ، و لا يمس حق الأخير فى ناتج أرضه و لا يخالف المادة “٢٥” من الدستور .
– – – ٥ – – –
مناط إختصاص المحكمة الدستورية العليا بالفصل فى دستورية القوانين و اللوائح ، أن يكون أساس الطعن هو مخالفة التشريع لنص دستورى ، فلا يمتد لحالات التعارض بين اللوائح و القوانين ، و لا بين التشريعات ذات المرتبة الواحدة ، و من ثم فإن النعى بمخالفة بعض مواد المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ لبعض نصوص القانون المدنى و قانون المرافعات – أيا كان وجه الرأى فى قيام هذا التعارض – لا يعدو أن يكون نعياً بمخالفة قانون لقانون ، و هو ما لا يمتد إليه ولاية المحكمة و لا يشكل بذلك خروجاً على أحكام الدستور .
– – – ٦ – – –
لا محل لما يثيره المدعى من أن تطبيق النصوص المطعون عليها ترتب عليه عدم تنفيذ الأحكام الصادرة لمصلحته و الحيلولة بينه و بين الوصول إلى حقه، ذلك أن هذه المطاعن – أياً كان وجه الرأى فيها – لا تعدو أن تكون نعياً على كيفية تطبيق القانون و إجراءات تنفيذه ، و جدلاً حول مشروعية هذه الإجراءات ، مما لا يجوز التعرض له أمام المحكمة الدستورية العليا ، إذ لا يشكل عيباً دستورياً يصم القانون المطعون فيه .
بعد الإطلاع على الأوراق والمداولة. حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم ٣١٧٨ لسنة ١٩٧٨ مدنى كلى جنوب القاهرة طالباً الحكم بإلزام رئيس الجمعية التعاونية الزراعية بشبرا هارس وآخرين بتسليمه ما تحت يدهم من مبالغ تسلموها من مستأجرى أرضه الزراعية منذ سنة ١٩٦٦ وحتى تاريخ الحكم فى الدعوى، مع إلزامهم متضامنين بدفع مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت، إستناداً إلى أنهم تسببوا فى تعطيل تنفيذ الأحكام النهائية الصادرة لمصلحته ضد هؤلاء المستأجرين، مما حال بينه وبين إستلام الأجرة المستحقة له – غير أن محكمة جنوب القاهرة الابتدائية أحالت الدعوى إلى محكمة بنها الابتدائية للاختصاص بنظرها وقيدت الدعوى برقم ٣٩٤٤ لسنة ١٩٧٩ مدنى كلى بنها، حيث دفع المدعى أمامها بعدم دستورية المواد ٣٣ مكرراً (ز)، ٣٥، ٣٦ مكرراً (ب)، ٣٦ مكرراً (ز) من المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ بشأن الإصلاح الزراعى وبجلسة ٢٢ إبريل سنة ١٩٨٠ قضت محكمة بنها الابتدائية بوقف الدعوى،و صرحت للمدعى برفع دعواه الدستورية، كما أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم ٥٥٥ لسنة ١٩٧٩ مدنى جزئى طوخ طالباً الحكم بفسخ عقد المزارعة وطرد المستأجر من الأرض وتسليمها إليه، وقد دفع فى هذه الدعوى أيضاً بعدم دستورية المادتين ٣٥، ٣٦ مكرراً (ز) سالفتى الذكر، وبجلسة ٢٥ مايو سنة ١٩٨٠ قضت محكمة طوخ الجزئية بوقف الدعوى لمدة ستة أشهر. وأقام المدعى بعد ذلك الدعوى الماثلة. وحيث إن ولاية المحكمة الدستورية العليا فى الدعاوى الدستورية – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – لا تقوم إلا باتصالها بالدعوى اتصالا مطابقاً للأوضاع المقررة فى المادة ٢٩ من قانون إنشائها الصادر بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٩ وذلك إما بإحالة الأوراق إليها من إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى للفصل فى المسألة الدستورية، وإما برفعها من أحد الخصوم بمناسبة دعوى موضوعية مقامة دفع فيها الخصم بعدم دستورية نص تشريعى وقدرت محكمة الموضوع جدية دفعه، فرخصت له برفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا. لما كان ذلك، وكانت محكمة طوخ الجزئية فى الدعوى رقم ٥٥٥ لسنة ١٩٧٩ مدنى لم تصرح برفع الدعوى الدستورية، ومن ثم يتحدد نطاق الدعوى الماثلة بالمواد ٣٣ مكرراً (ز)، ٣٥، ٣٦ مكرراً، ٣٦ مكرراً (ب)، ٣٦ مكرراً (ز) التى صرحت محكمة بنها الابتدائية فى الدعوى رقم ٣٩٤٤ لسنة ١٩٧٩ مدنى كلى برفع الدعوى الدستورية بشأنها، أما بالنسبة للمادتين ٣٩ مكرراً، ٣٩ مكرراً (أ) اللتين أضافهما المدعى فى صحيفة الدعوى الدستورية فإن الدعوى بشأنهما تكون غير مقبولة إذا لم يتحقق إتصال المحكمة بهذا الشق من الطلبات اتصالاً مطابقاً للأوضاع المقررة قانوناً. وحيث إن المدعى وإن كان قد طعن بعدم دستورية المواد ٣٣ مكرراً (ز)، ٣٥ ، ٣٦ مكرراً، ٣٦ مكرراً (ب) ، ٣٦ مكرراً (ز)، إلا أنه يشترط لقبول الطعن بعدم الدستورية أن تتوافر للطاعن مصلحة شخصية ومباشرة فى طعنه، ومناط هذه المصلحة ارتباطها بمصلحته فى دعوى الموضوع التى أثير الدفع بعدم الدستورية بمناسبتها، والتى يؤثر الحكم فيه على الحكم فيها، وكان ما استهدفه المدعى من دعواه الموضوعية، هو الحكم بتسليمه مبالغ الأجرة التى تم إيداعها الجمعية التعاونية الزراعية بمعرفة مستأجرى أرضه وكانت المادة ٣٦ مكرراً (ز) هى التى ترتبط بطلبات المدعى بما تضمنته من قواعد تتعلق بامتناع المؤجر عن تسلم الأجرة وإيداعها مقر الجمعية التعاونية الزراعية، وعرضها على المؤجر أو وكيله، ومن ثم فإن مصلحة المدعى إنما تقوم على الطعن بعدم دستورية هذه المادة فحسب بتقدير أن الحكم له فى الطلبات الموضوعية يرتبط بما يسفر عنه القضاء فى الطعن بعدم دستوريتها، أما المواد ٣٣ مكرراً (ز)، ٣٥، ٣٦ مكرراً، ٣٦ مكرراً (ب) فلا مصلحة شخصية ومباشرة له فى الطعن بعدم دستوريتها، ذلك أن المادة ٣٣ مكرراً (ز) تتعلق بعدم انتهاء عقد الإيجار نقداً أو مزارعة بموت المستأجر أو المؤجر، وانتقال الإيجار إلى ورثة المستأجر عند وفاته، وتنص المادة ٣٥ على عدم جواز إخلاء الأطيان المؤجرة ، ولو عند انتهاء المدة المتفق عليها فى العقد إلا إذا أخل المستأجر بالتزام جوهرى يقضى به القانون أو العقد، وأنه يجب الحكم بالفسخ متى تكرر تأخير المستأجر فى الوفاء بالأجرة، كما تنص على انتهاء الإجارة بالنسبة للأراضى المرخص فى زراعتها ذرة أو أرزاً لغذاء المرخص له أو برسيماً لمواشيه والأراضى المرخص فى زراعتها زرعة واحدة فى السنة عند انتهاء المدة المتفق عليها، وتعالج المادة ٣٦ مكرراً أحكام الامتناع عن إيداع عقد الإيجار بالجمعية التعاونية الزراعية المختصة أو توقعيه وتقضى المادة ٣٦ مكرراً (ب) بعدم قبول المنازعات والدعاوى الناشئة عن إيجار الأراضى الزراعية ما لم يكن عقد الإيجار مودعاً الجمعية، ومن ثم تكون الدعوى غير مقبولة بالنسبة إلى هذه المواد. وحيث إن الدعوى فى شقها الخاص بالطعن على المادة ٣٦ مكرراً (ز) قد استوفت أوضاعها القانونية. وحيث إن المدعى ينعى بداءة على المادة المشار إليها تعارضها مع مبادئ الشريعة الإسلامية التى جعلتها المادة الثانية من الدستور المصدر الرئيس للتشريع باعتبار أن المادة المطعون عليها تؤدى إلى سلب أموال المالك وحرمانه من الالتجاء إلى القضاء. وحيث إن المادة ٣٦ مكرراً (ز) من المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ قد أضيفت بالقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٦٣ وعدلت بالقانون رقم ٥٢ لسنة ١٩٦٦ الذى تم العمل به ابتداء من ٨ سبتمبر سنة ١٩٦٦. وإذا كان من المقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – إن إلزام المشرع باتخاذ مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع بعد تعديل المادة الثانية من الدستور بتاريخ ٢٢ مايو سنة ١٩٨٠ لا ينصرف سوى إلى التشريعات التى تصدر بعد التاريخ الذى فرض فيه هذا الإلزام، بحيث إذا انطوى أى منها على ما يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية يكون قد وقع فى حومة المخالفة الدستورية، أما التشريعات السابقة على ذلك التاريخ، فلا يتأتى إنفاذ حكم الإلزام المشار إليه بالنسبة لها لصدورها فعلاً من قبل، أى فى وقت لم يكن القيد المتضمن هذا الإلزام قائماً واجب الإعمال، لما كان ذلك،و كانت المادة المطعون عليها لم يلحقها أى تعديل بعد التاريخ المشار إليه، فإن النعى عليها وحالتها هذه بمخالفة المادة الثانية من الدستور، وأيا كان وجه الرأى فى تعارضها مع مبادئ الشريعة الإسلامية، يكون فى غير محله. وحيث إن المدعى ينعى أيضاً على المادة ٣٦ مكرراً (ز) عدم دستوريتها فيما تضمنته من خصم رسوم إيداع المبالغ المحصلة من المستأجر خزانة المحكمة، إستناداً إلى أن هذا الخصم يتعارض مع نص الفقرة الثالثة من المادة ١١٩ من الدستور التى تقضى بأنه لا يجوز تكليف أحد أداء رسم إلا فى حدود القانون. وحيث إن هذا النعى مردود بأن فرض رسم على ما يودع خزائن المحاكم قد تقرر بمقتضى القانون رقم ٩٠ لسنة ١٩٤٤ بشأن الرسوم القضائية فى المواد المدنية، ومن ثم فإن القانون هو الذى فرض رسم الإيداع ويعتبر المصدر المنشئ لهذا الرسم وبالتالى يكون النعى بعدم دستورية المادة المذكورة فيما قضت به من خصم رسوم الإيداع فى غير محله. وحيث إن ما ينعاه المدعى كذلك على نص المادة ٣٦ مكرراً (ز) من مخالفتها لنص المادة (٢٥) من الدستور التى تنص على أن “لكل مواطن نصيب فى الناتج القومى يحدده القانون بمراعاة عمله أو ملكيته غير المستغلة” مردود بأن حكم هذه المادة لا يستهدف سوى مجرد التيسير على المستأجر فى الوفاء بالأجرة عند امتناع المؤجر عن قبولها بحيث يتجنب إجراءات وأحكام العرض والإيداع التى نظمها قانون المرافعات والقانون المدنى ومن ثم، فإن حكم هذه المادة لا يمس حق المدعى فى ناتج أرضه. وحيث إنه عما ينعاه المدعى على نص المادة المطعون عليها من مخالفتها لبعض نصوص القانون المدنى وقانون المرافعات، فإنه لما كان من المقرر أن مناط اختصاص هذه المحكمة بالفصل فى دستورية القوانين واللوائح، أن يكون أساس الطعن هو مخالفة التشريع لنص دستوري، فلا يمتد لحالات التعارض بين اللوائح والقوانين ولا بين التشريعات ذات المرتبة الواحدة،و من ثم، فإن هذا النعى – أيا كان وجه الرأى فى قيام هذا التعارض – لا يعدو أن يكون نعياً بمخالفة قانون لقانون، وهو ما لا تمتد إليه ولاية المحكمة، ولا يشكل بذلك خروجاً على أحكام الدستور. وحيث إنه لا محل لما يثيره المدعى من أن تطبيق النصوص المطعون عليها ترتب عليها عدم تنفيذ الأحكام الصادرة لمصلحته، والحيلولة بينه وبين الوصول إلى حقه، ذلك أن هذه المطاعن – أيا كان وجه الرأى فيها – لا تعدو أن تكون نعياً على كيفية تطبيق القانون وإجراءات تنفيذه، وجدلاً حول مشروعية هذه الإجراءات، مما لا يجوز التعرض له أمام هذه المحكمة، إذ لا يشكل بدوره عيباً دستورياً يصم القانون المطعون فيه. وحيث إنه لما تقدم ، يتعين رفض الدعوى. “لهذه الأسباب” حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ ثلاثين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة.