حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٠ لسنة ١ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٠ لسنة ١ دستورية
– – – ١ – – –
الدستور بين على وجه التحديد المقصود بالحكومة بما نص عليه فى المادة ١٥٣ من أن الحكومة هى الهيئة التنفيذية و الإدارية العليا للدولة و تتكون الحكومة من رئيس مجلس الوزراء و نوابه و الوزراء و نوابهم”.
– – – ٢ – – –
المحكمة الدستورية العليا هى المختصة وحدها بنظر الدعوى الدستورية الماثلة إعمالاً للمادة ١٧٥ من الدستور و المادة [٢٥] من قانون المحكمة الدستورية العليا المشار إليه – اللتين عقدتا لها دون غيرها ولاية الرقابة القضائية على دستورية القوانين و اللوائح.
– – – ٣ – – –
أنه عما دفعت به الحكومة أيضاً من عدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة تأسيساً على أن شيخ الأزهر هو الذى يملك وحده تمثيل جامعة الأزهر بإعتبارها من الهيئات التى يشملها الأزهر، و أن القانون رقم ١٠٣ لسنة ١٩٦١ بشأن إعادة تنظيم الأزهر لم يضف على جامعة الأزهر شخصية إعتبارية تخولها حق التقاضى و تجيز لرئيسها تمثيلها لدى المحاكم، فأنه إذ كانت المادة [٣٩] من القانون رقم ١٠٣ لسنة ١٩٦١ المشار إليه تنص على أن “يتولى إدارة جامعة الأزهر: ١] مدير جامعة الأزهر [رئيس جامعة الأزهر منذ العمل بالقانون رقم ٥١ لسنة ١٩٧٧] ٢] مجلس الجامعة”. كما تنص المادة ٤٢ منه على أن “يتولى مدير الجامعة إدارة شئون الجامعة العلمية و الإدارية و المالية، و هو الذى يمثلها أمام الهيئات الأخرى….” فأن مؤدى ذلك، أن القانون أسند إلى رئيس الجامعة صفة النيابة عنها فى جميع صلاتها بالهيئات الأخرى و التى تدخل فى عمومها الهيئات القضائية، و ما يتفرع عن هذه النيابة من أهلية التقاضى فيما يتعلق بتلك الصلات و من بينها التعاقد على شراء معدات لكليات الجامعة و ما قد ينشأ عنها من منازعات قضائية، و هو الحال الذى إقتضى إختصام المدعى بصفته فى الدعوى الموضوعية – و ترتب على إثارة الدفع بعدم الدستورية فيها – إقامة المدعى بصفته للدعوى الماثلة، و من ثم فإن الدفع بعدم قبول المدعى بصفته للدعوى الماثلة، و من ثم فإن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة يكون على غير أساس.
– – – ٤ – – –
أن الرقابة القضائية على دستورية القوانين و اللوائح – المنوطة بالمحكمة الدستورية العليا – تستهدف أصلاً صون الدستور القائم و تأكيد إحترامه و حمايته من الخروج على أحكامه، و سبيل هذه الرقابة التحقق من إلتزام سلطة التشريع بما يورده الدستور فى مختلف نصوصه من ضوابط و قيود و من ثم فإنه يتعين – عند الفصل فيما يثار فى شأن هذه التشريعات من مطاعن تستهدف نقض قرينة الدستورية – إستظهار هذه الضوابط و القيود و تحديدها و ذلك للتعرف على مدى مخالفة تلك التشريعات لها.
– – – ٥ – – –
أنه يبين من صيغة العبارة الأخيرة من المادة الثانية من الدستور – بعد تعديلها على نحو ما سلف – أن المشرع الدستورى أتى بقيد على السلطة المختصة بالتشريع قوامه إلزام هذه السلطة – و هى بصدد وضع التشريعات – بالإلتجاء إلى مبادئ الشريعة لإستمداد الأحكام المنظمة للمجتمع، و هو ما أشارت إليه اللجنة الخاصة بالإعداد لتعديل الدستور فى تقريرها إلى مجلس الشعب و الذى أقره المجلس بجلسة ١٩ يولية سنة ١٩٧٩ و أكدته اللجنة التى أعدت مشروع التعديل و قدمته إلى المجلس فناقشه و وافق عليه بجلسة ٣٠ أبريل سنة ١٩٨٠ إذ جاء فى تقريرها عن مقاصد تعديل الدستور بالنسبة للعبارة الأخيرة من المادة الثانية بأنها “تلزم المشرع بالإلتجاء إلى أحكام الشريعة الإسلامية للبحث عن بغيته فيها مع إلزامه بعدم الإلتجاء إلى غيرها، فإذا لم يجد فى الشريعة الإسلامية حكماً صريحاً، فإن وسائل إستنباط الأحكام من المصادر الإجتهادية فى الشريعة الإسلامية تمكن المشرع من التوصل إلى الأحكام اللازمة و التى لا تخالف الأصول و المبادئ العامة للشريعة…..”.
– – – ٦ – – –
أن سلطة التشريع إعتباراً من تاريخ العمل بتعديل العبارة الأخيرة من المادة الثانية من الدستور فى ٢٢ مايو سنة ١٩٨٠ – أصبحت مقيدة فيما تسنه من تشريعات مستحدثة أو معدلة لتشريعات سابقة على هذا التاريخ، بمراعاة أن تكون هذه التشريعات متفقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية و بحيث لا تخرج – فى الوقف ذاته – عن الضوابط و القيود التى تفرضها النصوص الدستورية الأخرى على سلطة التشريع فى صدد الممارسة التشريعية. فهى التى يتحدد بها – مع ذلك القيد المستحدث – النطاق الذى تباشر من خلاله المحكمة الدستورية العليا رقابتها القضائية على دستورية التشريعات. لما كان ذلك و كان إلزام المشرع بإتخاذ بمادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع على ما سلف بيانه لا ينصرف سوى إلى التشريعات التى تصدر بعد التاريخ الذى فرض فيه الإلزام بحيث إذا إنطوى أى منها على ما يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية يكون قد وقع فى حومة المخالفة الدستورية، أما التشريعات السابقة على ذلك التاريخ، فلا يتأتى إنفاذ حكم الإلزام المشار إليه بالنسبة لها لصدورها فعلاً من قبله، أى فى وقت لم يكن القيد المتضمن هذا الإلزام قائماً واجب الإعمال و من ثم، فإن هذه التشريعات تكون بمنأى عن أعمال هذا القيد، و هو مناط الرقابة الدستورية. و يؤيد هذا النظر ما أوردته اللجنة العامة فى مجلس الشعب بتقريرها المقدم بجلسة ١٥ سبتمبر سنة ١٩٨١ و الذى وافق عليه المجلس من أنه “كان دستور سنة ١٩٧١ أول دستور فى تاريخنا الحديث ينص صراحة على أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسى للتشريع، ثم عدم الدستور عام ١٩٨٠ لتكون الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، و هذا يعنى عدم جواز إصدار أى تشريع فى المستقبل يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، كما يعنى ضرورة إعادة النظر فى القوانين القائمة قبل العمل بدستور سنة ١٩٧١ و تعديلها بما يجعلها متفقة مع أحكام الشريعة الإسلامية” وإستطرد تقرير اللجنة إلى أن “الإنتقال من النظام القانونى القائم حالياً فى مصر و الذى يرجع إلى أكثر من مائة سنة إلى النظام القانونى الإسلامى المتكامل يقتضى الإناه و التدقيق العملى، و من هنا، فأن تقنين المتغيرات الإقتصادية و الإجتماعية التى لم تكن مألوفة ، أو معروفة ، و كذلك ما جد فى عالمنا المعاصر و ما يقتضيه الوجود فى المجتمع الدولى من صلات و علاقات و معاملات ، كل ذلك يستأهل الرؤية و يتطلب جهوداً ، و من ثم فإن تغيير النظام القانونى جميعه ينبغى أن يتاح لواضعيه و القائمين عليه الفترة الزمنية المناسبة حتى تجمع هذه القوانين متكاملة فى إطار القرآن و السنة و أحكام المجتهدين من الأئمة و العلماء . . . . . ” .
– – – ٧ – – –
إن مقتضى تعديل المادة الثانية من الدستور هو جعل مبادئ الشريعة الإسلامية قواعد قانونية موضوعية واجبة الإعمال بذاتها و من فورها على ما سبق هذا التعديل من تشريعات بما يوجب نسخ ما يتعارض منها مع تلك المبادئ ، فأن هذا القول مردود بما سبق أن عرضت له المحكمة عن حقيقة المقصود من ذلك التعديل ، و هو أنه قيد إستحدثه الدستور على سلطة المشرع فى شأن المصادر التى يستقى منها أحكامه التشريعية و أنه لا يمكن إعماله إلا بالنسبة للتشريعات اللاحقة على فرضه دون التشريعات السابقة ، كما ينقض ذلك القول ما تضمنته الأعمال التحضيرية لمشروع التعديل على ما سلف إيضاحه من أن المنوط به أعمال القيد المشار إليه هو السلطة المختصة بالتشريع ، بالإضافة إلى أن المشرع الدستورى لو أراد جعل مبادئ التشريع الإسلامية من بين القواعد المدرجة فى الدستور على وجه التحديد أو قصد أن يجرى أعمال تلك المبادئ بواسطة المحاكم التى تتولى تطبيق التشريعات دون ما حاجة إلى إفراغها فى نصوص تشريعية محددة مستوفاة للإجراءات التى عينها الدستور ، لما أعوزه النص على ذلك صراحة ، هذا فضلاً عن أن مؤدى ما يقول به المدعى من الأعمال المباشرة لمبادئ الشريعة الإسلامية عن طريق تلك المحاكم لا يقف عند مجرد إهدار ما قد يتعارض مع هذه المبادئ من التشريعات السابقة المنظمة لمختلف النواحى المدنية والجنائية و الإجتماعية و الإقتصادية بل أن الأمر لابد و أن يقترن بضرورة تقضى المحاكم للقواعد غير المقننة التى يلزم تطبيقها فى المنازعات المطروحة عليها بدلاً من النصوص المنسوخة مع ما قد يؤدى إليه ذلك من تناقض بين هذه القواعد و يجر إلى تهاتر الأحكام و زعزعة الإستقرار .
– – – ٨ – – –
أن أعمال المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها – على ما تقدم بيانه، و إن كان مؤداه إلزام المشرع بإتخاذ مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى لما يضعه من تشريعات بعد التاريخ الذى فرض فيه هذا الإلزام بما يترتب عليه من إعتباره مخالفاً للدستور إذا لم يلتزم بذلك القيد، إلا أن قصر هذا الإلزام على تلك التشريعات لا يعنى إعفاء المشرع من تبعة الإبقاء على التشريعات السابقة – رغم ما قد يشوبها من تعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية، و إنما يلقى على عاتقه من الناحية السياسية مسئولية المبادرة إلى تنقية نصوص هذه التشريعات من أية مخالفة للمبادئ سالفة الذكر، تحقيقاً للإتساق بينها و بين التشريعات اللاحقة فى وجوب إتفاقها جميعاً مع هذه المبادئ و عدم الخروج عليها.
– – – ٩ – – –
ولما كان مبنى الطعن مخالفة المادة ٢٢٦ من القانون المدني للمادة الثانية من الدستور تأسيساً على أن فوائد التأخير المستحقة بموجبها تعد من الربا المحرم شرعاً طبقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية التي جعلتها المادة الثانية من الدستور المصدر الرئيسي للتشريع، وإذ كان القيد المقرر بمقتضى هذه المادة – بعد تعديلها بتاريخ ٢٢ مايو سنة ١٩٨٠ والمتضمن إلزام المشرع بعدم مخالفة مبادئ الشريعة الإسلامية – لا يتأتى إعماله بالنسبة للتشريعات السابقة عليه حسبما سلف بيانه، وكانت المادة ٢٢٦ من القانون المدني الصادر سنة ١٩٤٨ لم يلحقها أي تعديل بعد التاريخ المشار إليه، ومن ثم، فإن النعي عليها، وحالتها هذه – بمخالفة حكم المادة الثانية من الدستور وأياً كان وجه الرأي في تعارضها مع مبادئ الشريعة الإسلامية – يكون في غير محله. الأمر الذي يتعين معه الحكم برفض الدعوى.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات والمداولة. حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى بصفته كان قد أقام الطعن رقم ٤٦١ لسنة ٢٢ قضائية أمام المحكمة الادارية العليا طالبا الغاء الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى فى الدعوى رقم ١٤٦٥ لسنة ٣٥ قضائية بالزامه ووزير الاوقاف وعميد كلية الطب بصفاتهم بان يدفعوا لمورث المدعى عليه الرابع مبلغ ١١٢ر٢٩٢ جنيه باقى ثمن آلات جراحية تم توريدها الى كلية الطب جامعة الازهر – والفوائد القانونية عن هذا المبلغ بواقع ٤% من تاريخ المطالبة القضائية. واثناء نظر الطعن دفع المدعى بصفته بعدم دستورية المادة ٢٣٦ من القانون المدنى. فقضت المحكمة الادارية العليا بجلسة ٣ ابريل سنة ١٩٧٨ بوقف الفصل فى الطعن ليرفع المدعى دعواه الدستورية فأقام الدعوى الماثلة. وحيث إن الحكومة دفعت بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى استنادا الى ان جامعة الازهر تتبع الازهر الذى يعد من الاشخاص المعنوية العامة وبالتالى فهى من جهات الحكومة التى اعتبرها المشرع من ذوى الشأن فى القضايا الدستورية، فلا يجوز لها الطعن بعدم دستورية التشريعات على اساس انها تشارك فى وضعها وعليها الدفاع عن سلامتها. هذا بالاضافة الى ان المنازعة الماثلة – وهى تقوم بين جهتين حكوميتين – تندرج تحت المنازعات التى تختص الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة – دون غيرها – بإبداء الرأى الملزم للجانبين فيها عملا بالمادة ٦٦ فقرة (د) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم ٤٧ لسنة ١٩٧٢. وحيث إن هذا الدفع مردود بأن الدستور بين على وجه التحديد المقصود بالحكومة بما نص عليه فى المادة ١٥٣ من أن “الحكومة هى الهيئة التنفيذية والادارية العليا للدولة وتتكون الحكومة من رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم” واذ كان هذا التعريف لا يدخل فى مدلولة الازهر باعتباره الهيئة العلمية الاسلامية الكبرى التى اثبت لها القانون الشخصية المعنوية بما نص عليه صراحة فى المادة السادسة من القانون رقم ١٠٣ لسنة ١٩٦١ بشأن اعادة تنظيم الازهر والهيئات التى يشملها من أن “يكون الازهر شخصية معنوية عربية الجنس”… ومن ثم، فأن جامعة الازهر – وهى احدى هيئاته – لا ينطبق عليها معنى الحكومة على النحو الذى عناه المشرع فى المادة ٣٥ من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٩ والذى نص فيه على أن “تعتبر الحكومة من ذوى الشأن فى الدعاوى الدستورية” مستهدفا ذلك تمكينها من أن تقول كلمتها فى الطعون الموجهة الى التشريعات التى تكون قد أصدرتها أو شاركت فى وضعها. لما كان ذلك. وكانت هذه المحكمة – من ناحية أخرى – هى المختصة وحدها بنظر الدعوى الدستورية الماثلة أعمالا للمادة ١٧٥ من الدستور والمادة (٢٥) من قانون المحكمة الدستورية العليا المشار اليه – اللتين عقدتا لها دون غيرها ولاية الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح بما ينتفى معه القول بانها من المنازعات التى تختص بها الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة – ومن ثم، فان الدفع بعدم الاختصاص يكون فى شقيه على غير أساس متعين الرفض. وحيث إنه عما دفعت به الحكومة أيضا من عدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة تأسيسا على أن شيخ الازهر هو الذى يملك وحده تمثيل جامعة الازهر باعتبارها من الهيئات التى يشملها الازهر، وان القانون رقم ١٠٣ لسنة ١٩٦١ بشأن اعادة تنظيم التقاضى وتجيز لرئيسها تمثيلها لدى المحاكم، فأنه اذ كانت المادة (٣٩) من القانون رقم ١٠٣ لسنة ١٩٦١ المشار اليه تنص على أن “يتولى ادارة جامعة الازهر “١ – مدير جامعة الازهر (رئيس جامعة الازهر منذ العمل بالقانون رقم ٥١ لسنة ١٩٧٢) ٢ – (مجلس الجامعة). كما تنص المادة ٤٢ منه على أن “يتولى مدير الجامعة ادارة شئون الجامعة العلمية والادارية والمالية، وهو الذى يمثلها أمام الهيئات الاخرى…” فان مؤدى ذلك، أن القانون أسند الى رئيس الجامعة صفة النيابة عنها فى جميع صلاتها بالهيئات الاخرى والتى تدخل فى عمومها الهيئات القضائية، وما يتفرع عن هذه النيابة من اهلية التقاضى فيما يتعلق بتلك الصلات ومن بينها التعاقد على شراء معدات لكليات الجامعة وما قد ينشأ عنها من منازعات قضائية، وهو الحال الذى اقتضى اختصاص المدعى بصفته فى الدعوى الموضوعية – وترتب على اثارة الدفع بعدم الدستورية فيها – اقامة المدعى بصفته للدعوى الماثلة، ومن ثم فان الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة يكون على غير أساس. وحيث إن الدعوى استوفت اوضاعها القانونية. وحيث إن المدعى بصفته ينعى على نص المادة ٢٢٦ من القانون المدنى أنها اذ تقضى باستحقاق فوائد محددة القدر عن مجرد التأخر فى الوفاء بالالتزام النقدى تكون قد انطوت على مخالفة لمبادئ الشريعة الاسلامية التى أصبحت طبقا للمادة الثانية من الدستور “المصدر الرئيسى للتشريع”. وذلك بإعتبار أن تلك الفوائد تمثل زيادة فى الدين بغير مقابل، فهى الربا المتفق على تحريمه اخذ بقوله تعالى “وأحل الله البيع وحرم الربا” وهو من الأحكام الشرعية المقطوع بها ثبوتا ودلالة والتى أصبحت بموجب المادة الثانية من الدستور فى مصاف القواعد القانونية الوضعية التى من شأنها نسخ ما كان سابقا عليها متعارضا معها من نصوص التشريعات الوضعية نسخا ضمنيا، إذ صارت بذاتها واجبة الأعمال دون حاجة إلى صدور تشريع يقننها. وحيث إن القانون المدنى الصادر بالقانون رقم ١٣١ لسنة ١٩٤٨ فى ١٦ يوليو سنة ١٩٤٨ والمعمول به إبتداء من ١٥ أكتوبر سنة ١٩٤٩ ينص فى المادة ٢٢٦ منه – محل الطعن – على أنه “إذا كان محل الإلتزام مبلغا من النقود، وكان معلوم المقدار وقت الطلب وتأخر المدين فى الوفاء به، كان ملزما بأن يدفع للدائن على سبيل التعويض عن التأخر فوائد قدرها أربعة فى المائة فى المسائل المدنية و خمسة فى المائة فى المسائل التجارية . وتسرى هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية بها، ان لم يحدد الاتفاق أو العرف التجارى تاريخاً آخر لسريانها، وهذا كله ما لم ينص القانون على غيره”. وحيث إنه يبين من تعديل الدستور الذى تم بتاريخ ٢٢مايو سنة ١٩٨٠ أن المادة الثانية أصبحت تنص على أن “الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للشريع”. بعد أن كانت تنص عند صدور الدستور فى ١١ سبتمبر سنة ١٩٧١ على أن “الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الاسلامية مصدر رئيسى للتشريع ” والعبارة الأخيرة من هذا النص لم يكن لها سابقة فى أى من الدساتير المصرية المتعاقبة إبتداءاً من دستور ١٩٢٣ وحتى الدستور سنة ١٩٦٤. وحيث إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح – المنوطه بالمحكمة الدستورية العليا – تستهدف أصلا صون الدستور القائم وتأكيد إحترامه وحمايته من الخروج على أحكامه. وسبيل هذه الرقابة التحقق من الالتزام سلطة التشريع بما يورده الدستور فى مختلف نصوصه من ضوابط وقيود ومن ثم فانه يتعين – عند الفصل فيما يثار فى شأن التشريعات من مطاعن تستهدف نقض قرينة الدستورية – استظهار هذه الضوابط والقيود وتحديدها وذلك للتعرف على مدى مخالفة تلك التشريعات لها. وحيث إنه يبين من صيغة العبارة الاخيرة من المادة الثانية من الدستور – بعد تعديلها على نحو ما سلف – ان المشرع الدستورى أتى بقيد على السلطة المختصة بالتشريع قوامه إلزام هذه السلطة – وهى بصدد وضع التشريعات – بالإلتجاء إلى مبادئ الشريعة لاستمداد الأحكام المنظمة للمجتمع، وهو ما أشارت إليه اللجنة الخاصة بالأعداد لتعديل الدستور فى تقريرها الى مجلس الشعب والذى أقره المجلس بجلسة ١٩ يولية سنة ١٩٧٩ وأكدته اللجنة التى أعدت مشروع التعديل وقدمته الى المجلس فناقشه ووافق عليه بجلسة ٣٠ إبريل سنة ١٩٨٠ إذ جاء فى تقريرها عن مقاصد تعديل الدستور بالنسبة للعبارة الأخيرة من المادة الثانية بانها “تلزم المشرع بالالتجاء الى أحكام الشريعة الإسلامية للبحث عن بغيته فيها مع الزامه بعدم الالتجاء الى غيرها، فاذا لم يجد فى الشريعة الإسلامية حكما صريحاً، فإن وسائل استنباط الأحكام من المصادر الاجتهادية فى الشريعة الاسلامية تمكن المشرع من التوصل الى الاحكام اللازمة والتى لا تخالف الأصول والمبادئ العامة للشريعة”. ولما كان مفاد ما تقدم، أن سلطة التشريع اعتبارا من تاريخ العمل بتعديل العبارة الاخيرة من المادة الثانية من الدستور فى ٢٢ مايو سنة ١٩٨٠ – أصبحت مقيدة فيما تسنه من تشريعات مستحدثه أو معدله لتشريعات سابقة على هذا التاريخ، بمراعاة أن تكون هذه التشريعات متفقة مع مبادئ الشريعة الاسلامية وبحيث لا تخرج – فى الوقت ذاته – عن الضوابط والقيود التى تفرضها النصوص الدستورية الاخرى على سلطة التشريع فى صدد الممارسة التشريعية. فهى التى يتحدد بها – مع ذلك القيد المستحدث – النطاق الذى تباشر من خلاله المحكمة الدستورية العليا رقابتها القضائية على دستورية التشريعات. لما كان ذلك وكان الزام المشرع بإتخاذ مبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع على ما سلف بيانه لا ينصرف سوى الى التشريعات التى تصدر بعد التاريخ الذى فرض فيه الالزام بحيث إذا إنطوى أى منها على ما يتعارض مع مبادئ الشريعة الاسلامية يكون قد وقع فى حومة المخالفة الدستورية، أما التشريعات السابقة على ذلك التاريخ، فلا يتأنى إنفاذ حكم الالزام المشار اليه بالنسبة لها لصدورها فعلاً من قبله، أى فى وقت لم يكن القيد المتضمن هذا الالزام قائما واجب الاعمال ومن ثم، فان هذه التشريعات تكون بمنأى عن أعمال هذا القيد، وهو مناط الرقابة الدستورية. ويؤيد هذا النظر ما أوردته اللجنة العامة فى مجلس الشعب بتقريرها المقدم بجلسة ١٥ سبتمبر سنة ١٩٨١ والذى وافق عليه المجلس من إنه “كان دستور سنة ١٩٧١ أول دستور فى تاريخنا الحديث ينص صراحة على أن الشريعة الاسلامية مصدر رئيسى للتشريع، ثم عدل الدستور عام ١٩٨٠ لتكون الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع وهذا يعنى عدم جواز اصدار أى تشريع فى المستقبل يخالف أحكام الشريعة الاسلامية ، كما يعنى ضرورة اعادة النظر فى القوانين القائمة قبل العمل بدستور سنة ١٩٧١ وتعديلها بما يجعلها متفقه مع أحكام الشريعة الاسلامية” وإستطرد تقرير اللجنة إلى أن “الانتقال من النظام القانونى القائم حاليا فى مصر والذى يرجع الى أكثر من مائة سنة إلى النظام الاسلامى المتكامل يقتضى الإناه والتدقيق العملى، ومن هنا، فإن تقنين المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التى لم تكن مألوفة، أو معروفة، وكذلك ما جد فى عالمنا المعاصر وما يقتضيه الوجود فى المجتمع الدولى من صلات وعلاقات ومعاملات، كل ذلك يستأهل الروية ويتطلب جهوداً، ومن ثم فان تغيير النظام القانونى جميعه ينبغى أن يتاح لواضعيه والقائمين عليه الفترة الزمنية المناسبة حتى تجمع هذه القوانين متكاملة فى إطار القرآن والسنه وأحكام المجتهدين من الأئمة والعلماء…”. وحيث إن ما ذهب اليه المدعى من أن مقتضى تعديل المادة الثانية من الدستور هو جعل مبادئ الشريعة الاسلامية قواعد قانونية موضوعية واجبة الأعمال بذاتها ومن فورها على ما سبق هذا التعديل من تشريعات بما يوجب نسخ ما يتعارض منها مع تلك المبادئ، فإن هذا القول مردود بما سبق ان عرضت له المحكمة عن حقيقة المقصود من ذلك التعديل، وهو أنه قيد أستحدثه الدستور على سلطة المشرع فى شأن المصادر التى يستقى منها أحكامه – التشريعية وإنه لا يمكن اعماله الا بالنسبة للتشريعات اللاحقة على فرضه دن التشريعات السابقة كما ينقض القول ما تضمنته الأعمال التحضيرية لمشروع التعديل على ما سلف إيضاحه من أن المنوط به أعمال القيد المشار إليه هو السلطة المختصة بالتشريع، بالاضافة الى أن المشرع الدستورى لو أراد جعل مبادئ الشريعة الاسلامية من بين القواعد المدرجة فى الدستور على وجه التحديد أو قصد أن يجرى أعمال تلك المبادئ بواسطة المحاكم التى تتولى تطبيق التشريعات دون ما حاجة الى إفراغها فى نصوص تشريعية محددة مستوفاه للإجراءات التى عينها الدستور ، لما أعوزه النص على ذلك صراحة، هذا فضلا عن أن مؤدى ما يقول به المدعى من الاعمال المباشر لمبادئ الشريعة الاسلامية عن طريق تلك المحاكم لا يقف عند مجرد إهدار ما قد يتعارض مع هذه المبادئ من التشريعات السابقة المنظمة لمختلف النواحى المدنية والجنائية والاجتماعية والاقتصادية بل أن الامر لا بد وان يقترن بضرورة تقصى المحاكم للقواعد غير المقننه التى يلزم تطبيقها فى المنازعات المطروحة عليها بدلا من النصوص المنسوخة مع ما قد يؤدى إليه ذلك من تناقض بين هذه القواعد ويجر الى تهاتر الأحكام وزعزة الاستقرار. وحيث إن أعمال المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها – على ما تقدم بيانه، وإن كان مؤداه إلزام المشرع بأتخاذ مبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى لما يضعه من تشريعات بعد التاريخ الذى فرض هذا الإلزام بما يترتب عليه من أعتباره مخالفا للدستور إذا لم يلتزم بذلك القيد، إلا أن قصر هذا الالزام على تلك التنشريعات لايعنى اعفاء المشرع من تبعة الابقاء على التشريعات السابقة – رغم ما قد يشوبها من تعارض مع مبادئ الشريعة الاسلامية، وإنما يلقى على عاتقه من الناحية السياسية مسئولية المبادره التى تنقيه نصوص هذة التشريعات من أية مخالفة للمبادئ سالفة الذكر، تحقيقاً للالتساق بينها وبين التشريعات اللاحقة فى وجوب إتفاقها جميعا مع هذه المبادئ وعدم الخروج عليها. وحيث إنه ترتيبا على ما تقدم، ولما كان مبنى الطعن مخالفة المادة ٢٢٦ من القانون المدنى للمادة الثانية من الدستور تأسيساً على أن فوائد التأخير المستحقة بموجبها تعد من الربا المحرم شرعا طبقا لمبادئ الشريعة الاسلامية التى جعلتها المادة الثانية من الدستور المصدر الرئيسى للتشريع، وإذ كان القيد المقرر بمقتضى هذه المادة – بعد تعديلها بتاريخ ٢٢ مايو سنة ١٩٨٠ والمتضمن إلزام المشرع بعدم مخالفة الشريعة الاسلامية – لا يتأتى أعماله بالنسبة للتشريعات السابقة عليه حسبما سلف بيانه، وكانت المادة ٢٢٦ من القانون المدنى الصادر سنة ١٩٤٨ لم يلحقها أى تعديل من التاريخ المشار إليه، ومن ثم، فإن النعى عليها، وحالتها هذه – بمخالفة حكم المادة الثانية من الدستور وأيا كان وجه الرأى فى تعارضها مع مبادئ الشريعة الإسلامية – يكون فى غير محله. الأمر الذى يتعين معه الحكم برفض الدعوى. “لهذه الأسباب” حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة والزمت المدعى بصفته المصروفات ومبلغ ثلاثين جنيها مقابل اتعاب المحاماة.