حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٩ لسنة ١٧ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٩ لسنة ١٧ دستورية
تاريخ النشر : ١٨ – ٠٧ – ٢٠٠٢

منطوق الحكم : عدم قبول دستورية

مضمون الحكم : القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم ١٩ لسنة ١٧ قضائية دستورية بشأن الدفع بعدم دستورية المادتين ٢٣٨ و٢٤٤ من قانون العقوبات رقم ٥٨ لسنة ١٩٣٧.

الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد ٧ يوليه سنة ٢٠٠٢ الموافق ٢٦ ربيع الآخر سنة ١٤٢٣ هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور / محمد فتحى نجيب رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : عبد الرحمن نصير وماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وأنور رشاد العاصى
وحضور السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ١٩ لسنة ١٧ قضائية دستورية
.
المقامة من

السيد / أشرف على أحمد
ضد
(١) السيد / رئيس الجمهورية .
(٢) السيد / رئيس مجلس الشعب .
(٣) السيد / رئيس مجلس الوزراء .
(٤) السيد / وزير العدل .
الإجراءات

بتاريخ الثلاثين من مارس ١٩٩٥، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طلباً للحكم بعدم دستورية المادتين (٢٣٨، ٢٤٤) من قانون العقوبات.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم، أصلياً: بعدم قبول الدعوى ، واحتياطياً: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد اتهمت المدعى – وآخر – بأنهما بدائرة مركز أبو تيج أولاً: تسببا خطأ فى وفاة كل من / على محمود على ، وحافظ نظير رملة ، ومنير عبد الملاك جرجس وعبد الحكم مهران صديق وكان ذلك ناشئاً عن إهما لهما وعدم مراعاتهما القوانين واللوائح بأن قاد كل منهما سيارته بطريقة ينجم عنها الخطر…… ثانياً: تسببا خطأ فى إصابة كل من فتحى سالم حامد ومحمود هاشم عبد العال وليلى يوسف عبد المجيد وفوزية بيومى محمد ومحمود رمضان زكى وسليم سلامة سليم…… ثالثاً: قاد كل منهما سيارته بحالة ينجم عنها الخطر. وقدمتهما للمحاكمة فى الجنحة رقم ٨٦٣ لسنة ١٩٩٤ مركز أبو تيج لمعاقبتهما بالمادتين (٢٨٣ / ١ – ٣، ٢٤٤ / ١ – ٣) من قانون العقوبات والمنطبق من مواد القانون رقم ٦٦ لسنة ١٩٧٣ المعدل بالقانون رقم ٢١٠ لسنة ١٩٨٠. وأثناء نظر الدعوى دفع المدعى بعدم دستورية المادتين (٢٣٨، ٢٤٤) من قانون العقوبات، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية ، فقد أقام الدعوى الماثلة .
وحيث إن المادة (٢٣٨) من قانون العقوبات تنص على أن من تسبب خطأ فى موت شخص آخر بأن كان ذلك ناشئاً عن إهماله أو رعونته أو عدم إحترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائتى جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين وغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجانى إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو كان متعاطياً مسكراً أو مخدراً عند إرتكابه الخطأ الذى نجم عنه الحادث أو نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سبع سنين إذا نشأ عن الفعل وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص. فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة فى الفقرة السابقة كانت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنين.
كما تنص المادة (٢٤٤) من القانون ذاته على أن من تسبب خطأ فى جرح شخص أو إيذائه بأن كان ذلك ناشئاً عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تجاوز مائتى جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين وغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا نشأ عن الإصابة عاهة مستديمة أو إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجانى إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو كان متعاطياً مسكراً أو مخدراً عند ارتكابه الخطأ الذى نجم عنه الحادث أو نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك.
وتكون العقوبة الحبس إذا نشأ عن الجريمة إصابة أكثر من ثلاثة أشخاص فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة فى الفقرة السابقة تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات .
وحيث إنه من المقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن المصلحة فى الدعوى الدستورية – وهى شرط لقبولها – مناطها ارتباطها بصلة منطقية بالمصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى . وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع. وكان النزاع الموضوعى يدور حول اتهام المدعى – وآخر – بارتكاب جريمتى قتل وجرح عن طريق الخطأ، وطلبت النيابة العامة عقابه بمقتضى الفقرتين الأولى والثالثة من كل من المادتين (٢٣٨، ٢٤٤) من قانون العقوبات، فإن نطاق الدعوى الماثلة يتحدد فيما ورد بهذه النصوص ولا يمتد إلى غيرها من أحكام حوتها النصوص الطعينة .
وحيث إن المدعى ينعى على النصوص الطعينة – محددة نطاقاً على نحو ما سبق – مخالفتها أحكام الشريعة الإسلامية المعتبرة المصدر الرئيسى للتشريع، ذلك أن العقوبة الشرعية المقررة لجريمتى القتل والإصابة الخطأ هى الدية وليس الحبس كما جاء بالنصوص المطعون عليها، ومن ذلك تكون هذه النصوص مخالفة لحكم المادة الثانية من الدستور.
وحيث إن هذه المحكمة سبق أن تناولت بحث دستورية المادتين (٢٣٨، ٢٤٤) من قانون العقوبات من حيث مدى اتفاقهما وحكم المادة الثانية من الدستور، وذلك بحكمها الصادر فى الدعوى رقم ١٥٠ لسنة ٤ قضائية دستورية ، والذى قضى برفض الدعوى تأسيساً على أن إلزام المشرع باتخاذ مبادئ الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسى للتشريع – بعد تعديل المادة الثانية من الدستور فى ٢٢ مايو سنة ١٩٨٠ – لا ينصرف سوى إلى التشريعات التى تصدر بعد التاريخ الذى فرض فيه هذا الإلزام، بحيث إذا إنطوى أى منها على ما يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية ، يكون قد وقع فى حومة المخالفة الدستورية ، أما التشريعات السابقة على ذلك التاريخ فلا يتأتى إنفاذ حكم الإلزام المشار إليه بالنسبة لها لصدورها فعلاً قبله. ونشر الحكم فى الجريدة الرسمية بتاريخ ١٥ / ٦ / ١٩٨٩، وكان مقتضى نص المادتين (٤٨، ٤٩) من قانون
المحكمة الدستورية العليا
الصادر بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٩، أن يكون لقضاء هذه المحكمة فى الدعاوى الدستورية حجية مطلقة فى مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة باعتباره قولاً فصلاً فى المسألة التى فصل فيها، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته، لما كان ذلك وكان نص الفقرتين الأولى والثالثة من المادة (٢٣٨) وكذا نص الفقرة الثالثة من المادة (٢٤٤) من قانون العقوبات لا زالت على وضعها كما كان معروضاً على
المحكمة الدستورية العليا
فى الدعوى السابقة دون أن يطرأ على أى منها تعديل لا حق لتعديل المادة الثانية من الدستور، فإن قضاء هذه المحكمة فى شأن تلك النصوص يحوز حجية مطلقة ، بما يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة للطعن على تلك الفقرات، أما نص الفقرة الأولى من المادة (٢٤٤) من قانون العقوبات فقد تم تعديله بمقتضى القانون رقم ٢٩ لسنة ١٩٨٢، فلا يكون للحكم السابق الصادر فى الدعوى ١٥٠ لسنة ٤ قضائية دستورية المشار إليه ثمة حجية بالنسبة للدعوى الماثلة ، والتى يتحدد نطاقها بما ورد بتلك الفقرة وحدها.
وحيث إن النعى بمخالفة النص الطعين لحكم المادة الثانية من الدستور مردود، ذلك أن المقرر – فى قضاء هذه المحكمة – أن النص فى المادة الثانية من الدستور – بعد تعديلها فى ٢٢ مايو سنة ١٩٨٠ – على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، إنما يتجلى عن دعوة المشرع كى يتخذ من الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً فيما يسنه من تشريعات تصدر بعد العمل بالتعديل الدستورى المشار إليه، فلا يجوز منذ ذلك التاريخ للنص التشريعى أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية فى ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هى التى لا تحتمل اجتهاداً، ومن ثم لا يقبل إقرار أية قاعدة قانونية تخالفها، وليست كذلك الأحكام الظنية فى ثبوتها أو دلالتها أو فيهما معاً، وهى التى تتسع لدائرة الاجتهاد يسطع فيها تنظيماً لشئون العباد، وضماناً لمصالحهم، وهو اجتهاد وإن كان حقاً لأهل الاجتهاد، فأولى أن يكون هذا الحق مقرراً لولى الأمر، يبذل جهده فى استنباط الحكم الشرعى من الدليل التفصيلى ، ويعمل حكم العقل فيما لا نص فيه توصلاً لتقرير قواعد عملية يقتضيها عدل الله ورحمته بعباده، وتسعها الشريعة الإسلامية التى لا تضفى قدسية على آراء أحد من الفقهاء فى شأن من شئونها، ولا تحول دون مراجعتها وتقييمها وإبدال غيرها بها بمراعاة المصلحة الحقيقية التى لا تناقض المقاصد العليا للشريعة ، فالآراء الاجتهادية لا تجاوز حجيتها قدر اقتناع أصحابها بها، ولا يساغ بالتالى اعتبارها شرعاً لا يجوز نقضه، وإلا كان ذلك نهياً عن التأمل والتبصر فى دين الله تعالى وإنكاراً لحقيقة أن الخطأ محتمل فى كل اجتهاد، ومن ثم صح القول بأن اجتهاد أحد الفقهاء ليس بالضرورة أحق بالاتباع من اجتهاد غيره، وربما كان أضعف الآراء أكثرها ملاءمة للأوضاع المتغيرة ، ولو كان مخالفاً لأقوال أمتد العمل بها زمناً.
وحيث إن إجماع الفقهاء من عقد على أنه إذا وقعت جريمة القتل غير العمدى ، وجب على الجانى – أو عائلته – أن يؤدى لورثة القتيل مائة من الإبل، اختلف العلماء فى نوعها، وأجاز البعض نقلاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم أداؤها من الذهب أو الفضة ، أما إذا وقعت الجريمة على ما دون النفس لزم الجانى أن يؤدى للمجنى عليه أرش الجراح، وهو إما أن يكون دية كاملة أو جزء من الدية بحسب جسامة أو تفاهة الإصابات التى لحقت بالمجنى عليه، وبصرف النظر عما وقع بين العلماء من خلاف فى تكييف طبيعة الدية أو الأرش، وهل هى عقوبة أو تعويض للمجنى عليه أو هى كلاهما، فقد أقر فريق من العلماء بحق ولى الأمر فى تقرير عقوبات تعزيرية لبعض الجرائم – حتى لو كانت من جرائم الحدود – إذا كان القصد من ذلك الردع والزجر مع الإصلاح والتهذيب، خاصة إذا كان التعزير للمصلحة العامة ، فلا يحول وجود عقوبة شرعية لبعض الجرائم دون حق ولى الأمر فى تقرير عقوبات تعزيرية كالوعظ والتهديد والتوبيخ والحبس والغرامة والنفى ، ولا خلاف بين العلماء فى أن العقوبات التعزيرية تتغير بحسب اقتضاء المصلحة زماناً أو مكاناً أو حالاً، كما تتغير مقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها بحسب جسامة الجناية وسن الجانى وغير ذلك من الظروف الملابسة لارتكابها.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكانت الشريعة الغراء قد خلت من مبدأ قطعى الثبوت والدلالة يقرر حكماً فاصلاً فى شأن امتناع التعزير فى الجرائم التى تقع على ما دون النفس، فإن النص فى الفقرة الأولى من المادة (٢٤٤) من قانون العقوبات إذ تضمن عقوبات تعزيرية على مقترف هذه الجريمة ألا وهى الحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تجاوز مائتى جنيه أو بإحداهما، لا يكون مخالفاً فى ذاته لمبادئ الشريعة الإسلامية .
وحيث إنه لما كان ما تقدم، فإنه يتعين رفض الدعوى .
فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة :
أولاً: بعدم قبول الدعوى بالنسبة للطعن على الفقرتين الأولى والثالثة من المادة (٢٣٨) والفقرة الثالثة من المادة (٢٤٤) من قانون العقوبات.
ثانياً: برفض ما عدا ذلك من طلبات.
ثالثاً: بمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

زر الذهاب إلى الأعلى