حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٩ لسنة ١٥ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٩ لسنة ١٥ دستورية
– – – ١ – – –
الدفع بعدم قبول الدعوى الدستورية التى إقامتها الهيئة المصرية العامة للبترول تأسيسا على ان الطعن بعدم الدستورية لا يجوز أن يقبل منها باعتبارها من فروع الدولة، ولأن ضريبة الدمغة التى فرضها النص المطعون فيه عن إنتاج كل برميل بترول، والزام الخزينة العامة إذا قل ثمن بيع المشرع ضمن عناصر تكلفتها، بالفرق بينهما، مردود _ فى وجهيه _ أولا : بان ما نص عليه قانون المحكمة الدستورية العليا من ان الحكومة تعتبر طرفا ذا شان فى الدعاوى الدستورية ن قد توخى إعلانها بصحائفها، ومن ثم إعلامها بالنصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور، لتحدد موقفها من المطاعن المنسوبة إليها، ولا يعنى ذلك على الإطلاق، ان تؤيد الحكومة دوما دستورية تلك النصوص لتجهض المطاعن الموجهة حتى ما كان منها صحيحا، إذ لو جاز ذلك _ وهو غير صحيح _ لكان التزامها بالتقيد بالشرعية الدستورية لغوا، ونزولها على ضوابطها تخرصا، وإرساؤها لركائزها، وادعاؤها الحرص على إنفاذها زيفا، ونهجها فى مجال صونها بددا، فلا تقيم لسيادة الدستور وزنا ومردود ثانيا : بان الخصومة الدستورية عينية بطبيعتها، ذلك إن قوامها مقابلة النصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور، بالقواعد التى فرضها على السلطتين التشريعية والتنفيذية لإلزامهما بالتقيد بها فى ممارستها لاختصاصاتهما الدستورية ومن ثم تكون هذه النصوص ذاتها هى موضوع الخصومة الدستورية، أوهى بالأحرى محلها، وهى لا تبلغ غايتها إلا بإهدار تلك النصوص بقدر تعارضها مع الدستور وقضاء المحكمة الدستورية العليا فى شأنها، يحوز تلك الحجية التى تطلق آثارها فى مواجهة الدولة على امتداد تنظيماتها وتعدد مناحي نشاطها وكذلك بالنسبة إلى الاغيار جميعهم ومن ثم لا تنحصر آثار أحكامها فيمن يكون طرفا فى الخصومة الدستورية، سواء باعتباره خصما أصيلا أو منضما بل يكون سريانها من عداهم التزاما مترتبا فى حقهم بحكم الدستور٠
– – – ٢ – – –
يتغيا شرط المصلحة الشخصية المباشرة، أن تفصل المحكمة الدستورية العليا فى الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة وهو كذلك يقيد تدخلها فى تلك الخصومة القضائية، ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد المطاعن التى يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي، وبالقدر اللازم للفصل فيها ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين يمسهم الضرر من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم، سواء أكان هذا الضرر وشيكا يتهددهم، آم كان قد وقع فعلا.
ويتعين دوما أن يكون هذا الضرر، منفصلا عن مجرد مخالفة النص المطعون عليه للدستور، مستقلا بالعناصر التى يقوم عليها، ممكنا تحديده ومواجهته بالترضية القضائية لتسويته، عائدا فى مصدره إلى النص المطعون عليه فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلا على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه أو كان الإخلال بالحقوق التى تدعيها لا يعود إليه ،دل ذلك على أنتفاء المصلحة الشخصية المباشرة ذلك أن إبطال النص التشريعي فى هذه الصور جميعها،لن يحقق للمدعى أيه فائدة عملية يمكن أن تغيير بها مركزه القانوني بعد الفصل فى الدعوى الدستورية، عما كان عليه قبلها .
– – – ٣ – – –
لا يتصور أن تكون الدعوى الدستورية أداة يعبر المتداعون من خلالها عن آرائهم فى الشئون التى تعنيهم بوجه عام، أو أن تكون نافذة يعرضون منها ألوانا من الصراع بعيدا عن مصالحهم الشخصية المباشرة، أو شكلا للحوار حول حقائق عملية يطرحونها لإثباتها أو نفيها أو طريقا للدفاع عن مصالح بذواتها لا شان للنص المطعون عليها بها بل تباشر المحكمة الدستورية العليا ولايتها _ التى كثيرا ما تؤثر فى حياة الأفراد وحرماتهم وحرياتهم واموالهم _ بما يكفل فعاليتها وشرط ذلك إعمالها عن بصر وبصيرة، فلا تقبل عليها اندفاعا، ولا تعرض عنها تراخيا ولا تقتحم بممارساتها حدودا تقع فى دائرة عمل سلطتين التشريعية والتنفيذية بل يتعين أن تكون رقابتها ملاذا أخيرا ونهائيا، وأن تدور وجودا وعدما مع تلك الأضرار التى تستقل بعناصرها، ويكون ممكنا إدراكها ن لتكون لها ذاتيتها ومن ثم يخرج من نطاقها ما يكون من الضرر متوهما، أو منتحلا، أو مجردا in abstract ، أو يقوم على الافتراض، أو التخمين Conjectural .
ولازم ذلك،ان يقوم الدليل جليا على اتصال الأضرار المدعى وقوعها بالنص المطعون عليه، وأن يسعى المضرور لدفعها عنه، لا ليؤمن بدعواه الدستورية – وكأصل عام – حقوق الآخرين ومصالحهم، بل ليكفل إنفاذ تلك الحقوق التى تعود فائدة صونها عليه in Concerto .
والتزاما بهذا الإطار جرى قضاء المحكمة الدستورية،و أن مناطها إن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المطاعن الدستورية لازما للفصل فى النزاع الموضوعى .
– – – ٤ – – –
الحكم بعدم دستورية النص المطعون فيه، يعنى امتناع تحصيل الضريبة التى فرضها وانهدام الأساس الذي تقيم عليه نقابة المهن العلمية دعواها الموضوعية لطلبها، فان مصلحة المدعين فى الدعوى فى الدعوى الدستورية تكون متوافرة ولا ينال منها قاله أن الضريبة المطعون عليها يعتبرا مبلغها _ وبصريح قانون إنشائها _ جزاءا من أن كل زيادة فى تكلفة الإنتاج بقدر قيمة الضريبة التى أضافها المشرع إليها، تؤثر بالضرورة فى فرض تسويق ذلك البترول، التى تتحكم فيها قوانين عرض هذه السلعة فى الأسواق الدولية وطلبها .
– – – ٥ – – –
من المقرر أن الدائن _ وكلما تعدد المدينون، وكانوا متضامنين فيما بينهم بناء على اتفاق أو نص فى القانون _ الرجوع ابتداء على أيهم، فلا يكون للدائن مدين واحد، بل من مدين، يلتزم كلا منهم نحوه بكامل الدين، ذلك أن التضامن بين المدينين، وإن دل عل تعدد روابطهم مع الدائن، إلا أن الالتزام يظل موحد المحل،ولكل مدين بالتالي الوفاء بكل الدين للدائن، ويعتبر هذا الوفاء مبرئا لذمة المدينين الآخرين قبل دائنهم متى كان ذلك، وكان الحكم بعدم دستورية النص المطعون فيه، مؤداه سقوط التزام المدينين المتضامنين جميعهم بالدين المدعى به قبلهم، وامتناع الرجوع على أحدهم بمقداره، فإن قالة انتفاء مصلحة الهيئة المصرية العامة للبترول فى الطعن الماثل لا يكون لها من سند .
– – – ٦ – – –
من المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا، ان الضريبة العامة هى التى لا يقتصر نطاق تطبيقها على رقعة إقليمية معينة تنبسط علبيها دون سواها، ويتحدد المخاطبون بها إطار هذه الدوائر وحدها بل يعتبر تحقيق لواقعة المنشئة لها، على امتداد النطاق الإقليمى للدولة _ وبغض النظر عن تقسيماتها الإدارية _ مرتبا لدينها فى ذمة الممول، بما فى الخضوع لها دون تمييز، وسريانها بالتالي _ بالقوة ذاتها _ كلما توافر مناطها، فى آية جهة داخل الحدود الإقليمية للدولة ولا يعنى ذلك الممولون فى مقدار الضريبة التى يؤدونها، بل يقوم التماثل على وحدة تطبيقها من الناحية الجغرافية، فالتكافؤ أو التعديل بينهم ليس فعليا Intrinsic بل جغرافيا Geographic.
– – – ٧ – – –
أعلى الدستور شأن الضربة العامة، وقدر أهميتها بالنظر إلى خطورة الآثار التى ترتبها وبوجه خاص من ناحية جذبها لعوامل الإنتاج، أو طردها، أو تقييد تدفقها، وما يتصل بها مظاهر الانكماش أو الانتعاش، وتأثيرها بالتالي على فرص الاستثمار والادخار والعمل وتكلفة النقل وحجم الإنفاق، وكان الدستور _ نزولا على هذه الحقائق واعترافا بها أن أولادهما لا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون، وان ثانيتهما يجوز إنشاؤها فى الحدود التى يبينها القانون ولازم ذلك ان السلطة التشريعية هى التى تملك بيدها زمام الضريبة العامة وإذ تتولى بنفسها _ من دون السلطة التنفيذية _ تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها، متضمنا تحديد الموال المحملة بها، أسس تقدير وعائها، ومبلغها، والمكلفين بأدائها ن والجزاء على مخالفة إحكامها، وغير ذلك مما يتصل ببنيانها عدا الإعفاء منها، إذ يجوز أن يتقرر فى الأحوال التى يبينها القانون متى كان ذلك، فإن نص القانون يعتبر مصدرا مباشرا للضريبة العامة، إذا يحيط بها وينظم رابطتها فى إطار من قواعد القانون العام، متوخيا تقديرا موضوعيا ومتوازنا لموجباتها، وبما يكفل الانتفاع بحصيلتها فيما يعود بالنفع على الجماعة منظور فى ذلك إلى ما يحقق رخاءها .
– – – ٨ – – –
الأصل أن يتوخى المشرع بالضريبة التى يفرضها أمرين، يكون أحدهما أصلا مقصودا منها ابتداء primary motive ويتمثل فى الحصول على غلتها لتعود إلى الدولة وحدها، تصلبها فى خزانتها العامة لتعينها على مواجهة نفقاتها ويكون ثانيهما مطلوبا منها بصفة عريضة أو جانبية أو غير مباشرة incidental motive كاشفا عن طبيعتها التنظيمية regulatory nature دالا على التدخل بها لتغيير بعض الوضاع القائمة، وبوجه خاص من زاوية تقييد مباشرة الأعمال التى تتناولها، أو حمل المكلفين بها – من خلال عبئها _ على التخلى عن نشاطهم، وعلى الأخص إذا كان مؤثما جنائيا كالتعامل فى المواد المخدرة وهذه الآثار العرضية للضريبة كثيرا ما تلزمها، وتظل للضريبة مقوماتها من الناحية الدستورية، ولا تزايلها طبيعتها هذه لمجرد أنها تولد آثارا عرضية بمناسبة إنشائها Every tax is in some measure regulatory . To some extent it interposes an economic impediment to the activity taxed as compared with others not taxed. But a tax is not and the less a tax because it has a regulatory effect tending to restrict or suppress the thing taxed.
– – – ٩ – – –
تتجرد الضريبة من خصائصها، إذا كان من شأنها تدمير وعائها، أو كان لها وطأة الجزاء، بما يباعد بينهما وبين الأغراض المالية التى ينبغي أن تتواخاها أصلا، وكذلك كلما قام الدليل على انتفاء المصلحة المشروعة التى تسوغها، وهو ما يقع بوجه خاص إذا كان معدل الضريبة أو أحوال فرضها، مناقضا للأسس الموضوعية التى لا تقوم الضريبة إلا بها٠
– – – ١٠ – – –
اختيار المشرع للمال محل الضريبة، مما يخضع لسلطة التقديرية .
– – – ١١ – – –
من المقرر كذلك، ان دستورية الضريبة لا ينال منها أن تكون حصيلتها متناهية فى ضآلتها negligible أو ان يكون باعثها غير مرض بوجه عام، أو إن يكون هدفها الحصول أصلا من المكلفين بها مبلغها من تنظيم نشاطهم عرضا بما يجعل استمرارهم فيه مرهقا onerous كفرض ضريبة على محال القمار .
– – – ١٢ – – –
تعتبر الأموال التى تجبيها الدولة من ضرائبها العامة، وثيقة الاتصال بوظائفها الحيوية وبوجة خاص ما تعلق منها بتأمين مجتمعها، والعمل على تطويره من الناجيتين الاجتماعية والاقتصادية .
ذلك ان فعالية قيامها على وظائفها هذه، يقتضيها أن توفر بنفسها _ ومن خللا الضريبة وغيرها من المواد _ المصادر اللازمة لتمويل خططها وبرامجها .
وسبيلها إلى ذلك _ وكلما عن لها إيقاع ضريبة ما على مال معين _ هو أن تلجأ إلى السلطة التشريعية لإقناعها بفرضها باعتبار أن تقدير الضريبة مما يدخل فى اختصاصها ،بل هو اكثر المهام اتصالا بوجودها، وإن كان اختصاصها بتنظيم أوضاع الضريبة، ولا يجوز أن يحول بينها، وبين تقرير ضوابط تهيمن بها على إنفاق الموال التى جمعتها الدولة من ضرائبها ومكوسها وإتاواتها وغراماتها ودومينها الخاص، وغير ذلك من الموارد التى تصبها فى خزانتها العامة، لتفقد كل منها – باندماجها مع بعضها البعض _ ذاتيتها، ولتشكل جميعها نهرا واحدا لا يراداتها الكلية Consolidated Funds .
ومن خلال رقابتها عليها، وضبطها لمصارفها، تعمل السلطة التشريعية على إنقاذ سياستها المالية التى لا ينجح الاقتصاد معها نحو أعاصير لا تؤمن عواقبها، وبوجه خاص فى نطاق العمالة، وضمان استقرار الأسعار، وصون معدل معقول للتنمية، وكذلك حد أدنى لمواجهة أعباء الحياة .
ولازم ذلك ان تتقيد السلطة التنفيذية بالقواعد التى رشدتها السلطة التشريعية ليتم بموجبها الاتفاق العام، فلا يكون إسرافا أو تبديدا أو إغواء، بل منضبطا وأمينا، مقتصدا ورشيدا وهى بعد قواعد لا يجوز على ضوئها جر مبالغ من الخزانة العامة قبل تخصيصها وفقا للقانون، بما يكفل رصدها على الأغراض التى حددها، والتي لا يجوز أن تتحول عنها السلطة التنفيذية إنفاق أموال غير مدرجة بالموازنة العامة أو زائدة على تقديراتها وتؤكد هذه المعاني بعض الدساتير الأجنبية كالدستور الأمريكى، ذلك أن الفقرة ٧ من الفصل ٩ من مادته الأولى صريحة فى حظرها إخراج أموال من الخزانة العامة إلا بعد تخصيصها وفقا للقانون No money shall be grown from the Treasury , but in consequence of appropriations made by law .
وهى عين القاعدة التى كفلتها الفقرة الثالثة من المادة ١١٤ من دستور الهند، وتدل عليها كذلك أحكام المواد ١١٥، ١١٦، ١٢٠١٢٠ من دستور جمهورية مصر العربية، التى تقضى أولاها بانه يجب عرض مشروع الموازنة العامة على مجلس الشعب وتقرر ثانيتهما أن نقل أي مبلغ من باب إلى آخر من أبواب الموازنة العامة، لا يجوز إلا بموافقة مجلس الشعب كما تجب هذه الموافقة فى شأن كل مصروف غير وارد بها، او زائد على تقديراتها، ويكون ذلك بقانون وتنص ثالثتها على أن ينظم القانون القواعد الأساسية لجباية الأموال العامة وإجراءات صرفها .
– – – ١٣ – – –
أن الضريبة العامة _ وبغض النظر عن جوانبها التنظيمية التى تعتبر من آثارها العرضية غير المباشرة _ لا تزال موردا ماليا، بل هى كذلك أصلا وابتداء .
ومن ثم تتضافر مع غيرها من الموارد التى تستخدمها الدولة لمواجهة نفقاتها الكلية، سواء فى مجال الدفاع والمن وغيرها من الشئون التقليدية أو لمواجهة ماجد من اختصاصاتها كتلك التى تتعلق بالصحة والتعليم والنقل، أو الإشباع أعبائها الاجتماعية، أو متطلباتها الاستثمارية وغير ذلك من احتياجاتها، سواء فى ذلك تلك التى يكون طابعها منتظما،أو طارئا، وكان من المقرر ان نوع وحجم الاتفاق العام، إنما يتأثر بالسياسة التى تتبناها الدولة، والأوضاع السائدة فيها،وبوجه خاص من النواحي الأيديولوجية التى تعكس مذهبها وترسم كذلك حدود أولوياتها فى مجال هذا الأنفاق، فإن أوجهه المتعددة، وضرورة إجرائها وفقا للأوضاع التى نص عليها القانون على ضوء ضوابط الدستور، هى التى ينبغي أن تحكم سلوكها وتبين نطاق تدخلها . بما مؤداه ان استخدامها لمواردها تلك لا ينفصل عن واجباتها الدستورية، وكذلك مسؤلياتها فى أن تكون مصارفها مسخرة لتحقيق النفع العام لمواطنيها ومن ثم يكون النفع العام _ أو ما يعبر عنه أحيانا بأكبر منفعة جماعية _ قيدا على إنفاقها لا يراداتها، وكذلك شرطا لفرضها ابتداء، وهو بعد شرط كامن فى الضريبة العامة ذاتها، باعتبار أن انصرافها إلى المخاطبين بها امتداد الحدود الإقليمية للدولة، يفترض أن يكون إنفاقها كافلا لخيرهم العام، ولو لم يجن كل منهم استقلالا فائدة مباشرة من جراء هذا الإنفاق فإذا لم يكن ثمة نفع يتصل بالأغراض التى يقتضيها صون مصالح مواطنيها ورعايتهم، أو كان تدخلها مجاوزا الحدود التى يتعين إن يقع الإنفاق فى نطاقها، فإن عملها لا يكون مبررا من الناحية الدستورية .
وتؤيد هذا النهج بعض الدساتير بنصوص قاطعة من بينها ما تقرره الفقرة الأولى من الدستور الأمريكي، من أن السلطة التى يملكها الكونجرس فى مجال فرض الضرائب والمكوس بمختلف أنواعها، غايتها ان توفر الحكومة الفيدرالية من خلالها، ما يلزمها للوفاء بديونها ولإشباع متطلباتها الدفاعية، والتحقيق الرخاء العام على امتداد الإقليم .
وبذلك تكون أغراض التمويل قيدا على السلطة الضرائبية يقارنها ولا يفارقها، وحدا من الناحية الدستورية على ضوابط إنفاق المال العام .
– – – ١٤ – – –
أموال الدولة بكل مكوناتها، وكذلك ضوابط إنفاقها، يهيئان معا الظروف الضرورية التى تفى السلطة التنفيذية من خلالها بواجباتها ولئن ذهب البعض إلى أن تحصيل هذه الأموال وإنفاقها وجها لعملية واحدة، إلا أن الصحيح أن هاتين العمليتين منفصلتان، ولكل منهما أسسها وبواعثها، وإن كان إنفاق المال العام وفق ضوابط صارمة، يعد شرطا لازما لضمان عدم تبديده، أو توجيهه لغير الأغراض التى رصد عليها، ومن ثم يكون ربط الموارد فى جملتها، بمصارفها تفصيلاً، واحكام الرقابة عليها، التزاماً دستورياً واقعاً على السلطة التشريعية، فلا يجوز لها أن تناقض فحواه بعمل من جانبها، إذ هو جوهر اختصاصها فى مجال ضبطها لمالية الدولة، وإرساء قواعدها وفقاً للدستور.
– – – ١٥ – – –
للدولة تحويل بعض مواردها إلى الجهة التى تراها، لتعينها بها على النهوض بمسئوليتها وتطوير نشاطها، وذلك بشرطين : أولهما : أن تكون الأغراض التى تقوم عليها هذه الجهة وفقاً للقانون إنشائها، وثيقة الاتصال بمصالح المواطنين فى مجموعهم، أولهما: آثارها على قطاع عريض من بينهم، مما يجعل دورها فى الشئون التى تعنيهم حيويا ثانيهما: أن يكون دعمها ماليا لتحقيق أهدافها، على أن يتم ذلك _ لا عن طريق الضريبة التى تفرضها السلطة التشريعية ابتداء لصالحها لتعود إليها مباشرة غلتها _ بل من خلال رصد ما يكفيها بقانون الموازنة العامة، وفقا للقواعد التى نص عليها الدستور، وفى إطار الأسس الموضوعية التى يحدد مقدارها هذا الدعم على ضوئها .
– – – ١٦ – – –
الأصل فى الضريبة _ وعلى ما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا _ أنها فريضة مالية تقتضيها الدولة من الممول جبرا إسهاما من جهته فى أعبائها وتكاليفها العامة ويؤديها إليها بصفة نهائية، ودون ان يعود عليه نفع خاص من وراء دفعها، وكان من المقرر كذلك أن الضريبة التى يكون أداؤها واجبا وفقا للقانون – وعلى ما تدل عليه المادتان ٦١و ١١٩ من الدستور – هى التى تتوافر لها قوالبها الشكلية والأسس الموضوعية التى لا تقوم إلا بها، وبشرط أن تكون العدالة الاجتماعية التى ينبني عليها النظام الضريبى ضابطا لها فى الحدود المنصوص عليها فى المادة ٣٨ من الدستور وكان الأصل فى الضريبة _ وباعتبار أن حصيلتها تعد إيراد أى عاما _ ان يؤول مبلغها إلى الخزانة العامة ليندمج مع غيره من الموارد التى تم تدبيرها، وكان النص المطعون فيه قد فرض الضريبة المتنازع عليها _ لا لتقتضيها الدولة جبرا من الملتزمين بها، ولمواجهة نفقاتها العامة، محددة مصارفها وفق قانون الموازنة العامة، ولتباشر من خلالها دورها بالتدخل لإشباع مصالحها بما يكفل الخير العام لمواطنيها _ بل قرر النص المطعون فيه هذه الضريبة لصالح نقابة بذاتها، واختصها بحصيلتها التى تؤول مباشرة إليها فلا تدخل خزانه الدولة أو تقع ضمن مواردها ليتمتع استخدامها فى مجابهة نفقاتها العامة، ولتكون فى حقيقتها معونة مالية رصدتها الدولة لتلك النقابة _ لا عن طريق الضوابط التى فرضها الدستور فى شان الإنفاق العام _ ولكن من خلال قيام الضريبة المطعون عليها بدور يخرجها عن مجال وظائفها، ويفقدها مقوماتها، لتنحل عدما .
– – – ١٧ – – –
لا محل للخوض فيما ساقة المدعون من مخالفة النص المطعون فيه لمبدأ المساواة بين العلميين، غيرهم ممن يسهمون معهم فى إنتاج البترول على النحو السالف بيانه، وذلك أن الحماية القانونية المتكافئة بين المراكز القانونية المتماثلة تفترض بداءة أن يكون بنيان هذه المراكز جميعها متوائما من أحكام الدستور، بما يؤكد مشروعيتها وإذ كان تقدير الضريبة المطعون عليها مخالفا للدستور مما واقتضى الحكم بانعدامها، وكان العدم لا يقاس عليها، ولا مساواة فيه، فإن مد حكمها إلى آخرين، لا يكون جائزا.
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة حيث إن الوقائع – على مايبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن نقابة المهن العلمية ، كانت قد أقامت الدعوى رقم ١٢٦١٤ لسنة ١٩٨٨ أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية ضد عدد من الشركات المنتجة لكيماويات صناعة البترول ، لإلزامها بأن تؤدى إليها قيمة دمغة نقابة المهن العلمية المستحقة عليها، ومايستجد من مبالغها وقدرها قرش صاغ واحد عن كل برميل من البترول الخام . وذلك ابتناء على أنها دين تقرر فى ذمتها بمقتضى حكم الفقرة ( د ) من البند الرابع من المادة ٧٩ من القانون رقم ٨٠ لسنة ١٩٦٩ بشأن نقابة المهن العلمية المعدل بالقانون رقم ١٢٠ لسنة ١٩٨٣ . وقد أدخلت نقابة المهن العلمية ، الهيئة المصرية العامة للبترول خصماً فى دعواها الموضوعية لتسمع الحكم بالطلبات الآنف بيانها . وبجلسة ٢٧ اكتوبر ١٩٩١ دفعت الهيئة المصرية العامة للبترول بعدم دستورية تلك الفقرة ٠ وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع ، فقد صرحت للهيئة برفع الدعوى الدستورية ، فأقامتها . وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى الماثلة بمقولة أن النص المطعون فيه واضح فى أن التمغة التى فرضها لصالح نقابة المهن العلمية عن إنتاج كل برميل بترول من المواد الخام ، تعتبر جزءاً من عناصرالتكلفة ، ولن تتحمل بالتالى الشركات التى تعمل فى هذا الحقل بمبالغها ، ذلك أن عبئها ينقل عادة إلى من يستهلكون البترول الخام أو يقومون بشرائه . ومن ثم يقتصر دور هذه الشركات على مجرد تحصيلها . هذا بالإضافة إلى أن البترول المنتج ليس مملوكاً لها ولا للهيئة المصرية العامة للبترول ، بل عائدا أصلاً إلى الدولة. وقد ألزم قانون نقابة المهن العلمية الخزانة العامة إذا قل ثمن بيع المنتجات البترولية عن تكلفتها، بالفرق بينها، بما مؤداه أن تطبيق النص المطعون فيه لن يضر بمصالح المدعين وليس له من أثر يمس حقوقهم . ولايقبل كذلك من الهيئة المصرية العامة للبترول – وهى فرع من فروع الدولة – الطعن بعدم دستورية نص تشريعى ، ذلك أن الحكومة تعد من ذوى الشأن فى الدعاوى الدستورية جميعها عملا بنص الفقرة الثانية من المادة ٣٥ من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٩ • وحيث إن هذا الدفع بوجهيه مردود أولاً : بأن ما نص عليه قانون المحكمة الدستورية العليا من أن الحكومة تعتبر طرفا ذا شأن فى الدعاوى الدستورية، قد توخى إعلانها بصحائفها، ومن ثم إعلامها بالنصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور لتحدد موقفها من المطاعن المنسوبة إليها ، ولايعنى ذلك على الإطلاق أن تؤيد الحكومة دوماً دستورية تلك النصوص لتجهض المطاعن الموجهة إليها حتى ماكان منها صحيحا ، إذ لو جاز ذلك – وهو غير صحيح – لكان التزامها بالتقيد بالشرعية الدستورية لغوا ، ونزولها على ضوابطها تخرصا ، وإرساؤها لركائزها وهما ، وادعاؤها الحرص على إنفاذها زيفاً ، ونهجها فى مجال صونها بدداً ، وسعيها لتثبيتها منفصلاً عن حقائقها الموضوعية ، منصرفاإلى أهدابها الشكلية، فلا تقيم لسيادة الدستور وزناً • ومردود ثانيا : بأن الخصومة الدستورية عينية بطبيعتها ، ذلك أن قوامها مقابلة النصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور ، بالقواعد التى فرضها على السلطتين التشريعية والتنفيذية لإلزامهما بالتقيد بها فى ممارستهما لاختصاصاتهما الدستورية • ومن ثم تكون هذه النصوص ذاتها هى موضوع الخصومة الدستورية أو هى بالأحرى محلها ، وهى لاتبلغ غايتها إلا بإهدار تلك النصوص بقدر تعارضها مع الدستور • وقضاء المحكمة الدستورية العليا فى شأنها يحوز تلك الحجية التى تطلق آثارها فى مواجهة الدولة على امتداد تنظيماتها وتعدد مناحى نشاطها ، وكذلك بالنسبة إلى الأغيار جميعهم • ومن ثم لاتنحصر آثار أحكامها فيمن يكون طرفا فى الخصومة الدستورية ، سواء باعتباره خصماً أصيلاً أو منضماً ، بل يكون سريانها على من عداهم التزاما مترتباً فى حقهم بحكم الدستور • ومردود ثالثا : بأن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا فى الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية ، أو تصوراتها المجردة • وهو كذلك يقيد تدخلها فى تلك الخصومة القضائية، ويرسم تخوم ولايتها ، فلا تمتد لغير المطاعن التى يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعى ، وبالقدر اللازم للفصل فيها • ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين يمسهم الضرر من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم ، سواء أكان هذا الضرر وشيكاً يتهددهم ، أم كان قد وقع فعلاً • ويتعين دوماً أن يكون هذا الضرر منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون عليه للدستور ، مستقلا بالعناصر التى يقوم عليها ، ممكنا تحديده ومواجهته بالترضية القضائية لتسويته ، عائداً فى مصدره إلى النص المطعون عليه • فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته للدستور ، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه ، أو كان قد أفاد من مزاياه ، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لايعود إليه ، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة • ذلك ان إبطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعها، لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية ، عما كان عليه قبلها• ولايتصور بالتالى أن تكون الدعوى الدستورية أداة يعبر المتداعون من خلالها عن آرائهم فى الشئون التى تعنيهم بوجه عام ، أو أن تكون نافذة يعرضون منها ألواناً من الصراع بعيداً عن مصالحهم الشخصية المباشرة ، أو شكلاً للحوار حول حقائق علمية يطرحونها لإثباتها أو نفيها، أو طريقاً للدفاع عن مصالح بذواتها لاشأن للنص المطعون عليه بها • بل تباشر المحكمة الدستورية العليا ولايتها – التى كثيراً ماتؤثر فى حياة الأفراد وحرماتهم وحرياتهم وأموالهم – بما يكفل فعاليتها• وشرط ذلك إعمالها عن بصر وبصيرة ، فلا تقبل عليها اندفاعا، ولاتعرض عنها تراخيا • ولاتقتحم بممارستها حدوداً تقع فى دائرة عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية • بل يتعين أن تكون رقابتها ملاذاً أخيراً ونهائيا، وأن تدور وجوداً وعدماً مع تلك الأضرار التى تستقل بعناصرها، ويكون ممكناً إدراكها، لتكون لها ذاتيتها • ومن ثم يخرج من نطاقها مايكون من الضرر متوهما أو منتحلاً أو مجرداً in abstracto أو يقوم على الافتراض أو التخمين Conjectural ولازم ذلك ، أن يقوم الدليل جليا على اتصال الأضرار المدعى وقوعها بالنص المطعون عليه ، وأن يسعى المضرور لدفعها عنه ، لا ليؤمن بدعواه الدستورية – وكأصل عام – حقوق الآخرين ومصالحهم ، بل ليكفل إنفاذ تلك الحقوق التى تعود فائدة صونها عليه in Concreto • والتزاما بهذا الإطار، جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن المصلحة الشخصية المباشرة شرط لقبول الدعوى الدستورية ، وأن مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم فى المطاعن الدستورية لازما للفصل فى النزاع الموضوعى • متى كان ذلك ، وكان الحكم بعدم دستورية النص المطعون فيه، يعنى امتناع تحصيل الضريبة التى فرضها ، وانهدام الأساس الذى تقيم عليه نقابة المهن العلمية دعواها الموضوعية لطلبها ، فإن مصلحة المدعين فى الدعوى الدستورية تكون متوافرة • ولاينال منها قالة أن الضريبة المطعون عليها يعتبر مبلغها – وبصريح قانون إنشائها – جزءا من عناصر تكلفة البترول الخام ، وأن الملتزم بالضريبة لن يتحمل بالتالى بعبئها ، ذلك أن كل زيادة فى تكلفة الإنتاج بقدر قيمة الضريبة التى أضافها المشرع إليها ، تؤثر بالضرورة فى فرص تسويق ذلك البترول التى تتحكم فيها قوانين عرض هذه السلعة فى الأسواق الدولية وطلبها • وحيث إنه فضلاً عما تقدم ، فإن البين من الأوراق أن نقابة المهن العلمية هى التى أدخلت الهيئة المصرية العامة للبترول خصماً فى دعواها الموضوعية رقم ١٢٦١٤ لسنة ١٩٨٨ مدنى جنوب القاهرة ليحكم عليها – بالتضامن مع شركة السويس للزيت – بدفع قيمة دمغة النقابة التى تقول بوقوعها فى ذمتهما المالية ومقدارها ١٥٦٨٦١٠ جنيها • وإذ كان من المقرر أن للدائن – وكلما تعدد المدينون ، وكانواً متضامنين فيما بينهم بناء على اتفاق أو نص فى القانون – الرجوع ابتداء على أيهم فلا يكون للدائن مدين واحد ، بل أكثر من مدين ، يُلزم كلا منهم نحوه بكامل الدين ، ذلك أن التضامن بين المدينين ، وإن دل على تعدد روابطهم مع الدائن ، إلا أن الالتزام يظل موحد المحل، ولكل مدين بالتالى الوفاء بكل الدين للدائن ، ويعتبر هذا الوفاء مبرئا لذمة المدينين الآخرين قبل دائنهم • متى كان ذلك ، وكان الحكم بعدم دستورية النص المطعون فيه ، مؤداه سقوط التزام المدينين المتضامنين جميعهم بالدين المدعى به قبلهم ، وامتناع الرجوع على أحدهم بمقداره ، فإن قالة انتفاء مصلحة الهيئة المصرية العامة للبترول فى الطعن الماثل لايكون لها من سند • وحيث إن انضمام بعض الشركات المنتجة للبترول إلى الهيئة المصرية العامة للبترول، فى دفعها بعدم الدستورية ، وبقاء طلبها التدخل انضماما إليها مطروحا على محكمة الموضوع دون أن تقضى برفضه ، يعنى قبولها ضمناً لتدخلها، لاسيما وأن المتدخلين انضماما يدافعون عن عين المصالح التى تسعى الهيئة المصرية العامة للبترول لتأمينها وحمايتها • وحيث إن المدعين ينعون على النص التشريعى المطعون فيه ، مخالفته للمواد ٨ ، ٢٥، ٣٨ ، ٤٠ ، ٥٦ ، ١١٩ من الدستور، قولاً بأن الدستور حرص فى بيان المقومات الأساسية للمجتمع على أن ينص فى المادة الثامنة منه على أن تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين ، ونص كذلك فى المادة ٢٥ على أن لكل مواطن نصيبا فى الناتج القومى يحدده القانون بمراعاة عمله وملكيته غير المستغلة • وقد انزلق النص المطعون فيه إلى مخالفة الدستور، بأن منح نقابة المهن العلمية دون غيرها، نصيباً من هذا الناتج مقطوع الصلة بعملها أو ملكيتها • هذا فضلاً عن أن الأصل فى النظام الضريبى وفقا لنص المادة ٣٨ من الدستور، هو أن يقوم على العدالة الاجتماعية • وقد اختل فى النص المطعون فيه اعتبار ” العدالة ” حين أفرد نقابة المهن العلمية بميزة مالية حرم منها مثيلاتها بغير مبرر مفهوم ، وناقض بذلك – ومن جهة ثانية – مبدأ المساواة أمام القانون ، وهو مبدأ يفترض وجود علاقة منطقية بين أساس التمييز، والنتيجة التى رتبها المشرع عليه • وليس ثمة دليل على وجود هذه العلاقة فى النص المطعون فيه ، ذلك أن العلميين لايسهمون وحدهم فى عمليات إنتاج البترول، بل لعل إسهامهم – فى ضوء تحديد قانون نقابة المهن العلمية لأهدافها – أن يكون أقل بكثير من غيرهم ممن حرمهم النص المطعون فيه من هذه الميزة التى اختص بها أعضاء نقابة المهن العلمية • كذلك فإن الأصل فى الضريبة أن يكون تشريعها متوخيا أساسا فرضها لضمان التقيد بالعوامل التى تحكم السياسة الضريبية ، ولا كذلك النص المطعون فيه ، إذ فرض الضريبة المطعون عليها بمناسبة تنظيم نقابة بذاتها هى نقابة المهن العلمية واختص أعضاءها بالإفادة من عائدها لرعاية مصالحهم • وهو بذلك يفرض تكليفاً ماليا نحو غير المخاطبين بقانون نقابة المهن العلمية، ويوجهه كله لصالح أعضائها • والتجاء المشرع إلى فرض الضريبة بطريقة عرضية من خلال قانون غيرضرائبى ينظم مهنة أو نقابة معينة ، هو الذى يثير شكاً فى دستوريته لخروجه على مقتضى نص المادة ١١٩ من الدستور • وحيث إن الهيئة المصرية العامة للبترول قدمت خلال فترة حجز الدعوى للحكم مذكرة أوضحت فيها أن الفرائض المالية جميعها ومن بينها ضريبة الدمغة المتنازع على استحقاقها لابد أن يتم تقريرها في إطار الضوابط الشكلية والموضوعية التى حددها الدستور ، وعلى رأسها احترام الملكية الخاصة ، ومبدأ المساواة أمام القانون ، ذلك أن استحقاق العلميين لتلك الضريبة لايقترن بعمل من جانبهم ، ولايقابلها تحقيق النقابة لأهدافها • واعتبار العدالة الاجتماعية وهى قوام النظام الضريبى متخلف فيها• وإفراد نقابة العلميين بتلك الضريبة التى لايصححها عموم تطبيقها لايعدو أن يكون تمييزاً جائراً بينها وبين غيرهم ممن يسهمون بجهدهم في إنتاج البترول ، ذلك أن التمييز لايعتبر تصنيفا جائزا إلا بشرط معين ، هو أن توجد علاقة مفهومة بين أساس التمييز والنتائج التي رتبها المشرع عليه • ولئن صح القول بأن حكم القانون لايجوز أن يكون تحكيما لأهواء الرجال لايأمن الناس فيه علي حقوقهم وأموالهم وحرياتهم وأعراضهم ، فإن من الصحيح كذلك أن ضريبة الدمغة التي فرضها النص المطعون فيه ، تؤخذ من الشركات المنتجة للبترول التى لا يجوز تكليفها بدفعها كي تختص بها نقابة المهن العلمية التى لاتستحقها دستوريا ، وهو ما يعدم أساس فرضها • وحيث إن الحاضر عن نقابة المهن العلمية ، قدم كذلك مذكرة أبان فيها عن أن نقابة المهن العلمية تعد من أشخاص القانون العام التى يجوز تخويلها نصيبا من السلطة العامة تستعين بها علي أداء رسالتها • وقد درج المشرع علي أن يعاون النقابات المهنية على أداء رسالتها من خلال فرائض مالية تقتضيها لصالحها ، وأن هذاالذى سار عليه العمل يمثل عند البعض عرفاً دستورياً، وإن كانت المادتان ٦١ و ١١٩ من الدستور تسمحان للمشرع بفرض هذه الفرائض المالية ، ذلك أن ما نص عليه الدستور فى المادة ٦١ من أن أداء الضرائب والتكاليف العامة واجب وفقا للقانون ، يعنى أنها لا تنحل إلى مجرد حقوق للمنتفعين بها • بل تعد كذلك واجبا علي المكلفين بها لايمكن أن يتنصل منه أحد • كذلك فإن البين من نص المادة ١١٩ من الدستور أن الضريبة غير العامة هى التى لايكون المواطنين جميعهم مكلفون بها ، أو لا يتم تطبيقها على امتداد النطاق الإقليمى للدولة كالضرائب المحلية والضرائب المرفقية • ومثل هذه الضرائب يجوز فرضها في حدود القانون، فإذا فرضها القانون ، فإن اقتضاءها يكون مشروعاً وسليما من باب أولى • ولا يخل فرض ضريبة الدمغة التي كفلها النص المطعون فيه، بمبدأ المساواة أمام القانون • ذلك أن المركز القانونى لنقابة المهن العلمية مغاير لغيرها ، ووعاء هذه الضريبة هو برميل البترول الخام ، وقد حدد المشرع مقدارها فى صورة مبلغ من النقود منسوباً إلى هذا الوعاء، وجاء فرضها متسما بالعمومية والمساواة ، باعتبار أن المكلفين بها يتحملون بعبئها دون تمييز • ومن ثم تتوافر لهذه الضريبة التي يتم تخصيص حصيلتها لصالح نقابة بذاتها كضريبة مرفقية ، ضوابطها الشكلية والموضوعية • وحيث إن الفقرة ( د ) من البند الرابع من المادة ٧٩ من القانون رقم ٨٠ لسنة ١٩٦٩ بشأن نقابة المهن العلمية – وهى النص المطعون فيه – تقضى بأن تشمل إيرادات النقابة مايلى : بند (٤) ماتحصله النقابة من فئات دمغات المهن العلمية التى تتحملها الشركات المنتجة للكيماويات الصناعية، وتعتبر جزءاً من عناصرالتكلفة ، وذلك على النحو الآتى : أ••••••••••• ب •••••••••••••• ج ••••••••••••• د برميل من البترول الخام وأى من المنتجات البترولية المصنعة ( ١ ) قرش • وجاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون أن من بين موارد النقابة ماتحصله من طوابع الدمغة ، وأن بعض فئاتها لم تعد تتلاءم مع الأوضاع الماليه للنقابة بالنظر إلى ضآلتها، وأن التطبيق العملى لحكم الفقرة الرابعة من المادة ٧٩ من قانونها ، قد أسفرعن صعوبات متعددة فى مجال تحصيل تلك الضريبة • ومن ثم رؤى أن يكون فرضها مقصوراً على صناعة الأسمنت والسماد والصودا الكاوية والبترول الخام ••••••••••••••••••••• وحيث إن من المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا ، أن الضريبة العامة هى التى لايقتصر نطاق تطبيقها على رقعة إقليمية معينة تنبسط عليها دون سواها ، ويتحدد المخاطبون بها فى إطار هذه الدائرة وحدها • بل يعتبر تحقق الواقعة المنشئة لها على امتدا النطاق الاقليمى للدولة – وبغض النظر عن تقسيماتها الإدارية – مرتبا لدينها فى ذمة الممول ، بما مؤداه تكافؤ الممولين المخاطبين بها فى الخضوع لها دون تمييز ، وسريانها بالتالى – بالقوة ذاتها – كلما توافر مناطها فى أية جهة داخل الحدود الإقليمية للدولة• ولايعنى ذلك أن يتماثل الممولون فى مقدار الضريبة التى يؤدونها ، بل يقوم التماثل على وحدة تطبيقها من الناحية الجغرافية ، فالتكافؤ أو التعادل بينهم ليس فعليا ، بل جغرافيا • وحيث إن الدستور أعلى شأن الضريبة العامة ، وقدر أهميتها بالنظر إلى خطورة الآثار التى ترتبها ، وبوجه خاص من ناحية جذبها لعوامل الإنتاج أو طردها أو تقييد تدفقها، ومايتصل بها من مظاهر الانكماش أو الانتعاش ، وتأثيرها بالتالى على فرص الاستثمار والادخار والعمل وتكلفة النقل وحجم الإنفاق ، وكان الدستور – نزولاً على هذه الحقائق واعترافاً بها – قد مايز بين الضريبة العامة وغيرها من الفرائض المالية ، فنص على أن أولاهما لايجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون ، وأن ثانيتهما يجوز إنشاؤها فى الحدود التى يبينها القانون • ولازم ذلك أن السلطة التشريعية هى التى تملك بيدها زمام الضريبة العامة ، إذ تتولى بنفسها – من دون السلطة التنفيذية – تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها ، متضمنا تحديد الأموال المحملة بها ، وأسس تقدير وعائها، ومبلغها، والمكلفين بأدائها، والجزاء على مخالفة أحكامها ، وغير ذلك مما يتصل ببنيانها عدا الإعفاء منها ، إذ يجوز أن يتقرر فى الأحوال التى يبينها القانون • متى كان ذلك ، فإن نص القانون يعتبر مصدراً مباشراً للضريبة العامة ، إذ يحيط بها وينظم رابطتها فى إطار من قواعد القانون العام ، متوخيا تقديراً موضوعيا ومتوازناً لموجباتها ، وبما يكفل الانتفاع بحصيلتها فيما يعود بالنفع العام على الجماعة منظوراً فى ذلك إلى مايحقق رخاءها • وحيث إن الأصل أن يتوخى المشرع بالضريبة التى يفرضها أمرين يكون أحدهما أصلاً مقصوداً منها ابتداء ويتمثل فى الحصول على غلتها لتعود إلى الدولة وحدها ، تصبها فى خزانتها العامة لتعينها على مواجهة نفقاتها • ويكون ثانيهما مطلوباً منها بصفة عرضية أو جانبية أو غير مباشرة كاشفاً عن طبيعتها التنظيمية دالاً على التدخل بها لتغيير بعض الأوضاع القائمة ، وبوجه خاص من زاوية تقييد مباشرة الأعمال التي تتناولها ، أوحمل المكلفين بها من خلال عبئها – على التخلى عن نشاطهم ، وعلى الأخص إذا كان مؤثما جنائيا كالتعامل فى المواد المخدرة • وهذه الآثار العرضية للضريبة كثيرا ما تلازمها ، وتظل للضريبة مقوماتها من الناحية الدستورية ، ولاتزايلها طبيعتها هذه ، لمجرد أنها تولد آثارا عرضية بمناسبة إنشائها وحيث إن الضريبة العامة يحكمها أمران لاينفصلان عنها ، بل تتحدد دستوريتها على ضوئهما معا : أولهما: أن الأموال التى تجبيها الدولة من ضرائبها العامة وثيقة الاتصال بوظائفها الحيوية ، وبوجه خاص ماتعلق منها بتأمين مجتمعها، والعمل على تطويره • وقيامها على وظائفها هذه ، يقتضيها أن توفر بنفسها ومن خلال الضريبة وغيرها من الموارد المصادر اللازمة لتمويل خططها وبرامجها وتفرض السلطة التشريعية بوسائلها رقابتها على هذه الموارد وضبطها لمصارفها ، وإنفاذاً لسياستها المالية التى لايجنح الاقتصاد معها نحو أعاصير لاتؤمن عواقبها، وبوجه خاص فى نطاق العمالة ، وضمان استقرار الأسعار، وصون معدل معقول للتنمية ، وكذلك حد أدنى لمواجهة أعباء الحياة • ولازم ذلك أن تتقيد السلطة التنفيذية بالقواعد والضوابط التى الزمتها السلطة التشريعية بها فى مجال الإنفاق العام ، فلا يكون إسرافا أو تبديداً أو إرشاءً أو إغواء ، بل أميناً، مقتصدا ًو رشيداً• وهى بعد قواعد لايجوز على ضوئها جر مبالغ من الخزانة العامة قبل تخصيصها وفقاً للقانون ، بما يكفل رصدها على الأغراض التى حددها ، والتى لايجوز أن تتحول عنها السلطة التنفيذية ، أوأن تعدل فيها بإرادتها المنفردة ، ولو واجهتها ضرورة تقتضيها إنفاق أموال غير مدرجة بالموازنة العامة أو زائدة على تقديراتها • وتؤكد هذه المعانى بعض الدساتير الأجنبية كالدستور الأمريكى ، فقد حظرت الفقرة ٧ من الفصل ٩ من مادته الأولى إخراج أموال من الخزانة العامة إلا بعد تخصيصها وفقاً للقانون No money Shall be drawn from the Treasury , but in consequence of appropriations made by law • وهى عين القاعدة التى كفلتها الفقرة الثالثة من المادة ١١٤ من دستور الهند ، والفقرة الثانية من المادة ٨١ من الدستور الإيطالى التى تنص على أنه لايجوز – بعد إقرار قانون الميزانية – فرض ضرائب جديدة أو تقرير أوجه جديدة للإنفاق With the law approving the budget it is not possible to introduce new taxes and new expenditures . وتدل عليها كذلك أحكام المواد ١١٥ ، ١١٦ ، ١٢٠ من دستور جمهورية مصر العربية التى تقضى أولاها بأنه يجب عرض مشروع الموازنة العامة على مجلس الشعب قبل شهرين على الأقل من بدء السنة المالية ، ولاتكون نافذة إلا بموافقته عليها• وتقرر ثانيتهما أن نقل اى مبلغ من باب إلى آخر من أبواب الموازنة العامة لايجوز إلا بموافقة مجلس الشعب • كما تجب هذه الموافقة فى شأن كل مصروف غير وارد بها ، أو زائد على تقديراتها ، ويكون ذلك بقانون • وتنص ثالثتها على أن ينظم القانون القواعد الأساسية لجباية الأموال العامة ، وإجراءات صرفها • وحيث إن ماتقدم مؤداه أن أموال الدولة بكل مكوناتها ، وكذلك ضوابط إنفاقها يهيئان معاً المتطلبات اللازمة لنهوض السلطة التنفيذية بمسئولياتها • ولئن ذهب البعض الى أن تحصيل هذه الأموال وإنفاقها وجهان لعملة واحدة ، إلا أن من الصحيح أن هاتين العمليتين منفصلتان ، ولكل منهما أسسها وبواعثها ، وإن كان إنفاق المال العام وفق ضوابط صارمة ، يعد شرطاً لازما لضمان عدم تبديده أو توجيهه لغير الأغراض التى رصد عليها • بما مؤداه أن ربط الموارد فى جملتها ، بمصارفها تفصيلاً ، وإحكام الرقابة عليها، يعد التزاماً دستورياً يقيد السلطة التشريعية ، فلا يجوز لها أن تناقض فحواه بعمل من جانبها، إذ هو جوهر اختصاصها فى مجال ضبطها لمالية الدولة ، وإرساء قواعدها وفقا للدستور • ثانيهما : أن الضريبة العامة – وبغض النظر عن جوانبها التنظيمية التى تعتبر من آثارها العرضية غير المباشرة – لاتزال مورداً ماليا ، بل هى كذلك أصلاً وابتداء • ومن ثم تتضافر مع غيرها من الموارد التى تستخدمها الدولة لمواجهة نفقاتها الكلية ، سواء فى ذلك تلك التى يكون طابعها منتظماً أو طارئاً ، وكان من المقرر أن الإنفاق العام – نوعاً وحجماً – إنما يتأثر بالسياسة التى تتبناها الدولة ، والأوضاع السائدة فيها ، وبوجه خاص من النواحى الأيديولوچية التى تعكس مذهبها، وترسم كذلك حدود أولوياتها فى مجال هذا الإنفاق ، فإن أوجهه المتعددة ، وضرورة إجرائها وفقاً للأوضاع التى نص عليها القانون على ضوء ضوابط الدستور ، هى التى ينبغى ان تحكم سلوكها وتبين نطاق تدخلها • بما مؤداه أن استخدامها لمواردها تلك لاينفصل عن واجباتها الدستورية ، التى تقتضيها أن تكون مصارفها مسخرة لتحقيق النفع العام لمواطنيها • ومن ثم يكون النفع العام – أو مايعبر عنه احياناً بأكبر منفعة جماعية – قيداً على إنفاقها لإىراداتها، وكذلك شرطاً لفرضها ابتداء ، وهو بعد شرط كامن فى الضريبة العامة ذاتها باعتبار أن انصرافها إلى المخاطبين بها على امتداد الحدود الإقليمية للدولة ، يفترض أن يكون إنفاقها كافلاً لخيرهم العام ، ولو لم يجن كل منهم استقلالاً فائدة مباشرة من جراء هذا الانفاق • فإذا لم يكن ثمة نفع عام يتصل بالأغراض التى يقتضيها صون مصالح مواطنيها ورعايتهم ، أو كان تدخلها مجاوزاً الحدود التى يتعين أن يقع الإنفاق فى نطاقها ، فإن عملها لايكون مبرراً من الناحية الدستورية • وحيث إن ماتقدم مؤداه ، أن أغراض التمويل تعتبر قيداً على السلطة الضرائبية يقارنها ولا يفارقها ، وحدا من الناحية الدستورية على ضوابط إنفاق المال العام • ولايعنى ماتقدم أن الدولة لاتستطيع تحويل بعض مواردها إلى الجهة التى تراها لتعينها بها على النهوض بمسئولياتها وتطوير نشاطها، بل يجوز ذلك بشرطين أولهما أن تكون ألاغراض التى تقوم عليها هذه الجهة وفقا لقانون إنشائها ، وثيقة الاتصال بمصالح المواطنين فى مجموعهم ، أولها آثارها على قطاع عريض من بينهم ، مما يجعل دورها فى الشئون التى تعنيهم حيوياً • ثانيهما أن يكون دعمها مالياً مطلوباً لتحقيق أهدافها ، على أن يتم ذلك – لاعن طريق الضريبة التى تفرضها السلطة التشريعية ابتداء لصالحها لتعود إليها مباشرة غلتها ، بل من خلال رصد مايكفيها بقانون الموازنة العامة وفقاً للقواعد التى نص عليها الدستور ، وفى إطار الأسس الموضوعية التى يتحدد مقدار هذا الدعم على ضوئها • وحيث إن ضريبة الدمغة محل النزاع الماثل – وعلى ضوء ماقرره النص المطعون فيه – يتوافر مناط استحقاقها كلما أنتج برميل من البترول الخام أيا كان موقع هذا الإنتاج ، لتكون لها بالتالى خصائص الضريبة العامة التى لاينحصر تطبيقها فى رقعة اقليمية معينة ، بل يعتبر تحقق الواقعة المنشئة لها على امتداد النطاق الإقليمى للدولة ، مرتبا لدينها فى ذمة الممول ، وكان الأصل فى الضريبة – وعلى ماجرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا – أنها فريضة مالية تقتضيها الدولة من الممول جبراً ، إسهاماً من جهته فى أعبائها وتكاليفها العامة ، ويؤديها إليها بصفة نهائية ، ودون ان يعود عليه نفع خاص من وراء دفعها ، وكان من المقرر كذلك أن الضريبة التى يكون أداؤها واجباً وفقاً للقانون – وعلى ماتدل عليه المادتان ١ ٦ و ١١٩ من الدستور – هى التى تتوافر لها قوالبها الشكلية والأسس الموضوعية التى لاتقوم إلا بها، وبشرط أن تكون العدالة الاجتماعية التى ينبنى عليها النظام الضريبى ضابطاً لها فى الحدود المنصوص عليها فى المادة ٣٨ من الدستور ، وكان الأصل فى الضريبة – وباعتبار أن حصيلتها تعد إيراداً عاماً أن يؤول مبلغها إلى الخزانة العامة ليندمج مع غيره من الموارد التى تم تدبيرها ، وكان النص المطعون فيه قد فرض الضريبة المتنازع عليها – لا لتقتضيها الدولة جبراً من الملتزمين بها لمواجهة نفقاتها العامة محددة مصارفها وفق قانون الموازنة العامة ، ولتباشر من خلالها دورها بالتدخل لإشباع مصالحها بما يكفل الخير العام لمواطنيها – بل قرر النص المطعون فيه هذه الضريبة لصالح نقابة بذاتها ، واختصها بحصيلتها التى تؤول مباشرة إليها ، فلا تدخل خزانة الدولة أو تقع ضمن مواردها ليمتنع استخدامها فى مجابهة نفقاتها العامة ، ولتكون فى حقيقتها معونة مالية رصدتها الدولة لتلك النقابة – لا عن طريق الضوابط التى فرضها الدستور فى شأن الإنفاق العام – ولكن من خلال قيام الضريبة المطعون عليها بدور يخرجها عن مجال وظائفها، ويفقدها مقوماتها لتنحل عدماً ، وهو مايقتضى الحكم بعدم دستوريتها لمخالفتها احكام المواد ٦١ و ١١٥ و ١١٦ و١١٩ و١٢٠ من الدستور ٠ وحيث إنه إذ كان ماتقدم ، فلا محل للخوض فيما ساقه المدعون من مخالفة النص المطعون فيه لمبدأ المساواة بين العلميين وغيرهم ممن يسهمون معهم في إنتاج البترول علي النحو السالف بيانه ، ذلك أن الحماية القانونية المتكافئة بين المراكز القانونية المتماثلة ، تفترض بداءة أن يكون بنيان هذه المراكز جميعها متوائما مع أحكام الدستور، بما يؤكد مشروعيتها• وإذ كان تقرير الضريبة المطعون عليها مخالف للدستور مما اقتضى الحكم بانعدامها ، وكان العدم لايقاس عليه ، ولامساواة فيه ، فإن مد حكمها إلى الأخرين لايكون جائزاً • وحيث إنه متى كان ما تقدم ، وكانت المادة ١٢٧ من القانون رقم ٨٠ لسنة ١٩٦٩ بشأن نقابة المهن العلمية قد نصت علي أن يعاقب بغرامة لاتتجاوز مائة جنيه كل من يخالف القواعد الخاصة بدمغة النقابة المشار إليها فى البندين ٣ ، ٤ من المادة ٧٩، وكذلك كل من يتداول الأوراق أوالعبوات أو المنتجات المشار إليها فى البندين المذكورين دون استيفاء الدمغة المطلوبة ، وكان الحكم بعدم دستورية ضريبة الدمغة فى مجال تطبيقها بالنسبة للبند ( ٤ ) فقرة ( د ) من المادة ٧٩ المشار إليها ، يعنى بطلانها وزوال الآثارالتي رتبتها فى محيط العلاقات القانونية ، وكان ما يتصل من أحكام المادة ١٢٧ من القانون رقم ٨٠ لسنة ١٩٦٩ المشار إليه بذلك البند ، مؤداه ارتباطهما معاً ارتباطاً لايقبل التجزئة ، فإن تلك الأحكام وبقدر هذا الاتصال تسقط تبعا للحكم ببطلان الضريبة المطعون عليها • فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة ( د ) من البند ( ٤ ) من المادة ٧٩ من القانون رقم ٨٠ لسنة ١٩٦٩ بشأن نقابة المهن العلمية المعدل بالقانون رقم ١٢٠ لسنة ١٩٨٣ ، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائه جنيه مقابل أتعاب المحاماة •