حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٥٥ لسنة ١٨ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٥٥ لسنة ١٨ دستورية
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت ٦ مارس سنة ١٩٩٩ الموافق ١٨ ذو القعدة سنة ١٤١٩ه.
برئاسة السيد المستشار / محمد ولى الدين جلال رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: حمدى محمد على وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين.
وحضور السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ١٥٥ لسنة ١٨ قضائية دستورية
المقامة من
السيد المستشار / يحيى اسماعيل عبد الواحد
ضد
١ – السيدة / وزيرة التأمينات الاجتماعية
٢ – السيد / رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى
٣ – السيد الدكتور / رئيس مجلس الوزراء
الإجراءات
فى الحادى والثلاثين من شهر ديسمبر سنة ١٩٩٦، أودع المدعى قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالباً الحكم، أولاً: بعدم دستورية المادة الثانية من قرار وزير التأمينات رقم ١١ لسنة ١٩٨٨ فيما نصت عليه من ويعمل به اعتباراً من أول مارس سنة ١٩٨٨. ثانياً: بعدم دستورية المادة الثانية من قرار وزير التأمينات رقم ٣٥ لسنة ١٩٨٧.
وقدمت كل من هيئة قضايا الدولة والهيئة القومية للتأمين الاجتماعى مذكرات طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام أمام محكمة النقض دائرة طلبات رجال القضاء، الطلبين رقمى ٢٢ لسنة ٦٠ قضائية ، ١٥٧ لسنة ٦١ قضائية ، طالباً فى أولهما الحكم بتسوية معاشه عن الأجر المتغير باعتبار أن الحد الأقصى للاشتراك عن هذا الأجر ٩٠٠٠ جنيه سنوياً، وكرر فى ثانيهما مطلبه السابق كطلب أصلى مضيفاً طلباً احتياطياً بتسوية معاشه عن الأجر المتغير باعتبار أن الحد الأقصى لأجر الاشتراك عنه ٧٢٠٠ جنيه سنوياً تمثل ١٥٠% من الحد الأقصى لأجره الأساسى السنوى ، واستند المدعى فى طلبيه كليهما إلى أنه كان رئيسا لمحكمة إستئناف أسيوط إلى أن بلغ سن التقاعد فى ١٦ / ١١ / ١٩٨٧، ومن ثم يستحق تسوية معاشه عن الأجر الأساسى والمتغير وفقاً للمعاملة التأمينية المقررة لرئيس محكمة إستئناف القاهرة وهى ذات المعاملة المقررة لشاغلى منصب وزير، غير أن الهيئة المدعى عليها ربطت معاشه عن الأجر المتغير على أساس أن الحد الأقصى لأجر الاشتراك عنه كان عند بلوغه سن التقاعد ٤٥٠٠ جنيه سنوياً. وبعد ضم الطلبين للارتباط دفع المدعى بعدم دستورية ما نصت عليه المادة الثانية من قرار وزير التأمينات رقم ١١ لسنة ١٩٨٨ من العمل بأحكامه اعتباراً من أول مارس سنة ١٩٨٨وبعدم دستورية نص المادة الثانية من قرار وزير التأمينات رقم ٣٥ لسنة ١٩٨٧ وإذ ارتأت محكمة الموضوع جدية الدفع وصرحت لمبديه بالطعن بعدم الدستورية ، فقد أقام الدعوى الماثلة .
وحيث إن ما أشارت إليه الهيئة المدعى عليها فى مذكراتها من سبق فصل هذه المحكمة فى شأن دستورية القرار الوزارى رقم ١١ لسنة ١٩٨٨ سالف الذكر فى الطلب رقم ١ لسنة ١٢ قضائية بجلسة ٦ / ٤ / ١٩٩٦، مردود بأن حكمها الصادر فى الطلب المشار إليه – وقد أصدرته باعتبارها محكمة موضوع اختصها قانونها بالفصل فى الطلبات المقدمة من أعضائها المتعلقة بأمورهم الوظيفية – لم يتعرض لبحث أمر دستورية هذا القرار، فضلاً عن أن أحكامها فى شأن طلبات أعضائها لا تحوز سوى حجية نسبية تقتصر على أطرافها.
وحيث إن قرار وزير التأمينات رقم ١١ لسنة ١٩٨٨ بشأن الحد الأقصى لأجر الاشتراك المتغير لمن يشغل منصب وزير، صدر فى ٢٥ / ٢ / ١٩٨٨ ونشر بالعدد ١٣٥ من الوقائع المصرية فى ١٤ / ٦ / ١٩٨٨، ويتضمن هذا القرار مادتين يجرى نصهما كما يلى :
مادة (١) يكون الحد الأقصى لمجموع أجر الاشتراك المتغير تسعة آلاف جنيه سنوياً وذلك بالنسبة للمؤمن عليهم الذين يشغلون منصب وزير ومن يعاملون معاملة هذا المنصب من حيث المرتب والمعاش.
مادة (٢) ينشر هذا القرار فى الوقائع المصرية ، ويعمل به اعتباراً من أول مارس سنة ١٩٨٨.
أما قرار وزير التأمينات رقم ٣٥ لسنة ١٩٨٧ بشأن أجر الاشتراك المتغير، والصادر فى ١٤ / ٧ / ١٩٨٧ والمنشور بالوقائع المصرية بالعدد ٢٠٤ فى ١٠ / ٩ / ١٩٨٧، فقد كان ينص فى مادته الثانية على ما يلى :
مادة (٢) يستبدل بنص الفقرة الأخيرة من المادة (١) من القرار الوزارى رقم ٧٥ لسنة ١٩٨٤ المشار إليه، النص التالى ويكون الحد الأقصى لمجموع أجر الاشتراك المتغير ٤٥٠٠ جنيه سنوياً . وكانت الفقرة الأخيرة من المادة الأولى من قرار وزير التأمينات رقم ٧٥ لسنة ١٩٨٤ تنص على أنه ويكون الحد الأقصى لمجموع الأجر المتغير السنوى الذى تسدد على أساسه الاشتراكات ١٥٠% من الحد الأقصى للأجر الأساسى السنوى المنصوص عليه فى قانون التأمين الاجتماعى .
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها – على ماجرى به قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، متى كان ذلك وكان النزاع الموضوعى يدور حول أحقية المدعى فى تسوية معاشه عن الأجر المتغير باعتبار الحد الأقصى لأجر الاشتراك عنه ٩٠٠٠ جنيه سنوياً كطلب أصلى فى النزاع الموضوعى ، أو على أساس ١٥٠% من الحد الأقصى للأجر الأساسى السنوى كطلب احتياطى فى ذلك النزاع، فإنه تتوفر للمدعى – بذلك – مصلحة شخصية مباشرة فى الدعوى الراهنة بشقيها.
وحيث إنه لا ينال مما تقدم ما أشارت إليه الهيئة المدعى عليها فى مذكراتها من انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة للمدعى فى اختصام قرار وزير التأمينات رقم ١١ لسنة ١٩٨٨ لكونه من غير المخاطبين بأحكامه التى عمل بها اعتباراً من أول مارس سنة ١٩٨٨ بينما بلغ المدعى سن التقاعد قبل هذا التاريخ، ذلك أن طعن المدعى بعدم دستورية هذا القرار إنما ينصرف إلى ما نص عليه من تحديد أول مارس سنة ١٩٨٨ تاريخاً للعمل بأحكامه، بدلاً من العمل به اعتباراً من ٧ / ٧ / ١٩٨٧ تاريخ رفع مرتبات وبدلات الوزراء ومن يعاملون معاملتهم من حيث المرتب والمعاش، مما ترتب عليه استبعاده من دائرة المخاطبين بذلك القرار المستفيدين من أحكامه، ومن ثم ينصب طعن المدعى على إخراجه من نطاق الإفادة من أحكام هذا القرار.
وحيث إن المستفاد من المذكرة الختامية للمدعى والمقدمة فى ٧ / ٣ / ١٩٩٨ أن طلبه الأصلى فى الدعوى الراهنة هو الحكم بعدم دستورية عجز نص المادة الثانية من قرار وزير التأمينات رقم ١١ لسنة ١٩٨٨، بينما طلبه الحكم بعدم دستورية المادة الثانية من قرار وزير التأمينات رقم ٣٥ لسنة ١٩٨٧ لا يعدو أن يكون طلبا احتياطياً، ومن ثم فإن المحكمة تبدأ بحث الطلب الأصلى .
وحيث إن المدعى ينعى على عجز المادة الثانية من قرار وزير التأمينات رقم ١١ لسنة ١٩٨٨ سالف الذكر، مخالفته مبدأى تكافؤ الفرص والمساواة المنصوص عليهما فى المادتين (٨، ٤٠) من الدستور، تأسيساً على أنه – باتخاذه الأول من مارس ١٩٨٨ تاريخاً للعمل بالقرار الوزارى المشار إليه – قد ميز دون مسوغ شرعى وعلى غير أساس موضوعى بين طائفتين من المؤمن عليهم تتماثل مراكزهما القانونية من جميع الوجوه، ذلك أن من كان يشغل منصب وزير أو يعامل معاملته تأمينياً وأحيل إلى التقاعد اعتباراً من أول مارس سنة ١٩٨٨ يستحق معاشاً عن الأجر المتغير يبلغ ٣٧٥ جنيه شهرياً، بينما زميله المماثل له تماما فى المنصب أو الوظيفة والمرتب والأجر المتغير ولكنه بلغ سن التقاعد قبل أول مارس سنة ١٩٨٨ – ولو بيوم واحد – لا يبلغ معاشه عن الأجر المتغير سوى ٥ر١٨٧ جنيه شهرياً.
وحيث إنه وإن كان الطعن الماثل يقتصر على ما قررته المادة الثانية من قرار وزير التأمينات رقم ١١ لسنة ١٩٨٨ من تحديد أول مارس تاريخاً لبدء العمل بأحكامه، بيد أن ذلك يطرح على المحكمة بحكم اللزوم ما تضمنه هذا القرار من أحكام حدد النص الطعين تاريخاً معيناً للعمل بها والإفادة منها، وذلك حتى يمكن الفصل فى أمر دستوريته.
وحيث إن المشرع أدخل لأول مرة نظام استحقاق المعاش عن الأجر المتغير بالقانون رقم ٤٧ لسنة ١٩٨٤ معدلاً بعض أحكام قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم ٧٩ لسنة ١٩٧٥، فنظمت المادة (١٨ مكرراً) استحقاق المعاش عن الأجر المتغير، ووضعت المادة (١٩) القاعدة العامة فى حسابه على أساس المتوسط الشهرى للأجور التى أديت على أساسها الاشتراكات خلال مدة الاشتراك عن هذا الأجر، غير أنه وفقاً للمادة (٣١) فإن معاش الوزير – ومن يعامل معاملته تأمينياً وفقاً لأحكام القانون عن أجره الأساسى والمتغير – يحسب على أساس آخر أجر تقاضاه، ثم صدر القانون رقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٧ ناصاً فى مادته الأولى – المعمول بها اعتباراً من أول يوليو سنة ١٩٨٧ – على أنه إذا قل معاش المؤمن عليه عن أجر اشتراكه المتغير المستحق عند بلوغه سن التقاعد عن ٥٠% من متوسط أجر تسوية هذا المعاش، رفع إلى هذا القدر بالشروط التى فصلها باقى نص هذه المادة .
وحيث إنه يقصد بالأجر المتغير وفقاً للبند (ط) من المادة الخامسة من قانون التأمين الاجتماعى باقى ما يحصل عليه المؤمن عليه من مقابل نقدى من جهة عمله الأصلية لقاء عمله الأصلى خلاف أجره الأساسى ، وإعمالاً لما نص عليه هذا البند فى فقرته الأخيرة من أن يصدر وزير التأمينات قراراً بقواعد حساب عناصر الأجر المتغير، فقد أصدر الوزير عدة قرارات بتحديد الحد الأقصى للاشتراك عن هذا الأجر.
وحيث إن البين من قرارات وزير التأمينات التى وضعت حداً أقصى للاشتراك عن الأجر المتغير، أن جميعها – عدا القرار رقم ١١ لسنة ١٩٨٨ – قررت هذا الحد بالنسبة للمؤمن عليهم كافة ؛ فالقرار رقم ٧٥ لسنة ١٩٨٤ كان ينص فى الفقرة الأخيرة من مادته الأولى على أن يكون الحد الأقصى لمجموع الأجر المتغير السنوى الذى تسدد على أساسه الاشتراكات ١٥٠% من الحد الأقصى للأجر الأساسى المنصوص عليه فى قانون التأمين الاجتماعى ، ثم صدر القرار رقم ٣٥ لسنة ١٩٨٧ محدداً الحد الأقصى لأجر الاشتراك المتغير بمبلغ ٤٥٠٠ جنيه سنوياً، كما صدر القرار رقم ٥٤ لسنة ١٩٨٧ ناصاً على أن يضاف لعناصر الأجر التى تدخل بالكامل فى أجر الاشتراك المتغير ما زاد على الحد الأقصى لأجر الاشتراك الأساسى ، وبعد صدور القرار رقم ١١ لسنة ١٩٨٨ أصدر وزير التأمينات قراره رقم ٥٣ لسنة ١٩٩٢ قاضياً فى مادته الأولى بأن يتم الاشتراك اعتباراً من ١ / ٧ / ١٩٩٢ عن كامل عناصر أجر الاشتراك المتغير بحد أقصى مقداره ٦٠٠٠ جنيه سنوياً، وذلك مع عدم الإخلال بأحكام قرار وزير التأمينات رقم ١١ لسنة ١٩٨٨ المشار إليه.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان قرار وزير التأمينات رقم ١١ لسنة ١٩٨٨ سالف البيان قد خص فى مادته الأولى من يشغلون منصب وزير أو يعاملون معاملة شاغلى هذا المنصب من حيث المرتب والمعاش، بحد أقصى معين للاشتراك عن الأجر المتغير، يزيد على الحد الأقصى المقرر بالنسبة لغيرهم من المؤمن عليهم، بما مؤداه: تمييز أفراد الطائفة الأولى عن باقى المؤمن عليهم، وكان قانون التأمين الاجتماعى وإن رسم طريقاً معيناً لحساب المعاش الذى يستحق للوزير – ومن يعاملون معاملته – عن أجره الأساسى والمتغير إلا أنه لم يحدد الحد الأقصى للاشتراك عن الأجر المتغير، ودرجت قرارات وزير التأمينات السالف الإشارة إليها – خلا القرار ١١ لسنة ١٩٨٨ – على توحيد هذا الحد الأقصى للمؤمن عليهم كافة ؛ فإن السبب الموضوعى الذى يبرر هذا التمييز هو ما قرره القانون رقم ١٠٠ لسنة ١٩٨٧ بشأن تحديد مرتبات نائب رئيس الجمهورية ورئيسى مجلس الشعب والشورى ورئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء فى مادته الخامسة من زيادة فى المرتب الأساسى وبدل التمثيل المقرر للوزير، اعتباراً من ٧ / ٧ / ١٩٨٧وهو ما أقرت به صراحة الهيئة المدعى عليها – وهى القائمة على تنفيذ أحكام قانون التأمين الاجتماعى – بمذكرتها الختامية المقدمة بتاريخ ٧ / ٣ / ١٩٩٨ بقولها إنه وقد صدر قرار وزير التأمينات رقم ١١ لسنة ١٩٨٨ ترتيباً على صدور القانون رقم ١٠٠ لسنة ١٩٨٧.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان القانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٨٨ قد تبنى ذات الزيادة التى نص عليها القانون ١٠٠ لسنة ١٩٨٧ المشار إليه فى مرتب الوزير وبدل تمثيله، وقررها ومن ذات التاريخ لشاغلى الوظائف التى كان مدرجاً لها فى الموازنة العامة للدولة فى أول يوليو سنة ١٩٨٧ الربط الثابت وبدل التمثيل المقرر للوزير، وكانت الأعمال التحضيرية للقانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٨٨ المشار إليه توضح بجلاء استهدافه معاملة شاغلى هذه الوظائف ذات المعاملة المالية المقررة للوزراء اعتباراً من ٧ / ٧ / ١٩٨٧، ومن ثم يشكل هذان القانونان متضاممين تنظيماً متكاملاً للمعاملة المالية للوزراء ومن فى حكمهم، بما يترتب على تلك المعاملة من آثار فى شأن حقوقهم وإلتزاماتهم التأمينية . ولا وجه للمحاجة بأن صدور القانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٨٨ لا حقا للقرار المطعون فيه يؤدى إلى انفصام الرابطة بينهما، ذلك أن مشروع القانون المذكور – حسبما يبين من مذكرته الإيضاحية – كان قد رفعه رئيس مجلس الوزراء – بعد موافقة مجلس الوزراء – إلى رئيس الجمهورية بتاريخ ١٢ / ١٢ / ١٩٨٧، طالباً إحالته إلى مجلس الشعب، الذى أحاله بدوره إلى لجنة مشتركة من لجنتى الخطة والموازنة ومكتبى لجنتى الشئون الدستورية والتشريعية والقوى العاملة فى التاسع من يناير سنة ١٩٨٨، ومن ثم فلم تك أحكامه بمنأى عن مصدر القرار الطعين، يقطع بذلك أن القرار ذاته رفع الحد الأقصى الوارد به لمن يشغل منصب وزير ومن يعامل معاملته من حيث المرتب والمعاش، ولم يقتصر على الوزراء فقط.
وحيث إنه وقد ثبت مما تقدم الارتباط الوثيق بين الزيادة فى بدلات التمثيل التى تقررت للوزراء ومن فى حكمهم اعتباراً من ٧ / ٧ / ١٩٨٧ إعمالاً للقانونين رقمى ١٠٠ لسنة ١٩٨٧، ٥٧ لسنة ١٩٨٨، وبين إفراد الوزراء ومن فى حكمهم برفع الحد الأقصى للاشتراك عن الأجر المتغير إلى ٩٠٠٠ جنيه سنوياً والتى نص عليه قرار وزير التأمينات رقم ١١ لسنة ١٩٨٨؛ فإنه يجب على ضوء ذلك بحث دستورية النص الطعين والذى ترتب عليه حرمان من بلغوا سن التقاعد أو تركوا منصب الوزير قبل أول مارس سنة ١٩٨٨ من الإفادة من الحد الأقصى المشار إليه، قاصراً نطاق تطبيقه على من يبلغ سن التقاعد أو يترك المنصب اعتباراً من أول مارس سنة ١٩٨٨، وذلك رغم كون هؤلاء وأولئك قد تقررت لهم جميعا الزيادة فى بدل التمثيل اعتباراً من ٧ / ٧ / ١٩٨٧.
وحيث إن الأصل فى سلطة المشرع فى تنظيم الحقوق – على ماجرى به قضاء هذه المحكمة – هو إطلاقها مالم يقيدها الدستور بقيود معينة تبين تخوم الدائرة التى لا يجوز أن يتداخل التشريع فيها هادماً لتلك الحقوق أو مؤثراً فى محتواها بما ينال منها، فلا يكون تنظيم المشرع لحق ما سليماً من زاوية دستورية إلا فيما وراء هذه الحدود، فإن اقتحمها بدعوى تنظيمها انحل ذلك عدواناً عليها.
وحيث إن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، رددته الدساتير المصرية جميعها؛ بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها وأساساً للعدل والسلام الاجتماعى ، غايته صون الحقوق والحريات فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، وباعتباره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة للحقوق جميعها، فلا يقتصر مجال إعماله على ما كفله الدستور من حريات وحقوق وواجبات، بل يمتد كذلك إلى تلك التى يقررها التشريع – أصلياً كان أو فرعياً – فى حدود السلطة التقديرية للمشرع، وأنه ولئن كانت المادة (٤٠) من الدستور حظرت التمييز بين المواطنين على أساس الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة ، فإن ذلك لا يعنى البتة حصراً للأحوال التى يمتنع فيها التمييز، وإنما كان ذكرها لها باعتبارها الأكثر وقوعاً فى العمل، والقول بغير ذلك يؤدى إلى إجازة التمييز فيما عدا تلك الأحوال وهو ما يناقض جوهر مبدأ المساواة ويحول بينه وبين تحقيق الهدف منه ويعرض الحريات والحقوق والواجبات العامة لخطر التمييز فيها بين المواطنين على غير أسس موضوعية تبرره، كما أنه قبل ذلك جميعاً يتصادم وصدر المادة (٤٠) ذاتها والذى جرت صياغته بأن المواطنون لدى القانون سواء، وإذا كانت صور التمييز المجافية للدستور يتعذر حصرها إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التى كفلها الدستور أو القانون، سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها، بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أنه وإن كان مبدأ المساواة أمام القانون لا يعنى معاملة المواطنين جميعاً وفق قواعد موحدة ، ذلك أن التنظيم التشريعى قد ينطوى على تقسيم أو تصنيف أو تمييز سواء من خلال الأعباء التى يلقيها على البعض أو من خلال المزايا التى يمنحها لفئة دون غيرها، إلا أن مناط دستورية هذا التنظيم ألا تنفصل نصوصه التى ينظم بها المشرع موضوعاً معيناً عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التى توخى تحقيقها بالوسائل التى لجأ إليها منطقياً وليس واهياً أو واهناً أو منتحلاً بما يخل بالأسس التى يقوم عليها التمييز المبرر دستورياً، ومن ثم فإذا ما قام التماثل فى المراكز القانونية التى تنتظم بعض فئات المواطنين وتساويهم بالتالى فى العناصر التى تكونها، استوجب ذلك وحدة القاعدة القانونية التى ينبغى تطبيقها فى حقهم، فإن خرج المشرع على ذلك سقط فى حمأة المخالفة الدستورية ، سواء كان خروجه هذا مقصوداً أم وقع عرضاً.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وإذ تماثلت المراكز القانونية لشاغلى منصب الوزير ومن يعاملون معاملتهم، وكانت مرتبات وبدلات هؤلاء جميعاً قد زيدت اعتباراً من ٧ / ٧ / ١٩٨٧، وكان النص الطعين قد ترتب عليه تقسيمهم إلى فئتين أحداهما يسوى معاش الأجر المتغير المستحق لها على أساس أن الحد الأقصى للاشتراك عنه ٩٠٠٠ جنيه سنوياً، وهم أولئك الذين تركوا منصب الوزير أو بلغوا سن التقاعد ويعاملون تأمينياً معاملته، اعتباراً من أول مارس سنة ١٩٨٨ والثانية تضم قرناء الطائفة الأولى ولكنهم تركوا المنصب أو بلغوا سن التقاعد فى الفترة من ٧ / ٧ / ١٩٨٧ حتى ٢٩ / ٢ / ١٩٨٨، وهؤلاء تسوى معاشاتهم عن الأجر المتغير على أساس أن الحد الأقصى للاشتراك عنه ٤٥٠٠ جنيه سنوياً، مما نجم عنه اختلاف المعاش المستحق لكل من الطائفتين عن الأجور المتغيرة ؛ متى كان ذلك وكان النص الطعين هو الذى يؤدى إلى هذا التمييز بين الطائفتين – بمنح أولاهما ميزة استبعد الثانية من الإفادة منها – رغم تماثل مراكزهم القانونية وتساويهم فى العناصر المكونة لها. سواء من حيث الخطر المؤمن عليه أو من حيث المنصب أو الوظيفة ، أو المرتب والبدلات أو قواعد تسوية المعاش الأساسى والمتغير، مما كان يقتضى وحدة القاعدة القانونية المطبقة عليهم، وإذ لم يقم هذا التمييز على أساس موضوعى يبرره، فإنه ينحل – والحالة هذه – إلى تمييز تحكمى يحظره الدستور.
وحيث إنه وقد نجم عن التمييز التحكمى الذى ترتب على النص الطعين – على النحو سالف البيان – نقصان معاش الأجر المتغير لمن بلغوا سن التقاعد أو تركوا منصب الوزير خلال الفترة من ٧ / ٧ / ١٩٨٧ حتى ٢٩ / ٢ / ١٩٨٨عن معاش قرنائهم الذين بلغوا سن التقاعد أو تركوا المنصب اعتباراً من أول مارس سنة ١٩٨٨، وكان قضاء هذه المحكمة قد اطرد على أن الحماية التى أظل بها الدستور الملكية الخاصة لضمان صونها من العدوان عليها، وفقاً لنص المادة (٣٤) منه، تمتد إلى الأموال جميعها دون تمييز بينها، باعتبار أن المال هو الحق ذو القيمة المالية سواء كان هذا الحق شخصياً أم عينياً أم كان من حقوق الملكية الأدبية أو الفنية أو الصناعية ، وكان الحق فى المعاش عن الأجر المتغير – شأنه فى ذلك شأن المعاش عن الأجر الأساسى – إذا توافر أصل استحقاقه ينهض إلتزاماً على الجهة التى تقرر عليها وعنصراً إيجابياً فى ذمة صاحب المعاش أو المستحقين عنه، تتحدد قيمته وفقاً لأحكام قانون التأمين الاجتماعى والقرارات المنفذة له بما لا تتعارض فيه مع أحكام الدستور، فإن النص الطعين ينحل – والحالة هذه – انتهاكاً للحماية الدستورية المقررة للملكية .
وحيث إن من المقرر أن العبرة فى تقدير دستورية التشريع هى بتوافق أو اختلاف نصوصه وأحكام الدستور ومقتضياتها، فإذا ما قرر المشرع حقاً معيناً وجب عليه – وفقاً لمبدأى المساواة وصون الملكية الخاصة ، وقد أنزلهما الدستور مكاناً علياً – أن يضع القواعد التى تكفل المعاملة المتكافئة لأصحاب المراكز القانونية المتماثلة ، مع عدم المساس بحماية الملكية الخاصة ؛ وسبيله إلى ذلك الأداة التشريعية الملائمة وإنفاذها من التاريخ المناسب، فلا يسوغ له – من زاوية دستورية – أن يعطى هذا الحق لفئة دون أخرى من ذوى المراكز المتحدة فى أركانها وعناصرها، أو أن يعتدى على الملكية الخاصة ، فالدستور يسمو ولايُسمى عليه، فإن كان مقتضاه فتح باب إلى حق امتنع على المشرع أن يمنحه لبعض مستحقيه ويقبضه عن البعض الأخر.
وحيث إن حاصل ما تقدم جميعه أن النص الطعين قد انطوى على تمييز تحكمى يخالف مبدأ المساواة أمام القانون الذى كفله الدستور بمادته الأربعين، وتضمن مساساً بالملكية الخاصة التى صانها الدستور بمادته الرابعة والثلاثين.
وحيث إن ابطال هذه المحكمة للنص المطعون فيه يقتضى تدخل مصدر القرار الطعين لوضع نص بديل يتلا فى العوار الدستورى السابق تبيانه. إعمالاً للحجية المطلقة التى أسبغها قانون
المحكمة الدستورية العليا
على أحكامها فى المسائل الدستورية والتى لازمها نزول الدولة بكامل سلطاتها عليها لتعمل بوسائلها وأدواتها – ومن خلال سلطة التشريع أصلياً أو فرعياً، كلما كان ذلك ضرورياً– على تطبيقها.
وحيث إنه بقضاء هذه المحكمة بعدم دستورية عجز المادة الثانية من قرار وزير التأمينات رقم ١١ لسنة ١٩٨٨، فإنها تكون قد استجابت إلى الطلب الأصلى للمدعى فى الدعوى الراهنة ، بما لا محل معه بعدئذ لبحث طلبه الاحتياطى .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة الثانية من قرار وزير التأمينات رقم ١١ لسنة ١٩٨٨ بشأن الحد الأقصى لأجر الاشتراك المتغير فيما نصت عليه من أنه ويعمل به اعتباراً من أول مارس سنة ١٩٨٨، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .