حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٠٦ لسنة ٦ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٠٦ لسنة ٦ دستورية
– – – ١ – – –
أن الحكومة دفعت بعدم إختصاص المحكمة بنظر الدعوى بالنسبة لقرارات المجلس الأعلى للجامعات الخاصة بإستثناء عدد من أبناء المحافظات و المناطق النائية و محافظات الحدود من شرط المجموع عند الإلتحاق بالكليات، تأسيساً على أن القواعد التى تتضمنها تلك القرارات ليست من قبيل اللوائح التى تخضع لرقابة المحكمة الدستورية العليا، و إنما هى شروط تعاقدية يتضمنها عقد إدارى قوامه الإلتحاق بالدراسة الجامعية لمن تتوافر فيه هذه الشروط من أبناء المحافظات النائية و محافظات الحدود مقابل إلتزامه بالعمل بعد تخرجه فى المحافظة التى تبعها، و إلا إمتنع قبوله فى هذه الدراسة.
و حيث أن هذا الدفع مردود بأن القرارات المشار إليها بما تتضمنه من أحكام عامة مجردة لا تتعلق بأشخاص بذواتهم و لا بوقائع بعينها – إنما تدخل فى عموم التشريعات الخاضعة لرقابة هذه المحكمة. و لا ينال من طبيعتها هذه أن يلتزم الطالب المستفيد بأحكامها بالعمل فى المحافظة التى يتبعها بعد تخرجه، ذلك أن هذا الإلتزام لا يعدوا أن يكون أحد الشروط التى تطلبتها تلك القرارات لإفادة أبناء المناطق النائية من المعاملة الإستثنائية التى قررتها، و من ثم يكون الدفع بعدم إختصاص المحكمة على غير أساس متعيناً رفضه.
– – – ٢ – – –
إن المادة ١٨ من الدستور تنص على أن “التعليم حق تكفله الدولة، و هو إلزامى فى المرحلة الإبتدائية، و تعمل الدولة على مد الإلزام إلى مراحل أخرى، و تشرف على التعليم كله، و تكفل إستقلال الجامعات و مراكز البحث العلمى، و ذلك كله بما يحقق الربط بينه و بين حاجات المجتمع و الإنتاج”. و كفالة الدستور لحق التعليم إنما جاء إنطلاقاً من حقيقة أن التعليم يعد من أهم وظائف الدولة و أكثرها خطراً، و أنه أداتها الرئيسية التى تنمى فى النشئ، القيم الخلقية و التربوية و الثقافية، و تعده لحياة أفضل يتوافق فيها مع بيئته و مقتضيات إنتمائه إلى وطنه و يتمكن فى كنفها من إقتحام الطريق إلى آفاق المعرفة و ألوانها المختلفة. و الحق فى التعليم – الذى أرسى الدستور أصله – فحواه أن يكون لكل مواطن الحق فى أن يتلقى قدراً من التعليم يتناسب مع مواهبه و قدراته، و أن يختار نوع التعليم الذى يراه أكثر إتفاقاً و ميوله و ملكاته، و ذلك كله وفق القواعد التى يتولى المشرع وضعها تنظيماً لهذا الحق بما لا يؤدى إلى مصادرته أو الإنتقاص منه، و على ألا تخل القيود التى يفرضها المشرع فى مجال هذا التنظيم بمبدأى تكافؤ الفرص و المساواة لدى القانون اللذين تضمنها الدستور بما نص عليه فى المادة ٨ من أن “تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين و فى المادة ٤٠ من أن “المواطنون لدى القانون سواء، و هم متساوون فى الحقوق و الواجبات العامة، لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة”.
– – – ٣ – – –
إن التعليم العالى – بجميع كلياته و معاهده – يشكل الركيزة الرئيسية لتزويد المجتمع بالمتخصصين و الفنيين و الخبراء الذين تقع على عواتقهم مسئولية العمل فى مختلف مجالاته، فيتعين أن يرتبط فى أهدافه و أسس تنظيمه بحاجات هذا المجتمع و إنتاجه، و هو ما تطلبته صراحة المادة ١٨ من الدستور المشار إليها، و رددته المادة الأولى من قانون تنظيم الجامعات الصادرة بالقرار بقانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٣ عند تحديدها لرسالة الجامعات بأن يكون التعليم فيها موجهاً لخدمة المجتمع و الإرتقاء به حضارياً، و الإسهام فى رقى الفكر و تقدم العلم و تنمية العلوم الإنسانيةِ، و إعداد الإنسان المزود بأصول المعرفة و طرائق البحث المتقدمة و القيم الرفيعة لضمان تقدم الوطن و تنمية ثروته البشرية و العمل على بعث الحضارة العربية و التراث التاريخى للشعب المصرى و تقاليده الأصلية و ذلك كله بما يحقق الربط بين التعليم الجامعى و حاجات المجتمع و الإنتاج. لما كان ذلك و كانت الدولة مسئولة عن كفالة هذا التعليم الذى يخضع لإشرافها حسبما نصت عليه المادة ١٨ من الدستور، و كانت الفرص التى تلتزم بأن تتيحها للراغبين فى الإلتحاق بالتعليم العالى مقيدة بإمكانياتها الفعلية التى قد تقصر عن إستيعابهم جميعاً فى كلياته و معاهده المختلفة، فأن السبيل إلى فض تزاحمهم و تنافسهم على هذه الفرص المحددة لا يتأتى إلا بتحديد مستحقيها و ترتيبهم فيما بينهم وفق شروط موضوعية ترتد فى أساسها إلى طبيعة هذا التعليم و أهدافه و متطلبات الدراسة فيه، و يتحقق بها و من خلالها التكافؤ فى الفرص، و المساواة لدى القانون، بما يتولد عن تلك الشروط فى ذاتها من مراكز قانونية متماثلة تكشف عن وجه الأحقية و التفضيل بين المتزاحمين فى الإنتفاع بهذه الفرص بحيث إذا إستقر لأى منهم الحق فى الإلتحاق بإحدى الكليات أو المعاهد العالية وفق هذه الشروط فلا يحل من بعد أن يفضل عليه من لم تتوافر فيه تلك الشروط، و إلا كان ذلك مساساً بحق قرره الدستور.
– – – ٤ – – –
إن التعليم العالى – بجميع كلياته و معاهده – يشكل الركيزة الرئيسية لتزويد المجتمع بالمتخصصين و الفنيين و الخبراء الذين تقع على عواتقهم مسئولية العمل فى مختلف مجالاته، فيتعين أن يرتبط فى أهدافه و أسس تنظيمه بحاجات هذا المجتمع و إنتاجه، و هو ما تطلبته صراحة المادة ١٨ من الدستور المشار إليها، و رددته المادة الأولى من قانون تنظيم الجامعات الصادرة بالقرار بقانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٣ عند تحديدها لرسالة الجامعات بأن يكون التعليم فيها موجهاً لخدمة المجتمع و الإرتقاء به حضارياً، و الإسهام فى رقى الفكر و تقدم العلم و تنمية العلوم الإنسانيةِ، و إعداد الإنسان المزود بأصول المعرفة و طرائق البحث المتقدمة و القيم الرفيعة لضمان تقدم الوطن و تنمية ثروته البشرية و العمل على بعث الحضارة العربية و التراث التاريخى للشعب المصرى و تقاليده الأصلية و ذلك كله بما يحقق الربط بين التعليم الجامعى و حاجات المجتمع و الإنتاج. لما كان ذلك و كانت الدولة مسئولة عن كفالة هذا التعليم الذى يخضع لإشرافها حسبما نصت عليه المادة ١٨ من الدستور، و كانت الفرص التى تلتزم بأن تتيحها للراغبين فى الإلتحاق بالتعليم العالى مقيدة بإمكانياتها الفعلية التى قد تقصر عن إستيعابهم جميعاً فى كلياته و معاهده المختلفة، فأن السبيل إلى فض تزاحمهم و تنافسهم على هذه الفرص المحددة لا يتأتى إلا بتحديد مستحقيها و ترتيبهم فيما بينهم وفق شروط موضوعية ترتد فى أساسها إلى طبيعة هذا التعليم و أهدافه و متطلبات الدراسة فيه، و يتحقق بها و من خلالها التكافؤ فى الفرص، و المساواة لدى القانون، بما يتولد عن تلك الشروط فى ذاتها من مراكز قانونية متماثلة تكشف عن وجه الأحقية و التفضيل بين المتزاحمين فى الإنتفاع بهذه الفرص بحيث إذا إستقر لأى منهم الحق فى الإلتحاق بإحدى الكليات أو المعاهد العالية وفق هذه الشروط فلا يحل من بعد أن يفضل عليه من لم تتوافر فيه تلك الشروط، و إلا كان ذلك مساساً بحق قرره الدستور.
– – – ٥ – – –
إن فرض الإلتحاق بالتعليم الجامعى – و هو يمثل الجانب الرئيسى للتعليم العالى – لا تتهيأ لجميع الناجحين فى شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها، و إنما تتوافر هذه الفرص لأعداد منهم يحددها المجلس الأعلى للجامعات فى نهاية كل عام جامعى الأمر الذى من شأنه تزاحم الناجحين فى تلك الشهادة على الفرص المتاحة لهم للإلتحاق بالتعليم الجامعى. و قد تكفلت المادة ٧٥ من اللائحة المشار إليها ببيان ما إرتأته من شروط موضوعية محققة لتكافؤ الفرص بين الحاصلين على شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها، و لتساويهم لدى القانون، حين ربطت القبول فى التعليم الجامعى بترتيب درجات النجاح بينهم فى إمتحان تلك الشهادة، بإعتبار أن هذا الإمتحان يتم فى إطار مسابقة عامة تجريها الدولة تتاح فيها الفرص المتكافئة لجميع المتقدمين إليها للحصول على تلك الشهادة بما يجعل معيار المفاضلة بينهم عند تقدمهم للإلتحاق بالتعليم الجامعى مرتبطاً بالتفوق و الجدارة التى يمتاز بها بعضهم على بعض، و هى النتيجة الحتمية للتفاوت القائم بينهم فى الملكات و القدرات الذاتية.
– – – ٦ – – –
يبين من النصوص التشريعية المطعون عليها أن المعاملة الإستثنائية التى خصت بها فئات من الحاصلين على شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها لقبولهم بالتعليم العالى دون التقيد بمجموع درجاتهم فى هذه الشهادة، إنما ترتكز فى واقعها على أسس منبتة الصلة بطبيعة هذا التعليم و أهدافه و متطلبات الدراسة فيه، إذ تقوم هذه المعاملة فى أساسها و دوافعها على تقرير مزية إستثنائية للطلبة المستفيدين منها قوامها أما مجرد الإنتماء الأسرى إلى من كان شاغلاً لوظيفة بعينها، أو قائماً بأعبائها فى جهة بذاتها، أو متولياً مسئوليتها فى تاريخ معين أو من كان قد إستشهد أو توفى أو فقد أو أصيب بسبب أداء مهامها، أو من كان حاملاً لوسام. و إما أن يكون مناطها الإنتماء إلى المناطق النائية بسبب الميلاد أو الإقامة أو الحصول منها على شهادة الثانوية العامة، و إما أن يكون منحها مرتبطاً بواقعة بذاتها تتعلق بالطلبة أنفسهم من أصابة فى العمليات الحربية أو حصول على وسام معين.
لما كان ذلك، و كانت المعاملة الإستثنائية فى القبول بالتعليم العالى التى تضمنتها النصوص التشريعية المطعون عليها – و أياً كان وجه الرأى فى الإعتبارات التى دعت إلى تقريرها – تستتبع أن يحل أفراد الفئات المستثناه محل من يتقدمونهم فى درجات النجاح فى شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها فى الإنتفاع بحق التعليم فى مرحلته العالية المحدودة فرصها، بعد أن كانت قد إنتظمتهم جميعاً الأسس الموحدة التى تقررت لإجراء تلك المسابقة، و رغم ما أسفرت عنه نتيجتها من أولويتهم دون المستثنين فى التمتع بذلك الحق، الأمر الذى يتعارض مع طبيعة التعليم العالى و أهدفاه و متطلباته الدراسة فيه على ما سلف بيانه، و ينطوى على المساس بحق المتقدمين فى درجات النجاح فى هذا التعليم، و الإخلال بمبدأى تكافؤ الفرص و المساواة لدى القانون، و من ثم يشكل مخالفة للمواد ٨،١٨،٤٠ من الدستور.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات والمداولة. حيث إن الوقائع – على مايبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى بصفته ولياً طبيعياً على ابنته القاصر كان قد أقام الدعوى رقم ٥٥٤١ لسنة ٣٧ قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى طالباً الحكم بوقف تنفيذ القرار القاضى بإلحاق ابنته بكلية العلوم جامعة القاهرة فيما تضمنه من عدم قبولها بإحدى كليات الطب البشرى أو الصيدلة أو طب الأسنان، وفى الموضوع بإلغاء هذا القرار وكذلك إلغاء القرارات الصادرة بتقرير استثناء لبعض الفئات من شرط المجموع عند الالتحاق بالكليات المذكورة وغيرها من الكليات. وإذ تراءى للمحكمة عدم دستورية المادة ٧٦ من اللائحة التنفيذية للقرار بقانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٢ بشأن تنظيم الجامعات الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم ٨٠٩ لسنة ١٩٧٥، والبند (ب) من الفقرة الثالثة من المادة ١٢٣ من القرار بقانون رقم ٢٣٢ لسنة ١٩٥٩ فى شأن شروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة، وقرارى رئيس الجمهورية رقمى ٧٤٢ و ٧٤٣ لسنة ١٩٧٥، وقرار المجلس الأعلى للجامعات بتاريخ ٢١ يولية ١٩٧٧ بشأن أبناء العاملين بوزارة التعليم العالى، وقرارات المجلس الأعلى للجامعات بشأن قبول أبناء المحافظات والجهات النائية بالكليات، استناداً إلى أن ما تضمنته هذه النصوص من تقرير استثناء لبعض فئات الطلبة من شرط المجموع عند الالتحاق بالكليات والمعاهد العالية يشكل مخالفة للمواد ٨ ، ١٨، ٤٠ من الدستور، فقد قضت بجلسة ٢٢ مايو سنة ١٩٨٤ بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستورية النصوص المشار إليها. وحيث إن الحكومة دفعت بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى بالنسبة لقرارات المجلس الأعلى للجامعات الخاصة باستثناء عدد من أبناء المحافظات والمناطق النائية ومحافظات الحدود من شرط المجموع عند الالتحاق بالكليات، تأسيساً على أن القواعد التى تتضمنها تلك القرارات ليست من قبيل اللوائح التى تخضع لرقابة المحكمة الدستورية العليا، وإنما هى شروط تعاقدية يتضمنها عقد إدارى قوامة الالتحاق بالدراسة الجامعية لمن تتوافر فيه هذه الشروط من أبناء المحافظات النائية ومحافظات الحدود مقابل التزامه بالعمل بعد تخرجه فى المحافظة التى يتبعها، وإلا امتنع قبوله فى هذه الدراسة. وحيث إن هذا الدفع مردود بأن القرارات المشار إليها بما تتضمنه من أحكام عامة مجردة لاتتعلق بأشخاص بذواتهم ولا بوقائع بعينها – إنما تدخل فى عموم التشريعات الخاضعة لرقابة هذه المحكمة. ولاينال من طبيعتها هذه أن يلتزم الطالب المستفيد بأحكامها بالعمل فى المحافظة التى يتبعها بعد تخرجه، ذلك أن هذا الالتزام لا يعدو أن يكون أحد الشروط التى تطلبتها تلك القرارات لإفادة أبناء المناطق النائية من المعاملة الاستثنائية التى قررتها، ومن ثم يكون الدفع بعدم اختصاص المحكمة على غير أساس متعيناً رفضه. وحيث إن الدعوى استوفت أوضاعها القانونية. وحيث إن النصوص التشريعية التى ارتأى قرار الإحالة عدم دستوريتها هى: أولاً : المادة ٧٦ من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم ٨٠٩ لسنة ١٩٧٥ والتى تنص على أنه “يجوز دون التقيد بمجموع الدرجات قبول: (١) عدد لايزيد على خمسة طلاب فى كل كلية من أبناء أعضاء هيئة التدريس الحاليين بالجامعات أو السابقين الذين قضوا عشر سنوات على الأقل فى هيئة التدريس (٢) عدد لايزيد على خمسة طلاب فى كل كلية من أبناء العاملين من غير أعضاء هيئة التدريس الحاليين أو السابقين فى الجامعات أو أمانة المجلس الأعلى للجامعات بشرط أن يكونوا قد قضوا عشر سنوات فى خدمة الجامعات أو أمانة المجلس الأعلى للجامعات. ثانياً : الفقرة الثالثة من المادة ١٢٣ من القرار بقانون رقم ٢٣٢ لسنة ١٩٥٩ فى شأن شروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة المعدل بالقانون رقم ١٣٢ لسنة ١٩٨٠ وذلك فيما تضمنته من الإحالة إلى الفقرة (ب) من البند (٢) من المادة ١٢٢ مكرراً (١) من ذات القانون بشأن استحقاق حامل وسام نجمة الشرف مزية “تعليمه وتعليم زوجته (أو أرملته) وأبنائه وأخوته الذين يعولهم بالمجان فى سائر مراحل التعليم بجميع المدارس أو المعاهد أو الكليات المملوكة للدولة مع إعفائهم من شروط القبول فيما يتعلق بالسن ومجموع الدرجات وذلك طبقاً للقواعد التى يصدر بها قرار من رئيس الجمهورية”. ثالثاً : المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية رقم ٧٤٢ لسنة ١٩٧٥ بشأن قبول أبناء وزوجات وأخوة الشهداء والمفقودين والمصابين من أفراد القوات المسلحة والعاملين المدنيين بها بالكليات والمعاهد العالية دون التقيد بالمجموع – ونصها الآتى: “يقبل بكل كلية أو معهد من المعاهد العالية أو معاهد إعداد الفنيين والصحيين والمعاهد فوق المتوسطة الحكومية أو الخاصة عدد لايزيد على خمسة وعشرين طالباً من الطلاب الحاصلين على شهادة إتمام الدراسة الثانوية العامة أو ما يعادلها من الفئات الآتية وذلك دون التقيد بمجموع الدرجات (أ) أبناء وزوجات الشهداء أو المفقودين من أفراد القوات المسلحة بسبب العمليات الحربية وأخوتهم الذين كانوا يعولونهم (ب) أبناء وزوجات المتوفين من أفراد القوات المسلحة بسبب الخدمة (ج) أفراد القوات المسلحة المصابون بسبب العمليات الحربية وأبناؤهم وأخوتهم الذين يعولونهم (د) أبناء أفراد القوات المسلحة الموجودين بالخدمة فيها اعتباراً من ٥ يونية ١٩٦٧ (ه) أبناء العاملين المدنيين الموجودين بالخدمة فى القوات المسلحة اعتباراً من ٥ يونية ١٩٦٧ والذين يخدمون فى المناطق التى دارت فيها المعارك الحربية..”. رابعاً : المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية رقم ٧٤٣ لسنة ١٩٧٥ بشأن قبول أبناء وأخوة وزوجات من استشهدوا من المدنيين بسبب العمليات الحربية أو بسبب قيامهم بواجبات رسمية بالكليات والمعاهد العالية دون التقيد بالمجموع ونصها الآتى “يقبل فى كل كلية أو معهد من المعاهد العالية عدد لايزيد على خمسة طلاب من أبناء وأخوة وزوجات المدنيين من غير العاملين بوزارة الحربية والقوات المسلحة الذين استشهدوا أو الذين أصبحوا فى حالة عجز كامل بسبب العمليات الحربية أو الذين توفوا أو أصبحوا فى حالة عجز كامل بسبب العمليات الحربية أو الذين توفوا أو أصبحوا فى حالة عجز كامل بسبب قيامهم بواجبات رسمية وذلك دون التقيد بمجموع الدرجات”. خامساً : قرار المجلس الأعلى للجامعات الصادر بجلسة ٢١ يولية ١٩٧٧ بالموافقة على “القبول الاستثنائى دون التقيد بمجموع الدرجات لعدد لايزيد على خمسة طلاب من أبناء العاملين الحاليين أو السابقين بوزارة التعليم العالى. فى كل كلية جامعية كانت معهداً عالياً يتبع وزارة التعليم العالى. ويشترط للانتفاع بالاستثناء أن يكون العامل قد أمضى مدة عشر سنوات على الأقل فى خدمة وزارة التعليم العالى أو خدمتها وخدمة وزارة التعليم والهيئات التى يشرف عليها وزير التعليم”. سادساً: قرار المجلس الأعلى للجامعات الصادر بجلسة ٣١ مايو سنة ١٩٧٥ والمعدل بالقرارين الصادرين بجلستى ١٢ يوليو ١٩٧٦ و٢١ يوليو ١٩٧٧ فيما قضى به من قبول أعداد معينة من أبناء المحافظات والمناطق النائية ومحافظات الحدود (مطروح – الوادى الجديد – البحر الأحمر – سيناء – مدينة وادى النطرون) وذلك فى الكليات المبينة بالقرار دون التقيد بمجموع الدرجات، وعلى أن تكون شروط الاستفادة من هذا الاستثناء كالآتى: “أن يكون الطالب من مواليد المحافظة المعنية وحاصلاً على شهادة الثانوية العامة من إحدى مدارس تلك المحافظة. ويعفى الطلاب من أبناء محافظة سيناء من اشتراط الحصول على شهادة الثانوية العامة من إحدى مدارس المحافظة وفى حالة ما إذا تبقى عدد من الأماكن، يستكمل العدد بمن ينطبق عليهم أحد الشرطين الآتيين: (١) أن يكون الطالب من مواليد المحافظة المعنية ومقيماً بها إقامة دائمة لمدة عشر سنوات على الأقل دون النظر إلى المدرسة التى حصل منها على شهادة الثانوية العامة. (٢) أن يكون الطالب من غير مواليد المحافظة المعنية ومقيماً بها إقامة دائمة لمدة عشر سنوات على الأقل مع حصوله على شهادة الثانوية العامة من هذه المحافظة، على أن يلتزم الطالب الذى يستفيد من هذا الاستثناء بالعمل بالمحافظة بعد تخرجه”. وحيث إن مبنى الطعن يقوم على تعارض النصوص التشريعية المطعون عليها مع كل من مبدأ تكافؤ الفرص، ومبدأ المساواة لدى القانون فى حق التعليم، بما يخالف المواد ٨، ١٨، ٤٠ من الدستور. وحيث إن المادة ١٨ من الدستور تنص على أن “التعليم حق تكفله الدولة، وهو إلزامى فى المرحلة الابتدائية، وتعمل الدولة على مد الإلزام إلى مراحل أخرى، وتشرف على التعليم كله، وتكفل استقلال الجامعات ومراكز البحث العلمى، وذلك كله بما يحقق الربط بينه وبين حاجات المجتمع والإنتاج”. وكفالة الدستور لحق التعليم إنما جاء انطلاقاً من حقيقة إن التعليم يعد من أهم وظائف الدولة وأكثرها خطراً، وانه أداتها الرئيسية التى تنمى فى النشئ القيم الخلقية والتربوية والثقافية، وتعده لحياة أفضل يتوافق فيها مع بيئته ومقتضيات انتمائه إلى وطنه، ويتمكن فى كنفها من اقتحام الطريق إلى أفاق المعرفة وألوانها المختلفة. والحق فى التعليم – الذى أرسى الدستور أصله – فحواه أن يكون لكل مواطن الحق فى أن يتلقى قدراً من التعليم يتناسب مع مواهبه وقدراته، وأن يختار نوع التعليم الذى يراه أكثر اتفاقاً وميوله وملكاته، وذلك كله وفق القواعد التى يتولى المشرع وضعها تنظيماً لهذا الحق بما لايؤدى إلى مصادرته أو الانتقاص منه، وعلى ألا تخل القيود التى يفرضها المشرع فى مجال هذا التنظيم بمبدأى تكافؤ الفرص والمساواة لدى القانون اللذين تضمنهما الدستور بما نص عليه فى المادة ٨ من أن “تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين” وفى المادة ٤٠ من أن “المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لاتمييز فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة”. وحيث إن التعليم العالى – بجميع كلياته ومعاهده – يشكل الركيزة الرئيسية لتزويد المجتمع بالمتخصصين والفنيين والخبراء الذين تقع على عواتقهم مسئولية العمل فى مختلف مجالاته، فيتعين أن يرتبط فى أهدافه وأسس تنظيمه بحاجات هذا المجتمع وإنتاجه، وهو ماتطلبته صراحة المادة ١٨ من الدستور المشار إليها، ورددته المادة الأولى من قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقرار بقانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٢ عند تحديدها لرسالة الجامعات بأن يكون التعليم فيها موجهاً لخدمة المجتمع والارتقاء به حضارياً، والإسهام فى رقى الفكر وتقدم العلم وتنمية العلوم الإنسانية، وإعداد الإنسان المزود بأصول المعرفة وطرائق البحث المتقدمة والقيم الرفيعة لضمان تقدم الوطن وتنمية ثروته البشرية والعمل على بعث الحضارة العربية والتراث التاريخى للشعب المصرى وتقاليده الأصيلة وذلك كله بما يحقق الربط بين التعليم الجامعى وحاجات المجتمع والإنتاج. لما كان ذلك وكانت الدولة مسئولة عن كفالة هذا التعليم الذى يخضع لإشرافها حسبما نصت عليه المادة ١٨ من الدستور، وكانت الفرص التى تلتزم بأن تتيحها للراغبين فى الالتحاق بالتعليم العالى مقيدة بإمكانياتها الفعلية التى قد تقصر عن استيعابهم جميعاً فى كلياته ومعاهده المختلفة، فإن السبيل إلى فض تزاحمهم وتنافسهم على هذه الفرص المحدودة لايتأتى إلا بتحديد مستحقيها وترتيبهم فيما بينهم وفق شروط موضوعية ترتد فى أساسها إلى طبيعة هذا التعليم وأهدافه ومتطلبات الدراسة فيه، ويتحقق بها ومن خلالها التكافؤ فى الفرص، والمساواة لدى القانون، بما يتولد عن تلك الشروط فى ذاتها من مراكز قانونية متماثلة تكشف عن وجه الأحقية والتفضيل بين المتزاحمين فى الانتفاع بهذه الفرص بحيث إذا استقر لأى منهم الحق فى الالتحاق بإحدى الكليات أو المعاهد العالية وفق هذه الشروط فلا يحل من بعد أن يفضل عليه من لم تتوافر فيه تلك الشروط وإلا كان ذلك مساساً بحق قرره الدستور. وحيث إنه بناء على ما تضمنته المادة ١٩٦ من قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقرار بقانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٢ من تخويل رئيس الجمهورية إصدار لائحة تنفيذية لهذا القانون تتضمن وضع الإطار العام لتنفيذ أحكامه، ومن بينها شروط قبول الطلاب وقيدهم ورسوم الخدمات التى تؤدى إليهم، فقد أصدر رئيس الجمهورية القرار رقم ٨٠٩ لسنة ١٩٧٥ باللائحة التنفيذية للقرار بقانون سالف البيان التى تنص المادة ٧٤ منها على أن “يحدد المجلس الأعلى للجامعات فى نهاية كل عام جامعى بناء على اقتراح مجالس الجامعات بعد أخذ رأى مجالس الكليات المختلفة عدد الطلاب من أبناء جمهورية مصر العربية الذين يقبلون فى كل كلية أو معهد فى العام الجامعى التالى من بين الحاصلين على شهادة الثانوية العامة أو على الشهادات المعادلة….”. كما نصت المادة ٧٥ من هذه اللائحة على أنه “يشترط فى قيد الطالب فى الجامعة للحصول على الليسانس أو البكالوريوس، أن يكون حاصلاً على شهادة الدراسة الثانوية العامة أو مايعادلها، ويكون القبول بترتيب درجات النجاح مع مراعاة التوزيع الجغرافى وفقاً لما يقرره المجلس الأعلى للجامعات وبعد أخذ رأى مجالس الجامعات ومجالس الكليات…..”. ومؤدى هذين النصين أن فرص الالتحاق بالتعليم الجامعى – وهو يمثل الجانب الرئيسى للتعليم العالى – لا تتهيأ لجميع الناجحين فى شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها، وإنما تتوافر هذه الفرص لإعداد منهم يحددها المجلس الأعلى للجامعات فى نهاية كل عام جامعى الأمر الذى من شأنه تزاحم الناجحين فى تلك الشهادة على الفرص المتاحة لهم للالتحاق بالتعليم الجامعى، وقد تكفلت المادة ٧٥ من اللائحة المشار إليها ببيان ما ارتأته من شروط موضوعية محققة لتكافؤ الفرص بين الحاصلين على شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها، ولتساويهم لدى القانون، حين ربطت القبول فى التعليم الجامعى بترتيب درجات النجاح بينهم فى امتحان تلك الشهادة، باعتبار أن هذا الامتحان يتم فى إطار مسابقة عامة تجريها الدولة تتاح فيها الفرص المتكافئة لجميع المتقدمين إليها للحصول على تلك الشهادة بما يجعل معيار المفاضلة بينهم عند تقدمهم للالتحاق بالتعليم الجامعى مرتبطاً بالتفوق والجدارة التى يمتاز بها بعضهم على بعض، وهى النتيجة الحتمية للتفاوت القائم بينهم فى الملكات والقدرات الذاتية. وحيث إنه يبين من النصوص التشريعية المطعون عليها أن المعاملة الاستثنائية التى خصت بها فئات من الحاصلين على شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها لقبولهم بالتعليم العالى دون التقيد بمجموع درجاتهم فى هذه الشهادة، إنما ترتكز فى واقعها على أسس منبته الصلة بطبيعة هذا التعليم وأهدافه ومتطلبات الدراسة فيه، إذ تقوم هذه المعاملة فى أساسها ودوافعها على تقرير مزية استثنائية للطلبة المستفيدين منها قوامها أما مجرد الانتماء الأسرى إلى من كان شاغلاً لوظيفة بعينها، أو قائماً بأعبائها فى جهة بذاتها، أو متولياً مسئوليتها فى تاريخ معين أو من كان قد استشهد أو توفى أو فقد أو أصيب بسبب أداء مهامها، أو من كان حاملاً لوسام، وأما أن يكون مناطها الانتماء إلى المناطق النائية بسبب الميلاد أو الإقامة أو الحصول منها على شهادة الثانوية العامة، وأما أن يكون منحها مرتبطاً بواقعة بذاتها تتعلق بالطلبة أنفسهم من إصابة فى العمليات الحربية أو حصول على وسام معين. لما كان ذلك، وكانت المعاملة الاستثنائية فى القبول بالتعليم العالى التى تضمنتها النصوص التشريعية المطعون عليها – وأيا كان وجه الرأى فى الاعتبارات التى دعت إلى تقريرها – تستتبع أن يحل أفراد الفئات المستثناه محل من يتقدمونهم فى درجات النجاح فى شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها فى الانتفاع بحق التعليم فى مرحلته العالية المحدودة فرصها، بعد أن كانت قد انتظمتهم جميعاً الأسس الموحدة التى تقررت لإجراء تلك المسابقة، ورغم ما أسفرت عنه نتيجتها من أولويتهم دون المستثنين فى التمتع بذلك الحق، الأمر الذى يتعارض مع طبيعة التعليم العالى وأهدافه ومتطلبات الدراسة فيه على ما سلف بيانه، وينطوى على المساس بحق المتقدمين فى درجات النجاح فى هذا التعليم، والإخلال بمبدأى تكافؤ الفرص والمساواة لدى القانون، ومن ثم يشكل مخالفة للمواد ٨ ، ١٨، ٤٠ من الدستور. وحيث إنه لما تقدم، يتعين الحكم بعدم دستورية النصوص التشريعية المطعون عليها فيما تضمنته من قبول أفراد الفئات المبينة بها فى الكليات والمعاهد العالية دون التقيد بمجموع الدرجات فى شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها. “لهذه الأسباب” حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة ٧٦ من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم ٨٠٩ لسنة ١٩٧٥، والفقرة الثالثة من المادة ١٢٣ من القرار بقانون رقم ٢٣٢ لسنة ١٩٥٩ فى شأن شروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة، والمادة الأولى من كل من قرارى رئيس الجمهورية رقمى ٧٤٢و ٧٤٣ لسنة ١٩٧٥، وقرارات المجلس الأعلى للجامعات بشأن أبناء العاملين بوزارة التعليم العالى وأبناء المحافظات والمناطق النائية ومحافظات الحدود، وذلك فيما تضمنته هذه النصوص من قبول أفراد الفئات المبينة بها فى الكليات أو المعاهد العالية دون التقيد بمجموع درجات النجاح فى شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها.