حقوق ضحايا الجرائم الإرهابية

بقلم: الدكتور/ أحمد عبد الظاهر ـ أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة ـ المحامي لدى محكمة النقض

في الرابع والعشرين من ربيع الآخر 1437هـ الموافق الثالث من فبراير 2016م، صدر حكم محكمة النقض في الطعن رقم 15321 لسنة 85 القضائية المرفوع من المتهمين المحكوم عليهم في القضية المعروفة إعلامياً باسم «مذبحة كرداسة». وقد قضت المحكمة في حكمها بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات الجيزة لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. ويبلغ عدد المتهمين في هذه القضية مائة وستة وثمانين متهماً، أحدهم حدث، ويبلغ عدد المتهمين الغائبين منهم أربعة وثلاثون متهماً، وتوفي اثنان من المتهمين أثناء المحاكمة. وتعود وقائع هذه القضية، والتي تحمل رقم 12749 جنايات مركز كرداسة (المقيدة بالجدول الكلي برقم 4804 لسنة 2013 شمال الجيزة)، إلى يوم الرابع عشر من أغسطس سنة 2013م بدائرة مركز شرطة كرداسة محافظة الجيزة، حيث توجه المتهمون وآخرون مجهولون إلى مقر مركز شرطة كرداسة، عاقدين العزم على قتل قوات الشرطة المتواجدة بالمركز، حيث قتلوا فعلاً 15 من رجال الشرطة فضلا عن اثنين من المواطنين الذين تصادف مرورهم بمحل الواقعة، وذلك انتقاماً لفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة.

وبصدور الحكم آنف الذكر، تكون القضية قد عادت إلى نقطة البداية مرة أخرى. وهكذا، وبعد مرور أكثر من سنتين ونصف على ارتكاب هذه الجريمة النكراء، ما تزال القضية متداولة في أروقة المحاكم، دون أن يتحقق القصاص العادل من المجرمين الذين اقترفوا جريمتهم بدم بارد. وقد استتبع صدور هذا الحكم موجة غضب عارمة من أسر وأهالي الضحايا. ولنا أن نتصور مدى تأخير الفصل في القضايا مستقبلاً مع استحداث درجة ثانية للتقاضي في مواد الجنايات، تطبيقاً للمادة 240 من الدستور، والتي تنص على أن «تكفل الدولة توفير الامكانيات المادية والبشرية المتعلقة باستئناف الأحكام الصادرة في الجنايات، وذلك خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بهذا الدستور، وينظم القانون ذلك».

وقد استتبع صدور حكم النقض المشار إليه إثارة الجدل من جديد حول مشروع قانون مرفوع من وزارة العدل إلى مجلس الوزراء في الثاني من شهر يوليو 2015م، ويتعلق بمدى التزام المحكمة بسماع شهادة الشهود عن وقائع ترى أنها واضحة وضوحاً كافياً. فقد يلجأ بعض المحامين إلى التعسف في استعمال حق الدفاع، وذلك من خلال إعداد قائمة طويلة من شهود النفي. ولسد الباب أمام هذا التحايل، تضمن مشروع القانون إضافة فقرة إلى المادة 277 من قانون الإجراءات الجنائية، نصها الآتي: «ومع عدم الإخلال بأحكام الفقرة الأولى من هذه المادة، يحدد الخصوم أسماء هؤلاء الشهود وبياناتهم ووجه الاستدلال بشهاداتهم، وتقرر المحكمة ما تراه لازماً لسماع من ترى لزوم سماع شهادته». غير أن قسم التشريع بمجلس الدولة رفض مشروع القانون، مؤكداً أن التعديل المقترح يقيد حق المتهم الخالص في سماع شهوده الذين اختارهم ومجابهتهم بأن أعطى للمحكمة سلطة تقدير سماع من ترى لزوم سماع شهادته ورفض سماع من ترى عدم لزوم سماع شهادته، الأمر الذي يجعل النص منافياً للمادتين 96 و97 من الدستور، موصوماً بشبهة عدم الدستورية.

وباستقراء القانون المقارن في هذا الشأن، يلاحظ أن العديد من التشريعات العربية تخول للمحكمة مكنة الامتناع عن سماع شهادة شهود عن وقائع ترى أنها واضحة وضوحاً كافياً أو اتضح للمحكمة أن الغرض من طلب الدفاع سماع شهود هو المماطلة أو الكيد أو التضليل أو أنه لا فائدة من إجابته إليه (يراجع على سبيل المثال: المادة 168 من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة؛ المادة 223 من قانون الإجراءات الجنائية البحريني لسنة 2002م؛ المادة 193 من قانون الإجراءات الجنائية القطري لسنة 2004م؛ المادة 163 من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي؛ المادة 163 من نظام الاجراءات الجزائية السعودي).

وأياً كان وجه الرأي في هذا الشأن، يمكن القول إن سرعة المحاكمة هي أحد مكونات المحاكمة المنصفة. فالمصلحة العامة تقتضي سرعة الانتهاء من المحاكمة الجنائية تحقيقاً للردع العام، وهو أمر يتطلب السرعة في الإجراءات وتوقيع العقاب الملائم في حالة الإدانة. وقد عبرت المحكمة الدستورية العليا عن ذلك بقولها إن سرعة الفصل في الدعوى جزء من الحق في محاكمة منصفة، فلا يجوز أن يكون الاتهام متراخياً أو معلقاً أمداً طويلاً. فلا يكفي إذن لتعويض ضحايا العمليات الإرهابية مجرد النص في المادة 237 من الدستور على أن ينظم القانون التعويض العادل عن الأضرار الناجمة عن الإرهاب أو بسببه. فالتعويض المعنوي من خلال القصاص العادل الناجز لضحايا العمليات الإرهابية أهم وأسمى من التعويض المادي. «إن الملاحقة القضائية الجنائية الفعالة للجناة المزعومين هي عامل حاسم الأهمية في الحد من الشعور بوطأة الإيذاء بإمكانية إفلات مرتكبي الأعمال الإرهابية من العقاب» (يوري فيدوتوف، تدابير العدالة الجنائية لدعم ضحايا الأعمال الإرهابية، مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، طبعة منقحة، الأمم المتحدة، نيويورك، 2012م، تصدير، ص V).

وعلى حد قول الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كي مون، «إن الإرهاب يمكن أن يطال أياً منا في أي مكان… إنه ينال من الإنسانية نفسها. وعلينا من أجل الإنسانية أن نقيم منتدى عالمياً لصوتكم وأن نستمع إليكم، أنتم الضحايا. إن رواياتكم عما أحدثه الإرهاب من تأثير في حياتكم هي أقوى حجة نسوقها تعليلاً لعدم إمكانية تبريره على الإطلاق. فبإعطائكم عواقب الإرهاب الأليمة وجهاً إنسانياً تساعدون على بناء ثقافة عالمية لمناهضته. إنكم الأبطال الحقيقيون في الحرب العالمية على الإرهاب. إنكم تخجلون تواضع العالم بقوتكم وشجاعتكم، وتستحقون الدعم والمؤازرة. كما تستحقون التمتع اجتماعياً بالاعتراف والاحترام والكرامة، إنكم تستحقون أن تلبى احتياجاتكم، وتستحقون أن يدافع عن حقوقكم الإنسانية، وتستحقون العدالة» (بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، ندوة الأمين العام بشأن دعم ضحايا الإرهاب، 9 أيلول/ سبتمبر 2008م).

ولذلك، حسناً فعل المشرع المصري بتعديل المادة 277 من قانون الإجراءات الجنائية، بموجب القانون رقم 11 لسنة 2017م، بحيث غدا نص الفقرة الثانية منها كما يلي: «ومع عدم الإخلال بأحكام الفقرة الأولى من هذه المادة، يحدد الخصوم أسماء الشهود وبياناتهم ووجه الاستدلال بهم، وتقرر المحكمة من ترى لزوم سماع شهاداته، وإذا قررت المحكمة عدم لزوم سماع شهادة أي منهم وجب عليها أن تسبب ذلك في حكمها». وهنا، قد يتساءل البعض عن كيفية صدور نص الفقرة سالفة الذكر على هذا النحو، رغم أن قسم التشريع في مجلس الدولة سبق له أن رفض التعديل بتقييد حق المتهم الخالص في سماع شهوده الذين اختارهم ومجابهتهم بأن أعطى للمحكمة سلطة تقدير سماع من ترى لزوم سماع شهادته ورفض سماع من ترى عدم لزوم سماع شهادته، الأمر الذي يجعل النص منافياً للمادتين 96 و97 من الدستور، موصوماً بشبهة عدم الدستورية من وجهة نظر قسم التشريع.

وفي الإجابة عن هذا التساؤل، تجدر الإشارة إلى أن المادة 277 من قانون الإجراءات الجنائية كانت إحدى المواد التي تضمنها مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950، والذي كان يدخل على القانون الحالي تعديلات في أكثر من 370 موضعاً في 250 مادة تقريباً، أي ما يقارب نصف مواد القانون، وأضاف مواد مكررة عديدة. وقد تم عرض هذا المشروع على قسم التشريع بمجلس الدولة بموجب كتاب أمين عام مجلس الوزراء رقم (3- 12839) بتاريخ 10 يونيو 2017م. وقد خلت ملاحظات قسم التشريع على مشروع القانون المشار إليه من أدنى إشارة أو ملاحظة أو تعليق على المادة 277. ولذلك، جاءت صياغة مشروع القانون الصادرة عن قسم التشريع بمجلس الدولة بعد إجراء التعديلات التي ارتأها القسم متضمنة المادة 277 بنفس الصياغة التي وردت من مجلس الوزراء، وبالصياغة ذاتها التي صدرت بها بعد ذلك بموجب القانون رقم 11 لسنة 2017م.

زر الذهاب إلى الأعلى