حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة فقهاً وتشريعاً

بقلم / زكريا فام رياض

قَالَ تَعَالَي : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَي أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءِ عَسَي أَنْ يَكُنْ خَيْرًا مِنْهُنَّ ”

لقد عنيت الشريعة الإسلامية بذوي الاحتياجات الخاصة، وتجلي ذلك في مظاهر كثيرة منها المساواة بينهم وبين غيرهم وعدم التفرقة والتأكيد علي وجوب النظر إلي الإنسان علي أساس عمله وليس بمقدار طوله ، أو وزنه ، أو كيفية تركيب أعضائه، وإن من يفعل ذلك يلقي اللوم من الله سبحانه وتعالى.

إضافة إلي ذلك شرع الإسلام لأصحاب الأعذار رخصا خاصة لأداء التكاليف الشرعية من غير مشقة، فأسقط التكليف عن صاحب الإعاقة العقلية ، وأباح للمقعد أن يصلي قاعدا وإن كان لا يستطيع الحركة مطلقا وكان الماء يضره يتيم، وإن كان عاجزا عن التيمم يعتبر فاقد للطهورية، والله يتولاه، ويقبل عنه صلاته، وفي الصيام أباح لأصحاب الأعذار كالمريض والمسافر والحامل والشيخ الكبير الإفطار في رمضان وكذلك رخص لهم التخلف عن الجهاد في سبيل الله.

قَالَ تَعَالَي : ” لَيْسَ عَلَي الأعمى حَرَجٌ وَلَا عَلَي الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَي الْمَرِيضِ حَرَجٌ ”

سُورَةِ الْفَتْحِ الْآيَة رُقِم (17) .

ونزلت هذه الآية لرفع الحرج عنهم لأنهم داخلون في حد الضعفاء.

وفي عهد عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه – خصص دارا لإطعام المساكين والفقراء ، وابن السبيل، وأنشأ المنصور داراً للعميان والأيتام والقواعد والنساء، وكان لكل مجنون خادمان ينزعان عنه ثيابه كل صباح ليحميانه بالماء ثم يلبسانه ثيابا نظيفة ويحملانه علي أداء الصلاة ، ويسمعانه قراءة القرآن، ثم يفسحانه في الهواء الطلق.

” د. عبد الحي محمود حسن – متحدو الإعاقة ص 22 ”

ومن حيث أنه وقد بان مما تقدم أن الشريعة الإسلامية اهتمت بذوي الاحتياجات الخاصة وقدمت لهم العون والمساعدة ماديا ومعنويا دون تفرقة بين المسلم وغير المسلم، وصولا إلي ظهور المارستانات، والأوقاف الإسلامية.

وامتدادا لذلك اهتمت الدول بحماية حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة ومن مظاهر ذلك الاهتمام أنشأت الدولة  وزارة الفلاح عام 1939م، والتي أصبح أسمها بعد ذلك وزارة الشئون الاجتماعية، ثم وزارة التضامن الاجتماعي حاليا؛ لتقوم بدورها في رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة بجانب الجمعيات الأهلية الموجودة.

“د. مدحت محمد أبو النصر – تأهيل ورعاية متحدي الإعاقة ص 293 ”

ولقد أنشأت وزارة التربية والتعليم مدارس خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة ومنها مدارس خاصة بالمكفوفين ، والصم والبكم ، ومدارس التربية الفكرية.

وفي عام 1975 م صدر القانون رقم 39 لتأهيل المعاقين، ثم تم تعديله بالقانون رقم 49 لسنة 1982م ، وصدر أخيرا قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 10 لسنة 2018 م، وقد حددت مصر يوم التاسع من ديسمبر من كل عام، موعدا للاحتفال بيوم المعاق.

ولقد اهتم الأزهر الشريف برعاية ذوي الاحتياجات الخاصة فسمح بقبولهم في المعاهد الأزهرية كغيرهم من الأسوياء، وبالإضافة إلي ذلك فقد صدر في مجال العمل القانون رقم 49 لسنة 1982م والذي يلزم أصحاب الأعمال الذين يستخدمون خمسين عاملا باستخدام المعوقين الذين ترشحهم الوزارة بنسبة 5‎%‎.

وكذلك اصدرا قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996م والذي تضمن في الباب السادس منه علي رعاية الطفل المعاق وتأهيله، وفي المادة 76 علي أنه ” للطفل المعاق الحق في التمتع برعاية خاصة اجتماعية وصحية ونفسية تنمي اعتماده علي نفسه وتيسر اندماجه ومشاركته في المجتمع.

ويتضح من ذلك أن القوانين والتشريعات المتعاقبة قد حثت علي وجوب تضافر الجهود لتغيير ثقافة المجتمع من حيث النظرة إلي ذوي الاحتياجات الخاصة، هذه النظرة التي قد تكون نظرة شفقة من البعض، وأحيانا أخري تكون نظرة سخرية واشمئزاز.

وأخيراً فإنه يجب في هذا الشأن علي وسائل الإعلام ، والمجتمع ، أن يوجهوا الناس إلي تصحيح نظرتهم إلي ذوي الاحتياجات الخاصة بعيدا عن نظرة السخرية والشفقة.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى