لم تعرف أى شريعة من الشرائع قبل الإسلام ، سماوية كانت أم وضعية ، حقوقًا للمرأة مقررة ومقدرة وواجبة، وإنما جاء هذا كله ثابتًا للمرأة فى القرآن الكريم ، وفى السنة النبوية .
وليس مبالغة أن نقرر ــ مع الأستاذ العقاد فى كتابه المرأة فى القرآن الكريم ــ أن حقوق المرأة قد بينت فى الكتاب المبين على أعدا وأقوم أساس للإنصاف الحقيقى الفعلى ، وهو أساس المساوأة فى الحقوق والواجبات . .
وميزان عدل المساواة ، هو عدم التفاوت بين الواجبات والكفايات والأعمال . فالتفاوت يخل بالميزان ويرتب مظالم للراجح والمرجوح .
والمشرعون المحدثون يعالجون عيوب المساواة المطلقة بما يسمونه مساواة الفرصة ، وهو إصلاح مطلوب لتحقيق العدالة الاجتماعية . بيد أن « مساواة الفرصة » عبث عند اختلاف الجنسين واختلاف وظيفة كل منهما بحكم الفطرة .
فلا محل هنا لتعليق المساواة بالفرصة السانحة ، إذا كانت الفرصة مقرونة بأوضاع الطبيعة التى لا تبديل فيها . فلا توجد فرصة للمرأة تبدل فى وظائفها وفى نتائج هذه الوظيفة .
وليس من العدل أو المصلحة أن يتساوى الرجال والنساء فى جميع الاعتبارات ، مع وجود التفاوت بينهم فى أهم الخصائص التى تعتمد عليها الحقوق والواجبات .
ومن الثابت كذلك أن الأخلاق الفطرية فى المرأة ـ عرضة للتناقض الذى لا مناص منه بين مطالب الأنوثة ومطالب الكائن الحى بعامة فى البيئة الاجتماعية .
فلا مناص إذن من التناقض بين شعور الأنثى التى تحس أقصى السعادة فى الاستكانة إلى رجل تنضوى إليه لما تأنسه فيه من قوة وغلبة ، وبين الشعور الفردى الذى يبلغ تمامه بالاستقلال عن كل فرد يجور على حدوده الشخصية . ولا مناص أيضًا من التناقض بين فرح الأم بتمام أنوثتها ساعة الولادة ، وبين الفزع من الخطر على حياتها ..
فإذا صرفنا النظر عن التفاوت المستكن فى الطباع ، لتعذر أن نتخيل ـ لغير حجة معقولة ـ أنه لا يمنع التسوية بين الجنسين فى الكفايات والواجبات .
ونظام الأسرة وقيادة أمورها وتوجيه وقتها ، يستلزم بالضرورة انعقاد الرئاسة لأحد الزوجين : الزوج أو الزوجة .
وبغض النظر عن حكم الطبيعة ، فإنه مما يعترض ولاية الزوجة أنها عاجزة عن القيام بها فى كل الأحوال ، على الأقل فترات الحمل ، والولادة ، والرضاع .
وهذه هى المساواة التى شرعها القرآن الكريم بين الرجل والمرأة ، ولا صلاح فى مجتمع يفوته العدل فى هذه المساواة ، لا سيما المجتمع الذى يدين بتكافؤ الفرص ويجعل المساواة فى الفرصة مناطًا للإنصاف .
والقاعدة عند التعصيب للذكر مثل حظ الأنثيين ، ولكن هناك عديدًا من الحالات أحصاها علماء فى الأزهر ـ يكون فيه ميراث الأنثى أكبر حصةً من ميراث الرجل . فليست فى كل الحالات تعصيبًا للرجل مثل حظ الأنثيين .
تفاوت محدود
لا يخل بالمساواة
هناك بعض مسائل يجرى فيها التفاوت ، ولكنه ليس التفاوت فى الحقوق ، وإنما يتعلق فى إطار بنصاب الشهادة على الحقوق والأموال ، وفى الدماء .
والقضية فى الشهادة ليست امتيازًا لشاهد أو إيثارًا له ، ولكنها قضية العدل وحماية الحق والمصلحة ..
وعلى هذه السنة فى تقرير المبادئ السليمة فى شئون العدالة والمصلحة ـ تجرى شريعة القرآن الحكيم ..
ورب قائل يقول ، وهو وارد إذا قيل ، إنه قد يوجد بين النساء من تقوم شهادتها بشهادة ألف رجل فى استقامتها وصدقها وعدلها .. ولكن المشرع يراعى الاعتبارات العامة لا الاستثناءات التى قد تكسر القاعدة ، ويقيم نظامه وفقًا لهذه الاعتبارات العامة وما تقتضيه .
وحصر الأعمال التى قد تتفوق فيها المرأة ، لا يقبل الإحصاء .. ولا تتشابه هذه الأعمال فى كل المجتمعات ومع اختلاف الزمن وتباين الظروف والأحوال ، ولا شك أن حقوق الإنسان المثالية أمل من آمال الطوبيات التى تترقبها وقد لا نتبينها على حقيقتها فى مجتمع من مجتمعات الأمم الحاضرة .
يقول الأستاذ العقاد : « ويحدث فى المجتمعات الحاضرة أن تحول العوارض الكثيرة دون انتظام المجتمع على هذه السنة القويمة من توزيع الأعمال وتقسيم الحقوق ، لاختلال أوضاعه السياسية والاقتصادية والنفسية ، فيما يعم الرجال من جميع الطبقات ولا يخص المرأة وحدها بين حياة الأسرة وحياة العامة ، فتضطر المرأة إلى الكدح لقوتها وقوت صغارها ، وتعجز عن تكاليف الأمومة ، وتدبير البيت ، والمشاركة بحصتها من الحياة الزوجية . وهذه حالة تتضافر الجهود لإصلاحها وتبديلها ، ولا يصح أن تتضافر لإبقائها واستدامتها وإقامة الشرائع والقوانين لتثبيتها . وعلى هذا النحو تضافرت الجهود من قبل على إصلاح الخلل الذى كان يدفع بالأطفال إلى العمل لمعاونة الآباء والأمهات فى تحصيل أقواتهم وضرورات معيشتهم ، فعولج هذا الخلل بتحريم تشغيلهم ، وعولج الخلل من قبيله بالحظر العاجل تارة ، وبالحظر المتراخى مع الزمن تارة أخرى ، ولم تكن علة من علل هذا الخلل وأشباهه حجة على صلاحه وإقامته مقام الحق الذى يُصان ولا يتبدل..
« وقد تمضى السنون ، بل تمضى القرون ، قبل أن يستقر المجتمع الإنسانى على الوجه الأمثل فى حقوق المرأة خاصة ، وفى حقوق أبنائه وبناته من الرجال والنساء على التعميم ، وقد تلجأ المرأة غدًا كما تلجأ اليوم إلى كسب الرزق ودفع الحاجة ، والاعتصام بالعمل من الضنك والتبذل ، فإذا سيقت المرأة إلى هذه المآزق ، فليس فى أحكام الإسلام حائل بينها وبين عمل شريف تزاوله المرأة » .
وفى وسع المرأة المسلمة التى تحرم قوامة البيت أن تزاول من العمل الشريف كل ما تزاوله المرأة فى أمم الحضارة ، فلها نصيبها مما اكتسبت ، ولها مثل الذى عليها بالمعروف ، وذلك حقها الذى تملكه ، كلما سيقت إليه أو كلما اختارته لمصلحتها ، وذلك حقها فى القرآن الكريم .