
حصانة أعضاء قضايا الدولة
مقال للدكتور أحمد عبد الظاهرـ أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة
ورد النص على هيئة قضايا الدولة في صدر أحكام الفصل الخامس من الدستور المصري الحالي الصادر عام 2014م، وعنوان هذا الفصل هو «الهيئات القضائية»، ويضم كلاً من قضايا الدولة (المادة 196) والنيابة الإدارية (المادة 197)، والتي تعتبر بدورها هيئة قضائية مستقلة.
وطبقاً للمادة 196 من الدستور، «قضايا الدولة هيئة قضائية مستقلة، تنوب عن الدولة فيما يرفع منها أو عليها من دعاوى، وفي اقتراح تسويتها ودياً في أي مرحلة من مراحل التقاضي، والإشراف الفني على إدارات الشئون القانونية بالجهاز الإداري للدولة بالنسبة للدعاوى التي تباشرها، وتقوم بصياغة مشروعات العقود التي تحال إليها من الجهات الإدارية وتكون الدولة طرفاً فيها، وذلك كله وفقاً لما ينظمه القانون. ويحدد القانون اختصاصاتها الأخرى، ويكون لأعضائها كافة الضمانات والحقوق والواجبات المقررة لأعضاء السلطة القضائية، وينظم القانون مساءلتهم تأديبياً». والبين من هذا النص أن المشرع الدستوري قد اعتبر قضايا الدولة «هيئة قضائية مستقلة»، مقرراً أن يكون لأعضائها «كافة الضمانات والحقوق والواجبات المقررة لأعضاء السلطة القضائية»، ومن ثم يحيل الدستور للمشرع العادي سلطة تنظيم مساءلتهم تأديبياً.
ومنظوراً لقضايا الدولة باعتبارها «هيئة قضائية مستقلة»، يتمتع أعضاؤها ﺑ «كافة الضمانات والحقوق والواجبات المقررة لأعضاء السلطة القضائية»، لذا يغدو من السائغ القول إن أعضاء قضايا الدولة يندرجون ضمن «ذوي الحصانات الجنائية»، شأنهم في ذلك شأن أعضاء السلطة القضائية.
ومع ذلك، فإن التساؤل يثور عما إذا كان النص الدستوري سالف الذكر قابل التطبيق بذاته، أم أن الأمر يتوقف على تدخل المشرع العادي بتنظيم مساءلة أعضاء قضايا الدولة تأديبياً. وجدير بالذكر في هذا الشأن أن المشرع قد أحال إلى المشرع العادي فيما يتعلق بتنظيم مساءلة أعضاء قضايا الدولة تأديبياً، بما مؤداه أن ثمة أحكام خاصة بالمساءلة التأديبية لأعضاء قضايا الدولة، بما يراعي الطبيعة القضائية المستقلة للهيئة. ومن ثم، فإن التساؤل يثور كذلك عما إذا كانت هذه الأحكام الخاصة تقتصر على قواعد المساءلة التأديبية فقط، أم تمتد إلى قواعد المساءلة الجنائية أيضاً.
ولحسم كل خلاف في هذا الشأن، نرى من المناسب أن تبادر الجهات المعنية بالتشريع إلى إعداد مشروع قانون جديد بشأن هيئة قضايا الدولة، لاسيما وأن القانون الساري حالياً، وهو القانون رقم 75 لسنة 1963م، المعدل بالقانون رقم 10 لسنة 1986م، قد مضي على صدوره أكثر من ستين عاماً، وكان مسمى هيئة قضايا الدولة آنذاك هو «إدارة قضايا الحكومة».
وعلى كل حال، وإلى أن يتم إعداد مشروع قانون جديد بشأن هيئة قضايا الدولة، نرى من المناسب إلقاء الضوء على الأحكام السارية حالياً بشأن مساءلة أعضاء الهيئة جنائياً عن الجرائم التي يمكن أن تقع منهم. فوفقاً للمادة السادسة مكرراً 1 من قانون هيئة قضايا الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 75 لسنة 1963م، معدلاً بالقانون رقم 10 لسنة 1986م، «لا يجوز إجراء تحقيق جنائي مع عضو الهيئة إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة. وفي غير حالات التلبس بالجريمة لا يجوز القبض على عضو الهيئة أو حبسه أو رفع الدعوى الجنائية إلا بأمر من المحامي العام المختص. ويجب إخطار رئيس الهيئة أو رئيس الفرع المختص عند القبض على أحد أعضائها أو حبسه خلال الأربع والعشرين ساعة التالية. ويجري تنفيذ الحبس والعقوبات المقيدة للحرية في أماكن مستقلة عن الأماكن المخصصة لحبس السجناء الآخرين». ومؤدى هذا النص أنه لا يجوز لعضو النيابة العامة ندب أحد مأموري الضبط القضائي للتحقيق مع عضو هيئة قضايا الدولة. ولا يجوز القبض على عضو الهيئة أو حبسه أو رفع الدعوى الجنائية ضده إلا بأمر من المحامي العام المختص. فإذا صدر الأمر من المحامي العام المختص بالقبض على عضو الهيئة أو حبسه احتياطياً، يجب إخطار رئيس الهيئة أو رئيس الفرع المختص خلال الأربع والعشرين ساعة التالية.
وفي تطبيق النص سالف الذكر، وفيما يتعلق قيود تحريك الدعوي الجنائية ضد عضو هيئة قضايا الدولة، فإن المبدأ القضائي المقرر هو أن «إقامة الدعوى الجنائية على عضو بهيئة قضايا الدولة ممن لا يملك رفعها يُعدِم اتصال المحكمة بها قانوناً. ومن ثم، فإن تعرضها لموضوع الدعوى والحكم فيها معدوم الأثر. وترتيباً على ذلك، يتعين اقتصار حكم المحكمة الاستئنافية على القضاء ببطلان الحكم المستأنف وبعدم قبول الدعوى. التزام الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضائه بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون صحيح. الطعن عليه بطريق النقض غير جائز». ولزيادة الأمر إيضاحاً، ربما يكون من المناسب أن نذكر أحد أحكام النقض التي تعرضت تفصيلاً لهذا الموضوع. ففي أحد أحكامها الصادرة بعد صدور الدستور المصري الحالي، قضت المحكمة الكائنة على قمة القضاء العادي في مصر بما يلي: «حيث إن الدعوى الجنائية رفعت على الطاعن بوصف أنه ارتكب جريمة التبديد طبقاً للمادة 341 من قانون العقوبات، ومحكمة جنح …. الجزئية قضت غيابياً بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل وإلزامه بأن يؤدي للمدعية بالحقوق المدنية مبلغ 51 جنيه على سبيل التعويض المؤقت، فعارض وقضى في معارضته باعتبارها كأن لم تكن، استأنف المحكوم عليه ومحكمة …. الابتدائية – بهيئة استئنافية – قضت بسقوط حقه في الاستئناف، فعارض استئنافياً وقضت المحكمة بقبول المعارضة الاستئنافية شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المعارض فيه وقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغائه وعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون تأسيساً على أن الدعوى رفعت على الطاعن باعتباره عضو بهيئة قضايا الدولة دون إذن من المحامي العام المختص طبقاً للمادة 6/1 مكرر من القانون 10 لسنة 1986 في شأن تعديل قانون إدارة قضايا الحكومة الصادر بالقانون رقم 75 لسنة 1963، وطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض. لما كان ذلك، وكانت الدعوى الجنائية قد أقيمت على الطاعن ممن لا يملك رفعها قانوناً وعلى خلاف ما تقضي به المادة 6/1 مكرر من المادة الثانية من القانون سالف الذكر، فإن اتصال المحكمة بهذه الدعوى يكون معدوماً قانوناً ولا يحق لها أن تتعرض لموضوعها، فإن فعلت، فإن حكمها وما بنى عليه من الإجراءات يكون معدوم الأثر، ولا تملك المحكمة الاستئنافية أن تتصدى لموضوع الدعوى وتفصل فيه بل يتعين أن يقتصر حكمها على القضاء ببطلان الحكم المستأنف وبعدم قبول الدعوى باعتبار أن باب المحاكمة موصد دونها إلى أن يتوافر لها الشروط التي فرضها الشارع لقبولها ، وهو ما التزمه وقضى به الحكم المطعون فيه . لما كان ذلك، وكان الطعن بطريق النقض لا ينفتح بابه إلا بعد أن يكون قد صدر في موضوع الدعوى حكم منه للخصومة، وكان الحكم المطعون فيه لا يعد منهياً للخصومة أو مانعاً للسير في الدعوى، ذلك أن الحكم المستأنف كان باطلاً بطلاناً أصلياً، وإذ اتصلت محكمة أول درجة بعد ذلك بالدعوى اتصالاً صحيحاً، فلها أن تفصل فيها، وتكون إجراءات المحاكمة مبتدأة. لما كان ما تقدم، فإن الطعن بطريق النقض يكون غير جائز» (نقض 6 سبتمبر 2014م، الطعن رقم 12647 لسنة 65 قضائية، مجموعة الأحكام، رقم 76، ص 614).