جريمة التنقيب عن الآثار في القانون

أسماء دياب
ازدادت ظاهرة التنقيب عن الآثار خلال فترة الانفلات الأمني، التى تلت ثورة يناير، سواء من قبل عصابات منظمة، للتنقيب عن الآثار، والإتجار بها، أو بشكل فردى من قبل أشخاص يقومون بالتنقيب خلسة، تحت منازلم أو فى محيطها، بحثاً عن الثراء السريع، من دون بذل مجهود.
يحدث ذلك خاصة فى المحافظات الجنوبية، التى اشتهرت بوجود الكثير من الكنوز الفرعونية، مثل محافظات الأقصر، وقنا، وبنى سويف، والمنيا، وأسيوط. وجاءت محافظتا القاهرة والجيزة فى المرتبة التالية، ضمن المحافظات الأكثر بحثاً عن الآثار من قبل أهال. وتركز التنقيب بها فى منطقة الجمالية، المليئة بالكنوز الأثرية، وتلتها حلوان، والمطرية، وعين شمس، ومصر القديمة، والخليفة، والمقطم، والزيتون، والمرج. وبالنسبة لمحافظات الوجه البحرى، جاءت الإسكندرية فى المرتبة الأولى، ثم الشرقية، والدقهلية، فالمنوفية. والمحافظات التى يتم تهريب الآثارمن خلالها هى بورسعيد، ومطروح، والإسكندرية، حيث تهرب عن طريق الموانى.
والسؤال الذى يطرح نفسه الآن: لماذا يلهث الناس فى الحقبة التاريخية التى نعيشها وراء حلم الثراء السريع؟ هل لحالة الانفلات الأخلاقى التى يعيشها المجتمع على كل الأصعدة؟ هل لتغير المعايير الدينية فى أذهان الناس؟ أم لأنهم يعلمون أن معظم هذه القضايا يتم الحكم فيها بالبراءة، لوجود ثغرات فى قانون حماية الآثار القديم؟ أم أن ما يشجعهم على ذلك هو الفتاوى التى يصدرها لهم شيوخ الضلال بأن التنقيب عن الآثار حلال، على أساس أنها من الركاز، والركاز هى أموال الكفار الذين كانو قبل الإسلام؟.
سنبحث عن إجابات لكل هذه الأسئلة فى السطور القادمة. أولاً: فى الوقت الذى تعمل فيه الدول على التعظيم من قيمة أملاكها الثقافية والتراثية، والحفاظ عليها من خطر الإهمال أو العبث أو السرقة، لا يسعى هؤلاء الأفراد سوى عن البحث عن مصلحة مادية خاصة، ولا يستطيع أن يتذرع هؤلاء بأن العوز هو من دفعهم إلى ارتكاب هذه الجريمة. فالتنقيب عن الآثار يحتاج إلى معدات غالية الثمن، فالذى يستطيع توفير هذه الأموال، الذى اشترى بها معدات التنقيب، كان من الأولى له استثمارها فى مشروع، يعود عليه بالرزق الحلال، بعيدا عن الشبهات، ولكنه الطمع والرغبة فى الوصول للثراء، من دون بذل مجهود. ولا يتوقف هؤلاء الأشخاص لحظة ويسألون أنفسهم: لماذا تدفع الدول كل هذه المبالغ، حتى يتم تهريب هذه القطع الأثرية إليهم؟.
الواقع أن هذه الآثار تهرب وتباع فى مزادات علنية فى الخارج، وليس للدولة المصرية أى حق فى عودتها، لأنها غير مسجلة، ولا تمتلك الدولة دليلا على أنها خرجت بطريقة غير شرعية. وحين يتم اكتشاف آثار مصرية مهربة فى الخارج، يطلب الجانب الأجنبى إثبات أنها آثار مصرية. فإذا كان أثراً فرعونياً مثلاً، فماذا يكون إن لم يكن مصرياً؟ ، فهو مصرى بالضرورة، فيرد حينها الجانب المصرى بأنها آثار مصرية، ولكنها غير مسجلة، فيعطى الجانب الأجنبى حينها لنفسه شرعية زائفة، لبيعها فى مزاد علنى.
والسبب فى ذلك يرجع إلى عدم النص فى اتفاقية “الويبو”، الخاصة بحماية الملكية الفكرية، على حقوق الملكية الفكرية للآثار. لذلك، فإن حقوق الآثار ضائعة دولياً، فقد حرصوا فى هذه الاتفاقية على حماية الجانب الذى تتفوق فيه الدول الغربية، من صناعة، وابتكارات، وفنون، وآداب، وتجاهلوا الجانب الذى يتفوق فيه الشرق، وهو الجانب الحضارى، حتى يستمر نزيف تهريب الآثار المصرية، التى تملأ المتاحف العالمية، ويربحون من ورائها المليارات لكونها آثارا مصرية، حيث لا يقبل أى سائح على زيارة المتاحف إلا لكونها تحتوى على آثار مصرية. لذلك على الدولة المصرية أن تسعى لتعديل بنود هذه الاتفاقية، لأنها تعد أهم الوسائل لوقف نزيف تهريب الآثار إلى الخارج، وعدم إمكانية استردادها.
ثانيا: الجانب الذى يخص معظم هذه القضايا أن الحكم فيها يتم بالبراءة فى الفترة السابقة. فظنى أن هذا الوضع سيتغير فى الفترة القادمة، بعد أن أحكمت الدولة قبضتها على تجار الآثار، والأشخاص الذين ينقبون عنها أسفل منازلهم بشكل غير مشروع، من خلال تعديل قانون حماية الآثار، وتغليظ العقوبات على تجار الآثار، وسد الثغرات التى كان يستغلها الأفراد فى قانون 117 لسنة 1983. ففيما يخص تجار الآثار، يفرض القانون “عقوبة السجن المؤبد، وغرامة لا تقل عن مليون جنيه، ولا تزيد على عشرة ملايين، على كل من قام بتهريب أثر إلى خارج مصر مع علمه بذلك، ويحكم فى هذه الحالة بمصادرة الأثر محل الجريمة، والأجهزة، والآلات، والسيارات المستخدمة فيها لصالح المجلس الأعلى للآثار، وذلك دون الإخلال بحقوق الغير حسن النية”.
أما فيما يخص الأفراد الذين يقومون بأعمال التنقيب، فقد نص القانون على “أن تكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولا تزيد على سبع سنوات، وبغرامة لا تقل عن500 الف جنيه، ولا تزيد على مليون جنيه، على شخص هدم، أو أتلف عمدا أثرا منقولا، أو ثابتا، أو شوهه، أو غير معالمه، أو فصل جزءا منه عمدا، وكذلك كل من أجرى أعمال الحفر، بقصد الحصول على الآثار دون ترخيص، على أن يتم فى هذه الحالة التحفظ على موقع الحفر، لحين قيام المجلس الأعلى للآثاربإجراء أعمال الحفر على نفقة الفاعل”.. بهذا يكون قد اكتفى المشرع بمجرد أن يكون الحفر بقصد البحث عن الآثار، والحصول عليها، لوجوب استحقاق فاعلها للعقوبة المقرر فى نص المادة. وبهذا، لن يستطيع شخص أن يفلت من العقاب، و يحصل على البراءة فى مثل هذه القضايا، والتذرع بأن الشخص حفر فى منطقة ليست مسجلة بأنها منطقة أثرية.
ثالثاّ: فيما يخص الجانب الدينى فى القضية، فبعض الشيوخ الضالين والمضلين، الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، يفتون الناس بأن التنقيب عن الآثار وبيعها لا إثم فيه، وهو حلال شرعا، وهذه الفتوى منتشرة على المواقع الإلكترونية، وأهمها موقع “إسلام ويب”، وللأسف هو الأكثر انتشارا ، وهذه الفتوى متاحة لكل من يرغب فى الاطلاع عليها، ونص هذه الفتوى كالتالى ” لا حرج على المسلم فى البحث والتنقيب عن أموال الكفار، الذين كانوا قبل الإسلام ، أو أمتعتهم فى أرض مملوكة له، أو ليست مملوكة لأحد. ومن عثر على شىء من ذلك – مما يباح اقتناؤه وبيعه –(شرعا من وجهة نظرهم)، فيجب عليه أن يخرج خمسه، ويصرفه فى مصارف الزكاة، وما بقى بعد الخمس فهو له، يتصرف فيه بما أحب من البيع والتجارة، ولا عبرة بقانون يمنع من ذلك”، وهذا بلاغ للسلطات المختصة فى هذا الموقع وأمثاله.
وعليه، فإن على الدولة بكل مؤسساتها أن تعمل على إحكام السيطرة والرقابة وإنزال العقاب على كل من يتجاوز تجاوزا يشكل جريمة عبر الفضاء الإلكترونى، فقد بات يشكل خطورة حقيقية، ليس فيما يخص مسألة ترويج الأفكار المتطرفة والتكفيرية فحسب، ولكن فى الترويج لشتى أنواع الجرائم، وأهمها الإتجار فى الآثار، فهى تعد مسألة أمن قومى من الطراز الأول.
ونحن ننتظر من المؤسسة الدينية الرد الشافى والوافى فى هذه المسألة، وتفنيد حجج شيوخ الضلال، وليس فتوى مقتضبة، لتوضيح الفرق بين الركاز والآثار، وتوضيح مدى صحة حديث الركاز من عدمه، والتوضيح للعامة أنه مرتبط بعصره، ولا يجوز تطبيقه على عصرنا، حيث وجود دولة ومؤسسات، ومفاهيم مغايرة عن الوضع الذى قيل فيه، فإن التراث الثقافى والحضارى ملك للبشرية، وترعاه وتحفظه الدولة، ولا يجوز أن يمتلكه أفراد لتحقيق ثروة خاصة.

زر الذهاب إلى الأعلى