تنمية مهارات القانونيين بالهندسة القانونية (نموذج المحامين) (3)
بقلم: الدكتور محمد عبد الكريم أحمد الحسيني
التنمية قضية محورية حاضرة في كل المهن والصناعات والمجالات، وتنمية القانونيين لا تقل أهمية عن التنمية الاقتصاد؛ لأنهم من يقومون على تطبيق القانون وتحقيق العدالة، ومن ثمَّ استباب الأمن وتهيئة البيئة للنمو الاستثماري والازدهار الاقتصادي، والسؤال الآن هو كيف يمكن تحقيق نقلة نوعية وإحداث طفرة حقيقية في التنمية القانونية بعامة وفي تنمية القانونيين على وجه الخصوص (والمحامين على وجه أخص)؟
وللإجابة عن هذا السؤال المطول السابق يمكن تقسيمه إلى تساؤلات جزئية مصغرة وإلى مراحل ابتغاء الخروج عن إجابته بمنهجية نوعية مترافقة مع خطة تنموية وظيفية يمكن تطبيقها وتلمس نتائجها في تطوير مهارات القانونيين وفي تنمية قدراتهم وفي تطوير أعمالهم (مطبقين ذلك على واقع السادة المحامين على وجه الخصوص)، والتساؤلات الجزئية هي:
1-ما معنى التنمية القانونية وما مفهومها للسادة القانونيين (وخاصة للسادة المحامين)؟
2-وماذا عن مناهجها وطرائقها ومذاهبها؟
3-وماذا عن أدوات ووسائل هذه التنمية القانونية المأمولة؟
4- وهل من خطة عملية لتنفيذ تلك التنمية في بعض المجالات القانونية ذات المردود التنموي الفوري على السادة المحامين؟
5-ما الأساس البنائي الذي ستبنى عليه هذه التنموية القانونية المرجوة؟؟؟
ولنبدأ بالمحور الأول: في معنى التنمية القانونية وطرائقها، وهنا ينبغي علينا معرفة أن للتنمية مناهج متعددة ومسارات متنوعة يمكن دمج اتجاهاتها في ثلاثة اتجاهات فيما يلي:
المذهب الأول: “مذهب اللاتنمية”
وهو مذهب استقناعي استرضائي ميت يعيش الواقع على واقعيته والطبيعة على طبيعتها، وهي مذهبية راضية مسترضية. قانعة مستقنعة بما هي فيه.
وكأن فلسفتهم اللاتنموية تنطق بشعار ” نحن راضون بما نحن عليه”. !!!
لماذا التنمية ولمَ ومتى وكيف؟؟!!!
وما المردود منها..وهل المردود أفضل من الموجود ومن يضمن لنا ذلك اللاموجود.؟؟؟!!
إن الأمور بخير ولا نريد الأحسن المزعوم.. فواقع موجود خير من مستقبل موعود..؟!!!
وكأنهم يترنمون بما قاله الأولون:” إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ” [الزخرف:22 ]
إلى غير ذلك من الأفكار الواهنة أو الأفكار المغرقة في التقليدية والبدائية. !!!
أفكار بالية تربط التنمية بالسقوط فلا تنتبه إلا حينما تسقط، ولا ترعوي إلا حيثما وقعت بدارها الفواجع. !!!
أرأيتم من يعيش منعزلا في جزيرة يأكل بضعة ثمرات من الأشجار ويحتسي ماءً نميرا من الأنهار!!!
يخفف ملبسه صيفا لدفع الحرارة. ويثقله شتاء لدفع البرودة !!!
ولا شان له بالغد ولا بتحسين اليوم” لأنه عايش “!!!
المذهب الثاني هو مذهب “التنمية الباردة ” أو “المذهب التقليدي في التنمية”
وهو مذهب تأخذ تنمية العامل الزمني في الحسبان وتؤثر التطور الطبيعي للأفراد والتحسن التتابعي في الأشياء فهو مذهب “تمام خلينا ننمي!!!”
ثم ينشط في استخدام كلمة التنمية في كل أدواته وأفكاره ووسائله البالية القديمة فيبقي على كل شيء على ما هو عليه فقط يضيف له كلمة التنمية!!!
فرؤيته القديمة تبقى على ما هي عليه فقط تسمى “الرؤية التنموية ” وتأخذ لاحقة التنمية، وأساليبه القديمة، وكواده القديمة وكل قديمة يأخذ هذه اللاحقة التنمية النمو التنامي!!!!
فهم كالعنكبوت تفرز خيوطها من لعابها وتحوك منها أجمل البيوت!!!
وبأروع الكلمات تنسق رؤيتها بأبهى العبارات تصنع شعاراتها.!!!
ثم إن بناءها خاوِ لا جديد فيه غير البهرج. ولا تنمية فيه غير التنمية العبارية اللفظية!!!
وهم يظنون الظنون أنهم أنشأوا وأسسوا ورسخوا أقوى بيوت التنمية وأبراجها.!!!
وما هو إلا بيت عنكبوت: “وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ” [العنكبوت: 4]
فلا جديد ولا نتاج لها مثل ما هو نتاج دودة القز ( منتجة الحرير ) بما فيه من زينة ومنافع للناس. أو مثل نتاج النحلة متنسمةً الرحيق منتجةً العسل الذي فيه شفاء للناس!!!
ولئن سألتهم عن التنمية أو استفسرت عن آثارها ومآثرها واستراتيجياتها وخططها وبرامجها.!!
ليقولن لك: هذه هي ألا ترى.
كل قطاعاتنا كل موجوداتنا كل أساليبنا. سميناها بالتنموية ألحقناها بكلمة التنمية .!!!
ولئن حاولت الإيضاح فأنت مشكك !!!
ولئن حاولت النقد البناء فأنت متفذلك !!!
ولئن حاولت أن تكشف الفرق بين التنمية واللاتنمية فأنت ناقم حاسد.
وقد تكون عدوا غاشما. يضمر الضر ولا يبتغى النفع، وقصارك أنك شارد غريب مغرد خارج السرب !!!
وهناك المذهب الثالث: وهو ” مذهب التنمية الهندسية “
وهو مذهب معاصر يركز على معطيات العلم الحديث في التنمية ويتسارع لتحقيقها ويتسابق على تطويرها.. وهو يرتكز على التغيير كأساس، وأهدافه حركية أكثر منها أهدافا ثابتة وهو يقوم على الاستجابة للتحديات
أما عن سمات هذا المذهب فهي على الإجمال:
السمة الأولى: سمة الرياضية.
السمة الثانية: السمة الأداتية.
السمة الثالثة: التحقيقية.
السمة الرابعة: المرونة
السمة الخامسة: النتائجية
فهو يمضي في مسيرته التنموية بناء على السمات السابقة:
أ- متحركا على يقين الرياضية في منهجياته. وهي أهم مرتكز لهذا المذهب وهذا ما ندعوه ” بالهندسة التنموية القانونية” أو “هندسة التنمية القانونية “
ب-مؤمنا بالأداتية في تطبيقاته. فهو واقعي يقوم على مبدأ:” الأداة الجيدة تنتج عملا جيدا ونتيجة جيدة “
وفي المقابل فإن: “الأداة الرديئة تجعل العمل رديئا وتنتج مخرجات رديئة!!”.
ج- متمسكا بالاختبارية في حراكه. فهو يختبر ويعدل ويُقوِّمُ ويستجيب لكل المتغيرات الأخرى
د- واقفا عند حدود التحقيقية في معطياته. فهو لا يسلم بكل المعطيات وإنما يأخذ منها ما يمكن التحقق منه بما يناسبه!!!
هـ- قائما بمبدأ النتائجية في تقييماته وتقويماته بمعنى أنه يوازن ما بين الفعل والنتيجة والحركة والمخرج فإذا لم يقف على مخرجات مكافئة؛ فإنه يغير المعطيات والمدخلات أو يغير المعالجات فالنتيجة عنده غاية ومعيار في آن واحد!!!
وهذا المذهب الثالث هو مذهب “الهندسة التنموية” هندسة الإنتاج والفعل والحراك والتصرف ومواجه العقبات والقفز على الصعوبات وإنتاج الحلول وابتكار الصيغ الجديدة
وهذا ما نريده للتنمية القانونية ونأمل في استخدامه من خلال استخدام “الهندسة القانونية” تلك التي تنبني في أساسها على الهندسة الطبيعية الإنتاجية ابتداء. ثم إن هذه الأخيرة لما دخلت العلوم الاجتماعية ابتكرت وأنتجت وأثمرت هندسات أخرى اجتماعية
وعليه يمكن القول بأن آباء وبالأحرى ( أبوي) هذه “الهندسة القانونية” المأمولة للتنمية والتطوير هما:
أ-الهندسة الاجتماعية متمثلة في علم الاقتصاد “الهندسة المالية أو هندسة المشتقات المالية ” وتمثل الأب الأقرب.
ب- ثم الأب الأكبر وهو “الهندسة الطبيعية ” وخاصة في جانبها العملي التطبيقي الذي يتلاءم مع سمات العلوم الاجتماعية وخصوصياتها.
وكلا الأبوين يشكلان “الهندسة القانونية” المرجوة في العملية التنموية سابقة الذكر، فهي المدخل لعالم التنمية القانونية الحقة التنمية القانونية المستدامة، وهي السبيل للنهوض بالقانونيين وبالعلوم القانونية وبالمؤسسات القانونية بل وبكل متعلقات القانون في كافة وجوهها:
فالهندسة القانونية هي المرجو وهي المأمول وهي غاية ما نريده في عالمنا العربي لإحداث تنمية قانونية حقيقية من حيثيات عدة واعتبارات متعددة تتعلق بالهندسة القانونية:
1-باعتبارها منهجية علمية جامعة وصارمة، وباعتبارها وسيلة تطبيقية فعَّالة، وأداة عملية للابتكار، ومسارا نوعيا للقفز فوق المعوقات والسير بقدم مرنة نحو تطبيق المنتجات القانونية الجديدة سواء كانت منتجات فكرية بالمفهوم العام للفكر من حيث الفكرة والمفهوم والتصور وتطورات ذلك وصولا إلى التشكل في صورة خطة وبرنامج عمل ما.
2- ومن حيث كونها وسيلة وأداة لابتكارات ماثلة طورت العلم القانوني ومؤسساته ورجالاته وأدوات الدالة خذ على سبيل المثال إبداعات مثل:
أ-المحاكمات عن بعد.
ب- بدائل الحبس الاحتياطي.
ج- المراقبة الإلكترونية.
د- التدابير فكرة ووسيلة وأداة لدرء الخطورة الإجرامية ولتحقيق الدفاع الاجتماعي وهي من أعظم البدائل أيضا للعقوبات السالبة للحرية في الجنايات وفي بعض الجنح.
كيف نبدأ إذن؟!!
هنا نعود إلى الموضوع الرئيس وهو: “التنمية القانونية” من حيث الحاجة إليها وكيفية البدء بها
وهنا لا يسعني إلا أن أذكر الزملاء والمسئولين القانونيين ونفسي بما قاله الأستاذ بيتر بيكر أستاذ إدارة الأعمال في مقاله في مجلة ” Economist – ولكم يعجبني هذا المقال – ابتداء من اسمه فمضمونه، حيث سطر بيكر كلمات ذهبية تحت عنوان ” الابتكار أو الموت” وفيه تحسر على المؤسسات المالية التي لم تقدم خدمات مالية جديدة لعملائها على مدار ثلاثين عاما!!!!
ووصف واقعها التقليدي النمطي التكراري بأنها في مباراة صفرية فلا جديد ولا إنتاج ولا قيام لمؤسسة إلا بهدم أخرى وأن ما تربحه مؤسسة هو ما تخسره أخرى!!!!
ولعل هذا ما يطرد على الواقع القانوني المائل في كثير من الأحوال، انظر إلى القانونيين وإلى مؤسسات القانون وإلى العلوم القانونية سوف تقف على:
-
كثير من التقليد وقليل من الإبداع!!!
-
كثير من النمطية وقليل من النوعية !!!
-
كثير من الصيغ المحفوظة والمقولات ذات الترداد مع قليل من الجمل النوعية والعبارات التأثيرية!!!
-
مع ضعف عام في تكوين صيغ حداثية جديدة تلائم العصر وتلتئم مع مصالح الناس.
وليس هذا الذكر والتذكير بقصد ازدراء الواقع القانوني أو الاتضاع منه.!!
ولكن بقصد تطويره وتعزيزه، والتشجيع والحث على الترقي به والسمو عليه بأفكار وخطط وبرامج واستراتيجيات قانونية نوعية.
والأمر ينطق على المحامين وتنميتهم كما ينطبق على سائر القانونيين، ففي عالم المحاماة على سبيل المثال هناك تنمية هي أقرب إلى التنمية باردة!!
قصارها أنها تنمية تقليدية تضرب في الأعماق!!!
فثم مشاهدات عينية ووقائع اعتيادية ومعطيات يومية تدل على ذلك من مثل:
1- الصيغ الجاهزة في الأعمال القانونية الكتابية
فترى ندرة في كتب الاجتهاد القانوني وكتب التأصيل القانوني من مثل كتابات السنهوري باشا الرائد والقائد العلمي القانوني فيقولون هي كتابات موسوعية ومطولات.!!! ولا وقت لدينا للعلم!!! ويتعللون بعلل واهية زائفة. !!!
بينما تجد كتب الصيغ ومذكراتها تملأ مكتبات القانونيين عن آخرها كسلا أو عجزا أو جهلا!!
على رغم أن كل قضية بل كل واقعة تغاير أخراها، حتى لو تشابهت معها في بعض الأشياء فمحال أن تشتبه بها أو أن تتطابق معها في نفس الزمان وفي عين المكان بما يعزز مبدأ:” كل حالة على حدة كل قضية على حدة كل دفاع له خطته وكل خطة لها ظروفها صروفها!!!
2-وانظر ثمَّ أيضا ستجد ستجد عبارات محفوظة في معظم الأعمال القانونية الشفاهية. عدة جمل وبضعة مفردات على رغم ثراء اللغة العربية القانونية وتنوع أساليبها وتعدد مكناتها فهي البحر في أحشائه الدر كامن!!! على ما يقول شاعر النيل حافظ إبراهيم.!!
3- دع عنك الأخطاء اللغوية فحدث بلا حرج عن العوج والعرج في لغة القانونيين.. وليتها كانت أخطاء جلية ولكنها أخطاء جلية فجى عارمة أخطاء قد يجل عنها طالب ابتدائي نتبه أخطاء وصلت إلى حد رفع المنصوب ونصب المرفوع. وغير قليل تقف على اسم مرفوع بعد حرف جر؟!!!!
5-التقليدية في التعامل مع العملاء فقليل ما يأخذ المحامون دورات في علم نفس التعامل وفي استقبال العملاء وفي تفهم حاجياتهم ويترك الأمر غالبا على ما هو عليه على مذهب التنمية الباردة إن لم يكن “مذهب اللاتنمية”.
6-النمطية في إدارة القضايا وفي إعداد خطط الدفاع حتى لتجد المحامي يأخذ خطة طال عليها الأمد بل الآماد.!!!!
ويطبقها ويجعل منها عدته وعتاده في الدفاع عن تهمة قد تودي بصاحبها حال إثباتها إلى غياهب السجون إن لم يكن إلى أعواد المشانق
7- أما المرافعات وما أدراكم ما المرافعات؟؟!!!!!!!
فهي بلا ريب تحتوي المرافعات النوعية الإبداعية غير أن هذا هو قليل القليل بينما الكثير الموفور المكثور هو المرافعات الباردة المرافعات النمطية. المحفوظة سلفا نمطيات من الجمل وأكلاشيهات من العبارات مع تغيير في اسم المدعي والمدعى عليه وفي قيد ووصف القضايا.!!!!
فما السبيل إذن وما البديل للتجاوز التقليد والنأي عن التنميط وما المسار للتجديد والإبداع والانطلاق إلى الأمام؟!!!
الأمر من وجهة نظري المتواضعة يبدأ مع الهندسة القانونية، بالنظر إليها باعتبارها منهجية تجديدية لا للمحامي فحسب بل لجل رجالات القانون وخريجيه.
وهنا يقفز سؤال جدير بنا طرحة بقوة، وهو كيف نؤسس لهندسة قانونية منهجية أداتية إبداعية منتجة يمكن من خلالها تطوير العلوم القانونية وتطوير مؤسسات القانون وتطوير وتمهير وتنمية رجالات القانون بطرق إبداعية حديثة منتجة؟
وهذا سؤال جامع لا يسعه إلا مؤلف كبير نظرا لأهميته وعظم ناتجه، وهذه خطوط عريضة تتعلق بإجابة هذا السؤال وهي تقتضي البدء بسؤال آخر مبتدأ وجوهري وهو: كيف يمكن لنا أن نكون مفهوما متفقا عليه بين القانونيين بخصوص مصطلح ومدلول “الهندسة القانونية “؟
والإجابة على هذا السؤال في الآتي:
ليس يخفى أن مصطلح ومفهوم “الهندسة القانونية” ذا جدة في بابه وهو محدث تماما في العلوم القانونية وقد يثير لبسا كثيرا بل قد يترصد بعض المقلدة الجامدين له فيرفضونه دون مناقشة بل قد يعادونه ويعاندونه لذات المعاندة!!!
وعلى الإيجاز يمكن الإجابة عن السؤال السابق بأنه يمكن لنا ونحن في أول الطريق لتبني مصطلح ” الهندسة القانونية” تحقيق هذا المفهوم باصطناعه من واقع الهندسة نفسها وخاصة هندسة المشاريع وغيرها من الهندسات التطبيقية، والأقرب من هذا والأيسر لنا هو اصطناع مفهوم متفق عليه ” للهندسة القانونية” من خلال علم اجتماعي قريب من العلوم القانونية ألا وهو علم الاقتصاد وبالأحرى علم المالية العامة.
وما ذلك إلا لأن علم الاقتصاد علم اجتماعي مشترك يتقاسمه القانون في مبادئه وتطبيقاته وفي تعاملاته ومعاملاته، ومن ثم يدرس طلاب القانون علم الاقتصاد من السنة الأولى، ويظل معهم حتى السنة الرابعة، وهناك الدبلومات الاقتصادية القانونية، وهناك قسم الاقتصاد والمالية العامة والتشريع الضريبي، ولا ننسى القوانين الاستثمارية والتجارية والضريبة والبنوك والنقود والأموال وكلها من مقررات كليات الحقوق إذن لم نبتعد عن القانون وعلومه ولا زلنا في إطاره أو في إطار قريب متقارب معه!!!
ففي المالية عامة وُلِد مصطلح الهندسة المالية (Financial Engineering) . وعليه يمكننا الاسترفاد من نظم هندسته المالية والبناء على نجاحاتها هي إحدى فروع علم المخاطر أو التخمين وظهرت للوجود في منتصف الثمانينات بهدف عون وخدمة منشآت الأعمال في مواجهة المخاطر والتخلص من القيود والضغوط التي يفرضها السوق وبيئة المنشآت. وإيجاد حلول لتلك المشاكل وتجريب عدد من المحاولات لتطوير منتجات كثيرة كان منها محاولات تطبيقها على تطوير أسواق المال.
ومن هناك كانت بداية ظهور مصطلح الهندسة المالية باعتبارها مجالا تستغل فيه معارف وكفاءات المجالات الأخرى وأهمها الرياضيات والاقتصاد والمعلوميات لدراسة المعلومات بطريقة علمية عميقة تساعد على اتخاذ القرارات الاستثمارية دون المغامرة والتعرض لأخطار تقلبات الأسواق البورصة.
[انظر أعمال المؤتمر العلمي الدولي حول الأزمة المالية والاقتصادية العالمية المعاصرة من منظور اقتصادي إسلامي – عمان الأردن 2010م ورقة عمل شوقي جباري وفريد الخميلي ص 2، 3 بعنوان دور الهندسة المالية الإسلامية في علاج الأزمة المالية، وانظر موسوعة ويكيبديا مادة ” هندسة مالية”].
وتعرف الهندسة المالية بأنها ” التصميم والتطوير لأدوات وآليات مبتكرة وصياغة حلول إبداعية لمشاكل التمويل “، وأنشطتها ثلاثة:
1-ابتكار أدوات مالية جديدة مثل بطاقات الائتمان.
2-ابتكار آليات تمويلية من شأنها تخفيض التكاليف كعمليات التبادل التجاري الشبكي (على شبكة الإنترنت) والتجارة الإلكترونية.
3-ابتكار حلول جديدة لإدارة التمويل.
إلى غير ذلك وهو ما يمكن الاستفادة منه في مجال القانون سواء بمنهجية حل المشكلات، أو بابتكار صيغ وأدوات لتفعيل العدالة وجعلها ناجزة، إلى غير ذلك من طرائق النهوض بالقانون ومؤسساته ورجالاته وعلومه.
كما يمكن لنا من خلال ما سبق الارتكاز على منهجين – في سبيل تكوين إطار نظري ومنهجي للهندسة القانونية – على نحو ما مرت به “الهندسة المالية ” وهما:
1-منهج المحاكاة والتقليد من خلال الاعتماد في التطوير والتجديد على تقليد المنتجات التقليدية مع تأطيرها بالروح المالية الخاصة وكما فعلت الهندسة المالية الإسلامية أيضا، وهو ما يجب فعله في إطار تكوين هذا البناء القانوني الجديد ” بناء الهندسة القانونية”
2-منهج الأصالة والابتكار من خلال البحث عن الاحتياجات الفعلية للعملاء ثم العمل على تلبيتها، وهذا هو ما قصدناه بأنواع التنمية سابقة الذكر، فالتنمية القانونية الفاعلة والابتكارية لا تكون إلا بناء على منهجية هندسية فاعلة. ولنا مع هذا وقفات لاحقات.