تميز الخداع التِّجاري وأنواع التدليس الأخرى

بقلم الدكتور/ فرج الخلفاوي

يعتبر الخداع ضرب من ضروب التدليس ولكنه تدليس جنائي، ويتميز التدليس الجنائي عن مطلق التدليس بأنه أضيق نطاقا وأن غايته أكثر تخصصًا؛ ومن هنا ينبغي إيضاح الفرق بين الخداع والتدليس المدني والاحتيال(النصب) والغش.

1- التميز بين الخداع التِّجاري والتدليس المدني :

الخداع المقصود في قانون قمع التدليس والغش رقم 281لسنة 1994 يختلف عن فكرة التدليس المعروفة في القواعد المدنيَّة العامة. فالتدليس المدني ” هو استعمال أحد المتعاقدين طرقا احتيالية لتضليل المتعاقد الآخر تضليلا يحمله على التعاقد ويلزم فيه أن تكون الحيل التي لجأ إليها أحد المتعاقدين أو نائب عنه من الجسامة بحيث لولاها لما أبرم الطرف الثاني العقد . فيلزم أن تكون هذه الحيل قد بلغت قدرا من الجسامة بحيث لولاها لما أبرم الطرف ضحية هذه الحيل العقد، أي أن التدليس هو السبب الدافع إلى التعاقد .

اما الخداع المنصوص عليه في قانون قمع الغش والتدليس فلا يلزم أن يكون الخداع هو السبب الدافع إلى التعاقد بل يكفي أن يكون أحد الأسباب الدافعة إلى هذه التعاقد فتكفي اكذوبة واحدة حول البضاعة أو الإعلان لقيام الجريمة أو الشروع فيها بحسب الأحوال .

والتدليس المدني قد يكون عملا سلبيا محضا؛ فيكفي مجرد كتمان واقعة أو ملابسة إذا ثبت أن المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة على حين أن الرأي قد اختلف في شأن الخداع؛ فعلى حين يرى البعض أن الخداع يقوم على سلوك إيجابي وسلوك سلبي فإن البعض على العكس يستلزم لقيام جريمة الخداع صدور نشاط إيجابي ولو كاذب واحد من الجاني متى كان نطاقه هو البضاعة أو كميتها أو غير ذلك مما أوردته المادة الأولى من القانون رقم 48لسنة 1941 وتعديلاته فلا يكفي مجرد الكتمان؛ لأن قانون العقوبات لا يعرف تدليس يقوم بسلوك سلبي . كما يلزم في التدليس المدني أن يثبت أن المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو علم بحقيقة الأمر محل التدليس، بينما لا يشترط أن يكون الخداع هو أحد الأسباب الدافعة إلى التعاقد، وبالتالي فقد يكون هناك أسباب أخرى لإبرام التعاقد غير الخداع ودون أن يكون هذا الغلط هو السبب الأساسي لإتمامها.

2- التمييز بين الخداع التِّجاري والطرق الاحتيالية في النصب :

يختلف مفهوم الخداع في قانون قمع التدليس والغش عن الطرق الاحتيالية كأحد عناصر جريمة النصب المنصوص عليها في المادة 336 من قانون العقوبات، فالطرق الاحتيالية في النصب هي أكاذيب مدعمة بمظاهر خارجية، ويعنى ذلك أنها تقوم على عنصرين: الكذب، والعناصر الخارجة التي تدعمه . فالكذب هو جوهر الطرق الاحتيالية، أما العناصر الخارجية فهي المواطن التي يستمد منها المتهم الأدلة على صحة ما يدلي به من كذب فهي وسائله إلى إقناع المجني عليه وإيقاعه في الغلط وحمله تبعا لذلك على التصرف الذي يريده .

وبذلك يبين أن الخداع هو تدليس بسيط لا يقترن بأية طرق مميزة لإخفائه أو تجعل اكتشافه صعبًا على من وقع عليه، أما التدليس المشدد فهو الذي يقترن بطرق احتيالية الذي يكون جريمة النصب.

وتتشابه جريمتا الخداع والنصب؛ حيث يتطلب التدليس فيهما نشاطا إيجابيا، ومن ثم فالموقف السلبي الذي يتخذه شخص بتركه آخر في غلط واقع فيه من قبل لا يعتبر تدليسا. والتدليس في الجريمتين يؤدي إلى إصابة إرادة المجني عليه بعيب من عيوب الرضا؛ مما يؤدي إلى وقوعه في الغلط.

ويشترط لقيام جريمة النصب أن يكون الكذب مدعما بمظاهر خارجية تعززه، وتحمل الغير على الاعتقاد بصحته، بينما يكفي في جريمة خدع المتعاقد صدور أفعال أو اقوال أو إيماءات كاذبة ولو لمرة واحدة على الطرف الثاني المتعاقد معه.

وحدد المشرع المصري في المادة 336 من قانون العقوبات على أنه (يعاقب بالحبس كل من توصل إلى الاستيلاء على نقود أو عروض أو سندات دين أو سندات مخالصة أو أي متاع منقول وكان ذلك لسلب كل ثروة الغير أو بعضها، إما باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهام الناس بوجود مشروع كاذب أو واقعة مزورة، أو إحداث الأمل بحدوث ربح وهمي أو تسديد المبلغ الذى أخذ بطريق الاحتيال أو إيهامهم بوجود سند دين غير صحيح أو سند مخالصة مزور وإما بالتصرف في مال ثابت أو منقول ليس ملكًا له ولا له حق التصرف فيه وإما باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة.أما من شرع في النصب ولم يتممه فيعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة، ويجوز جعل الجاني في حالة العود تحت ملاحظة البوليس مدة سنة على الأقل سنتين على الأكثر ).

الطرق الاحتيالية التي تقوم بها جريمة النصب وهذا التحديد على سبيل الحصر لا المثال، بينما لم يحدد المشرع الطرق التي يقوم بها فعل الخداع على سبيل الحصر؛ إذ نصت المادة الأولى من قانون قمع التدليس والغش على أن ” يعاقب…… في أن يخدع المتعاقد معه بأية طريقة من الطرق”. كما يهدف الجاني من ارتكاب جريمة النصب إلى الاستيلاء على كل أو بعض ثروة المجني عليه بينما يهدف الجاني من ارتكاب جريمة خداع المتعاقد إلى تحقيق ربح مشروع نتيجة إيقاعه المتعاقد الآخر معه في غلط سواء في طبيعة البضاعة أو نوعها أو كميتها.

3- التميز بين الخداع التِّجاري و الغش التِّجاري :

تختلف جريمة الخداع عن جريمة الغش، فالخداع يقع بغير تزييف في البضاعة ، أما الغش فيقع على البضاعة ذاتها وعلى ذلك ففي جريمة الخداع تكون وسيلة الخداع موجهة إلى المتعاقد مستهدفة تضليله دون مساس بالبضاعة أو إدخال أي تغير على مادتها على خلاف الحال في جريمة الغش، حيث يرد تغيير على مادة هذه البضاعة، فالهدف من تجريم الغش هو الحماية من البضائع المغشوشة، في حين الهدف من تجريم الخداع هو حماية أوضاع التعامل والثقة .

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى