تعدد تشريعات الجهاز الإداري

بقلم الأستاذ/ أحمد محمد جمعة

تتمثل التحديات التي تواجه الجهاز الإداري في كثرة عدد التشريعات التي تحكمه وتقادمها ويصل عددها إلى 53 ألف و538 تشريعا ما بين قوانين وقرارات ولوائح، وجميعها تشريعات سارية حتى الأن ، وهو ما يؤدي إلى ضعف الالتزام بالأُطر القانونية المُنظمة للجهاز الإداري للدولة، وغياب شفافية القواعد المُنظمة للأعمال الحكومية مما يخلق بابا خلفيا للفساد واستغلال بعض الثغرات التشريعية نظراً لتعددها مع غياب الرؤية الشاملة للمنظومة التشريعية للقواعد المُنظمة للأعمال الحكومية، وهو ما بدأت تتنبه له الدولة عند وضعها فى يوليو 2014 رؤيتها للإصلاح الإداري في مصر.

فتلك التعددية المبالغ فيها في التشريعات أتاحت لبعض الموظفين بالجهاز الإداري بممارسة الفساد فأصبح هناك فرصة للتلاعب والتحايل وخصوصـًا إذا كانت بعض التشريعات تنطوي على درجة لا بأس بها من عدم الاتساق أو التضارب حيث يمكن استغلالها من جانب أولئك الموظفين الراغبين في الفساد.
ومنها إصدار العديد من اللوائح الخاصة ببعض الهيئات والقطاعات الحكومية والتي تعد أموالها أموالاٌ عامة تخالف التشريعات العامة الواردة بالقوانين وتعطى اختصاصات وتحدد مسئوليات وتنمح مميزات لبعض منتسبيها لم ترد بالقانون مما يفتح ذلك باب خلفي للفساد وسوء إدارة بتلك الجهات الحكومية.

بحيث تتداخل الاختصاصات في كثير من الأحيان بين القوانين المنظمة للجهاز الإداري وعلى سبيل المثال نجد تخبط في القانون الواجب التطبيق على بعض موظفي الجهاز الإداري المنتمين لبعض الهيئات العامة مثل الهيئة العامة للتأمين الصحي فيما يخص المسائلة التأديبية لهم وقواعد الندب والنقل والإعارة. فيثور التساؤل هل يطبق قانون الخدمة المدنية أم يطبق قانون العاملين بالدولة الملغى أم اللائحة الخاصة بهم، وعلى غرار ذلك المعلمين بالتريية والتعليم، والإداريين بالهيئات القضائية هل يطبق عليهم قانون الخدمة المدنية فقط ام مازال ينطبق عليه القواعد الوارد بقانون السلطة القضائية.

كما تميزت الفترة السابقة بتعدد التعديلات الجزئية لتشريعات الوظيفة العامة بحيث ظهر العوار بالجهاز الإداري للدولة كنتيجة لعدم وجود رؤية كاملة للتطوير التشريعي الشامل والاكتفاء بالتطوير والتحديث الجزئي قبل إقرار قانون الخدمة المدنية من خلال إدخال تعديلات تشريعية على قانون العاملين المدنيين بالدولة والتي وصلت الى 17 تعديل تشريعي منها التعديل الذى تم على المادة 25 الخاصة بالتعيين فبعد أن كان التعيين بالوظيفة العامة يتم بشفافية سمح التعديل بالتعيين المؤقت والذى يفضى فى النهاية الى التثبيت دون ضوابط أو توافر الشروط المؤهلة لشغل الوظيفة سمح معه بوجود أبواب خلفية للتلاعب والفساد الإداري والمالي .

ومن أمثله تلك التعديلات التشريعية التي أدخلت على قانون العاملين بالدولة القانون رقم 135 لسنة 1980 والقوانين أرقام 111, 112, 113 , 114 ، 117 , 118 لسنة 1981 والقانون رقم 7 لسنة 1984 والقانون رقم 5 لسنة 1991 الخاص بشغل الوظائف العليا بالجهاز الحكومي الذى واجة القصور والانتقادات العديدة على نظام شغل الوظائف المدنية القيادية المعمول به فى تلك الفترة.

وهو ما يجب أن تواجهه الدولة بحسم شديد من خلال التطبيق الأمثل لقانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية، بما فيه المصلحة للموظف ولحسن سير عمل الجهاز الإداري للدولة، وعدم التوجه مرة أخرى نحو تعدد التشريعات، والذى بدأت تظهر ثانياً بعد صدور قانون فصل متعاطي المخدرات من الوظيفة العامة، وقانون الفصل بغير الطريق التأديبي بصدور القانون رقم 135 لسنة 2021 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 10 لسنة 1972 وقانون الخدمة المدنية، والذى ينبغي أن يحصل حولهما حوار قانونيا عن مدى تأثيرهما على مجال الوظيفة العامة.

زر الذهاب إلى الأعلى