تجريم الربا ضرورة عاجلة
مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر – أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة
وردت لي عبر الواتس آب نكتة من أحد الأصدقاء، تجري عباراتها على النحو التالي: «مرة واحد كان محتاج فلوس سلف، فذهب إلى أحد المرابين. وبينما هما في لحظة الاتفاق على سعر الفائدة، حان وقت الآذان لصلاة الجمعة، فقال المرابي للشخص الراغب في الاستدانة: هيا بنا نصلي وبعد ذلك نعود لإكمال الاتفاق. وشاءت الصدفة أن تكون خطبة الجمعة عن الربا ومصير المرابين والعذاب والصعوبات التي يجدونها في الدنيا والآخرة. وقد تأثر المرابي بهذه الخطبة، لدرجة أن ذقنه تبللت من كثرة البكاء، فاستبشر المستدين خيراً، آملاً أن يقوم المرابي بإعطائه المال على سبيل السلف دونما زيادة. وبمجرد الانتهاء من الصلاة، ذهب الاثنان إلى مكتب المرابي، وما إن جلسا على مقعديهما، وجه المرابي كلامه للمستدين، قائلاً: أرجو عدم المفاصلة في سعر الفائدة. ها أنت سمعت بأذنيك مقدار العذاب الذي ينالني يوم القيامة بسببك». وبعيداً عن روح الفكاهة في هذه النكتة، يحق لنا أن نتساءل عما إذا كانت عمليات الإقراض بفائدة بين الأفراد بعضهم البعض يمكن أن تحدث على أرض الواقع. وإذا كان الحكم الشرعي واضح في شأن الإقراض بفائدة أو بالربا بين الأشخاص الطبيعيين قد يبدو واضحاً للجميع، فإن البعض قد يخلط بين معاملات الإقراض بفائدة بين الأفراد بعضهم البعض وبين الفوائد البنكية. ويثور التساؤل أخيراً عن الحكم القانوني في حالة قيام أحد الأفراد بإقراض فرد آخر مبلغاً من المال بفائدة.
وفي هذا الشأن، تجدر الإشارة إلى أنه في الثالث عشر من أبريل 2022م، أصدر فضيلة المفتي الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام الفتوى رقم (17122) بشأن حكم اشتراط الزيادة في رد القرض بين الأشخاص. وقد جاءت هذه الفتوى بمناسبة سؤال أحد المواطنين، حيث يسأل قائلاً: يريد أحد الأشخاص أن يستلف منّي مبلغاً من المال، وأرغب في أن أشترط عليه ردّ المبلغ بزيادة كما يحدث في البنوك. فهل هذا جائز شرعاً؟
وجواباً عن هذا السؤال، يقول فضيلة المفتي: تسليف المحتاج مندوبٌ إليه شرعاً للقادر عليه، وما ترغب فيه مِن اشتراط ردّ المبلغ المالي بزيادةٍ على أصله هو أمرٌ محرمٌ شرعاً؛ لأنَّ الزيادة لم يقابلها عوض فأشبهت الربا؛ إذ القرض بين الأشخاص مِن عقود الإرفاق والقربات، لا مِن عقود التربح والمعاوضات، فإذا اشتُرِطَ فيهِ منفعةٌ بزيادةٍ أو نحوها خرج عن موضوعه. وأما مساواة المعاملة المسؤول عنها بمعاملة البنوك: فغير سديد، وقياسٌ مع الفارق؛ لأنَّ البنوك من الشخصيات الاعتبارية التي لها مِن الأحكام ما يختلف عن أحكام الأفراد، والبنك جهةٌ ربحيةٌ استثماريَّة، بخلاف الأفراد؛ فإنَّ أساس معاملاتهم في الإقراض مبناها على الرفق والإرفاق؛ كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: 280].
وفي تفاصيل هذه الفتوى، يقول فضيلة المفتي: إنَّ من أفضل الأعمال وأحسنها وأجلِّ الطاعات وأعظمها: ما يسعى فيه الإنسان من تفريج الكربات، وقضاء الحاجات، وإقالة العثرات؛ تقرباً إلى الله تعالى لنيل الرضا ورفع الدرجات؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ»، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ» أخرجهما مسلم في “صحيحه”. والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
ومن الصور التي يتحقَّق فيها تنفيس الكربات: إقراض المسلم أخاه عند حاجته؛ رفقًا به وإحسانًا إليه، دون نفعٍ يبتغيه أو مقابلٍ يجنيه؛ عملًا بقول المولى سبحانه: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: 245]. وقوله جلَّ شأنه: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ [الحديد: 11].
والقرضُ الحسنُ: هو ما يُعطيهِ الشخصُ المُقرِضُ مِنَ المالِ ونحوِهِ قُرْبةً وإرْفَاقًا للشَّخصِ المقترِضِ على سبيلِ التمليكِ دونَ اشتراطِ زيادة، لِيَرُدَّ إليْهِ مِثلهُ.
قال الإمام الطبري في «جامع البيان» (5/ 282، ط. مؤسسة الرسالة): [وإنَّما سَمَّاهُ اللهُ تعالى ذِكْرُهُ (قَرْضًا)؛ لأنَّ معنى (القَرْضِ) إعطاءُ الرجلِ غيرَهُ مالَهُ مُملِّكًا لَهُ، ليقضيه مثلَه إذا اقتَضَاهُ، فلمَّا كانَ إعطاءُ مَنْ أعطى أهلَ الحاجةِ والفاقةِ في سبيل الله إنَّما يُعطيهم ما يُعطيهم مِنْ ذلك ابتغاءَ ما وعَدَهُ الله عليهِ مِنْ جزيلِ الثوابِ عندهُ يومَ القيامةِ: سماه (قَرْضًا)؛ إذْ كانَ معنى “القَرْضِ” في لُغةِ العربِ ما وَصَفْنَا، وإنَّما جَعَلَهُ تعالى ذِكْرُهُ “حَسَنًا”؛ لأنَّ المُعْطِي يُعْطِي ذلكَ عَنْ نَدْبِ اللهِ إياهُ وَحَثِّهِ لهُ عليهِ احتسابًا مِنْهُ] اهـ.
وإذا كان الشرعُ الشريفُ قد رغَّبَ في القَرْضِ الحَسَنِ وأجزل الثواب للمُقْرِضِ، وحثَّ على قضاء حوائج الناس وتفريج كروبهم، فإنَّه أيضًا قد نهى عن استغلال حوائج الناس وإيقاعهم في الحرج الذي يدفعهم لارتكاب المحظور؛ لذا كان الأصل في القرض ألَّا يَجُرَّ للمقرِض نفعًا، وأن يكون غير مشروط بزيادةٍ على أصله، وأن يكون على سبيل الترفُّق لا التربّح؛ لأنَّه من عقود التبرعات لا المعاوضات.
قال الإمام الكاساني الحنفي في «بدائع الصنائع» (7/ 395، ط. دار الكتب العلمية): [وأما الذي يرجع إلى نفس القرض: فهو ألا يكون فيه جَرُّ منفعةٍ، فإنْ كانَ لمْ يَجُزْ، نحو ما إذا أقرضه دراهم غلة، على أنْ يَرُدَّ عليه صحاحًا، أو أقرضَهُ وشرط شرطًا لهُ فيه منفعة؛ لما رُوِي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه «نَهَى عَنْ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا»؛ ولأنَّ الزيادة المشروطة تُشبه الرِّبا؛ لأنَّها فضلٌ لا يقابله عوض] اهـ.
وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في «رد المحتار على الدر المختار» (5/ 166، ط. دار الفكر): [(قوله: كلُّ قرضٍ جرَّ نفعًا حرامٌ) أي: إذا كان مشروطًا كما عُلم ممَّا نقله عن “البحر”] اهـ.
وقال الإمام القرافي المالكي في «الذخيرة» (5/ 289، ط. دار الغرب الإسلامي): [شرطه: ألَّا يَجُرَّ منفعةً للمقرِضِ، فإنْ شَرَطَ زيادةً قدرًا أو صفةً: فسدَ، ووجبَ الردُّ إن كان قائمًا، وإلَّا ضَمِنَ بالقيمةِ وبالمثلِ على المنصوص] اهـ.
وقال العلامة النفراوي المالكي في «الفواكه الدواني» (2/ 89، ط. دار الفكر): [(ولا يجوز) أي يحرم (سلفٌ يجرُّ نفعًا) لغير المقتَرِض؛ بأنْ يَجُرَّ للمقرِض – بكسر الراء – أو لأجنبيٍّ مِن ناحية المقترض؛ لأنَّ السلف لا يكون إلا لله؛ فلا يقع جائزًا إلا إذا تَمَحَّضَ النفعُ للمقترِض] اهـ.
وقال أيضًا (2/ 91): [(وَمَنْ رَدَّ في القرضِ) الذي عليهِ (أكثرَ عددًا في مجلسِ القضاءِ) المرادُ بعدَ حلولِ الأجلِ؛ لأنَّ المرادَ بمجلسِ القضاءِ حلولُ أجلِ القضاءِ، وذلك إنَّما يكونُ بعدَ فراغِ الأجلِ، (فَقَدِ اختلفَ) العلماءُ (في ذلك) بالجوازِ وعدمهِ، وقَيَّدَ الخلافَ بقوله: (إذا لمْ يكنْ فيهِ شرطٌ ولا وَأْي) أي وَعْدٌ (ولا عَادَةٌ).. كما اتُّفِقَ على حرمةِ الزيادةِ عندَ الشرطِ أو الوعدِ أو العادةِ] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في «روضة الطالبين» (4/ 34، ط. المكتب الإسلامي): [يَحْرُم كُلُّ قرضٍ جَرَّ منفعة؛ كشرط ردِّ الصحيح عن المكسر، أو الجيد عن الرديء، وكشرط ردِّه ببلدٍ آخر، فإنْ شرط زيادةً في القدر؛ حَرُمَ إن كان المال رِبَوِيًّا، وكذا إن كان غير رِبَوِيٍّ على الصحيح] اهـ.
وقال أيضًا في «المجموع شرح المهذب» (13/ 170، ط. دار الفكر): [ولا يجوزُ قرضٌ جرَّ منفعةً؛ مثل: أن يُقرِضَهُ ألفًا على أن يَبِيعَهُ دارَهُ، أو على أن يَرُدَّ عليه أجودَ مِنهُ أو أكْثَرَ مِنْهُ.. ورُوي عنْ أُبَيِّ بن كَعْبٍ، وابن مسعودٍ، وابن عباسٍ رضي الله عنهم: أنهم نَهَوا عن قرضٍ جَرَّ منفعةً، ولأنَّهُ عقدُ إرفاقٍ؛ فإذا شُرِطَ فيهِ منفعة خرج عن موضوعه] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في «المغني» (4/ 240، ط. مكتبة القاهرة): [وكلُّ قرضٍ شُرط فيه أن يزيدَهُ: فهو حرامٌ بغير خلاف.. وقد رُوي عَنْ أُبَيِّ بن كَعب وابن عبَّاس وابن مسعود رضي الله عنهم: أنَّهم نَهَوا عَن قرضٍ جرَّ منفعة، ولأنَّه عقدُ إرفاقٍ وقربة؛ فإذا شُرِطَ فيهِ الزيادةُ أخرجهُ عن موضوعه] اهـ.
ويستطرد فضيلة المفتي، قائلاً: وأما مساواة المعاملة المسؤول عنها بمعاملة البنوك: فغير سديد، وقياسٌ مع الفارق؛ وذلك لما يأتي:
– أولًا: أنَّ الشخصية الاعتبارية المتمثلة في الدولة والهيئات العامة ومنها البنوك لها مِن الأحكام ما يختلف عن أحكام الشخصية الطَّبَيعِيّة التي تتمثل في الأفراد.
– ثانيًا: أنَّ البنك جهةٌ ربحيةٌ استثماريَّة، بخلاف الأفراد؛ فإنَّ معاملاتهم في الإقراض مبناها على الإرفاق؛ كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: 280].
وقد حسم قانون البنوك المصري رقم 88 لسنة 2003م، ولائحته التنفيذية الصادرة عام 2004م مسألة معاملات البنوك؛ إذ قطع بتصوير العلاقة بينها وبين المتعاملين معها على أنَّها من باب «التمويل»، وحكم الحاكم يرفع الخلاف، والتمويل من العقود المستحدثة التي يبرمها أطرافها بقصد الاستثمار، ممَّا يرفع عنها مادة الغرر والضرر، ويحسم النزاع، ويحقق مصلحة أطرافها، وليست من باب القروض التي تجرّ النفع المحرم، ولا علاقة لها بالربا المحرم شرعًا في صريح الكتابِ والسُّنة وإجماع الأمة، والذي عليه التحقيق واستقر عليه العمل جواز استحداث عقود جديدة إذا خَلَتْ مِن الغرر والضرر.
وبناءً على ذلك، وفي واقعة السؤال: فإنَّ تسليف المحتاج مندوبٌ إليه شرعاً للقادر عليه، وما ترغب فيه مِن الاشتراط على المستسلِف أن يَرُدَّ المبلغ المالي بزيادةٍ على أصله هو أمرٌ محرمٌ شرعاً؛ لأنَّ الزيادة لم يقابلها عوض فأشبهت الربا؛ إذ القرض بين الأشخاص مِن عقود الإرفاق والقربات، لا مِن عقود التربح والمعاوضات، فإذا اشتُرِطَ فيهِ منفعةٌ بزيادةٍ أو نحوها خرج عن موضوعه. وأما مساواة المعاملة المسؤول عنها بمعاملة البنوك: فغير سديد، وقياسٌ مع الفارق؛ لما سبق بيانه.
إلى هنا، تكون قد انتهت الفتوى الشرعية اشتراط ردّ المبلغ المالي بزيادةٍ على أصله هو أمرٌ محرمٌ شرعاً؛ لأنَّ الزيادة لم يقابلها عوض فأشبهت الربا؛ إذ القرض بين الأشخاص مِن عقود الإرفاق والقربات، لا مِن عقود التربح والمعاوضات، فإذا اشتُرِطَ فيهِ منفعةٌ بزيادةٍ أو نحوها خرج عن موضوعه. ومن ثم، يثور التساؤل عن حكم هذا الفعل في التشريعات الجنائية العربية، وما إذا كان يشكل جريمة أم لا.
وفي الإجابة عن هذا التساؤل، وباستقراء منهج التشريعات الجنائية العربية في هذا الشأن، يبدو سائغاً التمييز بين اتجاهات أربعة، هي:
الاتجاه الأول: تجريم الإقراض بفائدة متى وقع ذلك بين الأشخاص الطبيعيين.
الاتجاه الثاني: تجريم الإقراض بالربا متى تم باستغلال حاجة شخص أو طيشه أو هواه.
الاتجاه الثالث: تجريم الإقراض بفائدة تزيد على الحد الأقصى المقرر قانوناً، متى تم ذلك بانتهاز فرصة ضعف أو هوى نفس شخص آخر.
الاتجاه الرابع: التشريعات الخالية من نصوص خاصة بتجريم الإقراض بفائدة بين الأشخاص الطبيعيين.
وسنحاول فيما يلي إلقاء الضوء على الاتجاهات الأربعة سالفة الذكر، كما يلي:
تجريم الإقراض بفائدة متى وقع ذلك بين الأشخاص الطبيعيين
طبقاً للمادة (401) من قانون العقوبات البحريني، الصادر بالمرسوم بقانون رقم (15) لسنة 1976م، «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبالغرامة التي لا تجاوز مائة دينار من أقرض آخر نقودا بأية طريقة بفائدة ظاهرة أو خفية تجاوز الحد الأقصى للفائدة الجائز الاتفاق عليها قانونا. وإذا انتهز الجاني فرصة حاجة المجني عليه أو ضعفه أو هواه عد ذلك ظرفا مشددا».
وفي الاتجاه ذاته، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، ووفقاً للمادة (458) من قانون الجرائم والعقوبات، الصادر بالمرسوم الاتحادي رقم (31) لسنة 2021م، «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبالغرامة التي لا تقل عن (50.000) خمسين ألف درهم، كل شخص طبيعي أقرض شخصاً طبيعياً آخر بفائدة مقابل تأجيل الرد، وذلك في أي نوع من أنواع المعاملات المدنية والتجارية، وسواء كانت هذه الفائدة صريحة أو مستترة. وتعتبر من قبيل الفائدة المستترة كل عمولة أو منفعة أياً كان نوعها يشترطها الدائن، إذا ثبت أن هذه العمولة أو المنفعة لا تقابلها منفعة أو خدمة حقيقية مشروعة يكون الدائن قد أداها. ويجوز إثبات حقيقة أصل الدين والفائدة المستترة بجميع الوسائل. وإذا استغل الجاني حاجة المدين أو ضعفه أو هوى نفسه لارتكاب الجريمة المنصوص عليها في هذه المادة عد ذلك ظرفاً مشدداً». وفيما يتعلق بالاعتياد على الإقراض بفائدة، تنص المادة (459) من قانون الجرائم والعقوبات الاتحادي على أن «يعاقب بالسجن المؤقت مدة لا تزيد على (5) خمس سنوات والغرامة التي لا تقل عن (100.000) مائة ألف درهم كل شخص طبيعي اعتاد الإقراض بفائدة».
والمادتان سالفتا الذكر تقابلان نصوص المواد من (409) إلى (412) من قانون العقوبات الملغي الصادر بالقانون الاتحادي رقم (3) لسنة 1987م. فوفقاً للمادة (409) من قانون العقوبات الاتحادي رقم (3) لسنة 1987م، «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبالغرامة التي لا تقل عن ألفي درهم كل شخص طبيعي تعامل مع شخص طبيعي آخر بربا النسيئة في أي نوع من أنواع المعاملات المدنية والتجارية، ويدخل في ذلك كل شرط ينطوي على فائدة ربوية صريحة أو مستترة. وتعتبر من قبيل الفائدة المستترة كل عمولة أو منفعة أيًا كان نوعها يشترطها الدائن إذا ثبت أن هذه العمولة أو المنفعة لا تقابلها منفعة أو خدمة حقيقية مشروعة يكون الدائن قد أداها. ويجوز إثبات حقيقة أصل الدين والفائدة المستترة بجميع الوسائل». ونصت المادة (410) من القانون ذاته على أن «يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في المادة السابقة كل من تقاضى الفوائد الربوية الناتجة عن معاملات مدنية أو تجارية بين الأشخاص الطبيعيين والمستحقة قبل تاريخ العمل بهذا القانون والتي لم يتم أداؤها بعد ولو كان قد صدر بها حكم بات». ونصت المادة (411) على أنه «إذا استغل الجاني حاجة المدين أو ضعفه أو هوى نفسه لارتكاب أي من الجريمتين المنصوص عليهما في المادتين السابقتين عد ذلك ظرفًا مشددًا». ونصت المادة (412) من ذات القانون على أن «يعاقب كل شخص طبيعي اعتاد الإقراض بالربا بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات».
وقد خضعت المواد سالفة الذكر للتعديل بموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم (7) لسنة 2016م. ووفقاً للمادة (409) من قانون العقوبات الاتحادي الملغي، معدلة بموجب مرسوم بقانون اتحادي رقم (7) لسنة 2016م، «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبالغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف درهم، كل شخص طبيعي تعامل مع شخص طبيعي آخر بربا النسيئة في أي نوع من أنواع المعاملات المدنية والتجارية، ويدخل في ذلك كل شرط ينطوي على فائدة ربوية صريحة أو مستترة. وتعتبر من قبيل الفائدة المستترة كل عمولة أو منفعة أيًا كان نوعها يشترطها الدائن، إذا ثبت أن هذه العمولة أو المنفعة لا تقابلها منفعة أو خدمة حقيقية مشروعة يكون الدائن قد أداها. ويجوز إثبات حقيقة أصل الدين والفائدة المستترة بجميع الوسائل. وإذا استغل الجاني حاجة المدين أو ضعفه أو هوى نفسه لارتكاب الجريمة المنصوص عليها في هذه المادة عد ذلك ظرفًا مشددًا».
تجريم الإقراض بالربا متى تم باستغلال حاجة شخص أو طيشه أو هواه
طبقاً للمادة (230) من قانون الجزاء الكويتي، الصادر بالقانون رقم (16) لسنة 1960م، «كل من استغل حاجة شخص أو طيشه أو هواه وأقرضه نقودًا بربا فاحش يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تجاوز ألف روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين».
تجريم الإقراض بفائدة تزيد على الحد الأقصى المقرر قانوناً، متى تم ذلك بانتهاز فرصة ضعف أو هوى نفس شخص آخر
طبقاً للمادة (339) من قانون العقوبات المصري، الصادر بالقانون رقم (58) لسنة 1937م، «كل من انتهز فرصة ضعف أو هوى نفس شخص وأقرضه نقوداً بأي طريقة كانت بفائدة تزيد عن الحد الأقصى المقرر للفوائد الممكن الاتفاق عليها قانوناً يعاقب بغرامة لا تزيد على مائتي جنيه. فإذا ارتكب المقرض جريمة مماثلة للجريمة الأولى في الخمس السنوات التالية للحكم الأول تكون العقوبة الحبس لمدة لا تتجاوز سنتين وغرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين فقط. وكل من اعتاد على إقراض نقود بأي طريقة كانت بفائدة تزيد عن الحد الأقصى للفائدة الممكن الاتفاق عليها قانوناً يعاقب بالعقوبات المقررة بالفقرة السابقة».
التشريعات الخالية من نصوص خاصة بتجريم الإقراض بفائدة بين الأشخاص الطبيعيين
تخلو التشريعات الجنائية في كل من المملكة العربية السعودية وقطر وسلطنة عمان من نصوص مقابلة للنصوص سالفة الذكر. ورغم خلو التشريعات السعودية من نصوص خاصة بهذا الشأن، فإن سلوكيات الإقراض بالربا بين الأشخاص الطبيعيين يعاقب عليها قضاءً، وذلك من باب التعزير.
وبعد استعراض الاتجاهات الأربعة سالفة الذكر، وبعد المقارنة بينها، نميل إلى تفضيل النهج الأول، وهو تجريم الإقراض بفائدة متى وقع ذلك بين الأشخاص الطبيعيين، ودون أن يتوقف هذا التجريم على استغلال طيش أو ضعف أو هوى المجني عليه. إذ يجوز أن يشكل ذلك ظرفاً مشدداً، ولكن لا يجوز أن يكون عنصراً في النموذج القانوني للجريمة ذاتها. وميزة هذا الاتجاه التشريعي أنه يبعث برسالة واضحة إلى الأشخاص مفادها التمييز بين التعاملات البنكية وبين التعاملات بالفائدة بين الأفراد بعضهم البعض. وقد أحسن فضيلة المفتي حيث أبرز التفرقة بين الأمرين، وعدم جواز القياس أو الخلط بينهما. فكما تقول عبارات الفتوى، فإن «مساواة المعاملة المسؤول عنها بمعاملة البنوك: فغير سديد، وقياسٌ مع الفارق». ومن شأن تجريم عمليات الإقراض بفائدة أو بالربا بين الأشخاص أن يعزز الحماية القانونية للعمليات البنكية، بما يسهم في تعزز دور المؤسسات المصرفية في الاقتصاد الوطني.