برنامج عملي لتحقيق التكوين اللغوي والتمكين المهاري للسادة المحامين
بقلم د. محمد عبد الكريم الحسيني
بداية أؤكد أن سبيل تحقيق التمكين المهاري اللغوي للسادة القانونيين عامة – والمحامين بصورة خاصة – لا يخرج عن أن يكون:
أ- ذاتيا : بتحصيل خاص منهم ، وقد أثبت هذا ضعفه وعدم جدواه نظرا للانشغالات الهائلة التي تحيط بالمحاميين … ولضعف الحافز المعنوي ولغلبة التقليدية على كثير من أعمال المحاميين ولانتشار فيروس الصيغ القانونية الجاهزة – سواء الصيغ المكتوبة أو الصيغ الشفوية – والتي وأدت مهارات الإبداع القانوني واللغوي عند الكثير.
ب-تقليديا : بعقد دورة أو اثنتين أو أكثر …دورات متقطعات يغلب عليها البعد النظري ، وهي دورات يعطيها ويقوم عليها من لا علاقة له بالقانون … وهذه نقطة الضعف الرئيسة …فمن لا علاقة له بالقانون مهما بلغت ريادته اللغوية وقوته المهارية فهو لا يستطيع أن يبلغ مهمات القانونيين الشفاهية وأعمالهم الكتابية ، كما ينقصه فيض المصطلحات القانونية التي يحتاج فهمها إلى معايشة عملية لا إلى مدونة لغوية دلالية …
وعليه فإن محاضراته مهما كانت رائعة وجهوده مهما كانت دقيقة لن تصل إلى الحدِّ الذي يلامس قلوب وعقول القانونيين … وليس أدلَّ في هذا السياق من المعهد القضائي وما يدرس فيه من مواد لغوية … ويمكن الرجوع مطولا إلى نواتج تلك الدراسات … وهي محمودة ومحاولات مشكورة على كل حال ولكن حدث عن آثارها ومردوداتها في عالم الواقع ، ثم إنها تخص فئة أو فئتين من القانونيين ، فأين باقي الفئات وهي متعددة ومتنوعة كما سبق ذكرها
والمخرج من هذه الدائرة العقيمة التي لا تنتج ولا تخرِّج ولا تمهِّر القانونيين باللغة هو ما عرضناه في مشروع التكورين اللغوي والتمكين المهاري على مدى حلقاته الست الماضية وعلى ما سيأتي أيضا من حلقات ، وخلاصة هذا يكمن في:
“إعداد مناهج نوعية لتحقيق التكوين المعرفي والتمكين المهاري”
وهي المرحلة المستهدفة والمقصودة، إذ إن ما سبق جميعه لا يعدو إلا أن يكون من باب التحفيز والتقريب والتيسير على السادة القانونيين ، غير أن استهداف القانونيين بمناهج تربوية نوعية مصممة لهم تعينهم على التمكن اللغوي والتمكن المهاري … لعمر الله هذا هو عاية المطلوب ، وذلك هو الخط التقدمي الواعد والناجع في تحقيق أهداف التكوين اللغوي وفي العود بالقانون ورجاله إلى عهد الأكابر العظام من رجالات القانون .
فإعداد “مناهج التكوين اللغوي والتمكين المهاري” هو ما سيغير الوضع بإذن الله وييسر سبيل التحصيل والتمهير الحقيق للسادة القانونين . إذ ستكون المناهح الأولى من نوعها في بابها وفي المستهدف بها مصممة خصيصا وموجهة للسادة القانونيين تشتمل على ما يلزمهم من المعارف اللغوية والمهارات التطبيقية والقيم التربوية التي سيتم دمجها مع المبادئ القانونية والمواقف الحياتية الشفاهية والكتابية بمنهجية تربوية وبطريقة علمية، وتم مخاطبة السيد النقيب العام والأديب الكبير والفقيه الفذ معالي الأستاذ رجائي عطية – نقيب المحامين ورئيس اتحاد المحامين العرب ، وتم تسليمه أربعة ملفات كاملة عن حيثيات المشروع وبانتظار رده وبإذن الله نأمل في تفعيله للأمر وتبنيه لمشروع مناهج التكوين اللغوي – وهي الأولى من نوعها في العالم العربي – وتوفير ما تحتاجه لإتمامها والعمل بها .
أما عن عناصر عملية التكوين اللغوي والتمكين المهاري للسادة القانونيين فهي جملة عناصر مؤتلفة ومتكاملة ، تتظافر كلها في سبيل تحقيق غاية التكوين اللغوي وهي :
أولا: عنصر المستهدفين وهم القانونيون ( وخاصة السادة المحامين )
وهو العنصر الرئيس في هذه العملية وينبعي أن تتوافر لديه مجموعة من الأمور الذاتية والعملية
1-ذاتيا : على المستوى الوجداني ينبغي على المحامي:
أ-الشعور بأهمية علوم اللغة العربية ومهاراتها في حياته القانونية.
ب- الاقتناع بفعالية هذه المهارات في أداء رسالته الدفاعية السامية.
ج-الإقبال النفسي والوجداني وهو ما يتجاوز مجرد التمني .
2- عمليا : هناك التزامات من جانبه ببذل مزيد من الجهد في التحصيل من خلال :
أ- تخصيص بعض الأوقات لتحصيل المهارات اللغوية.
ب- وضع خطة ذاتية أو تبني خطة مقترحة لتكون محل تطبيق للبدء عمليا في التحصيل والتدريب والتطبيق.
العنصر الثاني : عنصر المنهج (المحتوى)
ويعبر هذا العنصر عن موارد المهارات اللغوية ومصادرها وهي مجموعة القيم المعرفية والمهارية والوجدانية المراد إكسابها للسادة القانونيين ، ولابد من الانتباه في إعداد هذا المركب القيمي المتكامل وإلا كان المنتج مجرد معارف لا يزيد على غيره ولا يستحق العناء .ومن ثم فإن هناك عدة معايير ينبغي مراعاتها ليكون المخرج منهجا نوعيا فذا يحقق غايته في تكوين المحامين لغويا وتمكينهم مهارايا ، منها على سبيل المثال :
1-أن يقوم على إعداد هذا المنهج أكفَاء بمعنى الكلمة، ومعيار الكفاءة هو الإلمام بالعلوم القانونية واللغوية معا مع الخضوع لإشراف من متخصصين في علوم اللغة والمناهج التربوية وعلم النفس، إضافة إلى إشراف نقابي يتابع أولا بأول مضامين المنهج من الناحية القانونية ومتعلقاته وسياقاته؛ لأنه منهج مهاري تطبيقي بالدرجة الأولى .
2- أن يصاغ المنهج بتوافقية ما بين المعارف والمهارات.اللغوية وما بين المعارف والمهام القانونية بحيث يكون منهجا جامعا لهما يمثل ويجسد ما يعبر عنه مصطلح :” اللغة القانونية” أو ” لغة القانون”
3- أن يكون منهجا سياقيا بمعنى أن يراعي المواقف والسياقات القانونية في جميع محاوره وأطرافها فيصاغ في سياق قانوني عام، يشمل الأعمال القانونية الكتابية والأعمال الشفاهية ، ويحيط بدورة تلك الأعمال لييسر التعبير عنها مهاريا.
العنصر الثالث : النقابة
للنقابة العامة للمحامين دور مهم إزاء خطة التكوين اللغوي والتمكين المهاري،حيث يقتضي ما سبق أن تفعِّلَ النقابة أدواتها في سبيل تنفيذ نلك الخطة التنموية للمحامين وتحقيق هذا البرنامج لا على المستوى التأصيلي فحسب، ولكن على المستويين النظري والعملي؛ لكي يرى النور ويلتمس طريقه نحو عقول ووجدان السادة المحامين، ولكي ترى آثاره في كتابات المحامين وفي مرافعاتهم وفي سائر أعمالهم الكتابية والشفاهية ليكونوا مضرب المثل في تنفيذ أعمالهم القانونية على الوجه اللغوي الصحيح الفصيح.
ويمكن للسيد معالي النقيب العام أو من ينيبه تشكيل لجنة (نقابية – تطوعية) باسم “لجنة التنمية المهارية للسادة المحامين ” تتبع مباشرة السيد نقيب المحامين ، وتتكون من بعض أعضاء النقابة المهتمين ، وتضم معها بعض المحامين المتطوعين من ذوي التخصصات في العلوم الأخرى ذات الصلة بالعلوم القانونية ، وتفتح أبوابها كذلك لسائر للمحامين الأكفاء ذوي الخبرات والمعنيين .
وينبثق عن هذه اللجنة وِحدة مُتخصصة باسم “وحدة التكوين اللغوي والتمكين المهاري للمحامين” ، وتكون معنية بملف التكوين اللغوي ابتداء من وضع الخطط والبرامج والتواصل مع الخبراء والمعنيين في سبيل تحقيق عاية التكوين اللغوي .
وكذلك يكون من أعمال اللجنة:
1- متابعة تنفيذ هذه الخطط وتحقيقها على أرض الواقع .
2-النظر في الإشكالات والمعوقات والعمل على حلها .
3- تقييم التجربة ورفع التقارير بشأنها للنقيب العام ولمجلس النقابة .
4-عقد اجتماعات دورية لمناقشة الإنجازات والتحديات .
5-ضم أعضاء جدد أكفاء يمكنهم المساهمة في تحقيق المشروع .
العنصر الرابع : المدربون
وهو عنصر هام جدا في تحقيق أهداف المناهج المهارية ، فعلى رغم ما تميل إليه المناهج من كونها ذاتية ولا تعتمد في بنيانها على مساعدة ودروس تقليدية إلا أنه من الأهمية بمكان وجود عدد كاف من المدربين الأكفاء والمتخصصين ليقوموا على :
1- إعداد أدلة المهارات ومفاتيحها وتجهيز التقييمات العلمية بشأنها ـ والإعداد للفعاليات التدريبية والتمهيرية.
2-الإجابة على تساؤلات السادة المحامين إزاء ما يقابلهم من المعارف والمهارات وسياقاتها التطبيقية .
3-عقد مسابقات وفعاليات تحفيزية للسادة المحامين لإبقاء الاستجابة عالية إزاء عمليات التمهير والتدريب.
ويحبذ أن يكون هؤلاء المدربون من القانونيين الأكفاء في اللغة أو الذين لهم دراسات أكاديمية لغوية سابقة أو لاحقة على الدراسات القانونية .
العنصر الخامس : المنصة التدريبية
ونقصد بالمنصة هنا ذلك الموقع الرسمي للتدريب أو بالأحرى لوضع مناهج معارف ومهارات التكوين اللغوي عليه، وحبذا لو كان موقعا خاصا أو فليكن ضمن الموقع العام لنقابة المحامين ولو برابط خاص أو بغير ذلك من الأساليب التي تترك للفنيين المتخصصين ، هذا بالإصافة إلى منصة خاصة بالمنهج وشروحاته الصوتية تمثلها قناة مستقلة على اليوتيوب للتدريب والتمهير، ومن الممكن رفع محتواها على مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى كالفيس بوك وتلجرام وتويتر وانستجرام وغيرها .
وهناك تفصيل موسوع ودراسة جدوى لكل ما سبق وهي جاهزة لمن يطلبها من المعنيين ، ونأمل في تبني النقابة للمشروع وفي الالفات إليه ، فهو المشروع الأول من نوعه على مستوى العالم العربي ، ونقابة المحامين المصرية هي الأقدم وهي الرائدة على المستوى العربي ، فجدير بها أن تقود القاطرة نحو تحقيق وصناعة مناهج التكوين اللغوي والتمكين المهاري للسادة القانونيين .